الدوحة ـ كأنك تبني بيتا في الهواء، أو تزرع شجرة في السحاب، بهذه الكلمات يمكن وصف عملية الزراعة المائية "بدون تربة". ومع ظهور هذه الفكرة الزراعية قبل فترة فإنها وجدت زخما كبيرا خلال معرض إكسبو قطر للبستنة 2023، من خلال طرح نموذج مبتكر يعتمد على تحلية المياه المستخدمة في النباتات واستزراع الأسماك بجانب المواد المعاد تدويرها.

وركز جناح البستنة -التابع لجامعة حمد بن خليفة- في معرض إكسبو بشكل كامل على الزراعة المائية "دون تربة" باعتبارها أحد أهم الابتكارات المستقبلية للدول الصحراوية أو الدول التي تفتقد للموارد المائية اللازمة لإنتاج الغذاء.

دورة الزراعة

وقدم جناح البستنة نموذجا مصغرا لهذا النوع من الزراعة خلال فعاليات المعرض المقام بالدوحة حتى  من مارس/آذارالمقبل.

ويقول القائمون على الجناح للجزيرة نت إنهم يقدمون نموذجا مصغرا ومبتكرا لعملية الزراعة المائية "دون تربة"، وتعتمد على زراعة نباتات داخل أنابيب رأسية.

وتتغذى النباتات -وهي في معظمها عشبية- على المياه الواردة إليها من مضخات تقوم بدورة عمل في منتهى الدقة، فيما يشبه الدورة الدموية في جسم الإنسان، بحسب القائمين على هذا الجناح.

وبعد تغطية المياه للنباتات تتوجه إلى مسار آخر، في أنابيب أرضية، تحمل معها ترسبات عملية الري إلى أحواض المزارع السمكية التي تعلوها طبقة أخرى من النباتات تتغذى من المياه، مما يظهر أهمية الزراعة المائية في إنشاء مشاريع جديدة في مجال الاستزراع السمكي وتحسين الإنتاج المحلي من الأسماك.

تتغذى النباتات على المياه الواردة إليها من مضخات تقوم بدورة عمل في منتهى الدقة (الجزيرة)

 

ويوضح القائمون على جناح "البستنة" أن مشروع الزراعة دون تربة يعتمد بالكامل على مياه معاد تدويرها، مشيرين إلى  وجود نمذج صغير داخل الجناح يرصد دورة إعادة تحلية المياه من البداية وصولاً إلى الاستخدامات المتعددة سواء في ري النباتات أو تغذية الأسماك الموجودة في الأحواض.

وكشف القائمون على الجناح أن مشروع الزراعة المائية بالجناح، مشروع طلابي بالأساس، وسينقل إلى مؤسسة قطر عقب انتهاء المعرض لإجراء مزيد من البحوث الهادفة إلى توسيع رقعة الاستفادة من هذا النوع من الزراعات المتطورة التي تقاوم الأجواء الصعبة في البيئات الصحراوية.

يعمل جناح البستنة بمعرض إكسبو الدوحة على ترسيخ مفهوم تخضير الصحراء، وهو ما يشكل فرصة لبحث حلول مبتكرة تعالج مشكلة نقص المياه والتصحر، وتسمح بالتعامل مع التغيرات المناخية.

كما يعمل الجناح على خلق منصة تجمع الأشخاص والأفكار لتسريع وتيرة الابتكار والإبداع والبحث والتقدم العلمي في مجال الزراعة الحديثة لإنتاج غذاء آمن ومستدام لسكان العالم.

أحد أجنحة المعرض يقدم نموذجا لدورة الزراعة المائية (الجزيرة) التحول الرقمي الزراعي

ويدعم "إكسبو 2023 الدوحة" للبستنة الاستفادة من آخر البحوث والابتكارات بمجال التقنيات والأساليب الزراعية، خاصة في مجال التحول الرقمي الزراعي، بما يحقق الكفاءة في الإنتاج ويضمن الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية.

وتسهم جهود الزراعة المائية في:

تطوير الخدمات وتوطين المرافق الزراعية تعزيز الإنتاج المحلي عبر التوسع في استخدام تقنيات إنتاج المحاصيل المتطورة والمناسبة للظروف المناخية المحلية لزيادة المساحات المزروعة. تنفيذ مشاريع لتحسين كفاءة استخدام مياه الري في الزراعة، من خلال استخدام نظم الري الحديثة.

