لاشك أن قصص الصراعات بين الأعراق المختلفة وخاصة الهنود الحمر وذوي الأصول الافريقية في مواجهة البيض الوافدين كانت وما تزال تشكل إطارا فكريا واجتماعيا وأرضية يستند اليها التاريخ الأميركي الحديث.

ومهما تم تبسيط ذلك الصراع الدامي والتغطية عليه الا ان وقائع كثيرة واكثر من ان تحصى كانت وما تزال حاضرة في العقل الجمعي الأميركي وتؤثر بشكل مباشر في الوعي الفردي وصولا الى شعور بوطأة الضمير الجمعي وهو يحاكم تلك الظواهر.

من هنا يعود المخرج الأميركي الكبير مارتن سكورسيزي الى الواجهة وقد تعدى سن الثمانين وأخرج قرابة 28 فيلما خلدتها الشاشات، ليعيدنا الى تلك الانعطافات الخطيرة والاستثنائية في الحياة الأميركية وليقدم لنا اكثر الشخصيات توحّشا وتعبيرا عن موت الضمير وتكلّس الوعي والمشاعر الملوثة المليئة بالكراهية.

فها هو يتحه الى اقتباس فيلمه هذا والذي ما يزال موضع جدل ومناقشات ويتصدر عناوين الصحف والمواقع الالكترونية واهتمامات النقاد، فيأخذه عن كتاب بالاسم نفسه صدر عام 2017 للصحفي الأميركي ديفيد غران، وهو كتاب احتل واجهات المكتبات منذ صدوره في سنة 2017 لأنه حفر عميقا في الواقع الأميركي من خلال توثيق سلسلة من العمليات الإرهابية التي كان القصد منها تصفية السكان الأصليين في العشرينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي قتل خلالها العديد من أعضاء قبيلة أوسيدج في في ولاية أوكلاهوما ، وهي جرائم قتل متسلسلة طالت عائلات ثرية بعينها بقيت غامضة ومجهولة الفاعل.

هنا سوف تكون قبيلة اوسيدج من الهنود الحمر، سكان اميركا الأصليين وخاصة ولاية اوكلاهوما هم مادة القتل، والسبب في ذلك هو الثروة الهائلة التي جعلت لكل عائلة بثرا نفطيا مما اسال لعاب البيض وأجج اطماعهم فالأرض لاتباع بمخزوناتها الهائلة من الثروات الطبيعية بل يمكن ان تورث.

على ان محور هذه الدراما والعنصر المهم فيها انما يتزامن مع اول المشاهد التي يظهر فيها آرنست يوركهارت – يؤدي الدور الممثل ليوناردو دي كابريو، جريح الحرب العالمية الأولى الذي مزقت الحرب احشاءه وها هو يلوذ بعمه وليام هيل، يقوم بالدور الممثل روبرت دي نيرو فهو نائب عمدة فيرفاكس، البلدة التابعة لولاية أوكلاهوما، والذي يمثل السلطة في البلدة وهو الذي يفتح عينيه على كل من في المدينة من منطلق المسؤولية ويمثل دور العطوف على جميع السكان دون استثناء والمهتم بشؤونهم بينما هو اليهودي الماسوني المتطرف الذي يؤمن بأحقية العرق الأبيض وبالتخلص من الاجناس والاعراق الأخرى.

وهنا سوف يبرز دور عائلة من الهنود الحمر – الأوساج التي يتساقط افرادها تباعا في سلسلة جرائم لا يعرف فاعلها لكن التحول الدرامي في وسط ذلك يكمن في قرار آرنست الزواج من مولي كايل – تؤدي الدور الممثلة ليلي غلادستون وهي من سلسلة العائلات الهندية الاصلية الثرية ومن خلال حب شفاف وجميل لم يكن لأرنست من ورائه من هدف سوى حبه لتلك الفتاة التي سوف تنجب له العديد من الأبناء بينما يكون العم قد بدأ باستغلال ذلك الزواج لصالحه من خلال الفتك بعائلة مولي تباعا وحتى الفتاة نفسها المصابة بداء السكري يوهمها بعلاجها بعقار قادم توّا من الخارج هو خلاصة انسولين الابقار لكنه كان سما قاتلا كاد ان يودي بحياة مولي.

