حقوقية إسرائيلية تدين عنف الاحتلال ضد المستشفيات
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
دانت روي يلين، مدير التوعية العامة في منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" عنف قوات الاحتلال ضد المستشفيات في قطاع غزة.
وقال يلين في تصريحات لشبكة إن بي سي الأمريكية الأحد، إن إسرائيل فشلت في تحمل مسؤوليتها لضمان ألا يؤدي قتالها ضد حركة المقاومة حماس إلى إصابة وقتل مدنيين في مستشفيات قطاع غزة.
وأكدت أنه حتى لو كانت حماس تستخدم المساحة الموجودة أسفل مستشفيات غزة، كما تزعم إسرائيل، فلا يزال يتعين على إسرائيل "القتال بطريقة تحمي المرضى".
وتابعت: "من غير المقبول على الإطلاق أن تبرئ نفسك بالقول: "حسناً، حماس هي التي فعلت ذلك، لذا فهذا خطأهم".
ومضت قائلة "لا، نحن مسؤولون عن أفعالنا. وعلينا أن ندير عمليتنا العسكرية بطريقة تحترم وتميز بين المحاربين والمدنيين”.
وينص القانون الدولي على أنه لا يجوز مهاجمة المرافق الطبية أثناء الحرب سوى في بعض استثناءات المحدودة، واتهمت إسرائيل حماس بإدارة مركز قيادة تحت الأرض أسفل مستشفى الشفاء، وهو الأكبر في غزة وموقع القتال الأخير.
اقرأ أيضاً
"أطباء بلا حدود" تجدد دعوتها لوقف الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة
وقالت يلين إن إسرائيل لم تثبت أن مستشفى الشفاء والمرافق الطبية الأخرى في غزة يجب أن تفقد وضعها المحمي بموجب القانون الدولي.
وفي وقت سابق الأحد، كشف المتحدث باسم مكتب الإعلام الحكومي بغزة عن خروج 22 مستشفى و49 مركزا صحيا عن العمل في غزة، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 37 يوما على القطاع
ولفت إلى أن العدوان استهدف قسم العناية المركزة بمجمع الشفاء الطبي ومبنى الجراحة وقسم الولادة، مشيرا إلى توقف الإمدادات في مجمع الشفاء الطبي في غزة تسبب في وفاة طفلين حديث الولادة.
وطالب المتحدث بإدخال الوقود إلى المستشفيات في قطاع بشكل عاجل وفوري، مؤكدا أن استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة يعني منح الاحتلال غطاء دوليا.
اقرأ أيضاً
اليوم الـ36 للعدوان على غزة.. الاحتلال يقصف المستشفيات والمقاومة تصد توغلات برية
المصدر | إن بي سي- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: بتسليم القانون الدولي مستشفيات غزة العدوان الإسرائيلي على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
كيف حولت القسام نقاط قوة إسرائيل إلى عوامل هزيمتها؟
في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023، وبعد شهرين من عملية طوفان الأقصى، كان جنود جيش الاحتلال يسيرون بثقة بين الأطلال المدمرة في شمال غزة، وتحديدًا في بيت حانون، أقصى شمال شرق القطاع. كان عيد الحانوكاه اليهودي قد شارف على الانتهاء، وجنود الاحتلال يشعلون الشموع احتفالًا، ويرقصون ويغنون. وبعد أيام من الهدوء، خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري في الأسبوع الأول من العام الجديد ليقول إن لواء شمال غزة في كتائب القسام قد دُمّر تمامًا!
