حميد عقبي: التجربة الشعرية للشاعرة المصرية أمينة عبدالله.. نزعة لتقديس الأنوثة
تاريخ النشر: 6th, July 2023 GMT
حميد عقبي
كثيرًا ما تقع الشاعرة المصرية أمينة عبدالله في مشاكل وملاحقات في المحاكم بسبب بعض العبارات أو الكلمات في نصوصها الشعرية، وسبق أن تم اعتقالها سياسياً عام 2019 حتى قبل ديوانها ديوانها “بنات للألم” والذي صدر بعد محنتها المؤلمة. وواجهت أمينة تهمًا أخرى على خلفية إلقاء قصيدة لها خلال أمسية شعرية في كانون الثاني/ يناير 2021.ولسنا بصدد مناقشة هذه القضايا وحدوثها، سوء فهم أحيانًا للمحتوى الشعري لنصوص أمينة وغيرها. فكل يوم نسمع عن رفع دعاوي وتوقيفات بحق الكثير من المبدعين والمبدعات، قد يُحاكمون على كلمة أو عبارة. وهذا أيضًا يحدث في الكثير من بقاع الكون طالما يوجد كتابة وإبداع. المتأمل للكثير من النصوص التي تكتبها وتنشرها أمينة عبدالله يجد أن ثمة نزعة قوية لتكون القداسة المطلقة للأنثى، أي أنثى من المخلوقات. وهي كثيرًا ما ترسل رسائلها إلى الله، تخبره بما يحدث هنا، تهمس ببعض خوفها وترقص في لحظات البهجة والفرح. وإليكم هذا النموذج:
سأخبرك يا الله
عن امرأة تعرف كل أمارات الحب
تعرق اليدين وارتجافهما عن خلق حجة لمسك اليد
احمرار الوجنتين
النظرة الخجولة
امرأة تعرف بالضبط متىتبدأ العلاقة
تعرف النظرة الأولى
وعلامة اللايك التي تلمس قلب الحبيبة، لا صفحة الفيس بوك
امرأة تعشق طفولة الحبيب الذي لم تكن تعرفه وقتها
تقدر لماذا يتصدق حبيب على حبيبته الراحلة بضمير مستريح
كل هذه المعارف يا الله
تصاغرت/تلاشت
أمام إدراك الحب.
هذا النص يحتوي على همسات إلى الله، والبوح بالوجع، ونوعًا من فقدان فهم الآخرين للشاعرة وربما للمرأة بشكل عام. وكأن الشاعرة مؤمنة تمامًا بقدرة المرأة على كشف الزيف وأنها ليست جزءًا من ضلع ذكوري أعوج، هي العارفة والعالمة لحقيقة وجوهر الحب وحتى اللذة، ولا تحتاج لمغريات مادية ولا أكاذيب الكلام. وهذه المعرفة ليست مجرد معرفة كلامية، بل معرفة جسدية وثقة قوية بمعرفة الجسد. كأنها تلمح إلى أن المرأة التي لا تعرف جسدها تعد ناقصة في الأنوثة وناقصة في اللذة والسعادة. وثمة جهل يتراكم ويتضخم من الذكور والرجال، جهل بكينونة الأنوثة وسحرها وقداستها التي منحها الخالق، وهي ليست قداسة حديثة مكتسبة وزائلة. في النموذج الثاني، وهو نص فيه تحطيم للأبوية المتسلطة بكل أشكالها القديمة والحديثة، وتقول:ـبيت أبي القلعة الذي بيننا والأحلام
المواعيد الصارمة التي لا تقبل أعذارًا
كانفجار إطار سيارة الأجرة
أو غلق الطريق لمرور موكب مسئول
أبي ككل أقرانه الريفيين
الطامعين في الخروج من الشقة المشتركة
إلى شقة مستأجرة
أو أرض ملك في عشوائيات المدينة
أبي مانح الحريات
كالذهاب بنا للسينما والمسرح والمصيف
كان يخجل من كلام الأصدقاء
بأنه منفتح ولا أخلاقي
منحنا لبس الفقراء الذي يضمن له عفة المظهر
هذه الحريات المقيدة
مسختنا بين رفض العادات والتقاليد
والعيش معها مرغمين
سرنا في اتجاهين كأم القرفة
لن نلتقي بأحلامنا ولن نعود
سلطة المال المتجلية في “ستي عيشة”
التي حرمت عمي “عبد الوهاب عتمان” من ورثه
كي لا يمتلك نصف منزل في المدينة
كي يعود لأرضه وبيت أبيه
لم يعد عمي يا ستي
تخلى عن كل رفاهيته
لاستئجار شقة في الورديان
بدلاً من محرم بك
واستأجر معها السكر
وقدما صناعية
وخربت أرضك وصارت أبراجًا سخيفة
وخوى بيتك الكبير …
الآن بين ما كنا نصبو إليه
وما نحن فيه
نتصالح مع بعض العادات والتقاليد
وأصير سلطة أبوية
وأتقبل الازدواجية التي تسير بها الحياة.