تتوالى الاحزان وتفقد الزوجة اعزاءها تباعا وهنا سوف تكون شخصيتا الزوج والزوجة هما اللتان تنطويان على مزيد من التعقيد والاشكاليات المركبة التي تنطوي عليهما كل منهما.

فمن جهة وجدنا مولي مثالا للمرأة والأم التي تنثر حنانها بهدوء وتخلص لزوجها ومع ان بإمكانها ان تقرأ من هم من حولها وتصل الى قناعة ان أولئك البيض الذين يموجون من حولها في مشهد مؤثر للغاية هم كارهون لها ولعرقها الهندي وانهم يسعون بلا هوادة لاجتثاثهم وهي ترى في زوجها خاضعا خضوعا شبه تام لعمه ذا الوجهين، رجل الحكومة والمخطط للجرائم.

والحاصل ان مولي جسدت دورا باذخا وغزير التعبير وسوف يشكل علامة فارقة في مسارها الابداعي.

اما لجهة الزوج ارنست فهو الذي عاد محطما من الحرب لكي يعيش حياة مسالمة تحت جناح عمه ولكي تمضي حياته بسلام فإنه يؤدي فروض الطاعة لذلك العم الخبيث وينفذ أوامره، هو في هذا الدور جبان ومتردد وخانع وينفذ بشكل او بآخر جرائم العم وبما فيها جرائم سقطت فيها شقيقتا زوجته وبمعنى اخر انه وجه طعنات قاتلة لزوجته وهما اللذان يتبادلان مشاعر الحب والإخلاص وكدليل على انصياعه فإنه يحرص على حقن الزوجة بسموم لا يتحقق منها.

هذان الخطان المتوازيان قدما صورة حياة الهنود الحمر من خلال وجهة نظر مولي ولهذا تستمع لخطب زعاماتهم المليئة بالحزن والإحباط بسبب خساراتهم لأعزائهم وعدم نجدتهم من طرف السلطات الفيدرالية، انهم الاثرياء الذين صارت ثرواتهم وبالا عليهم واما من جهة أخرى فهنالك حياة ثلة من البيض من قتلة مأجورين ومدمني مخدرات وصعاليك ومضاربين ومحتالين وهم الذين يستغلهم ارنست وعمه استغلالا كاملا لضرب الهنود الحمر بلا رحمة.

تتشابك هذه الخطوط الدرامية لتكون نسيجا سرديا فريدا ملفتا للنظر زج فيه المخرج الكبير سكورسيزي خلاصة خبرته ليقدم خطابا سينمائيا مكتملا وقطعة فنية فريدة تنضح بالحس التاريخي ولا تفارق الحس الجمالي.

فلكي يجذر تلك الدراما في نطاقها الزمني نراه يستخدم الوثائق الفيلمية وحتى المقطع الفيلمية المصورة في تلك الحقبة ليقدم لنا حصيلة وافرة ومتميزة وبذلك كان يخرج من نطاق الايهام بالدراما وطابعها الخيالي الى ما هو اكثر مصداقية وواقعية من خلال إحالة تلك الوقائع الى حيزها التاريخي.

من جهة أخرى تجده يقدم شخصياته وهي تتنازعها قوى غامضة وغالبا نزعات شريرة وذلك في نطاق اجتماعي كان محوره العم هيل الذي جسد شخصية الماسوني اليهودي في واحد من الأدوار الملفتة للنظر التي اداها روبرت دي نيرو ببراعة في المقابل كانت شخصية ارنست تنسحق تحت وطأة كمية الشر السائدة فيما هو ينقاد اليها حتى يستيقظ في القسم الأخير من الفيلم ليقرر ان يكون مع نفسه ومخلصا امام ذاته ومنفصلا بشكل نهائي عن عمه ومن دون رجعة.

هذه المحصلات كلها تم توظيفها بكل غزاراتها على صعيد نسيج الصورة واللون والحركة وجماليات المونتاج لتقديم شكل سينمائي كلاسيكي متدفق جماليا وحيث عمق حياة الهنود الحمر وعقائدهم وطقوسهم تقابلها حياة البيض وحفلاتهم الراقصة الصاخبة ونزعاتهم الانانية واطاعهم.

واما اذا توقفنا امام المراجعات النقدية وما كتبه عدد من نقاد السينما وفي العديد من الصحف والمواقع العالمية فإنه كثير جدا وذلك لاسباب عديدة من ابرزها انه أحدث أفلام المخرج الكبير مارتن سكورسيزي وقد نضجت وترسخت تجربته السينمائية والذي زج فيه ممثلين كبار من وزن دي نيرو وكابريو وغيرهم.