لكن بعد عام كامل، وخلال الأسابيع التي سبقت الإعلان عن الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، شهدت بيت حانون تصعيدًا في العمليات النوعية للمقاومة إلى الحد الذي جعل قائد لواء ناحال في الجيش الإسرائيلي يصرّح بأن نتائج الحرب "صعبة.. صعبة جدًا".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2يوم أدار حنظلة ظهره لماجد فرجlist 2 of 2النظرية خضراء والتجربة رمادية.. لماذا تعثر الإسلاميون في السودان؟end of listهذا الأمر تؤكده الأرقام، إذ كشفت إحصائية موقع عكا للشؤون الإسرائيلية أن شهر يناير/كانون الأول 2025 شهد مقتل 14 جنديا إسرائيليا في بيت حانون وحدها في خمس عمليات ابتدأت يوم السادس من الشهر وانتهت في الثالث عشر منه، بينما أعلنت كتائب القسام عن سلسلة "كمائن الموت" في بيت حانون والتي ابتدأت نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي حتى 14 يناير/كانون الثاني 2025، وشملت أكثر من 12 عملية، حتى قبل يوم واحد من إعلان الدوحة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
إعلاندمر الاحتلال منطقة بيت حانون بالكامل في أشهر الحرب الأولى، لكن أبرز عمليات المقاومة فيها حصلت في أيامها الأخيرة، حين استهدفت المقاومة دورية نائب قائد لواء ناحال التي قتل على إثرها يوم 11 يناير/كانون الثاني، قبل أن يخرج قائد كتيبة بيت حانون في كتائب القسام حسين فياض في 23 يناير/كانون الثاني 2025 بعد وقف إطلاق النار، بعدما كان الاحتلال قد أعلن اغتياله قبل نحو 8 أشهر، ليؤكد في مقطع فيديو من مكان الكمين على مقتل نائب قائد لواء في العملية. وكانت المقاومة الفلسطينية قد أجهزت على قائد لواء ناحال يوناتان شتاينبرغ في عملية السابع من أكتوبر قرب معبر كرم أبو سالم.
إن ما حدث في بيت حانون وشمال قطاع غزة يمكن أن يقدم لنا مثالًا تحليليًا لمسار حرب الإبادة الإسرائيلية، ويوفر لنا مدخلًا لطرح السؤال: لماذا لم يستطع الجيش الإسرائيلي حسم معركته في غزة؟ والإجابة على هذا السؤال تقتضي طرح سؤال آخر سابق عليه، كيف استطاعت المقاومة تنفيذ عملياتها من الأماكن المدمرة بالكامل، والمكشوفة من الجو والأرض رغم ادعاء الجيش سيطرته التامة عليها؟
أهداف تعانق السماء والمطيّة ميركافا مدمَّرةظلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طوال فترة الحرب على غزة يردد أهدافه من الحرب، وفي مقدمتها إنهاء الوجود العسكري والسياسي لحركة حماس، واستعادة الأسرى بالقوة، ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل يمكن أن يخرج من القطاع.
لم يوافق الجيش على أهداف نتنياهو، ولم يعتقد قادته واقعية تنفيذها، لكنه مع ذلك عمل بأقصى قوة ممكنة في محاولة تحقيقها، دون أي قيود أو ضوابط لمسار عملياته على الأرض فيما يتعلق باحترام القانون الدولي. فاستخدم القوة المفرطة ضد كل شيء يتحرك، لكنّ ثمن ذلك كان أفدح مما توقع المستوى السياسي والمستوى العسكري.
فلم تتحقق أهداف الحرب على مدار 15 شهراً من القصف المستمر بعدما أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها، لا على الصمود فحسب، بل وعلى تحقيق نجاحات عسكرية على الأرض، تمثلت في تدمير المدرعات وناقلات الجنود ودبابات الميركافا التي تفخر بها إسرائيل، والإثخان في جنودها بكل طريقة ممكنة، فضلًا عن تجديد دمائها بتجنيد آلاف الأعضاء الجدد.
إعلانبل إن أحد أعرق المراكز البحثية البريطانية، وهو المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن، خلص إلى أن إسرائيل لا تستطيع الانتصار على الإطلاق إذا ما أصرت على الأهداف التي وضعتها، وأن بإمكانها "تحقيق نجاح فقط إذا قلصت أهدافها لتتناسب الوسائل مع الغايات".
لكن، لكي نفهم موقف الجيش يجب أن نعود إلى الأصول التي بُنيت عليها العقيدة الأمنية والدفاعية لإسرائيل. وضع رئيس أول حكومة إسرائيلية ووزير دفاعها ديفد بن غوريون العقيدة الأمنية الإسرائيلية للجيش ضمن ثلاثة مرتكزات أساسية تنطلق من تعزيز قوة الردع، والإنذار الاستراتيجي عبر قدرة استخبارية تعطي إنذارا مبكرا عن نية العدو شنّ حرب، ثم الحسم، فعندما يفشل الردع وتندلع الحرب يجب على إسرائيل أن تكون قادرة على نقل الحرب إلى أرض الخصم مبكرا والسعي لحسم المعركة بأسرع ما يمكن.
