قرأت باهتمام مقال الأخ هشام جعفر بعنوان "في معارضة المنصف المرزوقي، هل الديمقراطية هي الحلّ؟" ردا على المقالات الخمس حول رؤيتي للديمقراطية التي نشرتها الجزيرة نت مشكورة.
وقد بيّن الكاتب من البداية أن معارضته ليست بالمعنى السياسي وإنما بالمعنى الشعري. هذه المقالة لمعارضته ليس بمعنى المناكفة وإنما من باب التوضيح، لأنه إذا كانت هناك قضية بحاجة اليوم إلى النقاش المعمق في وطننا العربي المنكوب فهي قضية الديمقراطية.
ما يطمئنني هو اتفاق الأخ هشام جعفر مع الأطروحات الأساسية التي أدافع عنها منذ أكثر من ربع قرن والتي بوّبها كالآتي وأوردها بهذه الصيغة التي أنقلها عنه بحذافيرها.
أننا بصدد تحديات جديدة تواجه المجتمعات والسلطات العربية على السواء، من قبيل التغير المناخي والتطور التكنولوجي، ويمكن أن نضيف إلى القائمة ما يطول فيه الحديث من قبيل تغير هيكل النظام الدولي وصعود اليمين وصراع الهويات وتضخم عدد الشباب.. إلخ. مثل هذه المشاكل المرعبة تتطلب أدوات سياسية على مستوى ما تطرحه من تحديات. أولوية الأولويات وأشد ما تحتاجه جل شعوبنا -إذا استثنينا البلدان الخليجية- هي النمو الاقتصادي لكي يجد عشرات الملايين من شبابنا أبسط فرص العيش، وأيضا حتى لا يتسارع انهيار الطبقة الوسطى ويعمّ الفقر كما هو الأمر حاليا. أول الشروط وأكثرها أهمية بلا نقاش هو الاستقرار السياسي، والسبب الرئيس وراء انعدام الاستقرار المزمن هو الصراع على سلطة تتمكن منذ بداية تاريخنا عبر العنف وتمارس بالعنف وتنتقل بالعنف. وحدها الانتخابات الديمقراطية أثبتت في كل بلدان العالم قدرتها على إنهاء الصراع الدموي على السلطة، ومن ثم توفير الشرط الهيكلي للاستقرار السياسي. مثل هذا الاستقرار السياسي المستدام غير ممكن حاليا خارج نظام ديمقراطي. النظام الديمقراطي وحده القادر على تحقيق الشروط الثلاثة الأخرى الضرورية لإنقاذ أمة منكوبة، وهي شعب من المواطنين ودولة القانون والمؤسسات واتحاد الشعوب العربية الحرة. وقفة مع "الإخفاق"قبل استعراض نقاط الخلاف، أود الرد على هذه الجملة "ما سيطر أكثر على المقالات جميعا هو إخفاقه (المرزوقي) المتوالي في الانتخابات التي شارك فيها مرشحا على منصب رئيس الجمهورية".
ما قد يفهمه القارئ أن موقفي الناقد خاصة للانتخابات هو نتيجة إخفاقي فيها وأنه يعبّر عن حفيظة منهزم.
هنا أودّ أن أحيل الكاتب وكل قرائي الأفاضل لكتاب لي صدر سنة 2004 عنوانه "عن أي ديمقراطية تتحدثون؟" (موجود على موقعي) أقول فيه بالضبط نفس الكلام وأحذّر فيه من نفس الأخطار.
إنها حقا لمأساة أن يكون المرء طول الوقت مثل الذي يصرخ في الصحراء. فقبل هذا الكتاب نشرت سنة 1986 كتاب "دع وطني يستيقظ" أحذر فيه العرب من تسونامي تكنولوجي سيدخلنا فيما أسميته الحضارة الرابعة وأدعو للاستعداد له. ها هو الذكاء الاصطناعي سيأكل الأخضر واليابس من الوظائف المتبقية ولا حياة لمن تنادي.