من وجهة نظر الناقد برايان تاليريكو في موقع روجر ايبيرت،

" هذا الفيلم يجسد دراما تاريخية بارعة، عن الشر الذي يتفاعل على مرأى من الجميع. هذه هي قصة الرجال الذين تعاملوا مع جرائم القتل ببرود تام، وأصدروا أوامر بقتل الأشخاص وكأنهم يطلبون مشروبًا في الحانة. لقد سار سكورسيزي على خط رفيع بين سرد قصة محددة جدًا لزوجين في قلب المأساة وبين التعمق سينمائيا في الطبيعة الأكثر توحشا للشر الكامن في الذات البشرية".

بينما يكتب الناقد كسان بروكس في الغارديان البريطانية قائلا " ان هذا الفيلم يقدم تراجيديا سوداء حول كيفية انتصار الغرب الأميركي، وإعادة انتاج "جنة عدن" أميركية تجسدها منطقة جرداء قاحلة وحيث الفاكهة الوحيدة هي النفط الخام والدم على الأرض هو الذي يزرع بذور المستقبل لإنتاج مزيد من الشر والانتقام".

....

اخراج / مارتن سكورسيزي

تمثيل/ روبرت دي نيرو، ليوناردو دي كابريو، ليلي غلادستون، جيس بليمونس

سيناريو/ ايريك روث ومارتن سكورسيزي

انتاج وتوزيع / أبل وبارامونت وآخرون

التقييمات/ 93% روتن توماتو، 8 من 10 أي أم دي بي، 4 من 5 موقع روجر ايبيرت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال دی نیرو

إقرأ أيضاً:

من كلّ بستان زهرة -97-

من كلّ #بستان #زهرة -97-

#ماجد_دودين

فَاسْمَعْ صِفَاتِ عَرَائِس الْجَنَّاتِ ثُمَّ … اخْتَر لنَفْسِكَ يَا أَخَا العِرْفَانِ

حُوْرٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا … وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النّسْوَانِ …

مقالات ذات صلة إنه الأردن يا سادة 2025/04/21

حَتَّى يَحَارُ الطَّرْفِ فِي الْحُسْنِ الَّذِي … قَدْ ألْبِسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ

وَيَقولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا … سُبْحَان مُعْطِي الْحُسْنِ وَالإِحْسَانِ

وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِن كِؤوسِ جَمَالِهَا … فَتَراهُ مِثْلَ الشَّارِب النَّشْوَانِ

كَمُلَتْ خَلاَئِقُهَا وأَكْمِلَ حُسْنُهَا … كالبَدْرِ لَيلَ السِّتِ بَعْدَ ثَمَانِ

والشَّمْسُ تَجْرِيْ في مَحَاسِنِ وَجهِهَا … والليلُ تَحتَ ذوائِبِ الأغْصَانِ

فَتَرَاهُ يَعْجَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ ذَاكَ مِن … لِيلٍ وَشَمْسٍ كَيفَ يَجْتَمِعَانِ

فَيَقُولُ سُبْحَانَ الذِيْ ذَا صُنْعُه … سُبْحَانَ مُتْقِنِ صَنْعَةَ الإنسانِ

وَكِلاَهُمَا مِرْآةُ صَاحِبِهِ إذا … مَا شَاءَ يُبْصِر وَجْهَهُ يَرَيَانِ

فَيَرَى مَحَاسِنَ وَجْهِهِ في وَجْهِهَا … وَتَرَى مَحَاسِنَهَا به بِعَيْنَانِ

حُمْر الخُدُوْدِ ثُغُورُهُنَّ لآليِءٌ … سُودُ العُيُونِ فَوَاتِرُ الأجْفَانِ

والبَدْرُ يَبْدُو حِينَ يَبْسُمُ ثَغْرُهَا … فَيُضِيءُ سَقْف القَصْر بالجُدْرَان

وحكيَ أنَّ معاويةَ سأل عَمْرًا رَضِيَ اللهُ عنه عن المُروءةِ، فقال: (تقوى اللهِ تعالى وصِلةُ الرَّحِمِ. وسأل المغيرةَ، فقال: هي العِفَّةُ عمَّا حرَّم اللهُ تعالى، والحِرفةُ فيما أحَلَّ اللهُ تعالى. وسأل يزيدَ، فقال: هي الصَّبرُ على البلوى، والشُّكرُ على النُّعمى، والعَفوُ عِندَ المقدِرةِ. فقال معاويةُ: أنت مني حَقًّا)

قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ رحمه الله: (النَّاسُ يحتاجون إلى مُداراةٍ ورِفقٍ، والأمرِ بالمعروفِ بلا غِلظةٍ، إلَّا رجُلٌ مُعلِنٌ بالفِسقِ فقد وجب عليك نهيُه وإعلامُه؛ لأنَّه يقالُ: ليس لفاسِقٍ حُرمةٌ، فهؤلاء لا حُرمةَ لهم).

يا غَافلاً عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ … جَدَّ الرَّحِيْلُ وَلَستَ باليَقْظَانِ

سَارَ الرفَاقُ وَخَلفُوكَ مَعَ الأولى … قَنعُوا بِذَا الحَظِ الخَسِيْسِ الفَانِ

وَرَأيْتَ أكْثَرَ مَنْ تَرَى مُتَخَلِّفَاً … فَتَبَيعهُم فَرَضِيْتَ بالحِرْمَانِ

لَكنْ أتَيْتَ بخُطَّتَيْ عَجْزٍ وَجَهْـ … ـلٍ بَعْدَ ذا وَصحِبْتَ كُلَّ أمَانِ

مَنّتْكَ نَفْسُكَ باللحُوقِ مَعَ القُعُو … دِ عَن المَسِيْر وَرَاحَةِ الأبدَانِ

قال ابن القيم رحمه الله:

فَيَا سَاهيًا فِي غَمْرِة الجَّهْلِ والْهَوَى … صَرِيْعَ الأَمَانِي عَنْ قَرِيبٍ سَتَنْدَمُ

أَفِقْ قَدْ دَنَى الوَقْتُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ … سِوَى جَنَّةٍ أَوْ حَرِّ نَارٍ تَضَرَّمُ

وَبِالسُّنَّةِ الغَرَّاءِ كُنْ مُتَمَسِّكًا … هِي العُرْوَةُ الوُثْقَى الَّتِي لَيْسَ تُفْصَمُ

تَمَسَّكْ بِهَا مَسْكَ البَخِيْل بِمَالِهِ … وَعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُ

وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا … فَمَرْتَعُ هَاتِيْكَ الْحَوَادثِ أَوْخَمُ

وَهَيِّئ جَوَابًا عِنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا … مِنْ اللهِ يَوم العَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ

بِهِ رُسُلِيْ لَمَّا أَتَوْكُمْ فَمِنْ يَكُنْ … أَجَابَ سوَاهُمْ سَوْفَ يُخْزَى وَيَنْدَمُ

وَخُذْ مِن تُقَى الرَّحْمَنِ أَعْظَمَ جُنَّةٍ … لِيَوْمٍ بِهِ تَبْدُو عِيَانًا جَهَنَّمُ

وَيُنْصَبُ ذَاكَ الْجِسْرُ مِنْ فَوْقَ مَتْنِهَا … فَهَاوٍ وَمَخْدُوْشٌ وَنَاجٍ مُسَلَّمُ

وَيَأتِيْ إِلَهُ العَالَمِيْنَ لِوَعْدِهِ … فَيَفْصِلُ مَا بَيْنَ العِبَادِ وَيَحْكُمُ

وَيَأْخُذُ لِلمَظْلُومِ رَبُّكَ حَقَّهُ … فَيَا بُؤْسَ عَبْدٍ لِلْخَلائِقِ يَظْلِمُ …

وَيَنْشُرُ دِيْوَانُ الْحِسَابِ وَتُوْضَعُ الْـ … ـمَوازِيْنُ بِالقِسْط الَّذِي لَيْسَ يَظْلِمُ

فَلا مُجْرِمٌ يَخْشَى ظُلاَمَةَ ذَرَّةٍ … وَلاَ مُحْسِنٌ مِن أَجْرِه ذَاكَ يَهْضَمُ

وَتَشْهَدُ أَعْضَاءُ الْمُسِيء بِمَا جَنَى … كَذَاكَ عَلَى فِيْهِ الْمَهَيْمِنُ يَخْتُمُ

فَيَالَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالُكَ عِنْدَمَا … تَطَايَرُ كُتْبُ العَالَمِيْنَ وَتُقْسَمُ