لكن السنوات التي عاشتها إسرائيل في المنطقة، وانتقالها من الحرب النظامية ضد جيوش الدول العربية، إلى محاربة "جماعات مسلحة" مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، ودخول مفهوم الحروب الهجينة بقوة إلى ميادين القتال، كانت كلها أسبابًا مركزية أدت إلى تغيير العقيدة العسكرية والأمنية لجيش الاحتلال.
يمكن رصد هذا التغيير فيما كشف عنه رئيس شعبة العمليات في حرب لبنان 2006، غادي آيزنكوت، حين تحدث عن "عقيدة الضاحية" كمفهوم استراتيجي قتالي ترجم إلى خطة عسكرية اعتمدتها القيادة العسكرية في حروبها التالية. تتلخص عقيدة الضاحية في الضرب بقوة غير متكافئة للتسبب بضرر ودمار كبير لأي قرية أو منطقة لبنانية تنطلق منها النيران على إسرائيل. ووضع الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي العقيد احتياط غابي سيبوني، تفصيلات على عقيدة الضاحية تشمل ضرب مكونات القدرة العسكرية لحزب الله، بجانب ضرب المصالح الاقتصادية ومراكز القوة المدنية التي يستند إليها الحزب.
إعلان عقيدة خاصة للتعامل مع حماسلكن حروب إسرائيل الثلاث مع حماس (أعوام 2008 و2012 و2014) أظهرت مفاهيم قتالية جديدة لدى الجيش مثل "كي الوعي" و"جز العشب" و"نهج حنبعل"، حيث يركز المفهوم الأول الذي ابتدعه وزير الدفاع السابق موشي يعالون في انتفاضة الأقصى؛ على توجيه ضربات ساحقة إلى المقاومة المسلحة والسكان المدنيين على حد سواء، لجعلهم يدركون أن إسرائيل لا يمكن هزيمتها، وأن المقاومة عبثٌ عواقبه وخيمة.
وبينما يعتمد مفهوم جز العشب على تكرار الحرب كلما تنامت قدرات المقاومة القتالية، يركز مفهوم حنبعل على أن القائد في المستويات الأدنى يجب أن يبادر فوراً بإحباط عملية خطف أي جندي إسرائيلي، حتى لو أدى ذلك إلى إصابة الجندي أو قتله.
مؤخرا طوّر الجيش الإسرائيلي عقيدته القتالية من خلال ربط قيادة العمليات بكل أدوات الحروب الهجينة، على نهج العمليات متعددة النطاق لتعزيز التكامل بين القوات البرية وباقي أركان الجيش سواء القوات البحرية أو الجوية وحتى قوة الفضاء، وهو يشبه العقيدة العسكرية الأميركية الجديدة.
وركز الجيش خلال حربه في قطاع غزة -باعتباره مختبرا حيا- على دمج كافة أدوات التكنولوجيا العسكرية الجديدة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والاستخبارات الرقمية للاستعاضة عن نقص قواته المنتشرة في جبهات ثلاث ما بين غزة ولبنان والضفة الغربية، مع جسور إمداد عسكري من الولايات المتحدة ودول غربية لم تنقطع طوال الحرب.
هذا بالإضافة إلى تعاون مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على المستوى الاستخباراتي من خلال الجو، أو على مستوى الإسناد الجوي في التصدي للهجمات الصاروخية من إيران واليمن والعراق ولبنان.
ولعل الأهم من ذلك كله أن جيش الاحتلال يقاتل في قطاع غزة ضمن بقعة جغرافية ضيقة للغاية، محاصرة من جميع الجهات، ومراقبة على مدار الساعة بطلعات جوية من مسيرات إسرائيلية وغربية.
إعلانكل ذلك بالتزامن مع ضغط هائل على الجبهة الداخلية الفلسطينية، سواء من خلال ضرب كل البنى التحتية التي تخدم الفلسطينيين من منشآت صحية أو مراكز إيواء أو طرق رئيسية، وقطع الكهرباء والماء والوقود والإنترنت عن سكان القطاع، ومنع المساعدات وتوفير الغطاء لسرقتها، أو قتل طواقم التأمين الفلسطينية الخاصة بها، أو عبر نشر الإشاعات والتضليل من خلال منشورات ورقية أو عبر مكبرات صوت في الطائرات المسيرة.
