د. عبدالله باحجاج

ينبغي التسليم بأنَّ هناك انحرافًا للرأي العام العالمي تجاه مسؤولية المجازر الوحشية التي يرتكبها المحتل النازي في فلسطين عامة وغزة خاصة، وهذا الانحراف نجده مُتغلغلًا عند الكثير في عالمنا الإسلامي العربي، وذلك عندما يفصلون جرائمهم عن سياقها التاريخي ومصدرها التأسيسي، وهذا السياق والمصدر ينبغي أن نستدعيهما الآن، وذلك حتى نحدد خارطة الأعداء الدائمين، وحتى نتعامل معهم بهذه الصفة "العدو" بصورة مُستدامة.

مجازر غزة لن تُنسى كغيرها، وتتأسس عليها ذاكرة جيلنا الجديد، وكل من تابع المُظاهرات والوقفات الشعبية في كل جمعة في بلادنا مثلًا، سيُلاحظ حجم الإقبال الكبير والمؤثر للشباب والأطفال، وسيتوقف كثيرًا عند حماسهم والشعارات التي يرددونها، وهنا تُعيد غزة الباسلة المنتصرة- بإذن الله- القضية الفلسطينية إلى مركزيتها عند كل المسلمين، وكذلك تشكل ذهنيات الجيل الجديد بصورة مستدامة، وربما غير متسامحة.

من المعلوم أن المحتل الإسرائيلي النازي صنيعة لندن وواشنطن، لكن، وتصويبًا للرأي المنحرف نقول إنهم صنعوه بوحشية دموية تتماهى مع وحشيتهم الاستعمارية، ومن ثم زرعوه في قلب وطننا العربي ذي الأغلبية المسلمة، فهو نسخة منهم، وقد مكنوه من كل أسباب القوة المفرطة "المادية والفكرية" لديمومة السياق التاريخي "الاستعماري" البريطاني والأمريكي، وبالتالي فكل ما يجري في غزة ما هو إلّا امتداد للجرائم البريطانية والأمريكية التاريخية، وغزة تُظهرهما كمشهدٍ متجدد للفكر الدموي للقوى الغربية الاستعمارية، لذلك يحظون بتفويض مفتوح لاستخدام العنف المفرط المُنتج للمجازر، لذلك نجدد ما قلنا في عنوان المقال إن الجرائم الصهيونية تتحمل مسؤوليتها لندن وواشنطن مع الصهاينة بالدرجة الأولى.

ويمكن تقديم مجموعة استدلالات على قضية الصانع والمصنوع أو الناسخ والمنسوخ، وسواء بدأنا بجرائم الانتداب البريطاني على فلسطين، أو نتوقف عند وعد بلفور 1917 الذي هو مصدر كل الجرائم اللاحقة؛ بما فيها مجازر غزة المتواصلة، وطرحهم خيار التهجير، فلندن وواشنطن تقدمان للصهاينة دروسًا في الوحشية من تاريخهما الدموي، فمثلًا ما ارتكبته القوات البريطانية كعقاب جماعي على قرى فلسطينية، وهناك عريضة من 300 صفحة تُقِر بالجرائم وتطالب بالاعتذار، ولن يحصل الاعتذار؛ لأن الفكر الوحشي عقيدة عسكرية مستدامة، فما يفعله الكيان الصهيوني في فلسطين وغزة الآن من قتل وتعذيب وهدم منازل.. كعقاب جماعي، تنسخه من التجارب البريطانية.

ولن تنسى ذاكرتنا أن عمليات التطهير لسكان غزة المُستهدفة تندرج ضمن استهدافات وعد بلفور المشؤوم، فهو الجريمة الكبرى لتطهير عرقي للشعب الفلسطيني بدعم وتضامن الدول الغربية وعلى رأسهم بريطانيا وأمريكا، وحتى لو فتحنا نوافذ تاريخية حديثة للاستعماريْن البريطاني والأمريكي، سنجد جرائم بريطانية وأمريكية كبرى في حق البشرية في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.. إلخ، وهذا يعني أن جرائمهما لا تستهدف العرب والمسلمين بسبب آيديولوجيتهم فحسب، وإنما وراؤها فكر يُبيح القتل الدموي واستخدام القوة المفرطة في أي منطقة تواجه قواتها فيها تحديات مشروعة. رأينا ذلك في فيتنام، والجريمة التاريخية التي ارتكبتها بريطانيا بحق الأطفال الكنديين، والإبادة الممنهجة بحق النساء الكنديات كذلك، وذلك للقضاء على سكان كندا الأصليين رغم أن كندا تتبع الحكم البريطاني حتى الآن!

