في ظلِّ الأوضاع المأساويَّة الخارجة عن قدرة استيعاب العقل البَشَريِّ لِمَا يحدُثُ من جرائم حرب ومجازر بالعشرات يوميًّا بحقِّ أبناء الشَّعب الفلسطينيِّ في قِطاع غزَّة المُحاصَر، لا يبدو المُجتمع الدوليُّ وحْدَه عاجزًا عن اجتراح حلٍّ ما لإيقاف أنهار الدَّم، وإيقاف آلة النَّازيَّة الجديدة والتطهير العِرقيِّ، وإنَّما في أبسط المقاربات يبدو النِّظام العربيُّ الرَّسميُّ أعْجَزَ رغم ما يملكه من أوراق ضغطٍ؛ بمجرَّد توظيفها يُمكِنه وضْعُ حدٍّ لجرائم حرب النَّازيَّة الجديدة وجرائم التطهير العِرقيِّ الفاشيَّة.


وما يؤسَفُ له حقًّا هو أنَّ النِّظام العربيَّ الرَّسميَّ بدَلَ أنْ يأخذَ زمام المبادرة وتوظيف ما لدَيْه من أوراق ضغطٍ وقوَّة، أخذ يتسوَّلُ من المُلطَّخةِ أياديهم بدماء الأطفال والنِّساء والمُسنِّين الفلسطينيِّين «هدنةً إنسانيَّة»، وليس إيقافًا كاملًا وتامًّا لجرائم النَّازيَّة وانتهاكات الفاشيَّة الجديدة على أرض فلسطين المحتلَّة، الأمْرُ الَّذي أصبحَ يُثيرُ علاماتِ استفهامٍ كثيرةً تهطل مع كُلِّ مجزرة، ومع كُلِّ تهديد يُرسَلُ لِدوَل الجوار تحذيرًا من التدخُّل، ومع كُلِّ الإطباق والإجهاز الكامل على كتلة اللَّحم البَشَريِّ داخل قِطاع غزَّة الَّتي تَمضي فيها سكاكينُ النَّازيَّة والفاشيَّة الجديدة ولا تُحرِّك ساكنًا، دُونَ الانتباهِ إلى أنَّ ما يحدُثُ في غزَّة والضفَّة الغربيَّة ليس منعزلًا، وإنَّما هو دحرجة للحرب الأوسع في الإقليم، حيث ستنتقلُ آلَةُ الإبادة والتطهير العِرقي النَّازيَّة الصهيونيَّة إلى ما بعد غزَّة والضفَّة بعد الإجهاز عَلَيْهما، مدفوعةً بالأساطيل الحربيَّة الأميركيَّة ـ الغربيَّة، وبالأسلحة الأميركيَّة الفتَّاكة والمتطوِّرة جدًّا. ولا يُمكِن للمرء وهو يشاهد وضْعَ النِّظام العربيِّ الرَّسميِّ من كُلِّ ما يجري إلَّا أنْ يصلَ إلى قناعةٍ بأنَّ النِّظامَ منقسِمٌ على نَفْسِه بَيْنَ مؤيِّدٍ ورافضٍ، وهو ما يُعطِّل اتِّخاذ موقفٍ حازمٍ وصارم، رغم أنَّ المُتغيِّرات الدوليَّة المتمثلة في صعود قوى كبرى كجمهوريَّة الصِّين الشَّعبيَّة وروسيا الاتِّحاديَّة وجمهوريَّة الهند وغيرها، وتراجعِ دَوْر الولايات المُتَّحدة كقطب أوحد، من شأنها (أي المتغيِّرات) أنْ تشجِّعَ النِّظام العربيَّ الرَّسميَّ على اتِّخاذ مواقف غير مسبوقة؛ وذلك باستطاعتها تغيير تحالفاتها مع هذه القوى الكبرى الصَّاعدة أو حتَّى مجرَّد التلويح بذلك.
لذلك وبعيدًا عن أيِّ مبالغة، فإنَّ عمليَّة «طوفان الأقصى» مِثلما أسقطت أقنعةً وكشفَتْ شخوصًا ورموزًا متواطئة، ستواصلُ إسقاطَ الأقنعة وفضْحَ مَنْ يُمكِن تسميتُهم بـ»دواعش السِّياسة والتكفير والتفجير» الَّذين ركبوا موجة مُخطَّط التآمر الصهيو ـ أميركيِّ ـ غربيِّ لتدمير الدوَل العربيَّة الكبرى والوازنة، وإخراجها من المعادلات الإقليميَّة والدوليَّة باسم «الربيع العربي»، حيث الاجتماعات والمؤتمرات العاجلة لاتِّخاذ مواقف غير مسبوقة ضدَّ هذه الدوَل للإطاحة بها، والعمل على التدخُّل العسكريِّ، وتكوين تنظيمات إرهابيَّة وتسليحها وتدريبها بأسماء ما أنزل الله بها من سُلطان «معارضة معتدلة» و»ثوَّار»، وما فعلَه هؤلاء «المعتدلون» و»الثوَّار» ويفعلونه اليوم هو الترجمة أو النِّهاية العمليَّة الَّتي يتولَّاها اليوم الصهيو ـ أميركيِّ ـ غربيِّ للإجهاز على القضيَّة الفلسطينيَّة، ثمَّ التفرُّغ لِمَا ما بعد فلسطين والإجهاز عَلَيْه.. ويكفي دلالةً على ذلك، أنْ يحرِّكَ الصهيو ـ أميركيِّ ـ غربيِّ هؤلاء «المعتدلين» و»الثوَّار» ليواصلوا عمليَّة التدمير والقتل والتكفير والتفجير وفق دَوْرهم الوظيفيِّ مع كُلِّ رصاصةٍ تنطلق أو موقفٍ داعمٍ للشَّعب الفلسطينيِّ وقضيَّته العادلة.
ومع كُلِّ ما جرى ويجري، فإنَّ الرَّجاء أنْ توقظَ قضيَّة فلسطين العادلة ـ المُهدَّدة الآن بالتصفية ـ الضميرَ وتثيرَ صحوةً شاملة، وأنَّ ما سُمِّيَ زُورًا وبهتانًا «الربيع العربيَّ» لَمْ يكُنْ سوى مُخطَّط تآمريٍّ صهيوـ أميركيٍّ ـ غربيٍّ لِتَغييبِ الوعيِ العربيِّ وتزييفِ الحقائق، وتمهيدِ الطريق للوصولِ إلى تصفية القضيَّة الفلسطينيَّة الجاريةِ فصولُها الآن.
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الجدیدة ـ أمیرکی ـ غربی