وأكد الأمين العام للمعرض الدولي للبستنة إكسبو الدوحة 2023 محمد علي الخوري، أن اللجنة المنظمة عملت على جذب جميع التقنيات العالمية التي تسهم في الحد من التصحر وزيادة الرقعة الخضراء والأراضي الزراعية، والمحافظة على الموارد اليسيرة من المياه الموجودة في الخليج.

وأضاف أن اللجنة تعمل على تشجيع المستثمرين على الاستثمار في الزراعة الحديثة، واستخدام التقنيات الجديدة التي تحافظ على المياه، مثل: الزراعة بتقنية الهيدروبونيك، والزراعة بالأنابيب العمودية، والزراعة بالتقنية المائية الفائقة.

وأوضح الخوري أن المعرض يستعرض عددا من التجارب لأنظمة زراعية حديثة أدخلتها المزارع القطرية، ولها مزايا عديدة في زيادة الرقعة الخضراء.

إنتاجية عالية

وقال رجل الأعمال القطري ناصر الخلف، إنه يمثل إحدى الشركات القطرية التي تعمل في مجال تطوير الزراعة والإنتاج الزراعي باستخدام التقنيات المتطورة لتوفير المياه وتحقيق الاستدامة، والحصول على إنتاجية عالية من المحاصيل.

وأضاف الخلف -في حديث للجزيرة نت- أنه يطبق هذه التقنيات بالفعل في المزارع الخاصة به، وذكر أن هناك أنظمة زراعة حديثة قابلة للتطبيق في الدول الصحراوية بشكل خاص، مثل: الهيدروبونيك والأكوابونيك والزراعة بالإضاءة.

وأوضح أن الزراعة بالإضاءة -على سبيل المثال- تعدّ إحدى الأنظمة المتطورة الحديثة التي تتم خلالها الزراعة في بيئة مغلقة بالكامل باستخدام إضاءة إل إي دي LED مما يسهم في إنتاج العديد من المحاصيل، دون ارتباط بدرجات الحرارة بالخارج.

واستعرض الخلف نظام زراعة الأكوابونيك، حيث تُروى النباتات بمياه الاستزراع السمكي عند إعادة تدويرها، ويسهم ذلك في حصول النباتات على الأسمدة الزراعية اللازمة لنموها، حيث تحتوي فضلات الأسماك على المغذيات العضوية مثل الأمونيا.

ونجح طلاب جامعة حمد بن خليفة بقطر في تصميم  نماذج متنوعة أخرى في محيط جناح "البستنة" بالمعرض. فبجانب الزراعة الرأسية للنباتات داخل الأنابيب، يوجد نوع آخر من الزراعة اللوحية المعروفة "بالبيت الأخضر" وهي أشبه بالمسطح الأخضر المتكامل المقسم إلى مربعات، يحوي كل مربع نوعا من النبات يتغدى وفقا لنظام ري شديد الدقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الزراعة المائیة فی مجال

إقرأ أيضاً:

الأراضي الزراعية في خطر .. شح المياه وطلبات تغيير الاستعمال يهددان الإنتاج الزراعي

تزايدت في السنوات الأخيرة طلبات تغيير استعمال الأراضي الزراعية وتحويلها إلى أراضٍ سكنية أو أراضٍ سكنية تجارية وفق موقع المزرعة أو الأرض، حيث يلجأ الكثير من مُلّاك هذه الأراضي لتغيير الاستعمال لعدة أسباب، من بينها الجدوى المالية نظير تغيير الاستعمال، وكذلك الصعوبات التي تواجه استمرارية الأراضي الزراعية نظرًا لشح المياه وصعوبات الحصول على تصاريح حفر أو تعميق آبار الري، مما يجعل من مُلّاك هذه المزارع يبحثون عن مسار آخر للاستفادة من أراضيهم واستثمارها.