إذن، أُعطي الجيش الإسرائيلي ضوءا أخضر لاستخدام كل الوسائل والطرق غير المشروعة وبوحشية متفردة في العصر الحديث وصلت إلى إبادة مناطق سكنية كاملة، وبشيكٍ مفتوح لتحقيق أهداف الحرب الرئيسية على غزة. لكن لماذا لم يتحقق "النصر المطلق" الذي وعد به نتنياهو؟
تكشف الأحداث على الأرض من خلال عمليات الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى إعلان وقف إطلاق النار؛ عن العديد من الأسباب على المستويات الثلاثة التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، التي منعت حسم المعركة في غزة، وأبرزها سنفصله فيما يلي:
الفشل الإستراتيجيشكّل الهجوم المفاجئ الذي نفذته كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد 50 عاما من حرب العاشر من رمضان على الجبهتين المصرية والسورية، صدمة إستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الاستخباراتية وجمهوره العام، إذ أظهر الهجوم فشل مديرية الاستخبارات العسكرية "أمان" في توفير التحذيرات المبكرة التي تعتبر ركيزة أساسية في العقيدة الدفاعية الإسرائيلية.
وبالنظر إلى أن وظيفة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حاسمة بشكل خاص لإسرائيل نتيجة صغر حجم الدولة، واستعداء سكانها من الفلسطينيين، وجيرانها من العرب، وكذلك الدور الذي تلعبه قوات الاحتياط في القوة العسكرية، يرى المستشار الأكاديمي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عازار قات، أن هجوم السابع من أكتوبر هو الفشل الإستراتيجي الأكبر في تاريخ إسرائيل.
إعلاناعتمدت أجهزة استخبارات حماس على التضليل الإستراتيجي، وهو البعد الأكثر عمقا في فشل الاستخبارات الإسرائيلية، التي فسرت استعدادات حماس وتدريباتها المستمرة وآلاف الإشارات عن احتمالية هجوم واسع؛ باعتبارها مجرد تهديد أو ضوضاء فقط، أو للحفاظ على الجاهزية التشغيلية ورفع المعنويات داخل وحدات كتائب القسام القتالية. لقد أحدث الإغراق المعلوماتي الذي استخدمته كتائب القسام ارتباكاً شديدًا لدى الإسرائيليين أدى إلى عدم التمييز بين الإشارات الحقيقية من المضللة.
ولم يتوقف الأمر عند الفشل الاستراتيجي في عملية 7 أكتوبر؛ بل فشل جيش الاحتلال أيضا في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وضعها المستوى السياسي وأهمها القضاء على قدرات حماس وإنهاء وجودها العسكري، وكذلك خطة تهجير الفلسطينيين من شمال قطاع غزة عبر "خطة الجنرالات" الإستراتيجية لتحويل الشمال إلى منطقة عسكرية خالية من السكان تمهيدا لإعادة الاستيطان وفق دعوات الجماعات الدينية المتطرفة اليهودية.
إن فشل أكبر منظومة استخبارات رقمية عالميا -كما تروج لها إسرائيل بنفسها- من الحصول على أي معلومة دقيقة عن موعد الهجوم الذي نفذه آلاف المقاتلين من كتائب القسام؛ يفتح الطريق أمام معرفة العطب الذي أصاب الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة.
ومع حرص فصائل المقاومة على عدم استخدام أيه تقنيات متصلة بالإنترنت، فقد جعل هذا ميدان الإعداد والتجهيز خارج نطاق رؤية أجهزة الاستخبارات الرقمية الإسرائيلية، ثم شددت حماس حربها على عملاء إسرائيل حتى بلغت نسبة الاختراق الاستخباري البشري صفرًا في الصفوف القيادية، وهو ما يمكّننا من تشبيه إسرائيل بتنّين مجنّح ينفث نارًا، لكنه لا يرى، لذا لا يعرف ما الذي سيحرقه بالتحديد.
إعلانأفشلت حماس كذلك محاولات جادة وخطيرة للاستخبارات الإسرائيلية في اختراق شبكة الاتصال الداخلية. ففي 5 مايو/أيار 2018 استشهد مهندسون من القسام أثناء تفكيك منظومة تجسس كبيرة زرعتها الاستخبارات الإسرائيلية وسط قطاع غزة، وبعدها بحوالي 6 أشهر وتحديدا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 قتل مقاتلو القسام قائدًا في وحدة "سيرت ميتكال" الخاصة وأصابوا غالبية عناصرها أثناء محاولاتهم زرع منظومات تجسس على شبكات الاتصال الداخلية لكتائب القسام.