وسنة 2011 حذرت التونسيين والعرب من كارثة التحول المناخي وأردت أن تكون أولوية الأولويات السياسية في تونس الماء والبذور والبحر، فتجند ضدي الإعلام الفاجر سخرية وتحقيرا، وواصل السياسيون معاركهم التافهة. والنتيجة أننا خسرنا 10 سنوات لمعالجة مشاكل أدت الاستهانة بها اليوم إلى طوابير الخبز والماء في تونس. ما لا أريده عبر مقالاتي عن الديمقراطية ألا نتباكى على كل الفرص المهدرة بعد 10 سنوات وقد تمكن الاستبداد من كل المقاليد والأدوات، أحيانا بفضل تطويع آليات الديمقراطية نفسها.
كلمة أخيرة عن إخفاقي في الانتخابات الرئاسية: لو كنت الوحيد الذي أخفق في هذه الانتخابات لما كان للأمر أدنى أهمية. المشكلة أننا كلنا، التونسيين والتونسيات، أخفقنا في هذه الانتخابات. لأذكّر هنا أن الهدف من الانتخابات الديمقراطية ليست تكريم شخص كما هو الأمر في مسابقة ملكة جمال العالم أو في إعطاء جائزة نوبل. القضية ليست إرضاء نرجسية المنتخَب الذي سيصبح رئيسا ولا المنتخِب الذي سيخيل له أنه هو صانع الملوك الحقيقي، وإنما استغلال النرجسيتين للصالح العام، أي اختيار أحسن من يستطيع الاضطلاع بأخطر مهمة ألا وهي صيانة وحدة الشعب واستقلال البلاد وحماية حقوق وحريات المواطن ودفع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلى الأمام. أما الممتحن الحقيقي فهو ما يسمى الشعب (في الواقع الناخبون أي جزء من القائمات الانتخابية التي هي جزء من الشعب). وحدها تجربة ما بعد الانتخابات هي التي تثبت هل أحسن "الشعب" الخيار أم فشل في ذلك.
أيّ تونسي يستطيع، أمام حصيلة السبسي ثم حصيلة سعيّد، القول إن "الشعب" لم يفشل في خياره سنتي 2014 و2019.
لقائل أن يقول: وهل تعني أنهم لو اختاروك لكان الشعب نجح في اختياره. كل ما يمكن قوله بكل ثقة أنه كان لي عام 2014 برنامج لمحاربة الفقر اشتغلت عليه أكثر من 300 جمعية مدنية وكان جاهزا للتنفيذ. كان هناك تقدم كبير في بلورة برنامج وطني للـ 50 سنة المقبلة للماء والبذور والبحر، وبرنامج لمشروع المحكمة الدستورية الدولية.. وغيرها.
كل هذه البرامج توقفت، وفي المقابل لم ير التونسيون أي شيء مما وعدهم به السبسي مثل 90 ألف موطن شغل سنويا، و800 كيلومتر من الطرق السيّارة، وقائمة طويلة من الوعود الكاذبة رفض المناظرة فيها معي عشية الانتخابات حتى لا أظهر للناس أنه لم يكن يملك أي إمكانية لتحقيق هذا البرنامج.
أما عن مدى توفيق "الشعب" في خيار سعيّد، انظر طول طوابير الماء والخبز والهجرة السرية ناهيك عن فقدان الاستقلال وتونس تحت وصاية 3 أو 4 دول ونحن اليوم دولة متسولة.
إذن الإخفاق إخفاقي بما لا يدع مجالا للشك وأنا أتحمل كامل مسؤوليتي فيه، لكن، للأسف، عندما تنظر لحالة تونس، نحن أيضا أمام إخفاق كل التونسيين من ناخبين وغير ناخبين، من سياسيين وإعلاميين ومجتمع مدني.
في التعليق على المآخذعودة الآن للمآخذ وسأتناولها دون ترتيب.
قد يكون أهمها الموقف من الانتخابات حيث يقول الكاتب "بمنتهى الصراحة والوضوح لا يمكن التخلي عن الديمقراطية التمثيلية نحو أنواع أخرى من الديمقراطيات التي لم تستقر ملامحها في الواقع".