في هذا الاستطلاع نتعرّف على وجهات نظر بعض القائمين على الأراضي الزراعية، سواءً من خلال الانتفاع أو إدارة هذه الأراضي، حيث قال الدكتور محسن بن ناصر السالمي: إن تزايد الطلب على تغيير استعمالات الأراضي الزراعية إلى سكنية أو سكنية تجارية له عدّة أسباب، منها ما هو عائد إلى الحكومة، ومنها ما هو عائد إلى ظروف طبيعية، وأخرى تعود إلى مالكي الأراضي أنفسهم، مضيفًا إن من الأسباب التي تعود إلى الحكومة -ففي رأيي- أن الأراضي الزراعية الكبيرة التي وزعتها الحكومة ما كان ينبغي أن تُملك للأفراد، وإنما تبقى ملكيتها للدولة، ويُعطى الأفراد صلاحية استثمارها فقط وفق عقود تُبرم، وشروط تُحدَّد، وبذلك فهو سيعمل على الاستفادة منها قدر المستطاع، ولا يفكر في ترك إصلاحها بغية تحويلها وبيعها بأثمان كبيرة، فإن تعذَّر قيامه بإصلاحها أوكل الأمر إلى غيره، وقال: إن مساحة كثير من الأراضي الزراعية التي وُزعت كبيرة جدًا، ونسبة ما يُستصلح منها قليل، وفي هذا إشارة إلى أن التوزيع وتحديد المساحات لم يكن مدروسًا، وكان من المفترض أن تسهم هذه المزارع إسهامًا ملموسًا في السوق المحلي وتغطي حاجته، أضف إلى ذلك قلّة الدعم من الحكومة، وضعف التسويق للمنتجات الزراعية -بعد أن كان ملموسًا لدى المزارعين لعدة سنوات- فأصبح كثير من المزارعين لا يجدون من يُعينهم على تسويق منتجاتهم، مما يوقعهم في الخسارة، ويشعرون بأن الزراعة -بدلًا من أن تكون مصدر رزق لهم- أصبحت عبئًا تُكلّفهم الجهد والمال، وأحد الإخوة ذكر لي قريبًا أن محصوله من البصل في مزرعته العام الماضي كان كبيرًا، وعندما عرضه للبيع قُدّم له مبلغ زهيد جدًا، وليس عنده قدرة على تخزينه، فبدلًا من تركه يفسد وزّعه على الناس، فمثل هذا كيف سيتشجع على زراعة شيء يعلم أن نتيجته الخسارة؟!

وقال: إن هناك أسبابًا تعود إلى الظروف البيئية، كقلّة المياه الجوفية أو شُحّها في بعض الأماكن، نتيجة لقلة الأمطار من ناحية، والاستخدام غير الرشيد للمياه من ناحية أخرى، مما أدى إلى ارتفاع الملوحة في المياه، وتأثُّر التربة بالملوحة والمواد الكيميائية المُضرّة التي كانت تُستخدم بكميات كبيرة في الزراعة، خصوصًا أن الكثير من المزارع سُلِّمت إلى الوافدين دون رقابة، وبذلك أصبحت المزارع خاوية على عروشها، لأنها غير صالحة للزراعة، ولا يملك أصحابها إمكانات لإصلاحها، مما يدفعهم إلى المطالبة بتحويلها إلى أرض سكنية أو أرض سكنية تجارية.

أما من الأسباب التي تعود إلى ملاك الأراضي أنفسهم، فقد يرى أصحاب المزارع -الذين كانت نيتهم الزراعة- أن مزارعهم لا تحقق لهم أرباحًا، ولم يصبحوا قادرين على زراعتها، ويرون في المقابل أن الأراضي السكنية والتجارية لها عائد مادي كبير، ولا يتطلب ذلك مجهودًا كبيرًا، وما يُصرف من أموال لتحويلها مُربح جدًا، وفي المقابل، هناك آخرون قدموا لأراضٍ زراعية ليس بهدف زراعي، وإنما لتحويلها مستقبلًا إلى أراضٍ سكنية وتجارية ليجنوا منها أموالًا طائلة.

عند الحديث عن أثر تقليص مساحات الأراضي الزراعية على البيئة، قال: لا شك أن لذلك تأثيرات، فإزالة الغطاء الأخضر تُسرّع من تغيّر المناخ، مما يؤدي إلى حدوث حالات طقس متطرفة مثل موجات الحر والفيضانات التي تهدد المجتمعات، فالمناخ والزراعة عمليتان مترابطتان، إذ يؤثر تغيّر المناخ على الزراعة بعدة طرق، وكذلك التغيرات في الآفات والأمراض، كما أن تقليص الأراضي الزراعية يؤثر سلبًا على الكائنات الحية الأخرى.

