القدس تتحول إلى أشباح .. مدينة السلام تعلن الحداد على ضحايا غزة.. والعالم يقاطعها وقت الحرب «شهادات من الداخل»
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
يبلغ عمر البلدة القديمة في مدينة القدس آلاف السنين، ويسافر الناس من جميع أنحاء العالم إلى هناك لرؤية التاريخ الممتد وأساس الأديان والإمبراطوريات، وهي المدينة التي أصبحت قبلة الجهاد الفلسطيني لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، وتبقى هي المحور الأساسي للصراع في الشرق الأوسط، وهنا يمكن البعض يتساءل، ما حال المدينة المقدسة في ظل أجواء الحرب الحالية في قطاع غزة، وكيف أصبحت شوارعها، وهل مازال هناك زوارها يتوافدون إليها.
ويبدو أن للمدينة نصيب من اسمها، حيث يطلق عليها مدينة السلام، وكيف تكون بحالة سلام في ظل الإجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والدماء التي تسال من الأبرياء، ووفقا لتقرير نشرته صحيفة npr الأمريكية، فإن القدس اليوم، يبدو التجول في المدينة القديمة وكأنها مدينة أشباح، ففي الحي اليهودي، يتردد صدى صوتك عبر الممرات المغطاة بالحجارة والشركات المغلقة، ولها تأثير حقيقي للغاية، ووفقا لوزير السياحة الإسرائيلي، قبل بدء الحرب بين إسرائيل وحماس، كان يدخل إسرائيل حوالي 15 ألف سائح يوميا، ولكن في 30 أكتوبر، كان هناك 26 سائحًا فقط للبلاد بأكملها.
حرب نتنياهو خراب على المدينة
وبحسب الصحيفة الأمريكية، تعتمد العديد من المطاعم والمحلات التجارية بالقدس على التدفق المستمر للسياح لكسب رزقها، وقد ألحقت الحرب التي يشنها نتنياهو على الشعب الفلسطيني أضراراً بالغة باقتصاد القدس، فالتجول في المدينة القديمة والتحدث إلى أصحاب المتاجر يوفر نظرة ثاقبة حول كيفية تأثيرها على السكان المحليين، وفي جولة لمراسل الصحيفة الأمريكية داخل المدينة، ترصد واقعها، حيث يفتح مهران كريكوريان بار النبيذ الصغير والأنيق الخاص به ليكشف عن أكثر من عشرة طاولات وكراسي مكدسة على الجدران. لديه تصاريح بالحصول على 16 طاولة في الخارج وأربعة في الداخل، لكنه لم يكلف نفسه عناء وضع أكثر من عدد قليل في الآونة الأخيرة، ويقع مطعم كريكوريان في شارع مزدحم عادة في الحي الأرمني بالمدينة القديمة.
ويقول: "إن إدارة المكان تتطلب أموالاً كثيرة، وإذا كان هذا هو الوضع سيستمر، فسنبدأ في خسارة الكثير شهريًا، لهذا السبب نعيد التفكير، ونحاول التحدث مع مالك المساحة، حتى نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الإيجار وكل شيء، كما تعلمون، حتى تعود الأمور إلى أقدامنا، إنه رجل جيد"، وكريكوريان هو أرمني من الجيل الثالث يعيش في القدس، فر أجداده إلى هنا خلال مذبحة الأرمن في العقد الأول من القرن العشرين. ويقول إن مطعمه محبوب بسبب طعامه الأرمني، وإنه يريد أن يُعرف بأنه المكان المفضل للنبيذ الأرمني أيضًا - وكان قد بدأ للتو في استيراده مع بدء الحرب، لكنه توقف لأنه لم يتمكن من تحمل تكاليفه.
زوجتي فلسطينية ولها عائلة بغزة .. الثقل العاطفي لا يطاق
ويقول كريكوريان إن الصعوبات المالية منتشرة على نطاق واسع، وأن العديد من أصدقائه عاطلون عن العمل في الوقت الحالي، ولكن الثقل العاطفي للصراع يشكل عبئا منفصلا، ولا يطاق، ويصعب تحمله، فزوجته فلسطينية ولها عائلة في غزة، يقول: "لذلك يشعر الجميع بعدم الارتياح والاكتئاب، على الأقل لا يزال لدينا منزل نذهب إليه. كما تعلمون، الأمر صعب للغاية".
أما مقهى بجالي وكو هو مطعم فلسطيني كوري يقع في الحي المسيحي في البلدة القديمة، أطلقت ناتالي بجالي اسم المطعم على اسم عائلة والدها ووالدتها، باعتبارها امرأة فلسطينية كورية، أرادت أن تشارك الطعام الذي نشأت وهي تستمتع به، ولمدة ثلاثة أشهر كانت مفتوحة – لقد فعلت ذلك، ولكن بجالي أغلقت أبوابها بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة ولم تفتح أبوابها منذ ذلك الحين، وتقول: "في الماضي، إذا حدث أي موقف في القدس أو في البلاد، فإن المكان الأول الذي سيتم ضربه هو على الأرجح البلدة القديمة، وكما ترون أثناء السير في المدينة، لا يوجد الكثير من الناس، وليس هناك الكثير من حركة المرور، والناس خائفون من النزول".