من قال العكس؟ لم أدع أبدا للتخلي عن الانتخابات التمثيلية، لأنها الشرط الضروري للحرب الرمزية التي يتم فيها "اغتيال" الحاكم الفاشل واستبداله بمن يؤمل فيه الخير، كل هذا دون إراقة الدماء. لكن الموضوع هو كيف نحافظ على هذه الانتخابات حتى لا تصبح البساط الأحمر الذي تفرشه الديمقراطية للشعبوية ثم للدكتاتورية.
القضية اليوم مطروحة للبحث في كبرى جامعات العالم، والمعطيات واضحة لا لبس فيها:
من جهة آلات رهيبة للتضليل متمثلة في الإعلام الفاسد والسياسيين الفاسدين ووسائل تواصل اجتماعي تشغّلها جيوش من الذباب الإلكتروني وشركات مختصة في سرقة المعطيات والتحكم فيها وبيعها للسياسيين للنفاذ لعقول وقلوب الناس، لا عبر برامج سياسية وإنما بمخاطبة الغرائز لحملهم على اختيار من يدفع أكثر. أضف لهذا تدخل مخابرات الدول الكبرى في أي انتخابات لدفع من يخدم مصالحها، (نموذجا: تدخل المخابرات الروسية في الانتخابات الأميركية والفرنسية). من جهة أخرى جماهير تتخبط في مصاعب العيش، ونصيبها من الوعي والمعرفة جدّ متفاوت، وهي ضحية لكل هذه الماكينات الرهيبة التي تقزّم وتوسّخ وتخوّن الصادقين وتدفع للتصويت لمن سيتضح بعد فوات الأوان أنّهم المصيبة التي اعتقدوا أنهم سيداوون بها الكارثة.السؤال: ماذا نفعل تجاه هذا الوضع؟ نتصرف كالنعامة بتجاهل الخطر، أم نفكر من خارج الصندوق؟ أي من خارج أساطيرنا المؤسسة مرة أخرى، لا للتخلص من الانتخابات، ولكن لكي تقوم بالمطلوب منها.
لقد خرجت منذ زمن طويل من أساطير الشعبويين، أكانوا من أقصى اليمين أو اليسار، حيث لا أؤمن بوجود هذا الكائن الهلامي المكون من أشخاص متساوين في الحقوق والواجبات. الموجود هو المجتمع التعددي المتصارع، المتّسم باللامساواة، ولا يجوز اتهامي في ذلك بالتمييز وأنا لا أفعل سوى وصف الموجود
نأتي هنا للاعتراض المتعلق بالشعب وبما يسميه الخلل الخطير في أطروحاتي "فهو (المرزوقي) يفتح الباب لإقصاء قطاعات من الشعب تحت دعاوى التمييز الذي قدمه بين "شعب المواطنين" وبين بقية الشعب الذي هو على حد وصفه "رعايا".
ليسمح لي الأخ هشام جعفر بالتذكير بأنني أعتبر منذ زمن طويل الوطنيين أخطر الناس على الأوطان (انظر ما فعله هتلر بوطنه الألماني واليوم بوتين بوطنه الروسي)، والقوميين أخطر الناس على أمتنا العربية (نموذجا: ما فعله القذافي والأسد وصدام)، والشعبويين أخطر الناس على الشعب (آخر النماذج سعيّد في تونس).
لقد خرجت منذ زمن طويل من أساطير الشعبويين، أكانوا من أقصى اليمين أو اليسار، حيث لا أؤمن بوجود هذا الكائن الهلامي المكون من أشخاص متساوين في الحقوق والواجبات، الفاعل الأهمّ في التاريخ، الذي لا يأتيه الباطل من خلفه وأمامه، والذي تعبّر عن إرادته المقدسة هذه الأيديولوجيا أو تلك، هذا الحزب أو ذلك الحزب، هذه الانتخابات الحرة والنزيهة التي سبقت أو القادمة.
كل هذا أساطير الأوّلين. الموجود هو المجتمع التعددي المتصارع، المتّسم باللامساواة (بين الجنسين، بين الطبقات، بين الجهات، بين المكونات الإثنية)، والذي يحتوي على كل الطيف من الطاقات الذهنية والأخلاقية، والذي يمكن أن يكون مجتمعا راكدا أو مبدعا، عنيفا أو مسالما، مستعمرا للشعوب الأخرى أو مستعمرا من قبل هذا الشعب أو ذاك.
