عمّان- يعد التفاف العائلة على مائدة الطعام اليومية أحد أشكال الألفة والمودة بين أفرادها؛ فالسُّفْرة ليست مجرد أطباق وطعام يؤكل. في السابق، كانت وجبات الطعام جزءا لا يتجزأ من الحياة الأسرية، إذ كان أفرادها يعلمون أنه يجب عليهم الوجود في المنزل في أوقات معينة حتى يتمكّن الجميع من تناول الطعام على مائدة واحدة.

أما الآن، فبات هذا المشهد غائبا لدى عدد كبير من الأسر، على الرغم من أن جلوس العائلة مجتمعة على مائدة الطعام له فوائد صحية ونفسية وآثار إيجابية على الأبناء، وتحديدا الأطفال، وفق ما يؤكده متخصصون لـ"الجزيرة نت".

التئام أفراد الأسرة يعلم آداب تناول الطعام من خلال المساعدة في تحضير المائدة وتوزيع الأدوار بينهم (بيكسلز) تجمع الأسرة والحوار

تقول المتخصصة النفسية الدكتورة سلام عاشور للجزيرة نت: "يسعى الآباء والأمهات إلى تقديم الغذاء الصحي لحماية أطفالهم، وكذلك الحفاظ على صحتهم النفسية وتقديم الاهتمام والحب لوقايتهم من أي اضطراب سلوكي قد يؤثر في حياتهم، وهو ما يسمى بالتغذية العاطفية. ومع تحديات الحياة ومتطلباتها المختلفة، قد يعمل الوالدان لساعات طويلة لتأمين سبل الحياة لأطفالهما، ما يدفعهما باستمرار إلى استثمار أوقاتهما المتبقية بما يعود بالفائدة على الأسرة ككل".

ومن أنجح الأوقات هو تجمّع الأسرة حول مائدة الطعام، وتبادل الحديث والحوار مع الأبناء ومشاركتهم أحداث يومهم، بحسب المتخصصة عاشور، معتبرة أن الأمر يولّد جوا من الألفة بين أفراد العائلة ويقلل من الحدة والتوتر، ويعلمهم مهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين، فضلاً عن تعليمهم الكثير من القيم التربوية، مثل التعاون والمسؤولية وآداب تناول الطعام من خلال المساعدة في تحضير المائدة وتوزيع الأدوار بينهم.

الدكتورة سلام عاشور: الحفاظ على روتين مائدة الطعام يعلّم الأطفال عادات غذائية صحية (الجزيرة) حصانة نفسية للأطفال

ترى سلام أن الحرص في الحفاظ على روتين هذه العادة الجيدة، بشكل شبه يومي أو أسبوعي، يعلّم الأطفال عادات غذائية صحية والعمل على حل مشكلاتهم الغذائية، كما يسهم في تشكيل ذكريات مع الوالدين والإخوة.

"لكن هنا، يجب على الوالدين التنبّه لكي يكون هذا التجمع الأسري فعالا بإيجابية، بعيدا من استخدام الهواتف والانشغال بالأجهزة الإلكترونية… حتى يحقق الفائدة ويتمتع الأطفال بحصانة نفسية ودعم أسري يساعدهم في التفوق أكاديميا"، وفق سلام عاشور.

من جانبه، يقول المتخصص في علم الاجتماع الدكتور حسين محادين للجزيرة نت إن فكرة اللقاء الجماعي، ممثلاً بـ"مؤتمرات الطعام" اليومية، شهدت منظومة من التغيّرات باتجاه ارتفاع نسب وعناوين الحريات والقيم الفردية للأبناء.

ويلفت محادين إلى أن العلاقات الأسرية، كتنظيم شرعي وثقافي، كانت حاضرة كضرورة تربوية للأبناء من الجنسين وكانت سابقا تشهد مشاركة أساسية من الأبوين في المجتمعات العربية الإسلامية، لأنها كانت تعبيرا يوميا عن خصوصية ثقافتنا، مقارنة بالواقع في المجتمعات الغربية.

