تطورات كارثية وقتلى بالمئات.. ماذا يجري في دارفور؟
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
أشعلت الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل الماضي، بين أكبر قوتين في السودان، من جديد، نزاعات قائمة في دار فور منذ فترة طويلة، إذ امتد أثرها لتأخذ شكل صراع قبلي سقط بسببه مؤخرا مئات المدنيين في الإقليم الذي يشهد بعضا من أسوأ أعمال العنف وانتهاكات إنسانية خطيرة، بحسب الأمم المتحدة ومصادر تحدثت مع موقع "الحرة".
واندلعت المعارك في 15 أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بعد أسابيع من تزايد التوتر بين الطرفين بسبب خطة لدمج القوات في إطار عملية للانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني الديمقراطي.
وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها العميق إزاء التطورات الأخيرة التي يشهدها السودان مع تصاعد وتيرة القتال في دارفور، مشيرة إلى مقتل أكثر من 800 شخصٍ على يد الجماعات المسلحة في أردمتا بغرب دارفور خلال الأيام القليلة الماضية، فضلا عن تقارير بشأن انتهاكات تشمل العنف الجنسي والتعذيب والقتل العشوائي وابتزاز المدنيين واستهداف الجماعات العرقية.
ولاية غرب دارفور شهدت صراعا قبليا دمويا أدى إلى مقتل المئات خلال الأيام الماضية
ولاية غرب دارفور شهدت صراعا قبليا دمويا أدى إلى مقتل المئات خلال الأيام الماضية
وقالت المنظمة الدولية للهجرة في بيان إن ثمة تقارير عن مقتل نحو 700 شخص في غرب دارفور بعد اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في مدينة الجنينة بين يومي الرابع والخامس من نوفمبر.
ويوضح الناطق باسم تحالف أصحاب المصلحة في دارفور، الصادق مختار، في حديثه مع موقع "الحرة" أن "إقليم دارفور منذ الحرب في 2003 بات يعاني من انفلات أمني واسع وانتشار السلاح في المنطقة، وكان نظام (الرئيس السابق عمر) البشير يستخدم القبائل في دحر التمرد وبالتالي أصبحت هناك إشكاليات اجتماعية بين هذه القبائل".
وأدى الصراع في دارفور بين عامي 2003 و2008 إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد ما يربو على مليونين.
وقال مختار: "بعد اندلاع الحرب الحالية، حدث استقطاب حاد بين المكونات المتحاربة، بحيث دخلت بعض القبائل بكاملها وناصرت الدعم السريع، فيما بقيت أخرى بجانب القوات المسلحة".
وأضاف أن "الاستقطاب الحاد أدى إلى حدوث مناوشات بين هذه المكونات الاجتماعية والقبائل خاصة في منطقة الجنينة التي كانت تعاني هشاشة أمنية قبل انقلاب الطرفين المتحاربين على المكون المدني في أكتوبر 2021، وبالتالي ظل هذا الإشكال والتشاحن حاضرين".
ويشير الصحفي، الموجود على بعد بضعة كيلو مترات منذ أردمتا، وبالتحديد في منقطة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، علاء بابكر، في حديثه مع موقع "الحرة"، إلى أه القبائل غير العربية كانت تؤيد الجيش، بينما كانت القبائل العربية تناصر قوات الدعم السريع.
وفي شهر يوليو الماضي، دعا زعماء أكبر سبع قبائل عربية في المنطقة، عبر فيديو، جميع أفراد قبائلهم الى الانضمام لقوات الدعم السريع، مطالبين خصوصا المنخرطين في صفوف الجيش بتركه للانتقال الى المعسكر الآخر.
وينتمي الكثير من ضباط الجيش إلى قبيلة الرزيقات وهي قبيلة قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي".
وقال بابكر: "كانت هناك عناصر من القبائل غير العربية في القاعدة العسكرية التابعة للجيش، عندما سقطت في يد قوات الدعم السريع في الرابع من نوفمبر الجاري".