قد لا نكون مع حكاية ذاتية خاصة، وهذه القد لا نكون مع حكاية ذاتية خاصة، وهذه الأحداث تحدث في كل قرية وحارة وللمئات من الفتيات. ونحن هنا مع أب مانح لبعض الحريات ومنفتح، لكن ما حوله مغلق. ترصد أمينة متغيرات مجتمعية تحدث ويتضخم فيها الاستبداد، حيث تنسحق الطبقة المتوسطة وتتعقد الحياة المعاشة. أب منفتح ولكنه يخجل من سخرية الأصدقاء، وتحدث الازدواجية والمسخ، وتتعدد أساليب وأشكال القيود السلطوية، وتنقلنا أمينة من البيت الصغير وما يعج به من أحلام التحرر وتنوع القمع، إلى الوطن الكبير ووهم الحرية والصراعات على السلطة. وهي تصور بأشكال غير مباشرة لقراءة الواقع الكوني المتناقض، والضحية هي الأنثى التي تُحرم من أبسط الحقوق والرغبات، كالذهاب إلى السينما أو المصيف. تصور المشاهد بشكل دلالي النزعة المادية لنا كبشر، والخواء الروحي، والتناقضات الأخلاقية، والتي تحيل حياتنا لتمثيلية ساذجة مليئة بالهشاشة والازدواجية. القداسة المطلقة للأنوثة تتمظهر في جعل المرأة الكاشف الحقيقي لكل الكذب والزيف. وهنا لسنا مع رفض للرجل أي الآخر. تحتوي نصوص أمينة على مادة تبوح بالرغبة واللذة مع الآخر والحب. ولكن الرجل قد يكون ناقص قلبًا ومشاعرًا، وقد يعجز أن يرتقي لمستوى هذه القداسة ويكتسب منها ليطهر ما بداخله من استبداد ومادية. وقد يخون ويغدر. إليكم نموذجنا الثالث والأخير:ـكان البكاء حاضرًا بقوة بيننا
كانت شكواي من الخيانة جدًا مؤلمة
جدًا حزينة
وكنت مستمعًا جيدًا، معلقًا بكلمات قصيرة محددة عميقة
كنت محبًا وودودًا
أخبرتني أن السيدات أمثالي يملكن الثأر
ولكنني وحدي استطيع العفو
عفوت بحبك عن جميع خيباتي
حبك شجرتي المظللة الوارفة
حبك هو الحب.
لسنا مع امرأة حديدية وقاسية. هي حالمة وباحثة عن الحب. هي قد تبكي وتتألم وتحتاج لحضن حبيب. كأنها تريد أن تقول إن أفضع وأقبح ذنب هو الخيانة والغدر. ولأنها تعرف معدن الرجل وضعفه الطيني، فهي تصرح بعفوها وتغفر هذه الزلة الجسيمة. كأننا مع امرأة تحاول ترويض الحبيب وتطهيره، وأن ترتقي به إلى سماواتها المقدسة الأنيقة. وهو نداء لكل النساء لفهم هذا الرجل الإنسان الناقص، الذي لا يمكن أن يكتمل إلا بوجود حبيبة تزرعي شجرة الحب. ورغم كل هذا، تجامله ببعض الألفاظ، لعله يتروض وينتهز الفرصة للولوج إلى هذا العالم الفردوسي، أي الحب.المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
كم عدد الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعها على الجبل؟
استعرضت قناة المحور قصة الطيور التي أمر الله تعالى نبيَّه إبراهيم -عليه السلام- بتوزيعها على الجبال وتعد من القصص القرآنيّة التي تحمل معاني عميقة ودروسًا عظيمة عن قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، وفي هذا المقال سنتحدث عن عدد الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعها على الجبل، وكذلك سنعرض التفاصيل المرتبطة بهذه القصة كما وردت في القرآن الكريم.
عدد الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعهابناءً على ما ورد في القرآن الكريم في سورة البقرة، فإن عدد الطيور التي أمر الله تعالى نبيَّه إبراهيم أن يوزعها على الجبال هو أربعة طيور. فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:
{إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة: 260]
وهكذا، أمر الله تعالى إبراهيم أن يأخذ أربعة طيور ويقوم بذبحها وتوزيع أجزائها على جبال مختلفة، ثم دعا الطيور لتعود إليه بعد إحيائها بإذن الله.
جاء في القرآن الكريم أن نبي الله إبراهيم -عليه السلام- طلب من الله تعالى أن يُريه كيف يحيي الموتى، فقال: "رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ". فكان السؤال من إبراهيم عليه السلام بناءً على رغبته في زيادة إيمانه وطمأنينة قلبه، ولم يكن من شك في إيمانه بالله وقدرته على الإحياء والإماتة. فأجابه الله تعالى قائلاً: "أَوَلَمْ تُؤْمِن؟"، فأجاب إبراهيم عليه السلام: "بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي".
ثم أمر الله تعالى نبيه إبراهيم أن يأخذ أربعة طيور، ويذبحها، ويقطعها إلى أجزاء، ويوزع كل جزء منها على جبل مختلف. بعد أن فعل إبراهيم عليه السلام ما أمره الله به، دعاهن ليأتين إليه سعيًا، فبعث الله تعالى الروح في هذه الطيور، فأتت إليه سعيًا بعد أن كانت قد ماتت، وذلك لكي يظهر له قدرة الله تعالى على إحياء الموتى ويطمئن قلبه.
هذه الحادثة تعتبر دليلاً عظيماً على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى وعلى البعث الذي يحدث في يوم القيامة، وهو أمر يفوق إدراك الإنسان ولكنه يشهد لعظمة الله عز وجل.
دلالة القصة وأهميتهاقصة الطيور التي أمر الله إبراهيم بتوزيعها على الجبل تأتي لتظهر لنا قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، كما تبرز أهمية اليقين بالله والتأكد من قدرته على كل شيء. ولقد أكد القرآن الكريم في هذه الآية على أن الإيمان بالله يتطلب تسليمًا كاملًا بعظمته، فحتى إبراهيم -عليه السلام- وهو نبي مرسل، طلب من الله أن يُريه كيفية إحياء الموتى لكي يطمئن قلبه.