عقلي مع أهل غزة
ويقع مطعم بجالي بالقرب من كنيسة القيامة، والتي تعد عادةً موقعًا شهيرًا للحج بالنسبة للمسيحيين. في وقت سابق من هذا الأسبوع، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الناس يتجولون داخل الكنيسة، وكانت المنطقة المحيطة بها فارغة في الغالب، وكانت مساحة هذا المطعم مملوكة لعائلة باجالي منذ عشرينيات القرن الماضي، لكنها غير متأكدة من موعد إعادة افتتاحه أو ما إذا كان سيتم إعادة افتتاحه، وتقول: "أنا ممتنة لكوني آمنًا هنا، ولكن تغيرت الأولويات الآن، فأولوياتي لم تعد من شأني بعد الآن، إلى حد ما، فعقلي في مكان آخر، مع أهل غزة".
فيما يعد متجر إيتاي ليفي أحد المتاجر الوحيدة المفتوحة في شارع الحي اليهودي، ونوافذه مبطنة بقيثارات خشبية صغيرة يصنعها يدوياً من خشب السرو، يقول ليفي وهو يمسك بهذه الآلة: "هذه تسمى كينور، إنها آلة يهودية عزف عليها الملك داود، إنها مثل قيثارة صغيرة - قيثارة ذات ثمانية أوتار"، ولقد كان مفتوحًا أيضًا لمدة ثلاثة أشهر فقط. ويقول إنه منذ الحرب، توقفت الأعمال التجارية تقريبًا، ولافتة اسم متجره مكتوبة بالعبرية، وعندما سئل عن معناها يترجم: "عمل السلام" الذي يغيب وقت الحرب"، وتابع: "نحن في حرب، فأنا يهودي، ولا أملك الكلمات لوصف الأثر العاطفي الذي خلفته هجمات 7 أكتوبر عليه، فكل يوم أتعامل مع الأمر... كل يوم يشبه مغامرة جديدة."
حمص لينا خاوي فالناس خائفون
وفقا لسكان القدس المحليين، يعتبر حمص لينا أفضل مكان للحمص في المدينة. إنه مطعم صغير الحجم، وعادةً ما يتجمع حوله جميع أنواع الأشخاص في هذا الوقت من اليوم، يملكها غالب عبد الفتاح زهدي، الذي يقف خلف منضدة صغيرة يحطم دفعة جديدة من الحمص في وعاء كبير، ويقول زهدي باللغة العربية: "الوصفة التي لدي هي التي تعلمتها من والدي". كان هذا هو متجر والده قبل أن يتولى منصبه، وقد كان مفتوحًا لمدة 35 عامًا.
ويقول إنه يُعرف أولاً بأنه مسلم، ثم عربي، ثم فلسطيني. ويقول: "جميع أنواع الأشخاص مرحب بهم هنا"، قبل أن يضيف أنه لم يكن هناك أي عمل تقريبًا في الشهر الماضي. واليوم، لا يوجد سوى عميل واحد يجلس في المتجر، ويقول زهدي إنه يعرف والده أيضًا، وعلى الرغم من عدم مرور أحد، إلا أنه يقول إنه يظل مفتوحًا للخروج من المنزل وتمضية الوقت، ويقول إن مجرد تشغيل المياه والكهرباء يكلفه المال.