وتابع: "عندما سقطت القاعدة، انسحبت العناصر القبلية المسلحة إلى أحياء مدنية، وأثاروا بعض الفوضى ضد القبائل العربية فطاردتهم العناصر المسلحة من هذه القبائل داخل هذا الحي في الخامس من نوفمبر، مما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة قتل على إثرها المئات، فيما بقي طرفا الحرب الرئيسيين يشاهدان ما يحدث من اقتتال".
وكانت رويترز أوردت أنه في الفترة بين شهري أبريل ويونيو من هذا العام شنت قوات الدعم السريع وميليشيات عربية متحالفة معها هجمات منهجية على مدى أسابيع استهدفت المساليت، وهي قبيلة تشكل غالبية سكان الجنينة، وذلك مع اندلاع الحرب مع الجيش السوداني.
وأشار بابكر إلى أن "الأوضاع حاليا هدأت والأسواق فتحت لكننا نسمع أصوات إطلاق ذخيرة يوميا في الليل لكننا لا نعلم مصدرها بالضبط".
وندد الاتحاد الأوروبي، الأحد، بتصاعد العنف في منطقة دارفور بالسودان محذرا من خطر وقوع "إبادة جماعية أخرى".
وتحدث مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في بيان له عن تقارير نقلا عن شهود أفادوا بمقتل ما يزيد على 1000 فرد من قبيلة المساليت في أردمتا بولاية غرب دارفور خلال ما يزيد قليلا على يومين فقط في هجمات شنتها قوات الدعم السريع وميليشيات تابعة لها.
وقال بوريل "تبدو هذه الأعمال الوحشية الأحدث جزءا من حملة تطهير عرقي أوسع نطاقا تنفذها قوات الدعم السريع بهدف القضاء على مجتمع المساليت غير العربي في غرب دارفور، وتأتي على رأس الموجة الأولى من أعمال عنف واسعة في يونيو".
وأضاف "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يغض الطرف عما يحدث في دارفور ويسمح بحدوث إبادة جماعية أخرى في هذه المنطقة".
ونفى زعماء القبائل العربية في تصريحات تورطهم في عملية تطهير عرقي في الجنينة، في حين قالت قوات الدعم السريع في وقت سابق إنه لا علاقة لها بما سمته الصراع القبلي.
وأشار مختار في حديثه مع موقع "الحرة"، إلى أن "العدد الكبير من الضحايا المدنيين في ولايات دارفور، الذي هو بالآلاف منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ونهب الممتلكات والانتهاكات الإنسانية الجسيمة تقتضي تشكيل لجان تحقيق دولية محايدة للبحث عن الأسباب الحقيقية لاندلاع أعمال العنف بشكل مستمر وتقديم المجرمين للمساءلة والمحاكمة".
وقال فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان: "قبل عشرين عاماً، شهد العالم ما تعرض له إقليم دارفور من فظائع وانتهاكات مريعة لحقوق الإنسان. ونخشى ما نخشاه أن يكون الوضع الحالي يجري على مسارٍ مماثل. يستدعي تجنب وقوع كارثة من جميع الأطراف إنهاء القتال فوراً، واحترام السكان المدنيين بشكلٍ غير مشروط".
ودعت المفوضية إلى وقف القتال، وإلى احترام كافة الأطراف لمسؤولياتهم بموجب القانون الإنساني الدولي – بما في ذلك السماح للمدنيين بالعبور الآمن أثناء تنقلهم بحثاً عن الأمان.
وقُتل أكثر من 10 آلاف شخص في النزاع السوداني حتى الآن، وفق حصيلة صادرة عن مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها (أكليد).
وأدت الحرب إلى نزوح أكثر من 4,8 ملايين شخص داخل السودان، وأجبرت 1.2 مليون آخرين على الفرار إلى البلدان المجاورة، وفق أرقام الأمم المتحدة.