وفي تقرير 2018، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن السكان الأصليين في كندا لا يزالون غير قادرين على الحصول على الحد الأدنى من الحياة مثل مياه الشرب، وأن 40% منهم يعانون من سوء التغذية ومن عدم الحصول على الغذاء المناسب. ويمكن إسقاط هذا الوضع على الدول التابعة لبريطانيا بأي صور سياسية، فهي تسعى إلى نهب ثرواتها، وإفقار السكان الأصليين لجعلهم تحت وطأة الفقر والذل، ولن تقل واشنطن عن نظيرتها لندن في الوحشية، فعلى سبيل المثال ما حدث في العراق وأفغانستان ومع سكان أمريكا الأصليين الذين أبادتهم، وجعلت ما تبقى منهم أقلية معدومة الحقوق.

لذلك فإنَّ السقوط الأخلاقي لأمريكا وبريطانيا في غزة، لم يكن الوحيد، ولن يكون الأخير، ويعتقدان أن نجاحهما في إبادة الكنديين والأمريكيين الأصليين وتهجيرهم عن أراضيهم يمكن نسخه في فلسطين المحتلة، وهذا يُدلل على غباء سياسي واضح، ومتوقع لافتقادهما إيمان الصيرورات، والمكانة الدينية للأمكنة المقدسة في فلسطين المحتلة، وتأثيره على المسلمين في كل مكان في العالم عامة، وعلى المُرابطين خاصة، وأنه سيكون سببًا حتميًا لزوال الكيان المحتل. لذلك؛ فالقيمة الحياتية للمُرابط مقابل هذا البعد الثيولوجي (الديني) تُقدَّم بدوافع أسرية ومجتمعية بقناعة الزوال الراسخة، وما تفعله لندن وواشنطن الآن في غزة مع المحتلين النازيين يستفز العامل الثيولوجي في كل أنحاء العالم، ولن نستبعد أن تتحول مصالحهما العالمية ضمن الاستهدافات للعنف الذي تولده المجازر الدموية في غزة.

ويمكننا في حالتنا الإسلامية أن نضيف على مسار لندن وواشنطن الإجرامي العالمي، البعد الديني، فدوائر صناعة القرار فيهما- القديمة والحالية والمتعاقبة- تتخذ منه صفة العداء المستدام، وذلك لتحليلاتهم العميقة بمخاطر مصالحهم ووجودهم العالمي في حالة تطبيق الإسلام. لذلك نجد جرائمهما في العراق وأفغانستان والآن غزة أشد وأروع، والنموذج أمامهم الآن حماس الإسلامية، فكيف بجماعة أصبح وزنها أقوى من دول أخرى، وما تحققه حتى الآن أكبر ما حققته دول المواجهة في حروبها التاريخية، تظهر حماس الإسلامية كقوة عسكرية وتكنولوجية وبشرية وعقيدة عسكرية يجمع عليها الكل، والكل مستعد للتضحية من أجلها، فكيف لو كان هذا شأن كل الدول العربية؟

إن مسؤولية الغرب الاستعماري التاريخي- وعلى رأسهم لندن وواشنطن- عن جرائم غزة مستمرة حتى الآن، ليس كفاعلين مباشرين فيها فحسب، وإنما لأنهما صنيعة الفكر والوجود الصهيوني النازي، مع التسليم بشراكتهم الفعلية المباشرة في الفعل الميداني والمعنوي، لذلك فهم يمثلون حالة عداء للأمة، وينبغي أن نتخذهم كذلك بمختلف وسائل التصنيف والفعل السلمي كالمقاطعة. ولو تأملنا من يحارب الآن في غزة على الأرض سنجد الأمريكان والبريطانيين بأسلحتهم وجنودهم واستخباراتهم وأموالها المليارية، آخرها تخصيص الكونجرس الأمريكي أكثر من 14 مليار دولار للصهاينة، لذلك، عندما يرتكب الصهاينة مجزرة أو يقتلون شهيدًا طفلًا أو امرأة، أو يهدمون مستشفى فوق مرضاه، أو منزلًا فوق ساكنيه؛ فالأنظمة في لندن وواشنطن تشارك المحتلين المسؤولية عن المجازر الوحشية وعمليات التدمير والتهجير..

لذلك ينبغي التعامل معهم كأعداء دائمين للشعوب العربية الإسلامية، تستدعى كل جرائمهم مع جرائم غزة، ومنها ينبغي أن تكون منهجية عملها السلمي الثابت رفض كل أشكال وجودهم في المنطقة، وعدم التردد في ذلك، واحتساب ذلك كنضال داعم لقضية العرب والمسلمين الأولى "فلسطين" المنتصرة بإذن الله، وانتقامًا لجرائمهما في كل بلد عربي وإسلامي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ريال مدريد يسقط في عرين بيتيس

ألحق ريال بيتيس هزيمة مفاجئة بضيفه ريال مدريد 2-1، يوم السبت، ضمن منافسات الجولة 26 من الدوري الإسباني لكرة القدم.

