عُقاب تُربان النَقَب
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
ماجد المرهون
MajidOmarMajid@outlook.com
يتميز الطلاب الصغار في مراحل التعليم الأولى بنشاط حركي مُفرِط وهو أمر لا يدعو للقلق، وهكذا هو الحال مع الطالب "محمد الهيثم" في الصف الأول الابتدائي، عندما تركته والدته صباحًا في المدرسة وذهبت لاستكمال أعمال منزلها، طبعًا لا يُعاني طلاب فلسطين مشكلةً مع اليوم الدراسي الأول؛ حيث إنَّ البيئة قد صقلت شخصياتهم بشكلٍ غير معهود أو مُعتاد بالمقارنةِ مع أقرانهم من نفس المرحلة وفي معظم الدول.
يسأل مربي الصف الأستاذ عزالدين الطلاب عن أسمائهم بقصد التعريف ودمجهم ببعض حتى إذا وقف محمد الهيثم وقفة صلبةً مُعرفًا بنفسه سأله المعلم: ماذا يعني اسمك؟ فيجيب محمد رسول الله والهيثم لا أعرف؛ فأخبره المعلم أنه ابن العُقاب وهناك عدة أسماء للعقاب الصغير وسوف ألقبك من اليوم بـ"العقاب" لأنَّ نظراتك وحركاتك تشبهه، وكذلك كان أبوك.
يسعد جدًا الطفل اليتيم محمد بهذا اللقب وتلمع عيناه مع حديث المعلم؛ حيث يرى فيه وجه والده الراحل وهو يُعرفهم بكل تفاصيل بلادهم ويغرس فيهم الروح الوطنية العاشقة لأرضها ويوصيهم بِبِرها كبِرِّهم بأمهاتهم، والأطفال تفرحهم بعض الأمور البسيطة التي قد لا يتوقعها الكبار وتختلط المشاعر والأفكار بالقدرة التخيلية الواسعة لديهم، ويحلق معها طالبنا المستجد إلى عالم آخر مع حديث المعلم حتى إذا حانت ساعة انتهاء اليوم الدراسي الأول انطلق العقاب على صوت جرس المغادرة مخترقًا الطلاب ومن خلال باب المدرسة سريعًا يفرد يديه على أقصاهما مع لفحات هواء النقب الساخنة قاصدًا رأس الناقورة أقصى شمال فلسطين، ليعلو قليلًا فوق سطح الأرض ثم يسمو عاليًا على بادية تُربان وأكثر علوًا حتى يصل إلى طبقة هواء باردة تحمله وهو يلمح الغزال البري يسايره على الأرض والنمر المترصد وقطيع الأرانب يطارده القط الصحراوي.
يقرر تلْد العقاب المضي قُدمًا إلى عروس البادية قبل الوقوع في أسر عيني المها العربية؛ حيث يعمل أجداده في الزراعة وتربية المواشي التي باتت تجتذب الضباع المخططة، كما أجتذبت النقب وبئر السبع الضباع البشرية المحتلة للمكان والتاريخ لكن الأحداث الجارية تبشر بطردها، ومن هذا المعتلى ومع سرعة انطلاق العقاب يلوح له الوعل الفلسطيني في الأفق على سهل الطين الأحمر لبوادي الخليل المعفرة برائحة خشب الزيتون فيستقر به هبوطه التدريجي على زاوية مسجد الشيخ الصوفي علي البكاء ويسرح ذهنه مع صانعي الفخار والزجاج والجلود، فيفاجئه صوت الآذان لينطلق مجددًا حول جبل المنارة منحذبًا إلى إخضرار غزة البعيد وصدى صوت المعلم في الصف وهو يقول إن أيوني هو اسمها اليوناني وغاداتو عند المصريين القدماء، ويمد محمد الهيثم يده إلى حقيبته ليخرج عبوة الماء بعد أن استقر المقام بالعقاب قليلًا عند عين العوجاء ليشرب من قراح مائها النمير ويشاركه الحسون المغرد والحجل نفس الموئل والنيص والشيهم يرمقان من بعيد وما أكثر المتربصين بهذه الأرض الطاهرة.
