ربما تقرر الولايات المتحدة عدم منح السعودية ضمانات أمنية، إذ اتضح لها أن مثل هذه الخطوة قد لا تؤدي إلى تراجع نفوذ الصين على المملكة، التي توصف بأنها "شريك مثير للمشاكل"، بحسب تحليل بمؤسسة "كارنيجي" البحثية في واشنطن (Carnegie) ترجمه "الخليج الجديد".

وقالت المؤسسة إنه "نادرا ما كانت العلاقة، التي دامت سبعة عقود بين الولايات المتحدة والسعودية، مشحونة أكثر من الفترة الراهنة، باستثناء محتمل للحظر النفطي بين عامي 1973 و1974 وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية".

وتابعت: "انهارت مقايضة النفط مقابل الأمن التي حافظت على العلاقة، إذ فطمت واشنطن نفسها عن اعتمادها على الهيدروكربونات السعودية، وأصبحت الرياض تشك في التزام أمريكا بالأمن السعودي".

وأضافت أنه "في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تواصل المملكة السعي للحصول على مساعدة وتعاون من الولايات المتحدة، لكنها ترى أن ذلك متوافق مع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية المعززة مع الصين وروسيا (المنافستين الاستراتيجيتين للولايات المتحدة)  ومجموعة من القوى الأخرى".

و"لم تلتفت الرياض إلى دعوات الولايات المتحدة المتكررة لزيادة إنتاج النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا (منذ  فبراير/ شباط 2022)، وبدلا من ذلك قامت بتنسيق تخفيضات الإنتاج (مع روسيا) من خلال تحالف "أوبك+"، مما أدى إلى رفع أسعار الوقود العالمية وقوض العقوبات الغربية"، بحسب المؤسسة.

اقرأ أيضاً

الثاني من نوعه.. السعودية والصين تبدآن تدريبا بحريا مشتركا

ديناميكية جديدة

و"يشير المراقبون في واشنطن إلى أن الشريك الأكبر (السعودية) المفترض للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم يتصرف كشريك على الإطلاق. لكن الحرب الحالية بين إسرائيل و(حركة) حماس (منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) تضيف ديناميكية جديدة"، كما زادت المؤسسة.

وأضافت أن "السعودية مهتمة للغاية، كما هو حال إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن، بعملية التطبيع مع إسرائيل. لقد أبطأت الحرب هذه العملية، لكنها لم تخرجها عن مسارها، ويمكن لواشنطن أن تتطلع إلى الرياض للعب دور رئيسي في بيئة ما بعد الصراع (الراهن)".

ووفقا لتقارير إعلامية أمريكية وإسرائيلية، عرضت السعودية تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل مقابل توقيع الرياض معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن والحصول على أسلحة أمريكية أكثر تطورا وتشغيل دورة وقود نووي كاملة، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم داخل المملكة، بالإضافة إلى التزامات إسرائيلية نحو إقامة دولة فلسطينية.

وقالت المؤسسة إن "بعض المحللين يرون أن تعميق علاقات الرياض مع المنافسين للولايات المتحدة (الصين وروسيا) هو بمثابة حيلة نفوذ للحصول على ضمانات أمنية أعمق من واشنطن".

ولفتت إلى أنه "قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، كان المسؤولون الأمريكيون والسعوديون يتفاوضون على صفقة سعودية إسرائيلية تتطلب التزامات استراتيجية أمريكية كبيرة، بينها معاهدة دفاع ملزمة ودعم نووي مدني".

وزادت بأن "الحرب الحالية في غزة ألقت شكوكا على الأمر، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين والسعوديين أشاروا إلى أنهم ما زالوا يعتزمون استئناف المفاوضات".

اقرأ أيضاً

الثاني من نوعه.. السعودية والصين تبدآن تدريبا بحريا مشتركا

نفوذ الصين

و"من المفترض أن تتضمن الصفقة التزامات سعودية متبادلة يبدو أنها تفرض قيودا على تعاون الرياض الاستراتيجي مع الصين، لكن خبراء يرون أنها من غير المرجح أن تلغي نفوذ الصين بالكامل"، وفقا للمؤسسة.

وتابعت: "ومثل العديد من القوى الناشئة، تأمل الرياض أن تتمكن من الحصول على أفضل ما في العالمين: فوائد الشراكة الأمنية الأمريكية مع تعزيز العلاقات مع خصوم الولايات المتحدة".

وأردفت: "ربما يسعى محمد بن سلمان إلى تقسيم العمل، بحيث تعمل الولايات المتحدة كشريك أمني استراتيجي رئيسي للسعودية، وتظل الصين شريكا مهما للغاية للتجارة والتعاون التكنولوجي وإدارة العلاقات مع إيران".