الدكتور حسين محادين: إيقاع الحياة الاقتصادية الضاغطة سبب ندرة التئام جميع أفراد الأسرة حول وجبات الطعام (الجزيرة) تقلّص في أدوار الأسرة

وتسبّب إيقاع الحياة الاقتصادية الضاغطة والمتعولمة، حاليا، في ندرة التئام جميع أفراد الأسرة حول وجبات الطعام. ويرى محادين أن هذا التقلص في أدوار الأسرة ومكانتها قاد إلى إقدام المؤسسات الوسيطة على القيام بمهمات كانت منوطة بأسرنا تاريخيا، مثل:

الطبخ، إذ أصبحت المطاعم تتولى ذلك، خصوصا تلك المتخصصة في الوجبات السريعة. التربية وتوجيه الأبناء، والتي باتت وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي ذلك في العصر التكنولوجي.

وأصبحت جُل زيارات المجاملة المتبادلة مع الآخرين، أفرادا وأسرا، تتم في المطاعم والمزارع أو خارج الحيّز الجغرافي، أي السكن.

في الحياة الحديثة بات معظم اللقاءات العائلية والاجتماعية تتم في المطاعم والمزارع بعيدا عن البيت (شترستوك) غياب المائدة العائلية

تحت عنوان "لماذا لا يتناول الكثير من العائلات وجبات الطعام معا الآن؟"، نشر موقع "ناني ماكفي" (Nanny McPhee) بعض أسباب غياب المائدة العائلية، وأثر ذلك على الأطفال.

وأشار الموقع إلى أن وجبات الطعام اعتادت سابقا أن تكون شأنا رسميا، ما يعني أن جميع أفراد الأسرة يجلسون حول مائدة العشاء من دون أي مشتتات لتناول الطعام معا، ومشاركة يومياتهم. أما في الوقت الحاضر، فيصعب تجاهل الانشغال بين الهواتف وأجهزة الألعاب والتلفاز. وهذا يعني ببساطة أن أوقات الوجبات أصبحت أقل رسمية وأقل قدسية بطريقة ما.

واعتبر الموقع أنه من غير المرجح أن تكون لدى الأطفال آداب مائدة جيدة إذا كانت سلوكياتهم الغذائية ليست مماثلة لأفراد الأسرة الآخرين، "فمن خلال تناول وجبات عائلية منتظمة معا، يمكنك تحسين ليس فقط خياراتهم الغذائية، ولكن أيضا تعزيز الفوائد العاطفية للتفاعل معك كأبوين".

وقد تكون الوجبات العائلية مرهقة للآباء خصوصا إذا كان أطفالهم ما زالوا صغارا، إذ يحتاج هؤلاء إلى تناول الطعام في وقت مبكر، لأن أوقات نومهم مبكرة، وربما لن يكون الوالدان مستعدَيْن لتناول الطعام في الوقت ذاته.

ويشدد الموقع على فوائد وقت الأسرة بالنسبة إلى صحتنا العاطفية، بقدر ما هي لرفاهيتنا الجسدية، إذ إن الاستمتاع بتناول الوجبات معا ليس سائدا في المجتمعات كما كان من قبل، ولكن الوجود معا كعائلة أو مجرد التواصل سيعزز الروابط بين الآباء والأبناء.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الوزير صابري يدعو إلى "تحالف إفريقي من أجل التشغيل" محذرا من "غياب التأطير والتحفيز" للشباب

افتتح هشام صابري، كاتب الدولة المكلف بالتشغيل، الدورة الثالثة لأيام الهندسة الاقتصادية الإفريقية (JAIE) التي تحتضنها جامعة محمد الخامس بالرباط، مؤكداً على أن « الهندسة الاقتصادية لم تعد ترفاً أكاديمياً، بل أداة فعلية لتحقيق تنمية اجتماعية عادلة وشاملة في إفريقيا ».

وفي خطاب أمام ثلة من الوزراء السابقين، الأكاديميين، الباحثين، الطلبة والخبراء، شدد صابري على أن موضوع هذه الدورة، والذي يتمحور حول « تنمية الرأسمال البشري، الأنظمة الصحية والتكنولوجيات الجديدة »، يعكس بعمق التحديات التي تواجه القارة، لكنه يسلط الضوء أيضاً على الفرص الهائلة الكامنة فيها.

الشباب الإفريقي في صلب الرهانات

أبرز صابري أن إفريقيا اليوم تضم ما يقارب مليار ونصف نسمة، 30% منهم دون سن الثلاثين، وهو ما يُعد رصيداً ديمغرافياً هائلاً يمكنه إحداث نقلة نوعية إن تم تأطيره وتمكينه، محذراً في الوقت ذاته من أن « غياب التأطير والتحفيز قد يحول هذه الطاقة إلى خيبة أمل أو حتى غضب اجتماعي ».

