حكاية الأب «توما» وخادمه فى حارة اليهود
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
انتهت القمة العربية الإسلامية الطارئة يوم السبت الماضى 11 نوفمبر 2023 لبحث العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى ببيان ختامى فى مقدمته 11 «إذ» وما تلاها من إعراب وتأكيد واستنكار وإدانة وتحذير وترحيب، ثم شملت القرارات 31 بنداً لا تختلف عن مقدمة البيان، ونكتفى بهذا الحديث عن تلك القمة غير العادية، فالكلمات لن تستطيع التعبير عن حالة البؤس الذى وصل قمته، تزامناً مع ما يرتكبه العدوان الإسرائيلى من مجازر وعمليات إبادة جماعية وتهجير وجرائم حرب دخلت شهرها الثانى ضد الأبرياء من أهل غزة.
كانت تلك المقدمة للتوثيق ليس أكثر، وحتى لا يضيع وقت القارئ الكريم فى مناقشة وتحليل «إذ وما تلاها»، سأروى لكم قصة ذبح الأب «توما الكبوشى» وخادمه «إبراهيم عمار» فى حارة اليهود، ربما يستفيق الغرب الداعم لهذه الجرائم من تلك الغيبوبة التى يقع فيها، وانطلاقاً من تصريح «بلينكن» وزير الخارجية الأمريكى الذى وقف بكل فخر منذ شهر تقريباً يقول إنه فى إسرائيل بصفته «يهودى ابن يهودى» نبدأ الحكاية.
ولد الأب توما الكبوشى1780 فى إيطاليا ودخل رهبنة الكبوشية سنة 1807، كان الأب توما أديباً محبوباً عالماً يعالج المرضى فى دمشق مجاناً، وكان ماهراً بصناعة تطعيم الجدرى، وفى يوم الخامس عشر من شهر فبراير 1840 ذهب الأب «توما» لحارة اليهود بقصد تطعيم طفل ضد مرض الجدرى، وكان بالقرب من بيت هذا الطفل دار«داود هرارى » صديق الأب توما، ويعد «هرارى» من أتقى اليهود فى الشام، وكان الناس يبالغون فى توقيره وإكرامه، فلما رأى «هرارى» الأب «توما الكبوشى» ماراً أمام داره استدعاه للدخول، وكان موجوداً بالدار أخا «داود» وعمه واثنان من أكابر اليهود، وبعد دخول الأب أُغلق الباب وانقضوا جميعاً عليه، ووضعوا على فمه منديلاً وربطوا يديه ورجليه، حتى أظلم الليل، واستعدوا لذبحه، فلما جاء حضرة الحاخام، استدعوا حلاقاً يهودياً اسمه «سليمان» وأمروه بذبح القسيس فخاف الحلاق وامتنع، فَهَّم «داود هرارى» الرجل التقى الوقور صديق الأب توما وأخذ السكين ونحره بنفسه!
وعندما بدأت يد «هرارى» ترتجف توقف عن إكمال العملية، فجاء أخوه «هارون» لمساعدته، وكان الحاضرون يتناولون الدم فى إناء ثم يضعونه فى زجاجة بيضاء، تم إرسالها فيما بعد إلى الحاخام باشا «يعقوب العنتابى»، وبعد أن تمت تصفية دم الأب «توما» نزعوا ثيابه وأحرقوها، ثم قَطَّعُوا الجسد قطعاً وسحقوا عظامه سحقاً «بيد هون»، ثم ألقوا تلك العظام المسحوقة وهذا الجسد المقطوع فى أحد المصارف، وظنوا أنهم بهذه الطريقة قد دفنوا الجريمة فى قبر عميق.
ولما طال وقت رجوع الأب «توما» إلى ديره قلق خادمه «إبراهيم عمار»، وتوجه إلى حارة اليهود يسأل عنه، لأنه كان يعلم أن معلمه قد ذهب إلى هناك، وعندما وصل إلى دار «داود هرارى» يسأل عن الأب «توما»، أدخلوه وذبحوه كما ذبحوا معلمه.