إقرأ أيضاً:

صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء جراء العدوان إلى 37 ألفا و900 منذ طوفان الأقصى

أعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، الاثنين، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى "37 ألفا و900 شهيد و87 ألفا و60 إصابة" فلسطينيا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

 

وإلى جانب الضحايا، ومعظمهم أطفال ونساء، أسفرت الحرب الإسرائيلية التي تحظى بدعم أمريكي مطلق، عن أكثر من 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.

 

وقالت الوزارة في التقرير الإحصائي اليومي للضحايا: "الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجزرتين ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 23 شهيدا و91 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية".

 

وأفادت بـ"ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 37 ألفا و900 شهيد و87 ألفا و60 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي".

 

وشددت على أنه "لا زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم".

 

وسبق وأن أعلنت الوزارة، الأحد، ارتفاع ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى "37 ألفا و877 شهيدا و86 ألفا و969 إصابة".

 

وتواصل قوات الاحتلال هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.

 

كما تتحدى تل أبيب طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة.

 

وللعام الـ18يحاصر الاحتلال قطاع غزة، وأجبر حربه نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.


مقالات مشابهة

  • تطورات اليوم الـ272 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • أبرز تطورات عملية طوفان الأقصى
  • تطورات اليوم الـ271 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • إعلام عبري: أكثر من 5 آلاف فلسطيني في سجون الاحتلال من بعد طوفان الأقصى
  • قصة بسموت مؤسس سايت بت الإسرائيلية.. من منقذ أرواح إلى غريق في طوفان الأقصى
  • صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء جراء العدوان إلى 37 ألفا و900 منذ طوفان الأقصى
  • يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات
  • تطورات اليوم الـ270 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • عمليات كتائب القسام في اليوم الـ269 من "طوفان الأقصى"
  • طوفان تغيير المعادلات والموازين