أَتَأْخُذُ بِاليُمْنَى كَتَابَكَ أَمْ تَكُنْ … بِالأُخْرَى وَرَاءَ الظَّهْرِ مِنْكَ تَسَلَّمُ

وَتَقْرَأ فِيْهَا كَلَّ شِيء عَمِلْتَهُ … فَيْشْرَقُ مِنْكَ الوَجْهُ أَوْ هُوَ يَظْلِمُ

تَقُوْلُ كِتَابِي فَاقْرَؤوُهْ فَإِنَّهُ … يُبَشِّرُ بِالفَوْزِ العَظِيْمِ وَيَعْلَمُ

وَإِنْ تَكُنْ الأُخْرَى فَإِنَّكَ قاَئِلٌ … أَلا لَيْتَنِي لَمْ أوْتَه فَهُوَ مَغْرَمُ

فَبَادِرْ إذًا مَا دَامَ فِي العُمْرِ فُسْحَةٌ … وَعَدْلُكَ مَقْبُوْلٌ وَصَرْفُكَ قَيِّمُ

وَجُدَّ وَسَارِعْ وَاغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا … فَفِي زَمْن الإمْكَانِ تَسْعَى وَتَغْنَمُ

وَسِرْ مُسْرِعًا فَالْمَوتُ خَلْفَكَ مُسْرِعًا … وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌ وَمَهْزَمٌ

قال يحيى بنُ مُعاذٍ: (على قَدْرِ حُبِّك للهِ يُحِبُّك الخَلقُ)

إِلَى مَتى أَرَى يا قَلْبُ مِنْكَ التَّرَاخِيَا … وَقَدْ حَلَّ وَخَطُّ الشَّيْبِ بالرَّأْسِ ثَاوِيَا

وأخْبَرَ عن قُرْبِ الرَّحِيلِ نَصِيْحَةً … فَدونَكَ طَاعَاتٍ وَخَلِّ المَسَاوِيَا

وَعُضَّ عَلَى مَا فَاتَ مِنْكَ أَنَامِلاً … وَفَجِّرْ مِنَ العَيْنِ الدّمُوعَ الهَوَامِيَا

فَكَمْ مَرَّةٍ وَافَقْتَ نَفسًا مَرِيْدَةً … فَقَدْ حَمَّلْتُ شرًا عليكَ الرَّوَاسِيَا

وَكَمْ مَرةٍ أَحْدَثتَ بِدْعًا لِشَهْوَةٍ … وَغَادَرْتَ هَدْيًا مُسْتَقِيْمًا تَوَانِيَا

وَكَمْ مَرَّةٍ أَمْرَ الإِله نَبَذْتَهُ … وَطاوَعْتَ شَيْطَانًا عَدُوًّا مُدَاجِيَا

وَكَمْ مَرَّةٍ قد خُضْتَ بَحْرَ غِوَايَةٍ … وَأَسْخَطْتَ رَبًا باكْتِسَابِ المَعَاصِيَا

وكَمْ مَرَّةً بِرَّ الإِله غَمصْتَهُ … وقد صِرْتَ في كُفْرانِهِ مُتمَادِيَا

وَلاَ زِلْتَ بالدُّنْيَا حَرِيْصَا وَمُوْلَعًا … وَقَدْ كُنُتَ عن يومِ القِيَامَةِ سَاهِيا

فَمَا لَكَ في بَيْتِ البلا إِذْ نَزَلْتَهُ … عَن الأهْلِ والأحْبَابِ والمَالِ نَائِيَا

فَتُسْأَلَ عن رَبٍّ وَدِيْنِ مُحَمَّدٍ … فإن قُلْتَ هَاهٍ فَادْرِ أنْ كُنْتَ هَاوِيَا

وَيَأْتِيْكَ مِن نارٍ سَمُومٌ أَلِيْمَةٌ … وَتُبْصُرُ فِيْهَا عَقْربًا وَأَفَاعِيَا

ويا لَيْتَ شِعْرِيْ كَيْفَ حَالُكَ إذْ نُصِبْ … صِرَاطٌ ومِيْزَانٌ يُبينُ المَطَاوِيَا

فَمَنْ ناقشَ الرَّحْمَنُ نُوْقِشَ بَتّةً … وَأُلْقيَ في نَارٍ وإِنْ كَانَ وَالِيَا …

هُنَالِكَ لا تَجْزِيْهِ نَفْسٌ عنِ الرَدَى … فَكُلُ امْريءٍ في غَمِّهِ كانَ جَاثِيَا

كُلُّ قومٍ إذا تحابُّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاوَنوا، وإذا تعاوَنوا عَمِلوا، وإذا عَمِلوا عَمَروا، وإذا عَمَروا عُمِّروا وبوركَ لهم.