وأثناء التحقيقات اعترف سبعة من المتهمين بأنه قبل الواقعة بأيام أخبرهم الحاخام باشا بأنه يلزم الحصول على دم بشرى لاستعماله فى عيد الفصح القريب، فأجابه «داود هرارى» بأنه سيتحصل على ذلك مهما كلفه من أموال.
وخلال محاكمة هؤلاء المجرمين هاج يهود أوروبا وحاولوا الحصول على عفو للمتهمين ولكن خاب مسعاهم وصدر الحكم على عشرة منهم بالإعدام، واستمرت المساعى والمحاولات لإنقاذ المحكوم عليهم، ووصل مندوبان من قبل جمعية الاتحاد الإسرائيلى إلى مصر، ورفعا عريضة لمحمد على باشا التمسا فيها إعادة النظر فى الدعوى، فقبل محمد على هذا الالتماس، وأصدر عفواً عن المجرمين فى نهاية الأمر!!
تلك القضية الخاصة بذبح الأب توما وخادمه «إبراهيم عمار» وما كشفته التحقيقات ليست من وحى الخيال، بل ذكرها «شارل لوران» فى كتابه «المسائل التاريخية عما جرى فى سوريا سنة 1840» وترجمها عن الفرنسية الدكتور يوسف نصر الله، بالإضافة إلى كتاب «اليهودى حسب التلمود» للدكتور«روهلنج » وضمهما فى كتابه «الكنز المرصود فى قواعد التلمود 1899»، يقول الدكتور نصر الله فى مقدمة الكتاب: «لا تظن أيها القارئ اللبيب أن هذين الكتابين من عندياتى لأنهما ذكرا فى كثير من الكتب المشهورة لدى العموم ككتاب «صراخ البرىء» لصاحبه حبيب أفندى فارس وكتاب فرنسا اليهودية لأدوار دريمون».
وقد جاء فى كتاب «صراخ البرىء 1891» واقعة مشابهة لواقعة الأب «توما»، وهى اختفاء الطفل «هنرى عبدالنور» أحد أبناء طائفة الأرمن الكاثوليك فى دمشق، الذى تم العثور على جثته فى بئر مغطاة، وكُتبت قصيدة رثاء فى هذا الطفل تصلح رثاءً لأطفالنا فى غزة اليوم، نذكر بعض أبياتها، ربما يشعر كل من يدعم هذا الكيان الوحشى بصرخات هذا الدم البرىء:
يا أيها الحاخام رجعنى إلى.. أمى وأهلى ليس ينفعكم دمى
لم يسمع القاسى الصراخ وإنما.. زاد العذاب بضرب سوط مؤلم
نا ديت يا ربى أزل عنى عذابهم.. فمن قولى لقد سدوا فمى
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب القمة العربية الإسلامية الشعب الفلسطيني العدوان الإسرائيلي عمليات إبادة جماعية أهل غزة القارئ الكريم
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: Home Alone حكاية ديسمبر التي لا تنتهي
مع اقتراب نهاية العام، يلتف الجميع حول المدفأة – أو دعونا نكون أكثر واقعية، ونبتعد عن كلام الإعلانات – على "الكنبة" في غرفة المعيشة، أمام التلفزيون. الجو بارد، لكنه ليس ببرودة الثلوج الأوروبية التي نراها في الأفلام، بل هو ذلك البرد الذي يجعلك ترتدي كل ملابسك المتكدسة داخل الدولاب، وتلتف تحت البطانية الثقيلة، مع كوب شاي ساخن لا يخلو من ورقة نعناع تطفو برشاقة على السطح.
في هذا الوقت تحديدًا، يعود إلينا ذلك الضيف العزيز، الذي لا يتخلف أبدًا عن موعده. إنه فيلم "Home Alone"، الذي أُنتج جزؤه الأول عام 1990، للمخرج Chris Columbus(كريس كولومبوس)، وبطولة الطفل العبقري Macaulay Culkin
(ماكولي كولكين). إنه ليس مجرد فيلم؛ إنه طقس سنوي يوحي بانتظار العد التنازلي للعام الجديد.