تثبت هذه العملية كيف خاطرت إسرائيل بوحدات قتالية من نخبتها الخاصة داخل غزة نظرا لحاجتها الماسة إلى المعلومات.
ولا يمكن القول إن سقوط عدد كبير من الشهداء من بين قيادات المقاومة الفلسطينية يعود إلى نجاح استخباراتي إسرائيلي، إذ يرجع سبب اغتيال إسرائيل لعدد مهم من قيادات كتائب القسام الميدانيين في الحرب على غزة إلى طبيعة تواجدهم في الميدان.
ولا يمكن غض الطرف عن أن ذلك جرى مع قتل عدد مهم من كبار الضباط الإسرائيليين الميدانيين في المقابل، بينما عجزت الاستخبارات الإسرائيلية عن الوصول إلى الأسرى الإسرائيليين، وعن معرفة أماكن المواقع الحساسة لحماس من غرف القيادة والسيطرة تحت الأرض نظراً لسرية "وحدة الظل" الخاصة بحماية الأسرى، وانعزال هذه المواقع عن التكنولوجيا. ولا تزال هذه العقدة في نقص المعلومات الاستخبارية حاضرة في مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين.
الإسرائيليون: الآن، ماذا نقصف؟ينقلنا هذا إلى بنك الأهداف الإسرائيلي في قطاع غزة، ماذا كانت تستهدف إسرائيل بالتحديد؟
تمتلك إسرائيل بنك أهداف واسعا بنته اعتمادًا على الملايين من عمليات جمع البيانات ومعالجتها خلال فترة طويلة تقترب من عقدين. خلال تلك الفترة، كانت إسرائيل تسيطر على كل الممرات الرقمية في قطاع غزة، أهمها الفضاء الكهرومغناطيسي وخطوط الاتصال، وكان التوجه العام لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن هناك حالة إطباق استخباري تام على القطاع جاهزة لحظة المواجهة، لكنْ حين بدأت الحرب تفاجأ الاحتلال بأن هناك نقصًا هائلًا في المعلومات.
إعلاننتجَ عن بنك الأهداف غير المحدّث بالنسبة لإسرائيل اعتمادُها على مزج عدة سياسات في العقيدة الأمنية لجيش الاحتلال، مثل عقيدة الضاحية وحنبعل وكيّ الوعي، وركزت جميعها على استهداف المدنيين والبنى التحتية، في حال وصول معلومة استخبارية غير مؤكدة يتم قصف المكان بأكمله، أو للضغط على المقاومة من خلال استهداف المدنيين ورفع فاتورة الدماء والدمار.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تعمدت استهداف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والبنى التحتية لرفع كلفة الحرب والمقاومة كما وضحت العديد من التحقيقات الصحفية، وجد جيش الاحتلال نفسه أمام إبادة حقيقية شكلت عبئا ثقيلا على سمعة إسرائيل برمّتها. فأصبح الجيش الإسرائيلي نموذجا للوحشية والقتل بعد سنوات طويلة من الاستثمار في الصورة التي سعى لبثها باعتباره "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".
لكن جيش الاحتلال لديه خصوصية، فقد بُنيت نظرية إسرائيل الأمنية على مبدأين: الأول هو الثالوث الأمني (الإنذار المبكر، الحسم، الردع)، والثاني أن جيشها هو جيش الشعب، وذلك من خلال فرض التجنيد الإجباري على جميع الإسرائيليين. كما حاولت إسرائيل تعويض النقص في البنية العددية لجيشها من خلال مفهوم "جيش صغير ذكي".
جيش الشعب عبء على الدولة والشعبلكن إستراتيجية المقاومة التي أجبرت إسرائيل على فتح جبهات مختلفة في غزة والضفة الغربية ولبنان أدت إلى خسائر بشرية تراكمت وطالت جميع شرائح الشعب الإسرائيلي، حيث أصبح المدنيون عسكريين جاهزين لحمل السلاح. فقد أثبت الواقع أن الارتكاز على التكنولوجيا لوحدها لم يكن كافيا، وهنا يجب النظر إلى أن منطق الشروخ داخل الجيش والمجتمع يعمل ببطء، وهو لا يعني أن الجيش الإسرائيلي نجح في الجبهات الأربع التي قاتل فيها، بل استمر في القتال نتيجة الإمداد العسكري الهائل من الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا والعالم.