وفيما يتعلّق بحوافز وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، فقال: إن من بين الأسباب التي تجعل المزارعين يسعون إلى تحويل الأراضي الزراعية إلى استخدامات أخرى هو قلّة الحافز والدعم، فرغم الجهود التي تُبذل في هذا المجال، إلا أنه بحاجة إلى دراسة معمّقة، والخروج بنتائج تفضي إلى قرارات سيادية تتبناها الحكومة، بحيث يُجعل أمر الزراعة أولوية من أولويات الحكومة، فالزراعة صمّام أمان لكل دولة، فالدولة التي تُنتج غذاءها بنفسها تكون قادرة على الصمود والبقاء في الظروف الصعبة والقاسية.

تقنين الاستخدام

وفيما يتعلّق بعدم وجود مساحات لأراضٍ سكنية في الأماكن الحضرية، وكيفية التوفيق بين بقاء الأراضي الزراعية وبين تغيير استعمال أجزاء منها، قال السالمي: هنا يقتضي التمييز بين نوعين من الأراضي الزراعية، النوع الأول: أراضِ الأفلاج، فهي عادة ما تكون مساحتها بسيطة، ومنها ما يكون بها بناء قديم، فمثل هذه الحالة لا ينبغي التوسيع فيها بحيث يُسمح بالبناء فيها بما يستغرق جل الأرض، وإنما يُسمح بنسبة معينة من مساحة الأرض التي كان عليها بناء قائم، أما إذا لم يكن فيها بناء قائم، وكانت مساحة البستان كبيرة -قياسًا بمساحة الأموال الخاصة في عُمان- فلا ينبغي أيضًا التضييق على الناس في أملاكهم بالمنع أو وضع أرقام كبيرة في المساحة يندر وجودها في الأموال الخاصة، وفي هذه الحالة يمكن السماح بنسبة بسيطة لا تؤثر على مساحة الأرض الزراعية.

أما الأراضي الزراعية ذات المساحات الكبيرة (المزارع)، فإن كانت قديمة -أي ما قبل 1970- فهي في غالب الأحيان تكون تربتها خصبة، ويتوافر فيها الماء، ومثل هذه الأراضي ينبغي النظر في ظروفها وأحوالها، إلا أنه لا ينبغي التفريط فيها، والبحث عن حلول لتوفير المياه الصالحة للزراعة إن كانت المياه بها شحيحة في الوقت الراهن.

أما الأراضي الزراعية المستحدثة، ففي تقديري كثير منها تربتها غير خصبة، ولا تتوافر فيها المياه بشكل كافٍ للزراعة، وربما وُزعت دون دراسة لمدى صلاحيتها، ومدى توافر المياه في جوف الأرض، ووُزعت بمساحات شاسعة لم يُستغل منها إلا مساحات بسيطة، فمثل هذه الأراضي الزراعية ينبغي إعادة النظر فيها، إما بدعم الحكومة لأصحابها لاستصلاحها وتوفير المياه لها، أو بتحويلها إلى استخدامات أخرى.

منظور تجاري

وشارك في الحديث ناصر بن عبدالله العبادي، وكيل أوقاف سور وحارة العقر، حيث قال: يتزايد الطلب على تغيير الأراضي الزراعية إلى أراضٍ تجارية أو سكنية لعدة أسباب، من أهمها النمو السكاني والتوسع الحضري، حيث يزداد الطلب على المساكن والمرافق التجارية والخدمية، مما يدفع إلى التوسع الحضري على حساب الأراضي الزراعية، إضافة إلى ارتفاع القيمة العقارية، فغالبًا ما تكون قيمة الأراضي التجارية والسكنية أعلى بكثير من قيمة الأراضي الزراعية، مما يشجع أصحاب الأراضي على تغيير استخدامها لتحقيق أرباح أكبر، وكذلك التغيرات الاقتصادية كانخفاض العائدات من الزراعة، مما يدفع المزارعين إلى البحث عن مصادر دخل أخرى، مثل بيع أراضيهم أو تحويلها إلى استخدامات أخرى، وكذلك تطور البنية الأساسية يجعل الأراضي الزراعية أكثر جاذبية للاستخدامات التجارية والسكنية، ويؤدي تغيّر المناخ دورًا، حيث قد يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وانخفاض إنتاجيتها، مما يدفع المزارعين إلى البحث عن بدائل.