عبر جبل الفردوس وريفهِ والطريق المشحونة بالحواجز إلى بيت لحم مهد النصرانية الأولى ومولد المسيح عليه السلام غير آبهٍ بعزلة الجدار وأجهزة الرقابة الحساسة إذ يجابه العقاب كل التيارات ويحطم في رحلته كل العقبات مع مقاومةٍ صلبةٍ لا تنثني يصل إلى شارع النجمة ويستلهم قدم المكان في لبنات كنيسة المهد التاريخية المتفاعلة مع محيطها ومشاعره تزداد شوقًا وتوقًا لتحرير صورة القدس في مخيلته ليراها واقعًا ملموسًا بعد أن شارفت صورتها المُقيدة على إتخاذ شكل الحقيقة في وعي الشعوب، كما تتخذ الآثار الرومانية الآن شكلًا واقعيًا لحضارة مدينة أريحا المجاورة حيث يستظل بأطلالها قط الأدغال الوحشي ولا يعلم عنها شيئًا سوى تتبع الفرائس وملامح التعجب والإعجاب تعلو وجهه المتجهم عند مشاهدة العقاب المنطلق صاروخيًا عبر مراويح السحاب في تشرين الثاني المبشرة بموسمٍ جيدٍ للأمطار خلال أربعينية الشتاء القادمة.
يستجمع التلْد صغير العقاب أنفاسه وقواه بين الرملة ويافا واللد ومتفكرًا في محاولات تهجير المُحتل لأهل هذه البلدات والقرى بينما تقصدها سنويًا ملايين الطيور المهاجرة القادمة من أوربا وأفريقيا ثم تعود لمواطنها بكل حرية وسلام دون أنانية أو نزعة تملك وإستئثار شخصي لممتلكات السكان الأصليين والمكان يتسع للجميع؛ طفق العقاب مجددًا بجناحيه العظيمين في وجهته إلى مساحات رام الله السندسية إذ بدأت تتناقص بسبب التوسع العمراني ولكن الزراعة في أرضها الخصبة الطيبة لاتزال هي صفة أهلها وزيت زيتونها هو الأجود، ومن حول شجرة البلوط المعمرة في قرية بلعين شرق الخط الأخضر يناور خبير التحليق شمالًا ويبدو أن العقبان والغزلان بدأت تزدهر في جبال بلدة دوما النابلسية وما أجمل الهدهد والوروار في وادي القلط المحمي بطولكرم.
من فوق حقول القمح الذهبية الممتدة في رحاب جِنين وسوامق نخيل بيسان المهددة وبقايا كنيسة البشارة البيزنطية في الناصرة إلى معمار المساجد والقبب والمعابد في طبريا ومع صوت المعلم عزالدين وقرب محمد الهيثم من بيته وهو فاتح ذراعية يبذل عقاب تربان جهدًا مضاعفًا لبلوغ أقصى الشمال مرورًا بالحديقة البهائية في مدينة حيفا عربية الأصالة على شاطئ المتوسط، ثم الطواف حول العمارة الفاطمية والعثمانية وعلى أعمدة الرخام الصليبية يتوقف في عكا وفي مدى بصرة الخارق جبل الشيخ وكنعان في صفد بلاد البساتين والأنهار وأرض العطاء الشمالية المرتفعة، ويسمع هنا محمد الهيثم نداء أمه "أين كنت بعد المدرسة، ولماذا تأخرت"؟
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تطلق أول برنامج بكالوريوس لتمكين قادة المستقبل في مجال الذكاء الاصطناعي
أطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أول برنامج بكالوريوس لتمكين الطلاب في مجال الذكاء الاصطناعي. ويتميّز البرنامج عن المناهج التقليدية بنهجه الشامل الذي يجمع بين المعرفة التقنية المعمّقة، ومهارات القيادة، وريادة الأعمال، وخبرة قطاع الصناعة، والتطبيقات العملية.