وتجمد رصيد ريال مدريد عند 54 نقطة في المركز الثاني، بفارق الأهداف خلف برشلونة المتصدر، والذي سيواجه ريال سوسيداد، يوم الأحد، ضمن منافسات الجولة ذاتها.

وتأتي الهزيمة في وقت حساس بالنسبة لريال مدريد، الذي سيواجه أتلتيكو، يوم الثلاثاء المقبل، في ذهاب دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا.

وتقدم ريال مدريد عن طريق إبراهيم دياز في الدقيقة العاشرة، قبل أن يدرك بيتيس التعادل عبر جوني كاردوسو في الدقيقة 34.

وفي الدقيقة54 سجل إيسكو، لاعب ريال مدريد السابق، الهدف الثاني لريال بيتيس من ضربة جزاء.

وبدأت المباراة بضغط مبكر من جانب ريال مدريد، الذي استعان بالثلاثي فينسيوس جونيور وكيليان مبابي ورودريجو في خط الهجوم ،مع وجود القائد الكرواتي لوكا مودريتش في وسط الملعب.

 

وفي الدقيقة العاشرة نجح ريال مدريد في تسجيل هدف التقدم عن طريق إبراهيم دياز، حيث تحرك مبابي في وسط دفاع بيتيس، ومرر كرة للظهير الأيسر فيرلاند ميندي المنطلق من الخلف، ليمرر الأخير كرة أرضية لدياز الذي وضعها في الشباك.

ورغم تقدم ريال مدريد مبكرا، لم يركن بيتيس إلى الدفاع، وانطلق في هجمات متتالية بحثا عن هدف التعادل، واستعان بنجمه ولاعب ريال مدريد السابق إيسكو في قيادة الهجمات، إلى جانب البرازيلي أنتوني القادم من مانشستر يونايتد على سبيل الإعارة.

وفي الدقيقة 34 سجل بيتيس هدف التعادل عن طريق جوني كاردوسو، الذي ارتقى لعرضية إيسكو من ركنية نفذها، ليوجهها بضربة رأس في شباك البلجيكي تيبو كورتوا، حارس الريال، مسجلا هدف التعادل الذي أنتهى عليه الشوط الأول.

 وفي الشوط الثاني، كان بيتيس الأكثر نشاطا على المستوى الهجومي، واندفع في الكثير من المحاولات بحثا عن تسجيل هدف ثان، وتسبب ذلك في إزعاج كبير لدفاع ريال مدريد وحارسه كورتوا، الذي تصدى بدوره للعديد من الهجمات الخطيرة.

وفي الدقيقة 54، احتسب الحكم ضربة جزاء لبيتيس تسبب فيها أنتوني روديجير مدافع ريال مدريد، ليترجمها إيسكو بنجاح في الشباك مسجلا الهدف الثاني في شباك فريقه السابق.

وحاول ريال مدريد تعديل النتيجة، غير أنه اصطدم بدفاع محكم الإغلاق من جانب بيتيس والذي نجح بدوره في إبعاد الفرص الخطيرة عن مرمى الحارس أدريان، لاعب ريال مدريد السابق كذلك.

ولم تشهد باقي دقائق الشوط الثاني أي جديد، ليطلق الحكم صافرة نهايته والمباراة بفوز بيتيس 2/1، وهي النتيجة التي تأتي لتضع مركز ريال مدريد في الوصافة في خطر، بالإضافة إلى إهداره فرصة تصدر ترتيب المسابقة ولو مؤقتا على حساب برشلونة الذي سيواجهه سوسيداد الأحد.

مقالات مشابهة

  • شاب يسقط ميتًا خلال مباراة رمضانية في المغرب
  • بروتوكول تعاون بين صحة القليوبية ومستشفى الناس
  • بِحُجة الظلم الذي تتعرض له إسرائيل .. تل أبيب وواشنطن تدرسان رسميًا الانسحاب من محكمة العدل الدولية
  • شاب يسقط ميتاً خلال دوري رمضان بطنجة
  • المغرب: شاب يسقط خلال مباراة رمضانية ويُفارق الحياة
  • ميلان يسقط في «أجواء عدائية» و«مقاعد خالية»!
  • سيد الناس الحلقة 2 .. خالد الصاوي يسقط في وجود العائلة
  • حفتر يزور فرنسا بعد بيلاروسيا.. ماذا وراء زياراته الخارجية الآن؟
  • ريال مدريد يسقط في عرين بيتيس
  • زيلينسكي: لم نرتكب خطأ وواشنطن أرادت صفقة المعادن بشدة