إنتاج بدائل غير ضارة للسكر باستخدام بكتيريا الأمعاء
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
هل يمكن الحصول على سكر بمذاق مقبول قريب من سكر المائدة التقليدي (السكروز) منخفض السعرات الحرارية؟
شكلت الإجابة على هذا السؤال محورا لكثير من دراسات كيمياء الغذاء التي حاولت البحث عن بدائل مقبولة من حيث المذاق للسكر التقليدي. وكان العثور على تلك البدائل يصطدم بمعضلة الإنتاج بشكل اقتصادي، وهي المشكلة التي يزعم فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا الأميركية أنه نجح في حلها مع أحد البدائل المشهورة، وهي سكر "الأليلوز"، وذلك من خلال تنشيط عملية طبيعية في أحد الكائنات الحية الدقيقة لإنتاج هذا السكر.
والأليلوز -المعروف أيضا باسم "بسايكوز"- هو سكر نادر موجود بشكل طبيعي في الفواكه والقمح بتركيزات منخفضة جدا، ويمكن استخلاصه -إلى جانب السكريات النادرة الأخرى- من مصادرها الطبيعية. غير أن كميته المنخفضة تجعل المنتج النهائي مكلفا للمصنعين والمستهلكين على حد سواء. لكن الفريق البحثي من قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، أعلن في دراسته المنشورة بالعدد الأخير من دورية "ساينس أوف فود"عن حل تلك المشكلة، وذلك عبر طريقة لإنتاج وفير وعالي النقاء باستخدام "الأشركية القولونية"، وهي بكتيريا سلبية تسكن الأمعاء الغليظة في الإنسان.
البكتيريا.. كيف تحولت لمصنع إنتاج؟
وتمتلك "الأشركية القولونية" الإنزيمات اللازمة لتصنيع الأليلوز، لكنها لا تستخدمها لهذا الغرض. فقام باحثون بتعديل عملية التمثيل الغذائي بتلك البكتيريا لجعل خلاياها تقوم بهذه المهمة، حيث تستهلك الخلايا كل الجلوكوز الذي يتم تغذيتها به وتحوله إلى الأليلوز بتركيز جدير بالملاحظة، وإنتاجية تزيد عن 60%، ونقاء يزيد عن 95%، متفوقة على طرق الإنتاج الحالية، والتي تقتصر عادة على مستويات أقل بكثير من الإنتاج والنقاء، مما يتطلب تقنيات فصل باهظة الثمن لعزل الأليلوز من مادة الجلوكوز والفركتوز الأولية.
ويقول شوتا أتسومي أستاذ الكيمياء بجامعة كاليفورنيا في ديفيس والباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: إن "طريقتنا الجديدة فعالة ومجدية اقتصاديا، ويمكن توسيع نطاقها للإنتاج التجاري". ويضيف أن هذه الطريقة تمتلك عائدا نظريا يزيد عن 99% مع درجة نقاء عالية، ولا تحتاج إلا للحد الأدنى من المعالجة لعزل المنتج المطلوب.
وقدمت جامعة كاليفورنيا في ديفيس، طلبات براءات اختراع بشأن العملية والكائنات المعدلة وراثيا التي تقوم بها، ويعمل الباحثون مع شريك تجاري لمناقشة توسيع نطاق العملية.
متعة المذاق وتقليل السعرات
ويتوقع الباحثون أن يحقق منتجهم انتشارا تجاريا عند تسويقه، حيث يوفر الأليلوز ما يقرب من 70% من نكهة وطعم سكر المائدة التقليدية (السكروز)، ومع ذلك يتم استقلابه بشكل ضئيل أثناء مروره عبر الجسم.
ويقول الباحثون في دراستهم، إنه "من خلال دمجه في المنتجات الغذائية، يمكن للأفراد تقليل السعرات الحرارية التي يتناولونها من السكر مع الاستمرار في تلبية رغبتهم في النكهات الحلوة، مما يقلل من معدلات السمنة، بالإضافة إلى أن له تأثيرا غير محسوس على مستويات السكر في الدم والأنسولين".
وبسبب استهلاك الأطعمة مرتفعة السعرات الحرارية، تضاعفت معدلات السمنة العالمية ثلاث مرات في الفترة من 1975 إلى 2016، ويعاني ما يقرب من 40% من البالغين في جميع أنحاء العالم من زيادة الوزن، وهو عامل خطر رئيسي يرتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري واضطرابات العضلات والعظام وبعض أنواع السرطان.
ويقول الباحثون في دراستهم: إن أحد العوامل الحاسمة في مكافحة هذه المشكلة تطوير أدوات جديدة ومكونات فعالة من حيث التكلفة تمكّن صناعة الأغذية من لعب دور في توفير منتجات متوازنة من الناحية الغذائية، وأحد التأثيرات المباشرة التي يمكن تحقيقها هو استبدال السكروز وشراب الذرة عالي الفركتوز ببدائل السكر الخالية من السعرات الحرارية.