ويُعد برنامج بكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي نموذجاً مبتكراً متعدد التخصصات، حيث يزوّد الطلاب بأسس متينة في مجالات الذكاء الاصطناعي، ومنها تعلُّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية وعلم الروبوتات، ويشمل تدريباً مكثفاً في الأعمال والشؤون المالية والتصميم الصناعي وتحليل السوق والإدارة ومهارات التواصل. ويعتمد البرنامج على نهج عملي يعزز التفكير الريادي، ما يمكّن الطلاب من قيادة التحولات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعمل البرنامج أيضاً على إعداد كفاءات تتمتع بقدرات تحليل وابتكار مميّزة ومهارات متعددة لإيجاد حلول للتحديات والإسهام في التطوّر العلمي لهذا المجال.
وقال معالي خلدون خليفة المبارك، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، ورئيس مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: «يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في القطاعات الصناعية والاقتصادية على مستوى العالم، فيما تواصل الإمارات ترسيخ مكانتها الرائدة في هذا المجال. ويتجلى ذلك في برنامج بكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي الجديد الذي أطلقته جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والذي يجسد رؤيتنا لإعداد قادة المستقبل القادرين على استثمار إمكاناته لدفع عجلة الابتكار، وتعزيز النمو الاقتصادي، والإسهام في تحقيق التقدّم المجتمعي.»
وأضاف معاليه: «يسهم هذا البرنامج، من خلال تزويد الجيل المقبل بالمهارات التقنية المتقدّمة والفهم الشامل لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، في إبقاء دولة الإمارات في طليعة البحث والتطبيق والتسويق في هذا المجال. ويعزز تنمية المواهب الوطنية، ما يُسهم في بناء قوة عمل مؤهلة ومتخصصة تقود التحولات المستقبلية في الذكاء الاصطناعي، ليس لخدمة المنطقة وحسب، بل للعالم أجمع أيضاً».
وإلى جانب تزويد الطلاب بالمهارات التقنية الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، تُكثف جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي جهودها لإعداد الجيل المقبل من المبتكرين والمطورين والمديرين والقادة في هذا المجال. وانطلاقاً من هذه الرؤية، يعزز هذا البرنامج الشامل مهارات الطلاب القيادية، ويُكسبهم أساسيات الشؤون المالية والقانونية والإدارية، إضافة إلى مهارات التواصل والتفكير النقدي، ما يؤهلهم إلى دفع عجلة تطوير الذكاء الاصطناعي، واعتماد تطبيقاته في المستقبل.
ويعتمد البرنامج الجديد لبكالوريوس العلوم في الذكاء الاصطناعي على نموذج التعليم التعاوني الذي يتمحور حول التعاون بين المعلمين والطلاب، حيث يدمج الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب التجربة الأكاديمية، ليؤدي دوراً محورياً في عملية التعلّم. ويعزز هذا المنهج مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، ويؤهل الطلاب للتميّز في بيئة ديناميكية سريعة التطور يقودها الذكاء الاصطناعي.
وتشمل مساقات البرنامج التعلّم العميق، والذكاء الاصطناعي التوليدي، والذكاء الاصطناعي في مجال العلوم، إضافة إلى التدريب في مجالات الأعمال وريادة الأعمال. ويطّلع الطلاب من خلال البرنامج على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصحة والطب والاستدامة، وعلى تقنيات الرؤية ثلاثية الأبعاد والواقع المختلط. ويحظى الطلاب بفرصة العمل مع قادة عالميين في مختلف تخصصات الذكاء الاصطناعي، ويكتسبون خبرة عملية متميّزة مع فرق تطوير النماذج اللغوية المتقدمة، ومنها نموذج «جيس» الرائد عالمياً في اللغة العربية، ونموذج «كيه 2»، وهو نموذج لغوي قابل لإعادة الإنتاج يتفوق على أبرز النماذج التي أطلقها القطاع الخاص.