و"نظرا للتحفظات السعودية بشأن تبني موقف المواجهة الأمريكي تجاه الصين والقيود التي سيفرضها الكونجرس الأمريكي على أي التزامات أمنية تتعهد بها الولايات المتحدة، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الإطار الجديد للشراكة المحدودة ممكنا أم لا"، كما تابعت المؤسسة.

وقالت إن "العلاقات الأمريكية السعودية موضع اختبار الآن بشأن ما إذا كانت ستشهد تصحيحا كبيرا في مسارها وتكون قادرة على إيجاد التوازن الصحيح الذي يخدم مصالح البلدين".

وزادت بأنه "يبدو أن الكثير من اهتمام الولايات المتحدة بإصلاح العلاقات مع الرياض يركز على إبعاد المملكة عن علاقاتها الوثيقة المتزايدة مع بكين، لكن هذا مهمة صعبة، وقد تقرر واشنطن أن تكاليف العبء الإضافي لتوفير الأمن لمثل هذا الشريك المثير للمشاكل (السعودية) لا تستحق الفوائد الهامشية وغير المؤكدة لتقليل نفوذ بكين".

اقرأ أيضاً

مشروع السعودية النووي.. جاذبية خاصة للعرض الصيني

المصدر | كارنيجي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية أمريكا الصين نفوذ ضمانات أمنية الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

الصين تستعِدُّ لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية

ترجمة: قاسم مكي -

فيما يعكف باقي العالم على تقييم الأثر الذي يمكن أن يترتب عن فوزِ دونالد ترامب أو كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر سيفرض انتصار أي منهما تحدياتٍ خطيرة على الصين. يقينا لا يريد أيٌّ من المرشَّحَين كما يبدو صراعا مفتوحا بين القوَّتين العُظمَيَيْن والذي يمكن أن يعجِّل بانحدارٍ كارثي نحو فوضى عالمية. لكن واضعي السياسات في الصين يتوقعون نزاعات مريرة مع الولايات المتحدة حول التجارة والتقنية وتايوان بصرف النظر عن الفائز في الانتخابات.

تستعد الصين لمزيد من العواصف باعتماد مقاربة شاملة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة تشارك فيها مؤسسات البلد بأكملها. يعني ذلك عدم الاقتصار على مجال الشؤون الخارجية والتنسيق مع صانعي السياسات الاقتصادية والمسؤولين العسكريين والقادة التقنيين الى جانب حشد الموارد في أرجاء الصين. مثل هذه المقاربة تستهدي باستراتيجية الاحتواء الأمريكية والتي شملت في السنوات الأخيرة جهودا لا هوادة فيها للحفاظ على التفوق التقني الأمريكي والحدَّ من قدرة الصين على الوصول الى السوق العالمية الى جانب بناء تحالفات سواء في آسيا أو غيرها للتعامل مع "تحدي الصين."

في ظل شعورها بأنها تحت الحصار تُعِدُّ الصين نفسَها لعداء طويل الأمد مع أكبر اقتصاد في العالم. وبناء على ملخص الاجتماع الأخير بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يبدو أن بكين تخلت عن آمالها في المزيد من روابط التعاون مع الولايات المتحدة. بل التركيز الآن بدلا عن ذلك على تحديد شروط وقواعد المنافسة بين العملاقين.

كجزء من هذه العملية نقلت الصين نموذجها الاقتصادي من الركض وراء النمو مهما كلف ذلك الى بناء اقتصاد مَرِن يقوده الابتكار ويستطيع التكيف مع توترات جيوسياسية متطاولة.

بتسريع الابتكار المحلِّي يهدف الرئيس الصيني شي جينبينج أيضا الى إعادة هيكلة الاقتصاد والمساعدة على تقليل الاعتماد المفرط على القطاع العقاري. والمؤتمر الثالث للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي اختتم مؤخرا أعلن عن مباركته النهائية لهذا الإصلاح الكبير.

التقدم العلمي والبراعة التقنيَّة من بين الأهداف الاستراتيجية والمفتاحية الأخرى للرئيس شي. لقد أوْلَت الصين أهمية كبيرة لتطوير قدرتها على الابتكار. وهي عازمة على أن تصبح الدولة المهيمنة عالميا في قطاعات تكنولوجية معينة. لكن العقوبات الأمريكية التي تستهدف شركات التقنية الصينية والأفراد أحبطت هذه الجهود.