وأوضح العبادي أن هذا التغيير يؤدي إلى عدة آثار، كفقدان الأراضي الزراعية، وتقليل الإنتاج الزراعي، وكذلك التأثير السلبي على الأمن الغذائي، وتدهور البيئة، وزيادة التلوث، وتغيير التركيبة السكانية، والتأثير على التنوع البيولوجي، مضيفًا إن هناك جهودًا تنظيمية لتنظيم عملية تغيير استخدام الأراضي الزراعية، بهدف الحفاظ على الأراضي الزراعية وضمان الأمن الغذائي، وذلك من خلال وضع قوانين وسياسات تحدّ من هذا التغيير، وتشجع على الاستثمار في القطاع الزراعي، حيث إن تقليص مساحات الأراضي الزراعية له تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة، كفقدان التنوع البيولوجي، وأن الزراعة التقليدية تحافظ على تنوع المحاصيل، بينما الزراعة المكثفة التي تحلّ محلها غالبًا ما تعتمد على عدد محدود من المحاصيل، مما يقلل من التنوع البيولوجي، وتدهور التربة، حيث إن الأراضي الزراعية تساعد في الحفاظ على خصوبة التربة، إضافة إلى تلوّث المياه بالأسمدة والمبيدات المكثفة التي تتسرّب إلى المياه الجوفية والسطحية، أضف إلى ذلك، تقليص الأراضي الزراعية يزيد من جريان المياه السطحية، مما يزيد من تآكل التربة وتلوّث المياه، وعوامل أخرى كتغيّر المناخ والتصحر.

وحول إمكانية التوفيق بين بقاء الأراضي الزراعية وتغيير استعمال أجزاء منها في ظل التحدي المتمثل في محدودية الأراضي السكنية في المناطق الحضرية، قال العبادي: تبرز الحاجة إلى إيجاد حلول مبتكرة لتحقيق التوازن بين الحفاظ على الأراضي الزراعية وتلبية الحاجة المتزايدة للسكن، كالتخطيط الحضري المستدام، والتوسع الرأسي دون الحاجة إلى التوسع الأفقي على حساب الأراضي الزراعية، وإعادة تأهيل المناطق الحضرية القديمة، وإنشاء مدن جديدة مستدامة، واستخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة كالزراعة العمودية، والزراعة المائية، والزراعة الذكية، وكذلك وضع قوانين صارمة لحماية الأراضي الزراعية، وتقديم حوافز للمزارعين للحفاظ على أراضيهم، وكذلك نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الأراضي الزراعية من خلال حملات إعلامية، وبرامج تعليمية، وتحسين دخل المزارعين ورفع مستوى معيشتهم، وتشجيع الشباب على العمل في القطاع الزراعي.

شح الأراضي بمركز المدينة

بينما قال سليمان بن ناصر الكندي، وكيل وقف حارة السويق بولاية نزوى: إن من أهم أسباب إقدام المواطنين على تغيير استخدام الأراضي يعود إلى عدم توفّر أراضٍ مهيّأة، حيث يتم توفير أراضٍ سكنية حضرية بين الجبال، سواءً بهدم الجبال أو تحت سفوح الجبال مباشرة، مع نقص الخدمات وعدم توفرها لفترة طويلة، كذلك ارتفاع أسعار الأراضي السكنية المخصصة للبيع مقارنة بالأراضي الزراعية، لذلك يلجأ الكثير من مُلّاك الأراضي الزراعية إلى محاولة تغيير الاستخدام، كما أن من بين الأسباب القوية في ولاية نزوى بالتحديد، التي تسهم في إلحاح المواطن على تغيير الاستعمال، عدم وفرة الأراضي المتاحة، حيث إن أغلب الأراضي المنبسطة والسهلية تعود لمؤسسات حكومية أو جهات وقفية وأملاك قديمة، وأراضٍ تم توزيعها منذ بداية سنوات السبعينيات، لذلك لا يوجد البديل القريب، فترتفع أسعار الأراضي السكنية، ما يُغري أصحاب الأراضي الزراعية لتغيير الاستعمال للاستفادة المادية من فوارق الأسعار.

كذلك ضيق الأراضي السكنية في مخططات مدينة نزوى بوجود مجاري الأودية والجبال، وبعد المخططات السكنية الحديثة عن خدمات مركز المدينة -لتصل بعضها لقرابة ثلاثين كيلومترًا- يؤدي إلى زيادة الطلب على الأراضي السكنية بالمناطق الحضرية، وبالتالي محاولة تغيير الاستعمال، وأخيرًا، فإن تدهور محاصيل زراعية رئيسية مثل النخيل والليمون بسبب السياسات الزراعية والآفات، أدّى إلى تصحر الأراضي الزراعية، وبالتالي يلجأ أصحابها إلى البحث عن بديل لاستغلال هذه الأراضي باستعمالات غير زراعية، والأنسب تحويلها إلى عدة استخدامات أخرى كسكنية وسكنية تجارية.