أخبار ذات صلةوقال البروفيسور إريك زينغ، رئيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والبروفيسور الجامعي: «سيكون البرنامج الجامعي الجديد الأوَّل من نوعه، حيث يجمع تعليم الذكاء الاصطناعي مع ريادة الأعمال وتحديد المشكلات، واكتساب المهارات الأساسية. ونحن بذلك نُعيد تعريف مفهوم التعليم في الذكاء الاصطناعي، إذ لا يقتصر البرنامج على إعداد مهندسين وحسب، بل نُعدّ أيضاً رواد أعمال ومصممين ومؤثرين ومديرين ومبتكرين قادرين على قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات، وفي جميع المراحل».
وما يميّز البرنامج أنه يجمع ما بين التدريب متعدد التخصصات والتعلّم العملي، حيث يطّلع الطلاب على مجالات متنوّعة، تشمل العلوم الإنسانية والأعمال والفنون الحرة، ليمنحهم منظوراً أوسع يتجاوز نطاق علوم الحاسوب والتخصصات العلمية التقليدية. ويكسبهم خبرة عملية من خلال فترات تدريب تعاونية في القطاع الصناعي، إلى جانب برامج تدريبية وإرشادية، وشراكات مع كبرى الجهات الفاعلة في مجالات الصناعة والبحث في الذكاء الاصطناعي.
وأضاف البروفيسور إريك زينغ: «لن يقتصر تعليم طلابنا على الجوانب النظرية والبرمجة وحسب، فعند تخرّجهم سيكونون قادرين على فهم المجتمع والأفراد بشكل معمّق ونقدي، وسيتمتعون بوعي شامل بديناميكيات الأسواق والاقتصاد. إضافةً إلى ذلك، سيكتسبون خبرة عملية وثقة تمكّنهم من قيادة مبادرات الذكاء الاصطناعي بفعالية ضمن الشركات القائمة أو في مشاريعهم الريادية الخاصة. فنحن نركز على إعداد خريجينا للتكيّف مع التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتميّز في قيادة الابتكار والتغيير».
ويشمل البرنامج مسارين أكاديميين هما: مسار الأعمال، الذي يركز على التكامل التجاري وريادة الأعمال، ومسار الهندسة، الذي يركز على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ونشرها، وتعزيز استخدامها في مختلف القطاعات.
وسينطلق الطلاب الذين يلتحقون بهذا البرنامج في مسيرتهم التعليمية في بيئة متكاملة تضم موارد حاسوبية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفصولاً دراسية ذكية، ومساحات مخصصة للحاضنات، وسيتتلمذون على أيدي هيئة تدريسية عالمية تتمتع بخبرة واسعة في الأوساط الأكاديمية والصناعية.
يُذكر أن التقدّم للالتحاق بهذا البرنامج متاح أمام الطلاب المحليين والدوليين، لأنه يهدف إلى استقطاب ألمع المواهب وأكثرها طموحاً، ما يعزز مكانة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كجهة رائدة في التعليم الجامعي في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقال البروفيسور زينغ: «نحن لا نكتفي بتعليم الطلاب، بل نُعدّ أجيال المستقبل من رواد الذكاء الاصطناعي والقوى العاملة المتخصصة في هذا المجال. فمن خلال هذا البرنامج الجامعي، تضع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي معايير جديدة في تعليم الذكاء الاصطناعي، لتضمن تزويد خريجيها بالمهارات والخبرات اللازمة لإحداث تحوّل جذري في مختلف الصناعات والقطاعات ودفع عجلة التقدّم على المستوى العالمي».
المصدر: الاتحاد - أبوظبي