الحرة
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع غرب دارفور فی دارفور إلى مقتل مع موقع أدى إلى
إقرأ أيضاً:
شفشفة الجنجويدية: نظرة تأملية ١-٢
منذ ٢٠١٣ كان الجنجويد بيننا في العاصمة،ممثلا لاحد أحطّ الممارسات التي اعتمدتها الإنقاذ لتحمي نفسها من انقلابات داخل جيشها ومن تصاعد الرفض داخل شعبها. كان هؤلاء الجنجويد ممثلين للقبائل العربية في جنوب دارفور ومعهم عرب الشتات في دول الغرب الأفريقي.
لعبت افكار القذافي ضمن سياق تاريخي طويل دورا هاما في بداية إذكاء تصاعد "مفهوم العربية" كموقف سلطوي من القبائل العربية في جنوب دارفور،خاصة الرزيقات الباقرة وآبناء عمهم الرزيقات الشمالية الإبالة. وظهر تجمع القبائل العربية وقريش وغيرها بقوة فيما بعد انتفاضة أبريل ١٩٨٥. ودار صراع قاسي وشرس بين التجمع العربي وما اسمي تجمع الزرقة بقيادة الخصم التاريخيّ ومؤسسي سلطنة دارفور الفور وحلفائهم.
في سياق البحث عن خلفيات ظاهرة السلب والنهب ما اسماه السودانيون بالشفشفة وما تبعها من تدمير المنازل بنزع أبوابها ونوافذها ونزع كل مكونات الإضاءة من الطبلونات وامتدادات الأسلاك وغيرها من مكونات الكهرباء. وعند عدم سرقة الأثاثات تحطيمها بغرض التدمير وغير هذه من النهب فقد ترافق وجودهم في أحياء المدن باستعمال عنف مفرط وقتل باستخفاف وتعذيب وأسر في ظروف سيئة جدا كانت اقرب شيء يذكره السودانيون الأساليب التي استعملها التعايشي في سجن الساير بأمدرمان وبيوت الأشباح في اوائل الإنقاذ وان كانت ممارساتهم أقسى وأكثر بشاعة ولا إنسانية. الظاهرة المحيرة الأخيرة كانت ظاهرة الاغتصاب واسترقاق النساء وبيعهم في الأسواق. هذه الظاهرة أخذت اشكالاً بشعة من جماعية الممارسة والتي أدت لوفاة بعض من مورس معهن، وتواصلها لفترات طويلة واحيانا طلب الفدية لإطلاق السراح او ترحيلهم وبيعهم في أسواق بعيدة.
طوال تاريخي وقراءاتي وتجولي بين عادات القبائل ووجود كل ممثليها في العواصم والمهاجر، فقد كانت هذه الظواهر اكثر تواجدا في البادية ومرتبطة بالعقل البدوي من الجماعة المستقرة، لكنها لم تصل لتكن أسلوب حياة بل استهجنت عندهم كلهم بشكل عام. كل هذه الظواهر كانت موجودة فيما أطلق عليه النهب المسلح وهو تعبير قصد منه إخفاء حقيقة انه كانت هناك حرب اهلية حقيقية. ورغم وجود كل هذه المظاهر في تلك الأحداث فإنها لم تكن السمة الأساسية، وربما قامت به قبائل مثل القرعان ومجموعات سرقة منتشرة في دارفور وجزء منها من تشاد. وحضرت تلك الأحداث لعملي في الفاشر كمدير للخدمات الصحية وحتى مؤتمر الصلح في الأسبوع الأول من انقلاب الإنقاذ. لم تمثل الاغتصابات- وان حدثت بعضها- اى وجود جرائمي في تلك الحرب ولاظهرت في قوائم الديات ولا ذكرت في كلمات ممثلي التحالفين.
ولكي اجد تفسيرا لهذة الظواهر الشاذة والتي بلغ بها الجنجويد قمة الانحطاط والحقارة والسلوكيات السيئة فقد طلبت مشورة برنامج "ديب سيك" للذكاء الاصطناعي اعتمادا على مراجع موثقة درست هذه الظواهر. وسوف انشرها في المقال القادم.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842