أَنَا العَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا … وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا

أَنَا العَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا … عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا …

أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ … صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا

أَنَا العَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا … فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا

أَنَا العَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمرِي … فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا

أَنَا العَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ … أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا

أَنَا العَبْدُ السَّقِيمُ مِن الْخَطَايَا … وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا

أَنَا العَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ … حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا

أَنَا العَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي … وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا

أَنَا العَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي … إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا

أَنَا الغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا … وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا

أَنَا المَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي … وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا

أَنَا المُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا … وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا

فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى … وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا

وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ … يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا

وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ حشْرِي وَنشْرِي … بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا

تَفَطَّرَت السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ … وَأَصْبَحَت الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا

إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا … حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا

وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي … إذَا مَا أَبْدَت الصُّحُفُ الْعُيُوبَا

وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ … أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا

وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى … إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَت الْقُلُوبَا

تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا … عَلَى مَنْ كَانَ ظَلَّامًا مُرِيبَا

فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا … خُطَاهُ أَمَا يأني لَكَ أَنْ تَتُوبَا

أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا … رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا

وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ … جَنَابًا للمنيب له رحيبا

وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا … وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا

وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا … وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا

وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ … تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا

فَمَنْ يُخْبَرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا … مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا …

وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا … طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا

فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ … إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا

وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا … يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا

وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ … يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا

وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ … بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا

وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا … وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا

تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُودعتَ قَبْرًا … وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا

وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا … إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا

وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا … وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا

تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا … إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا

وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا وذَا حَيَاءٍ … طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا

قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّك إذا أحبَبتَ الشَّخصَ للهِ كان اللهُ هو المحبوبَ لذاتِه، فكلَّما تصوَّرْتَه في قلبِك تصوَّرْتَ محبوبَ الحقِّ فأحبَبْتَه؛ فازداد حبُّك للهِ، كما إذا ذكَرْتَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأنبياءَ قبلَه والمُرسَلين وأصحابَهم الصَّالحين، وتصوَّرْتَهم في قلبِك، فإنَّ ذلك يجذبُ قلبَك إلى مَحَبَّةِ اللهِ، المنعَمِ عليهم وبهم، إذا كُنتَ تحِبُّهم للهِ. فالمحبوبُ للهِ يجذِبُ إلى مَحَبَّةِ اللهِ، والمحِبُّ للهِ إذا أحبَّ شخصًا للهِ فإنَّ اللهَ هو محبوبُه، فهو يحِبُّ أن يجذِبَه إلى اللهِ تعالى، وكُلٌّ من المحبِّ للهِ والمحبوبِ للهِ يَجذِبُ إلى اللهِ)

مقالات مشابهة

  • ما أبرز الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا عبر التاريخ؟‎
  • من كلّ بستان زهرة -97-
  • الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشه
  • غرام الحسناوات..من هي الممثلة التركية سيفيل أكداج التي أنهت حياة صديقتها بـ30 طعنة؟
  • “فلكية جدة”: المشهد الذي سيظهر في سماء المملكة فجر الجمعة المقبل هو اقتران بين هلال القمر وكوكب زحل
  • “فلكية جدة”: المشهد الذي سيظهر في سماء المملكة فجر الجمعة المقبل.. اقتران بين هلال القمر وكوكب زحل
  • الجنرال الأميركي الذي لا تريد إسرائيل ضرب إيران دون وجوده
  • الأردن يرحب بالتوافق الأميركي الإيراني الذي أعلنت عنه سلطنة عُمان
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما
  • كرياكوس ترأس صلاة الهجمة وعيد الفصح في طرابلس: للابتعاد عن العنف والدمار الذي دمّر حياة الشعوب