ما يهمني كفاعل سياسي تجاه هذا المجتمع أنه مكون سياسيا من نخب مفترسة تستأثر بالعنف بجلّ الثروة والسلطة والاعتبار، ومن فرائس تُنتهك حقوقهم وتُسرق ثرواتهم ويصمتون عن كل هذا خوفا من إرهاب الدولة وهم من أسمّيهم "الرعايا". أخيرا وليس آخرا هناك فرسان الحرية والعدالة الذين أسمّيهم "شعب المواطنين"، وهم من يقاومون الاستبداد ويطيحون به ويبنون دولة القانون والمؤسسات.
لا يجوز اتهامي إذن بأنني أخلق نوعا من التمييز وأنا لا أفعل سوى وصف الموجود. إنني أكره الاستبداد لأنه يخلق هذا الإنسان الخائف المستكين للظلم، وإن كنت ديمقراطيا فلا لشيء إلا لقناعتي أن الديمقراطية وحدها هي التي تمكن من إنقاذ الرعايا من الوضع المشين الذي استكانوا له ليستعيدوا حريتهم وكرامتهم وحقوقهم، أي الخصائص الوحيدة التي تبلور إنسانيتهم.
لا فصل بين السياسي والاجتماعيبخصوص المأخذ الرابع المتعلق بالفصل بين الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، يقول الكاتب: "أزعم أنه من دون الدمج بين المكونين فلا يمكن للديمقراطية بالمعنى السياسي الذي قدمه المرزوقي في مقالاته أن يكون لها مستقبل".
من قال العكس؟ أؤكد للسيد هشام جعفر أننا كنا بعد استلام السلطة على أشدّ الوعي بترابط القضيتين، وأنني في رئاسة الجمهورية، و"النهضة" في رئاسة الحكومة، جعلنا من محاربة الفقر والفساد أولى الأولويات. إن الثورة المضادة لم تنتصر لأننا قصرنا في هذا الميدان، وإنما لأنه كان هناك قرار إقليمي ودولي باتفاق مع الدولة العميقة والنقابة المهيمنة لإنهاء الثورة وعدم السماح لها بتحقيق أي اختراق على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
طبعا لا مجال للفصل بين السياسي والاجتماعي. وشرط بقاء الديمقراطية في عالمنا العربي قدرتها على توفير الخبز وليس فقط الحرية.
لماذا تكلمت إذن بالصيغة التي أوحت للسيد جعفر بأنني أفصل بين الأمرين. أساسا للرد على وقاحة الاستبداديين. هم يتشدّقون طول الوقت بحجة أن الديمقراطية لا تأتي بالتقدم الاقتصادي. يا لنكد الدهر أن تسمع مثل هذه الحجة ممن صادروا الحرية دون أن يوفروا الخبز. هؤلاء الوقحين الخبثاء يجب نهرهم بالقول إن الديمقراطية ليست مكتب تشغيل مهمتها أن تجد عملا لكل عاطل عن العمل. مهمتها هي بناء دولة القانون والمؤسسات وضمان الحريات الفردية والجماعية وشروط الاقتصاد السليم، ويكفيها ذلك فخرا ويجعل منها ضرورة الضروريات بغض النظر عن المسألة الاقتصادية.
آخر المآخذ. يقول الكاتب "لم يضع المرزوقي مناقشته في سياق عالمي أوسع. المطلوب ليس التنسيق بين القوى الديمقراطية على مستوى وطني أو إقليمي عربي فحسب، بل يجب أن يمتد إلى الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى خارج المنطقة".
يقول شوقي "جرح الأحبّة عندي غير ذي ألم"، وكذلك نقد الأحبّة حتى ولو كان ظالما. في شهر سبتمبر/أيلول المقبل سيجمع المجلس العربي للدفاع عن الثورات الديمقراطية الذي أتشرف برئاسته نخبة من خيرة المثقفين والسياسيين العرب في مؤتمر فكري سياسي حول حال ومستقبل الديمقراطية في الوطن العربي. أصررت على أن يكون من بين المدعوين خبراء ونشطاء من أميركا وفرنسا وبريطانيا نتعلم منهم ونعلّمهم.