إعلانورغم ذلك قرر جيش الاحتلال تشكيل خمسة ألوية جديدة تحت مسمى "ألوية داوود" لدعم العمليات القتالية على مختلف الجبهات.
إن العقدة الأساسية لدى الجيش الإسرائيلي أن الدولة منخرطة في الجهد العسكري بشكل كبير، حيث يبلغ عدد الجنود النظاميين 169 ألفا، وعدد جنود الاحتياط 465 ألفا، وقد استدعت قيادة الجيش 360 ألفا من الاحتياط في حرب غزة وجبهاتها المتعددة، وهو ما لا يكفي لخوض حرب طويلة، أو استمرار فرض السيطرة في أماكن التوغل حتى بالاعتماد على التغطية الجوية، فيجب أن يثبّت الجيش بقاءه على الأرض لإحكام السيطرة، وهو الأمر الذي لم يستطع القيام به في غزة، خصوصاً في مناطق القتال المكتظة بالبنايات وركامها.
كما أن جنود الاحتياط حين تم استدعاؤهم للقتال على الجبهات تركوا أعمالهم ووظائفهم داخل إسرائيل، وتسبب ذلك في خسارات هائلة للشركات الإسرائيلية وقطاعات مختلفة مثل البناء. لاحقا أشارت معطيات مؤسسات التأمين الوطني إلى أن 1000 مصلحة تجارية تابعة لجنود الاحتياط أغلقت في الأشهر الستة الأولى من الحرب، وتقع نصف هذه المصالح في تل أبيب، والبقية موجودة في الشمال وحيفا.
الأنفاق لحماس والتيه لإسرائيلفي اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار، خرج الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في مؤتمره الصحفي ليصف أنفاق حماس بأنها "مذهلة"، وليؤكد أنه لم يكن أحد يملك أي فكرة عن ذلك! تحدث بايدن بإعجاب أن بعض الأنفاق يصل عمقها إلى 60 مترا تحت الأرض، في حين صرح الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية آرون غرينستون في منتصف يناير/كانون الثاني 2024 أن "أنفاق حماس تمثل للجيش الإسرائيلي كابوسا تحت الأرض، وجوهر قدرة حماس على البقاء"، أما رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي مارك وارنر فقد صرح في منتصف فبراير/شباط 2024 أن طول الأنفاق في غزة يقدر بنحو 500 كلم.
في الفترة ذاتها، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي فوجئ بحجم شبكة الأنفاق التي بنتها المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي فاقت تقديرات القادة العسكريين في إسرائيل بنحو 600%.
إعلانوقد جرّب الجيش الإسرائيلي وسائل مختلفة للتعامل مع أنفاق حماس، منها إغراقها بالمياه، وتفجيرها، أو قصفها من الجو، فهي متشعبة ومتشابكة وذات مستويات مختلفة في النفق الواحد، وعلى امتدادات منخفضة. لكن المقاومة استغلت اللهفة الإسرائيلية لمعرفة خرائط الأنفاق فقتلت وأصابت الكثير من جنود الاحتلال نتيجة اضطرار الجيش للنزول إلى فتحات الأنفاق بحثاً عن الأسرى أو مخازن السلاح. لقد كان الإسرائيليون أمام ما يمكن وصفه بأنفاق التيه.
هذا الأمر تؤكده الأسيرة الإسرائيلية السابقة لدى كتائب القسام، عدينه موشيه، التي أطلق سراحها في الصفقة الأولى مع حماس يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حين قالت إن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) طلب منها رسم خريطة للأنفاق في غزة لأنهم لا يعرفون شيئاً عنها، ووصفت الأنفاق بأنها متاهة ضخمة كبيرة لا نهاية لها تمتد تحت الأرض في جميع أنحاء قطاع غزة.
لم تنجح أي من الطرق العملياتية للجيش الإسرائيلي، سواء من الجو أو عبر نشر القوات بحثاً عن الأنفاق، أو محاولات إغراقها وتفجيرها وقصفها من الجو؛ في القضاء على أنفاق حماس، لتظل أحد أكبر أسرار حرب غزة إلى اليوم، لما تمتلكه من بوابات وغرف محصنة، ووصلات صغيرة تسمح للمقاتلين بشن هجمات كر وفر فوق الأرض. وقد استمرت حماس في حفر الأنفاق الصغيرة والوصلات القتالية في مناطق التوغل حتى وقف إطلاق النار لمباغتة الجيش وترتيب خطوط الإمداد لديها.