وانطلاقاً من هذه المعطيات، أكد المتحدث أن المغرب، بتوجيهات من الملك محمد السادس، انخرط في مسار عميق لإعادة تأسيس سياساته الاجتماعية والاقتصادية، من خلال تعميم الحماية الاجتماعية، وتحديث المنظومة الصحية، وخلق منظومة وطنية متكاملة للتشغيل تستجيب لطموحات الشباب المغربي.

الصحة مدخل للإنتاج والكرامة

في مقاربة جديدة لمفهوم التنمية، أشار صابري إلى أن الصحة « ليست فقط حقاً أساسياً، بل هي شرط للكرامة، وسند للإنتاجية، ومدخل رئيسي لولوج سوق الشغل »، مضيفاً أن الاستثمار في الصحة يعني الاستثمار في الانطلاق الفردي والجماعي نحو مستقبل أفضل.

مهن الغد تبدأ اليوم

وفي سعيه لاستشراف مهن المستقبل، كشف صابري أن وزارة التشغيل تعمل على تعزيز التكوين المهني والجامعي في تخصصات واعدة كالصحة الرقمية، الذكاء الاصطناعي الطبي، البيوتكنولوجيا، وتحليل المعطيات الصحية؛ وتشجيع ريادة الأعمال الصحية، خصوصاً عبر دعم الشركات الناشئة ذات الأثر الاجتماعي والمحتضنات الجهوية؛ زضمان عدالة ترابية في توزيع فرص الشغل الناتجة عن الابتكار، حتى لا تظل منحصرة في مراكز المدن الكبرى.

واستعرض المتحدث نماذج لمهن جديدة بدأت تفرض نفسها على الساحة، كمنسق التدخلات الطبية عن بُعد، محلل البيانات الصحية، مهندس نظم الدعم السريري الذكية، ومطور تطبيقات الصحة.

من أجل تحالف إفريقي من أجل التشغيل

أكد صابري في ختام خطابه أن التحول الاقتصادي الذي تصبو إليه القارة الإفريقية « لن يتحقق إلا بالتعاون، وتكامل السياسات العمومية، وتقاطع المعارف والموارد »، مشدداً على أهمية دور اللقاءات العلمية مثل JAIE في بلورة « تحالف إفريقي حقيقي من أجل التشغيل ».

واستحضر بهذه المناسبة مقتطفاً من خطاب الملك محمد السادس في أبيدجان بتاريخ 29 فبراير 2016، حين قال: « على إفريقيا أن تثق في إفريقيا »، داعياً الجميع إلى المراهنة على القدرات الذاتية للقارة، وعلى شبابها، وعلى تكاملها جنوب-جنوب.

وبنبرة تفاؤل، ختم صابري كلمته بالقول: « الاستثمار في التشغيل، هو استثمار في السلام، في الاستقرار، في الكرامة، وفي المستقبل ».

كلمات دلالية إفريقيا المغرب تحالف تشغيل حكومة شغل صابري

مقالات مشابهة

  • “الأكل العاطفي”.. كيف يتحول الطعام إلى وسيلة لمواجهة المشاعر؟
  • سارة عزيز: الأطفال يتعرضون للتحرش بنسبة أكبر من قبل الأقارب
  • القومي للمرأة يُطلق جيلا جديدا من قادة الأسرة بختام برنامج تنمية الأسرة المصرية
  • طريقة عمل المكرونة السبايسي بالسجق .. فوائد وأضرار الطعام الحار
  • دراسة تكشف تأثير تناول الطعام نهاراً على صحة القلب
  • مخاطر صحية قد تحدث عند تناول الأطفال أدوية النوم.. فيديو
  • مختص يوجه نصائح هامة للحفاظ على الصحة النفسية.. فيديو
  • قد يكون وقت تناول الطعام أهم من وقت النوم لقلبك.. هذه أبرز المعلومات
  • كيف تُكبح الرغبة في الطعام في الليل؟
  • الوزير صابري يدعو إلى "تحالف إفريقي من أجل التشغيل" محذرا من "غياب التأطير والتحفيز" للشباب