وللحديث بقية.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم
الكاتبان: د. بلال الخليفة وحسنين تحسين
تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على اهتمام عالمي واسع؛ حيث ان اليوم هو موعد الانتخابات الامريكية وانظار العالم اجمع نحو صندوق الانتخابات وما سيفرزه من نتيجة حول فوز من؟ هل سيكون الفائز هو ترامب او هاريس؟، حيث نشر في صحيفة لوموند إن الصين تتابع الحملة الانتخابية الأميركية بأقصى درجات الاهتمام، وهي لا تتساءل عن المرشح الأفضل لمصالحها، لأنها مقتنعة أنه لا وجود له، لكنها تبحث عن "أفضل السيئيْن".
والسبب في ذلك هو لما للولايات المتحدة الامريكية من تأثير كبير في العالم كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية، والذي يعنينا الان هو ما للولايات المتحدة الامريكية من قوة اقتصادية كبية، لقد تطور الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير بسبب معدلات الإنتاج الضخمة والتكنولوجيا الرائدة، والهيكل الإداري الكامل، واحتلت منذ فترة طويلة المرتبة الأولى في العالم اقتصاديا، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 50000 دولار أمريكي.
تحتل أمريكا المرتبة الثانية عالميًا في إجمالي الصادرات، وتعد أكبر مُصدر للخدمات في العالم، حيث تمثل الخدمات ثلث إجمالي صادراتها بشكل عام، وأبرز ما تصدر هو: البترول المتكرر، البترول الخام، السيارات، قطع غيار المركبات والدوائر المتكاملة.
بالعموم، ان الاقتصاد والانتخابات مرتبطان فيما بينهما، الأول يتحكم بالثاني والعكس صحيح، خصوصا، فالوضع الاقتصادي يفرض على المرشحين ان يتناغموا مع متطلبات المواطن وبالتالي تحكم الاقتصاد بالانتخابات، اما العكس فيكون البرنامج الاقتصادي للمرشح سيرسم الخارطة الاقتصادية للبلد وفي حال أمريكا سيؤثر في اقتصاد العالم.
كما أن الاقتصاد يمكن أن يكون عاملًا محوريًا في نجاح أو فشل الرؤساء المرشحين، على سبيل المثال؛ كان للأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 تأثيرًا كبيرًا على نتائج انتخابات 2008، حيث ساهمت في فوز باراك أوباما على جون ماكين، لذلك يركز المرشحين على اهم الأمور التي تكزن مهمه في راي الناخب.
مثلا، ترامب أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادي من خلال طرح الأجندة وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، بالإضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء.
اما هاريس، فقد ركزت على بناء النظام الضريبي، ورفع معدل ضريبة الدخل على الشركات الأمريكية إلى 28%.
هذا فيما يخص الداخل ، اما المهم بالنسبة لبقية العالم هو سياسة المرشح الخارجية، بالحقيقة ان نتائج الانتخابات ستكون بثلاث سيناريوات
الأول: فوز ترامب
1 - وهذا له رؤية خاصة بالمنطقة وصرح عنها عند لقاءه بالأمريكان المسلمين وهي ضرورة انهاء الحرب بالمنطقة .
2 - اما فيما يخص الصين او القوى الشرقية فله قول (قال دونالد ترامب إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فإن الصين لن تجرؤ على استفزازه لأن الرئيس شي جين بينغ يعرف أنه "مجنون"، وأوضح ترامب: "أود أن أقول إنه إذا ذهبت إلى تايوان، فأنا آسف لفعل هذا، سأفرض عليك ضريبة بنسبة 150 في المئة، إلى 200 في المئة)". ومثلما قلنا أعلاه انه سيفرض رسوماً جمركية على الصين وخصوصا إذا سعت إلى حصار تايوان.