تكتيكات قتالية سريعة التغيرظلّت حماس تراقب التكتيكات القتالية للجيش الإسرائيلي في غزة على مدار الساعة، وتعمل بالتوازي على تغيير تكتيكاتها القتالية وفق ظروف كل بيئة قتال في أي منطقة من مناطق قطاع غزة، وشكّلت هذه التكتيكات تحدياً كبيراً لقوات الجيش الإسرائيلي في ميدان المعركة.
فبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي حاول جاهداً الانتقال من تكتيك الجيش النظامي إلى جيش هجين قادر على القتال في حروب العصابات، تَمثل تحدي الجيش أمام حماس في "ضرب كل منزل يشتبه بوجود نفق فيه ونشاط معادٍ، وفي كل منزل تقريباً يمكن العثور على الشيئين معاً" بحسب المحلل الإسرائيلي آفي يسخاروف.
إعلانوأصبح الجيش الإسرائيلي يواجه مجموعات قتالية صغيرة جداً من 3-4 مقاتلين بدون تسلسل هرمي، فيما يمكن تسميتها "مجموعات لا تمتلك عمودا فقريا" تأقلمت حتى للقتال داخل المناطق المدمرة.
إن أهم تحدٍ للجيش الإسرائيلي في ميدان قتال غزة هو طبيعة فهم المقاومة الفلسطينية لفجوات التكتيكات العملياتية ونقص الفاعلية الاستخبارية للجيش على الأرض، رغم كل الظروف القاسية المتمثلة في طبيعة ميدان القتال من دمار واسع، ومراقبة جوية مستمرة.
وتعاملت المجموعات القتالية للمقاومة في مناطق الاشتباك المباشر بمرونة وصبر في انتظار لحظة الانقضاض على الهدف، حتى في مناطق أعلن الجيش الإسرائيلي أنها بيئة آمنة للسيطرة طويلة الأمد، في حين ذكر جيش الاحتلال أن القتال بين الركام مراقب بالكاميرات التي تنشرها كتائب القسام في كل مكان.
ورغم استخدام الجيش الإسرائيلي فائض القوة الهائلة بجسور دعم غربي من الولايات المتحدة في الأساس، وإطلاق العنان لقواته في التصرف بكل وحشية ضد غزة، فإنه لم يتمكن من حسم المعركة، بل إن سلسلة التحديثات التي قدمتها مخابرات أميركية لإدارة الرئيس السابق جو بايدن تفيد بأن حماس نجحت في تجنيد أعضاء جدد بما يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل.
بالتأكيد فقدت حماس الكثير من قادتها ومقاتليها، لكن المؤكد أن الآلاف من المقاتلين الجدد، الأكثر خبرة بجيش الاحتلال عبر القتال المباشر، والأكثر كراهية لإسرائيل، والأكثر فهمًا لطبيعة الموقف الدولي من القضية الفلسطينية، يتجهزون مع فصائل المقاومة الفلسطينية لإتمام المسيرة.
لم يحقق الإسرائيليون هدفًا إلا الأذى الذي لحق بالمدنيين، فلم يستعيدوا الأسرى إلا بصفقة وافقت عليها حماس. ورغم نجاحهم في اغتيال بعض قياداتها، فإن تاريخ الحركة والمقاومة الفلسطينية يشي بأنها لا تعجز عن الإتيان بقادة جدد يكملون المسير. لم يفقد الفلسطينيون أرضًا يسيطرون عليها، ولم تتمكن إسرائيل من ضمان حماية حدودها من صواريخ المقاومة التي واصلت الانطلاق حتى قرار وقف إطلاق النار.
وكما أن معركة غزة تمثل لجيش الاحتلال مختبرًا لكافة التقنيات والتكتيكات والأساليب العسكرية، فإنها في المقابل تمثل تجربة عسكرية فريدة للمقاتلين الجدد والقدامى من كافة الفصائل الفلسطينية، لتلحق وصلا في تتابعية أجيال الفلسطينيين الذين لا يتوقفون عن المقاومة.
إعلان