ضوابط وإجراءات تنظيمية

وبعد عرض هذه الآراء، نقلنا التساؤلات إلى المختصين بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني، حيث تحدّث المهندس خلفان بن مسعود الناعبي، مدير عام التخطيط العمراني، عن تزايد الطلب على تغيير استعمالات الأراضي الزراعية إلى سكنية أو سكنية تجارية، فأوضح أن العملية في مجملها تنظيمية، ومبنية في إطار قانوني وإداري، حيث إن الأراضي الزراعية إذا كانت واقعة ضمن نطاق الاحتواء الحضري، فمن الممكن أن تتغير إلى استخدام آخر، ولكن إذا كانت الأراضي أيضًا تتداخل مع نطاقات أخرى، ومن أهمها نطاقات الأمن الغذائي الخمسة، وهي سياسة الأراضي الصالحة للزراعة المستقبلية، وسياسة زيادة إنتاجية الأراضي القائمة، وسياسة إعادة هيكلة المناطق غير المجدية اقتصاديًا، وسياسة حماية وإدارة مناطق المراعي، وسياسة تطوير قطاع الثروة السمكية بمواصفات عالمية؛ وبالتالي، إذا كانت الأرض قد وقعت ضمن نطاقات الأمن الغذائي وضمن نطاق الاحتواء الحضري، فإنها تبقى زراعية، ولا يتغير استخدام القطعة إلى استخدام آخر، وذلك للحفاظ على الأمن الغذائي والرقعة الخضراء في سلطنة عُمان.

وقال: إن الإجراءات المتبعة لدى الوزارة للموافقة على تغيير الاستعمال، إجراءات تنظيمية، ومن ضمنها اللائحة التنظيمية لضوابط تخطيط الأراضي في المادة (6)، التي شملت تغيير الاستخدام الزراعي إلى استخدام آخر إذا كانت الأرض قد وقعت ضمن النطاق الحضري، شريطة ألّا تكون مروية بالأفلاج أو العيون، على أن يتم ردم البئر وإزالة الإشغالات قبل تسلُّم سند الملكية بالاستعمال الجديد.

وأشار إلى أن هناك بعض الإجراءات التي تُنظّم عملية استخدام الأراضي الزراعية إلى استعمالات أخرى، بحيث تبقى في غرض الاستخدام نفسه، ومن ضمنها اللائحة التنظيمية لضوابط تخطيط الأراضي في المادة (19)، التي تنص على أنه يجوز إقامة المشروعات الزراعية ذات القيمة المضافة على الأراضي الواقعة في النطاق الزراعي، وذلك بعد موافقة وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه.

وكل هذه الإجراءات تهدف إلى ضمان استخدام الأراضي بطريقة تحقق التوازن بين التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد الزراعية.

مقالات مشابهة

  • جناح سلطنة عُمان في إكسبو 2025 أوساكا يفتح آفاقًا اقتصادية جديدة
  • وزارة الزراعة تعلن عن خطة لإصلاح الأراضي الصحراوية
  • الإمارات تكشف تفاصيل جناحها الوطني في “إكسبو 2025 أوساكا – كانساي” اليابان
  • الإمارات تكشف تفاصيل جناحها الوطني في «إكسبو 2025 أوساكا - كانساي» اليابان
  • «تقنيات إدارة الأزمات» يعرض الحلول المبتكرة في مجال الطوارئ
  • الإمارات تكشف عن جناحها في «إكسبو 2025 أوساكا – كانساي»
  • الزراعة: خطة لاستصلاح أكثر من 3 ملايين دونم من الأراضي الصحراوية في 2025
  • بينها النباتات المخدرة.. الزراعة تمنع استيراد وتداول 37 مادة في الأسواق المحلية
  • الأراضي الزراعية في خطر .. شح المياه وطلبات تغيير الاستعمال يهددان الإنتاج الزراعي
  • أسبوع عمان للمياه يستعرض الحلول المستدامة والتقنيات المبتكرة لإدارة القطاع