تقليديا تعتبر التجارة والاستثمارات قوَى استقرارٍ في العلاقات الصينية الأمريكية. لكن القادة الصينيين الآن يركزون بقدر أقل عليها لأن منافعها الملموسة للعلاقات الثنائية تراجعت بقدر كبير. يعود ذلك الى تزايد التنافسية التجارية وتحول الصين من نموذج النمو الذي تقوده الصادرات ويعتمد على السلع الرخيصة الى الاقتصاد الذي تقوده التقنية ويعتمد على المنتجات الغالية وعالية الجودة.

بدلا عن ذلك فاقم تقدمُ الصين السريع في تصنيع السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات التوتراتِ التجارية مع الولايات المتحدة. ومن المستبعد أن تتخلى بكين عن طموحها بالتحول الى رائد عالمي في مجال الصناعة المتقدمة بهدف إصلاح اقتصادها. لذلك ستظل الاحتكاكات بين البلدين حتمية.

لاتزال تايوان وإلى حد بعيد القضية الأشد حساسية في العلاقات الأمريكية الصينية. وعلى الرغم من عدم وجود تغيير رسمي في الصياغة اللغوية لسياسة الصين إلا أن الاستراتيجيين الصينيين يعتبرون الوضع الحالي حَرِجا بالنظر الى أن حكومة تايوان الجديدة تناصر الاستقلال. ومن المرجح أن يقود ذلك في الصين الى تحول نحو تنشيط الردع ضد قيادة تايوان وبالتالي الولايات المتحدة. ومع تعزيز واشنطن بنفس القدر تدابيرَ الردع ضد الصين تتوافر عناصر المواجهة بين البلدين في مضيق تايوان.

للحيلولة دون تحقق السيناريو الأسوأ على الرئيس شي إجراء محادثات منتظمة ومباشرة مع أي من المرشحين الرئاسيين الذي يختاره الناخبون الأمريكيون في نوفمبر.

الهدف الرئيسي للصين هو ضمان ألا يعرقل أي تدهور آخر في العلاقات الصينية الأمريكية النموَّ الاقتصادي والذي يشكل أساس شرعية نظام الحكم. وهكذا حاول واضعو السياسة الصينية تقليل خسائر الصين التي تترتب عن خلافها مع الولايات المتحدة بتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في باقي العالم وخصوصا في جنوب العالم. هذا يمكن أن يتيح للصين وقتا لبناء المرونة الاقتصادية وتسريع خطى التنمية التقنيَّة.

مع تنافس ترامب وهاريس على أيهما سيبدو الأكثر تشددا ضد الصين قبل الانتخابات لا تنتاب واضعي السياسات الصينيين أية أوهام بأن العلاقات المضطربة مع الولايات المتحدة ستتحسن بطريقة سحرية في المستقبل القريب.

لكن يجب عدم النظر الى العلاقات الصينية الأمريكية بتشاؤم مفرط. فسياسة الصين تجاه الولايات المتحدة ظلت دائما وستظل نتاجا لدراسة متوازنة تضع في حسابها الوضع الدولي وتُقيِّم الحاجات الخاصة بالبلد. ذلك الوضع لم يتغير على الرغم من التحولات الكبرى في المشهد السياسي في ظل زعامة شي.

ما يبشر بخير أن كلا الجانبين الصيني والأمريكي أبديا مؤخرا المزيد من الاهتمام بإدارة علاقاتهما بمسئولية. ورغم أن التنافس الصيني الأمريكي لن يختفي بين ليلة وضحاها إلا أن أكبر اقتصادين في العالم يمكنهما تجنب الصراع والعواقب الكارثية التي يُرجَّح أن تترتب عنه بصرف النظر عن المرشح الذي سيدخل البيت الأبيض في العام القادم.

•الكاتبة يو جيا زميل أول أبحاث برنامج الصين ومنطقة المحيط الهادي الآسيوية بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس).

• ترجمة خاصة لـ عمان.

مقالات مشابهة

  • الصين تستعِدُّ لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية
  • روسيا ستعين سفيراً جديداً لدى واشنطن
  • الولايات المتحدة: الضغط العسكري قد يمكن الدبلوماسية لكن له مخاطر
  • هاريس: الولايات المتحدة ستواصل الضغط لوقف الحرب بغزة
  • زعيما الصين وكوريا الشمالية يتبادلان التهنئة في الذكرى 75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية
  • الصين تعلن استعدادها لتعزيز التنسيق الاستراتيجي مع كوريا الشمالية
  • انخفاض صادرات النفط العراقي إلى الولايات المتحدة
  • ما الذي تنوي الولايات المتحدة فعله في الشرق الأوسط مع زيادة التوتر؟
  • جغرافيا متفجرة وأضغان كامنة.. كيف توظف واشنطن تحالف كواد لمواجهة الصين؟
  • مسؤول أمريكي: الصين ترفض التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أزمة اليمن