وبينما تتوقع الدراسات أن زيادة الوعي بمخاطر السكروز سيؤدي إلى تنامي سوق بدائل السكر ليصل إلى 20.6 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، فإن الباحثين أكدوا أن ذلك سيكون على حساب التضحية بالمتعة والمذاق، لكنهم يزعمون أنهم وضعوا قدما على طريق الجمع بين الحسنيين، وهما متعة المذاق وتقليل السعرات من خلال إنتاج سكر الأليلوز بطريقة اقتصادية.
التخمر الميكروبي
ويصف محمد الحديدي أستاذ العلوم الطبية الحيوية ومدير مركز أبحاث الجينوم بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، الطريقة الموصوفة بالدراسة، بأنها مناسبة للإنتاج التجاري على نطاق واسع، مشيرا في اتصال مع "الجزيرة نت" أنها "مشابهة لطريقة إنتاج الإنسولين باستخدام البكتيريا نفسها".
وفي إنتاج الإنسولين، يتم تعديل بكتيريا "الأشركية القولونية" جينيا، بحيث يتم إدخال جين يُشفر للإنسولين البشري، وعندما يتم نمو البكتيريا وتكاثرها فإنها تنتج الإنسولين البشري بكميات كبيرة، بينما في إنتاج سكر الأليلوز بالطريقة الموصوفة بالدراسة يتم تحضير حوامل جينية (بلازميد)، لتلصق بها مجموعة من الجينات تقوم بتحويل سكر السكروز عند تغذية البكتيريا عليه إلى أليلوز، وهي طريقة تعرف باسم "التخمر الميكروبي"، كما يذكر الحديدي.
والإنتاج بهذه الطريقة آمن للغاية على مستهلكي هذا السكر، كما يؤكد تامر سالم منسق تخصص علم الأحياء الجزيئي في برنامج العلوم الطبية الحيوية بمدينة زويل.
ويقول سالم في اتصال مع "الجزيرة نت": "بكتيريا الأشركية القولونية من أكثر الكائنات الحية استخداما في الإنتاج الدوائي، لسهولة تعديلها وراثيا، وكما يتم حصاد الإنسولين المنتج بواسطتها، فإنه سيتم حصاد السكر منها، أي أنها أشبه بمصنع للإنتاج".
وهذا الشكل أرخص في التكلفة من الطرق الكيميائية التي لا تعطي إنتاجا كثيفا، كما أن نقاوة المنتج لا تكون عالية، ولذلك فإن هذه الدراسة تأكيد جديد على قيمة الطرق الحيوية، كما يؤكد سالم.
وتوضح حنان غزلان أستاذ الميكروبيولوجي بجامعة الإسكندرية المصرية، في اتصال مع "الجزيرة نت"، أن الشكل المتوقع للإنتاج بهذه الطريقة هو مفاعلات حيوية توضع فيها البكتيريا المعدلة وراثيا مع مادة التغذية وهي "السكروز".
وتتوقع غزلان أن تكون الجدوى الاقتصادية لعملية الإنتاج كبيرة، لأن سعر بدائل السكر يكون مرتفعا، وتكاليف الإنتاج ليست كبيرة، حيث لا تحتاج إلا إلى سكر السكروز المستخدم في عملية التخمر الميكروبي، وبكتيريا "الأشركية القولونية" المعدلة وراثيا، وهذه البكتيريا قيمتها مرتفعة في أول مرة، لكن بعد ذلك يمكن تكثيرها واستخدامها في المصنع بشكل دائم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السعرات الحراریة
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف أحد عوامل ارتفاع حالات سرطان الأمعاء.. ما علاقة مرحلة الطفولة؟
شدد باحثون من جامعة كاليفورنيا على أن التعرض للسموم التي تنتجها بكتيريا الأمعاء في مرحلة الطفولة قد يُسهم في ارتفاع حالات سرطان القولون والمستقيم لدى من هم دون سن الخمسين حول العالم.
شهدت دول، بما في ذلك بعض دول أوروبا وأوقيانوسيا، زيادة في عدد البالغين الشباب المصابين بسرطان الأمعاء في العقود الأخيرة، مع تسجيل بعض أشد الزيادات في إنجلترا ونيوزيلندا وبورتوريكو وتشيلي، حسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" وترجمته "عربي21".
وأشار الأطباء إلى ارتفاع معدلات السمنة وانتشار الوجبات السريعة وقلة النشاط البدني كعوامل محتملة للمرض، لكن الدراسة الجديدة وجدت أن السلالات الضارة من ميكروب الأمعاء الشائع "الإشريكية القولونية" قد تكون مسؤولة.
