بوابة الوفد:
2024-09-17@07:21:30 GMT

المقاطعة العشوائية انتحار اقتصادى

تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT

الغرف التجارية يحذر من خسائر وطنية.. ومستثمرون قلقون على مناخ الاستثمار

 

الحكاية التالية تصلح مدخلا للموضوع.. حكى الكاتب الكبير أنيس منصور يوما أنه كان فى زيارة بعض أقاربه يوم الجمعة واضطر للحاق بخطبة الجمعة فى مسجد لم يعتد الصلاة فيه. ووصل أنيس منصور وخطيب المسجد يدعو والمصلون يؤَمنون معه، فسمعه يقول «اللهم شتت شمل أهله.

اللهم يتم أبناءه.. اللهم أرنا فيه يوما أسود» فأمن أنيس منصور مع المصلين، وبعد الصلاة سأل رجلا إلى جواره «على مَن كنا ندعو» فأجابه الرجل «على فيلسوف ملحد اسمه أنيس منصور، خصص الإمام الخطبة عن كتاباته».

والحكاية دالة على أن ثقافة القطيع آلية، مُصمتة، لا تفكر ولا تتدبر، وتقود من معها إلى الهاوية. يُصدق الناس بعضهم بعضا، ويكررون ما يسمعون دون تفهم أو بحث، فينفعلون بعشوائية تضرهم أولا قبل أن تصل غيرهم. وهذا ما حدث فى مصر فى حملة المقاطعة العشوائية المنطلقة بنوايا حسنة من أناس ظنوا أن مقاطعة بعض الشركات العالمية هو أدنى ما يجب فعله تجاه العدوان الوحشى الإسرائيلى، وكما شارك أنيس منصور فى الدعاء بالهلاك على نفسه، فقد شاركت فئات عديدة فى الشعب المصرى فى الاضرار بالاقتصاد المصرى والمصريين أنفسهم فكانوا كمن يدفعهم حماسهم للمشاركة فى المعركة دون تخطيط أو استعداد، فيطلقون الرصاص على أقدامهم أولا.

وتلقى اتحاد الصناعات المصرية على مدى الأسبوعين الماضيين شكاوى عديدة من أعضاء لديه تفيد تعرضهم لخسائر ضخمة بسبب ورود أسماء منتجاتهم فى حملات لمقاطعة.

كانت أولى مشكلات حملات المقاطعة أنها مجهولة المصدر، فلم تعد هناك جهة محددة مسئولة عن تحديد الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل أو المناهضة للقضية الفلسطينية لوقف التعامل معها، فامتدت دعوات المقاطعة لكل براند نشأ فى أميركا، ثُم امتدت الدعوات لماركات أوروبية وعالمية لا تأخذ صفة بعينها، واتسع الأمر فاندفع البعض ليلحق بقوائم المقاطعة كل براند يحمل اسما أجنبيا.

وفيما مضى كانت المقاطعة منظمة ومخططة، حيث أنشأت الجامعة العربية مكتبا سنة 1951 مهمته مقاطعة كافة الشركات الإسرائيلية والأخرى المتضامنة مع إسرائيل، وحقق وفقا لإحصائيات إسرائيلية خسائر للاقتصاد الإسرائيلى تجاوزت الـ90 مليار دولار، غير أن هذا المكتب تضاءل دوره بعد توقيع اتفاق أوسلو، وفترت فعاليته، ولم يقدم بيانات تفصيلية جديدة بخصوص الشركات والمنتجات.

قوائم عشوائية

وهكذا فقد انطلقت دعوات المقاطعة بشكل عشوائى دون منظم واضح، ودون إلمام بالتغيرات الاقتصادية التى شهدها العالم والتى أدت إلى عدم وضوح جنسية منتج ما أو شركة بعينها، فعلى سبيل المثال فإن شركة مثل بوينج للطائرات تعتمد على موردين لمكونات من ستين دولة، وأى مقاطعة لها تضر بالدول الموردة.