وبحسب الصحيفة الأمريكية يقول غالب : "في الأسابيع الأربعة الماضية، كان لدي عدد قليل جدًا من العملاء... عدد قليل جدًا من العملاء اليهود، فالناس خائفون فقط، والحمد لله أنني بخير، ولكن كل ما يحدث حولي مزعج للغاية، يؤلمني أن أرى ذلك يحدث، لكنني بخير".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فی المدینة عدد قلیل ویقول إن
إقرأ أيضاً:
مسرح المدينة يحيي اللقاءات الثقافية بعد الحرب: الموسيقى تولّد الأمل
كتبت فيفيان حداد في" الشرق الاوسط": يشهد "مسرح المدينة" في قلب بيروت، نشاطات مختلفة تصبّ في خانة إحياء اللقاءات الثقافية بعد الحرب. ويأتي حفل "التناغم في الوحدة والتضامن" لفرقة الموسيقى العربية لبرنامج زكي ناصيف في "الجامعة الأميركية" من بينها. وهو يُقام يوم 29 كانون الأول الحالي، بقيادة المايسترو فادي يعقوب، ويتضمَّن أغنيات وطنية وأناشيد خاصة بعيد الميلاد.يوضح مدير برنامج زكي ناصيف في "الجامعة الأميركية"، الدكتور نبيل ناصيف، لـ"الشرق الأوسط"، أنّ الحفل يهدف إلى إرساء الوحدة بين اللبنانيين، والموسيقى تُسهم في تعزيزها. ويتابع: "الوحدة والتناغم يحضران بشكل ملحوظ. فالفرق الموسيقية والمُنشدة المُشاركة تطوّعت لإحيائه من جميع المناطق. لمسنا هذه الروح أيضاً من خلال مسابقة سنوية لفرق كورال المدارس، فلاحظنا تماسكها وحبّها الكبير لإعادة إحياء موسيقى زكي ناصيف. أجيال الشباب تملك علاقة وطيدة بوطنها وجذوره، عكس ما يعتقده البعض". يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح. يُعلّق ناصيف: "لا نقيمه من باب انتهاء الحرب، وإنما ليكون دعوة من أجل غدٍ مفعم بالأمل. فالحياة تستمرّ؛ ومع قدرات شبابنا على العطاء نستطيع إحداث الفرق". يتألّف البرنامج من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية. في القسم الأول، ينشد كورال برنامج زكي ناصيف في "الجامعة الأميركية" تراتيل روحانية مثل "يا ربّ الأكوان"، و"إليك الورد يا مريم"، وغيرهما.
وفي فقرة الأغنيات الوطنية، سيمضي الحضور لحظات مع الموسيقى والأصالة، فتُقدّم الفرقة مجموعة أعمال لزكي ناصيف وزياد بطرس والرحابنة. يشرح ناصيف: "في هذا القسم، سنستمع إلى أغنيات وطنية مشهورة يردّدها اللبنانيون؛ من بينها (وحياة اللي راحوا)، و(حكيلي عن بلدي)، و(اشتقنا كتير يا بلدنا)، و(غابت شمس الحق)، و(مهما يتجرّح بلدنا). اللبنانيون يستلهمون الأمل والقوة منها. فهي تعني لهم كثيراً، لا سيما أنّ بعضها يتسّم بالموسيقى والكلام الحماسيَيْن".
يُنظَّم الحفل بأقل تكلفة ممكنة، كما يذكر ناصيف: "لم نستعن بفنانين لتقديم وصلات غنائية فردية من نوع (السولو)، فهي تتطلّب ميزانيات مالية أكبر لسنا بوارد تكبّدها اليوم. وبتعاوننا مع (مسرح المدينة)، استطعنا إقامته بأقل تكلفة. ما نقوم به يشكّل جسر تواصل بين اللبنانيين والفنون الثقافية، وأعدّه جرعة حبّ تنبع من القلب بعد صمت مطبق فرضته الحرب". تتألّف الأوركسترا المُشاركة من طلاب الدراسات الموسيقية في "الجامعة الأميركية"، وينتمي المنشدون في فريق الكورال إلى "مجتمع الجامعة الأميركية في بيروت"؛ من بينهم أساتذة وطلاب وموظفون، إضافة إلى أصدقاء تربطهم علاقة وثيقة مع هذا الصرح التعليمي العريق.
أشرفت على تدريب فريق الكورال منال بو ملهب. ويحضر على المسرح نحو 30 شخصاً، في حين تتألّف الفرقة الموسيقية من نحو 20 عازفاً بقيادة المايسترو فادي يعقوب.
يعلّق الدكتور نبيل ناصيف: "من شأن هذا النوع من المبادرات الفنّية إحياء مبدأ الوحدة والتضامن بين اللبنانيين. معاً نستطيع ترجمة هذا التضامن الذي نرجوه. نتمنّى أن يبقى لبنان نبع المحبة لأهله، فيجمعهم دائماً تحت راية الوحدة والأمل. ما نقدّمه في حفل (التناغم في الوحدة والتضامن) هو لإرساء معاني الاتحاد من خلال الموسيقى والفنون".
ثم يستعيد ذكرى البصمة الفنية التي تركها الراحل زكي ناصيف، فيختم: "اكتشف مدى حبّ اللبنانيين للغناء والفنّ من خلال عاداتهم وتقاليدهم. تأكد من ذلك في مشهدية (الدلعونا) و(دبكة العونة)، وغيرهما من عناصر الفلكلور اللبناني، وارتكازها على لقاءات بين المجموعات بعيداً عن الفردية. متفائل جداً بجيل الشباب الذي يركن إلى الثقافة الرقمية ليطوّر فكره الفنّي. صحيح أنّ للعالم الافتراضي آثاره السلبية في المجتمعات، لكنه نجح في تقريب الناس مختصراً الوقت والمسافات".