لكن، لماذا نعود إلى هذا الفيلم بالأخص عامًا بعد عام، كأنه طقس سنوي لا يكتمل ديسمبر بدونه؟ هل لأنه يحمل شيئًا منا، من طفولتنا، ومن حكاياتنا التي نتمنى أن تعود؟
العائلة! كلمة بسيطة جدًا لكن معقدة كشبكة عنكبوتية متشابكة. "كيفن مكاليستر" كان في قلب تلك الشبكة، الطفل الذي تمنّى – في لحظة صبيانية – أن تختفي عائلته للأبد. وها قد اختفت بالفعل!
لكن اللحظات الحقيقية لا تأتي حين نمتلك ما نريد، بل حين نكتشف ما نفتقده. وسط المغامرات الطريفة والمصائد العبقرية، هناك لحظة صامتة يتأمل فيها "كيفن" شجرة عيد الميلاد وحيدًا. هنا تحديدًا، يقدم الفيلم لنا سؤالًا؛ هل نستحق أن نعيش كل هذا وحدنا؟!
ربما يكمن جزء من الإجابة في سحر الأفلام التي تبقى معنا رغم مرور الزمن. لأنك حتمًا لاحظت أن هناك أفلامًا تذوب مع الزمن، تختفي كأنها لم تكن أبدًا. لكن "Home Alone" يبقى هنا، شامخًا وسط العديد من الأفلام. كل مرة تشاهده فيها، تشم رائحة طفولتك، تسمع صوت ضحكاتك القديمة، وتلمح وجهك الصغير يطل عليك من شاشة التلفزيون. النوستالجيا ليست مجرد شعور؛ إنها حالة كاملة تتسلل إليك عبر مشهد "كيفن" وهو يتناول عشاءه على ضوء الشموع أو حين يتفنن في نصب الفخاخ للّصوص. نحن لا نشاهد الفيلم فقط؛ نحن نزور طفولتنا. كيفن ليس مجرد طفل في فيلم؛ إنه تجسيد للطفل الذي يسكن فينا جميعًا. إنه جزء منك حين قررت مواجهة خوفك لأول مرة، أو عندما ضحكت من قلبك رغم الخوف. في كل مرة ينجح فيها "كيفن" في خداع اللصوص، نشعر جميعًا وكأننا نحن من حققنا الانتصار.
هذا الفيلم يذكرك بشيء بسيط لكن عميق؛ أحيانًا، لا تحتاج إلى أن تكون كبيرًا لتواجه العالم. تحتاج فقط إلى القليل من الشجاعة.. والكثير من الذكاء!
العالم يتغير. الأفلام تتغير. وحتى نحن نتغير. لكن هناك أشياء لا تتزحزح عن مكانها، كأنها مسمار قديم في خشب شباك متهالك، ثابت رغم تشقق الإطار، لكنه ما زال يحمى من تسلل الأتربة.
وربما تكون هذه التفاصيل الصغيرة هي ما تجعلنا نتمسك ببعض الطقوس السنوية التي تمنحنا إحساسًا بالألفة والدفء وسط كل هذا التغيير. ومع اقتراب نهاية كل عام، نعود إلى تلك العادات المحببة التي تملأ أيامنا بشيء من الأمان. إنه ليس مجرد فيلم نراه على الشاشة، بل هو ذكرى مشتركة نصنعها كل عام، توقيع صغير يودع سنة قديمة ويستقبل سنة جديدة. ووسط كل ذلك، هناك شيء مؤكد؛ لا يمكن أن ينتهي ديسمبر دون زيارة سريعة لمنزل عائلة "مكاليستر".
كل عام ينتهي، وكل عام يبدأ. وبين النهاية والبداية هناك لحظة صغيرة، لحظة كافية لتشاهد فيها فيلمًا.
"Home Alone"ليس مجرد فيلم تشاهده في ليلة شتوية باردة؛ إنه دفء خفي يأتي إليك من الشاشة، يربت على كتفك، ويهمس لك:
كل شيء سيكون على ما يرام... عام جديد، بداية جديدة، ولا تنسَ أن تضحك حتى وإن كنت وحدك.
كل عام وأنت بخير.. وكل عام و"كيفن مكاليستر" صديقك السنوي المفضل.