واستغل بعض أصحاب المنشآت العشوائية وغير المتحققة إنتاجيا، وبعضها من مصانع بئر السلم التى لا تتوافق مع المواصفات القياسية، ومعايير الجودة الدعوات لتضيف إلى قوائم المقاطعة سلعًا ومنتجات عديدة شهيرة لتتيح لها فرصًا للتواجد ولبيع منتجاتها الرديئة وتحقيق مكاسب خيالية. وهكذا وجدنا قوائم متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعى تضم أسماء عديدة مثل «كارفور»، «دانون»، «ليز»، «كيه اف سي»، «تايد»، «ماكدونالدز»،»بيبسي»،«برجر كينج»،«إم أند إم»، «أوليه»، «كريست»،«كوكاكولا»، «شيبسي»،«لوريل»، «كارتير»،«لاكوست»،«جيليت»،«كيلفن كلاين»، «زيروكس»، «ديل»، «براون»، «كاميه»، «نيدو»، «كرافت»، «نيسكويك»، و«موبيل» وغيرها.

كما استغل بعض التجار عدم معرفة العامة بتفاصيل جنسيات الشركات فأضافوا للقائمة مؤسسات مصرية بالكامل تضمنت أسماء أجنبية، وهو ما دفع أصحابها إلى نشر إعلانات ممولة على صفحات التواصل ينفون فيها وجود رؤوس أموال أجنبية أو خروج أى أرباح من أى نوع لأى جهة خارج البلاد.

حقائق مهمة

وتجاهل النافخون فى حملات المقاطعة عدة حقائق خطيرة أولها أن كافة المنتجات الواردة فى القوائم هى منتجات عالمية يتم انتاجها فى مصر بنظام الفرانشايز (الامتياز التجاري) وهو نظام يسمح لصاحب الماركة العالمية باستغلال الماركة لفترة محددة مقابل مبلغ قطعى محدد، وفى أحيان أخرى مقابل نسبة تتراوح بين 3 و5 فى المئة من العائدات، وهو ما يعنى أن المتضرر الأكبر هنا هم أصحاب رؤوس الأموال المصريين الذين استثمروا فى السوق بهذا النظام المعمول به قانونا.

الأمر الثانى أن أى تراجع فى مبيعات الشركات التى يتم مقاطعتها يصب أولا ضد صالح العمالة المصرية، فالمنشآت القائمة بنظام الفرانشايز فى مصر هى جزء من الصناعة الوطنية، توظف عمالة محلية يزيد عددها على 700 ألف عامل، وتدفع ضرائب لخزانة الدولة وتكبيدها خسائر يضر بالشعب المصرى بشكل مباشر ويؤثر على أطراف عديدة دون وجه حق.

فعلى سبيل المثال فإن شركة بيبسيكو العالمية تمتلك 8 مصانع فى مصر تقوم بإنتاج 9 منتجات فى قطاع المشروبات والمياه الغازية، و7 منتجات فى المقرمشات، ولديها 34 مركز توزيع، ويعمل بها نحو 14 ألف موظف وعامل، وخلال الخمس سنوات الأخيرة ضخت الشركة استثمارات تجاوزت الـ500 مليون دولار لاضافة خطوط انتاج جديدة.

ثالث الملاحظات أن خسارة الشركات العالمية فى مصر يؤثر على مستقبل الاستثمار الأجنبى الذى اعتبره البعض الطريق الأمثل لتوفير الوظائف وجذب العملة الصعبة، فمصر تحتاج سنويا لما يقارب مليون فرصة عمل جديدة، وهو ما يتطلب زيادة للاستثمارات الأجنبية المباشرة التى لم تتعد عشرة مليارات دولار على مدى السنوات العشر الماضية رغم أن قيمة الاستثمارات وصلت إلى 14 مليار دولار سنة 2008.

ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام أن استثمارات الولايات المتحدة فى السوق المصرى تسجل الترتيب الثانى بين الدول المستثمرة فى مصر بقيمة تتجاوز 24 مليار دولار، وتتوزع استثماراتها بين قطاعات الصناعة، الخدمات، والطاقة.

رابع الملاحظات أن كافة الشركات التى يتم مقاطعتها تنظم برامج للمسئولية الاجتماعية للمساهمة فى تطوير مناطق عشوائية ودعم أسر فقيرة فى كثير من المناطق وهناك لجنة عامة للمسئولية الاجتماعية باتحاد الصناعات تعمل ضمن برنامج حياة كريمة وتساهم فى تحسين حياة البشر.