وقال البروفيسور لودميل ألكساندروف من جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، "نعتقد أن ما نراه هو عدوى في مرحلة مبكرة من الحياة تزيد لاحقا من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم في المستقبل".
ولفت التقرير إلى أنه في محاولة لفهم هذا الاتجاه، قام فريق دولي بقيادة جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، بتحليل الحمض النووي لـ 981 ورما في القولون والمستقيم من مرضى في 11 دولة في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وآسيا وأوروبا. كانت غالبية الأورام من كبار السن، ولكن 132 منها كانت سرطانات معوية مبكرة.
وجد العلماء أن الطفرات الجينية المميزة التي يسببها الكوليبكتين، وهو سُمّ تفرزه بعض السلالات الضارة من الإشريكية القولونية، كانت أكثر شيوعا بأكثر من ثلاثة أضعاف في الأورام التي أُزيلت من مرضى تقل أعمارهم عن 40 عاما مقارنة بتلك الموجودة لدى مرضى تزيد أعمارهم عن 70 عاما. ووفقا للدراسة التي نُشرت في مجلة Nature، كانت الطفرات المميزة نفسها أكثر شيوعا أيضا في البلدان ذات أعلى معدلات الإصابة بسرطان الأمعاء المبكر.
يُعتقد أن أنماط الطفرات تنشأ عندما يتعرض الأطفال للكوليباكتين قبل سن العاشرة. تُعطل هذه الطفرات الحمض النووي في خلايا القولون، وقد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الأمعاء قبل سن الخمسين.
تُظهر السجلات الصحية العالمية ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الأمعاء لدى البالغين دون سن الخمسين في 27 دولة على الأقل، مع تضاعف معدل الإصابة تقريبا كل عقد على مدار العشرين عاما الماضية. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد يصبح سرطان الأمعاء السبب الرئيسي للوفاة بالسرطان في تلك الفئة العمرية بحلول عام 2030.
لا تُثبت الدراسة أن الكوليباكتين يُسبب سرطان الأمعاء المُبكر، ولكن إذا كانت سلالات الإشريكية القولونية الضارة مُتورطة، فإنها تُثير المزيد من التساؤلات حول كيفية نشوئها، وكيفية تعرض الأطفال لها، وما إذا كانت التدخلات، مثل البروبيوتيك، يُمكن أن تُحل محل الميكروبات المُسببة.
قال ألكسندروف إنه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كان لدى حوالي 30 إلى 40% من الأطفال الإشريكية القولونية المُنتجة للكوليباكتين في أمعائهم.
بحسب التقرير، فإن أحد الاحتمالات هو أن السلالات الضارة من الإشريكية القولونية تطورت واكتسبت ميزة في الأمعاء من خلال إنتاج الكوليبكتين. في حين أن السم يتلف الحمض النووي للشخص، إلا أنه قد يساعد الميكروبات على التفوق على جيرانها.
وأوضح ألكسندروف أن "هذا النوع من الحرب الكيميائية الميكروبية شائع جدا في التطور، حيث يساعد إنتاج السم في تشكيل المكان المناسب أو قمع المنافسين الميكروبيين".
ووفقا لمؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، التي مولت البحث في إطار شراكة تحديات السرطان الكبرى، فإن أكثر من نصف حالات سرطان الأمعاء يمكن الوقاية منها، حيث يرتبط ربعها بتناول القليل جدا من الألياف، ويرتبط 13% بتناول اللحوم المصنعة، و11% بسبب السمنة، و6% بسبب الكحول. ويُعزى 5% أخرى إلى الخمول.
وقال الدكتور ديفيد سكوت، مدير تحديات السرطان الكبرى في مؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة: "يبدو أن العديد من مرضى سرطان القولون والمستقيم في مرحلة مبكرة من حياتهم قد تعرضوا لسم يسمى الكوليبكتين، تنتجه بعض سلالات بكتيريا الإشريكية القولونية في مرحلة مبكرة من حياتهم. ليس من الواضح كيف ينشأ هذا التعرض، لكننا نشتبه في أن مجموعة من العوامل، بما في ذلك النظام الغذائي، قد تتقاطع خلال مرحلة حاسمة في تطور ميكروبيوم الأمعاء".
وأضاف "تُضيف هذه الدراسة جزءا مهما من لغز السرطانات المبكرة، لكنها ليست قاطعة، وستكون هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لإثبات وجود صلة قاطعة بين الكوليبكتين وزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم المبكر. وتُجري فرق أخرى من مجموعة تحديات السرطان الكبرى أبحاثا متعمقة في ميكروبيوم الأمعاء وعوامل بيئية أخرى للكشف عن سبب الارتفاع العالمي".