ومع العرض ان تايوان هي واحدة من اهم نقاط الخلاف لانها تحتوي على اهم المصانع في العالم تصنع المعالجات الرقمية وصناعة اشباه الموصلات التي تستخدم في الصناعة الالكترونية ونحن نعلم ان المعارك الان تدار الكترونيا وتكنلوجيا وبالتالي ان الخطوة الواحدة التي ستشعل الحرب العالمية الثالثة هي تايوان وخصوصا ان بوادرها موجودة وهي حرب اوكرانيا وغزة ولبنان.
3 - اما فيما يخص روسيا فلترامب قول في الرئيس بوتين وهو "لقد كنت على وفاق معه بشكل رائع". وبالتالي انه سيعمل على انهاء الحرب ومحاولة استمالة روسيا بدل استعدائها.
4- فيما يخص الشرق الأوسط فان ترامب واضح بعدم العودة للاتفاق النووي السابق مع ايران و لهذا ترغب دول الخليج العربي بفوزه كونه اشد وضوحًا و مراعاة لحقوق طرف الاتفاق، و يصر ترامب على انه سيحقق صفقة كبيرة مع ايران تُنهي الأزمات معها.
الثاني: فوز هاريس:
1 - ان هاريس صرحت مؤخرا انها مع السلام وانتهاء الحرب أيضا في غزة ولبنان (تفاصيل ذلك توضح لاحقا) .
2 - اما فيما يخص الصين ، انها قد تواصل الخط الدبلوماسي لبايدن، الذي حث حلفاء الولايات المتحدة على رص الصفوف ضد الصين وحاول دفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إدراج التهديد الصيني على جدول أعماله. كما ان اختيارها لفيليب جوردون كمستشار للأمن القومي يشير إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث قد يختلف نهج جوردون البراجماتي عن الموقف الأكثر مواجهة لإدارة بايدن.
3 – فيما يخص روسيا: حيث صرحت هاريس أنها لن تلتقي حال فوزها، الرئيس فلاديمير بوتين لبحث الحرب في أوكرانيا، من دون حضور ممثل عن كييف، ان موقفها اكثر تشددا وقالت أيضا قالت المرشحة الديمقراطية "نحن ندعم قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي غير المبرّر".
4- فيما يخص الشرق الأوسط تميل هآريس كما يميل الديمقراطيون إلى عدم كسر ايران و السعي للعودة للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني و هو ما لا يفضله عرب الخليج كون ان أمريكا هنا لا تراعي مصالحهم.
ثالثا: هو الحرب الاهلية او الفوضى في أمريكا
حتى وان كان الامر مستبعد لكنه محتمل خصوصا ان ترامب صرح عدة مرات بانه سيفوز حتما وغير ذلك يعني تزوير وهذا تصريح برفض نتيجة الخسارة نهائيا، مع العلم بوجود استطلاعات الرأي تشير إلى قلق 27% من الأمريكيين من هذا السيناريو، مما يعكس الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي، وكما قال السيناتور الجمهوري جورج لانغ إن "الحرب الأهلية قد تكون ضرورية إذا خسر الجمهوريون الانتخابات الرئاسية في نوفمبر"
خلاصة الامر فيما يخص المنطقة هي ان الحرب ستنتهي بعد الانتخابات لان إسرائيل لا تستطيع ان تتحمل الحرب اكثر ، لكن تؤجل توقف الحراب وتماطل بالمفاوضات كي يكون وقف الحرب هدية للرئيس المقبل بانها نزلت بالسلام لرغبة الرئيس وهو بالتالي قد اوفى بوعوده الانتخابية
وان انتهاء الحرب يعني عودة الاستقرار النسبي لاهم منطقة في العالم من حيث الإنتاج والامتلاك للثروة الهيدروكاربونية وهي اللاعب الأول في الاقتصاد العالمي وكما ان الهدوء سيعم أيضا مضيق باب المندب الذي يؤثر أيضا على خط مهم جدا للتجارة العالمية.
اما المواجهة الاقتصادية مع روسيا والصين فالأمر لن ينتهي وخصوا ان سر قوة أمريكا في عولمة الدولار (او دولرة الاقتصاد العالمي) وان الجبهة الشرقية وبعدما أسست تجمع بريكس وطرحهم لفكرة عملة جديدة للتعامل بينهم (بريكس) فهذا يعني مزيد من التوتر الاقتصادي.