خامس الملاحظات هى أن هوس مقاطعة كل أجنبى دفعت كيانات غير رسمية منضوية تحت القطاع غير الرسمى لانتاج كميات كبيرة من السلع الرديئة خاصة فى قطاع المشروبات والمنظفات وطرحها فى الأسواق تحت لافتة خادعة هى تشجيع الصناعة الوطنية. ولم يكن غريبا أن تحقق شركة صغيرة استغلت اسما لماركة مشروبات قديمة أرباحا خيالية فى ظل الظروف الحالية.

بيان الغرف التجارية

وربما كان ذلك دافعا لأن يصدر اتحاد الغرف التجارية بيانا تفصيليا يحذر فيه من عشوائية المقاطعة قال فيه « إن الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية وهو بلا شك يقف مع الأشقاء فى غزة، ويشارك مع منتسبيه واتحادات الغرف العربية فى توفير المعونات اللازمة، يهمه أن يوضح أن الشركات التى تم الدعوة لمقاطعتها، تعمل بنظام الفرانشايز، أى أن الشركة الأم لا تملك أيًا من الفروع الموجودة فى مختلف دول العالم، وفروعها فى مصر يملكها مستثمرون مصريون».

وأضاف مشددا أن هذه الشركات هى شركات مساهمة مصرية، وتوظف عشرات الالاف من أبناء مصر، وتسدد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة، كما أن من يقوم بدعم جيش الاحتلال فى غالبية الأحوال هو الوكيل فى إسرائيل وليس الشركة الأم، وبالطبع ليس الوكيل فى مصر الذى لا ذنب له بأى حال من الأحوال.

وقال أيضا «إن مثل هذه الحملات لن يكون لها أى تأثير على الشركات الأم، لأن مصر تشكل أقل من 1 فى الألف من حجم الاعمال العالمية، ونصيب الشركة الأم من الفرانشايز لا يتجاوز 5% من إيرادات الشركة المصرية، وبالتالى فالأثر على الشركة الام لا يذكر، ولكن الأثر سيكون فقط على المستثمر المصرى والعمالة المصرية».

وذكر مصدر بغرفة الصناعات الغذائية لـ«الوفد» أن كثيرًا من الشركات تعرضت فى ظل حملات الغضب غير المخططة لعمليات ابتزاز واسعة من أشخاص نشطاء على مواقع التواصل إذ أرسلوا إلى إدارات العلاقات العامة بهذه الشركات تصميمات لدعاية تقحم أسماء منتجاتها ضمن حملات المقاطعة، وطلبوا مبالغ مالية نظير حذف هذه المنتجات، والمؤسف فى الأمر أن بعض الشركات رضخت للابتزاز، فدفعت تجنبًا للدعاية السلبية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حملات المقاطعة إسرائيل الغرف التجارية العمالة المصرية جيش الاحتلال أنیس منصور فى مصر

إقرأ أيضاً:

وفاة فتاة اثناء التوقيف وحالتي انتحار ببغداد وإصابة شخصين في تشييع بذي قار

وفاة فتاة اثناء التوقيف وحالتي انتحار ببغداد وإصابة شخصين في تشييع بذي قار

مقالات مشابهة

  • انتحار مراهق بمدينة الصدر ووفاة موقوف في مركز شرطة المنصور
  • وزير الصحة: مصر اتخذت قرارات عديدة لتعزيز الرعاية الصحية واستراتيجية الصحة الواحدة
  • في محافظتين.. انتحار شاب واعتقال شخص نفذ 11 عملية سرقة
  • وفاة فتاة اثناء التوقيف وحالتي انتحار ببغداد وإصابة شخصين في تشييع بذي قار
  • سكرية: المقاطعة موقف فردي وجماعي وأحد أدواتنا في معركة التحرير
  • »اﻷﻫﻠﻰ اﻟﻤﺼﺮى« و»ﻣﺎﺳﺘﺮﻛﺎرد« ﻳﻌﻤﻼن ﻋﻠﻰﺗﺤﺴﻴﻦ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻰ
  • في غزّة.. أنثى منكوبة!
  • مصطفى كامل يكشف عن مفاجآت عديدة بمؤتمر صحفي بنقابة الموسيقيين غدا
  • «الوزراء»: حوافز عديدة لتشجيع الاستثمار في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس
  • في البصرة.. انتحار فتاة واعتقال شيخ عشيرة ابتزّ شركة نفطية