منحت هيئة كهرباء ومياه دبي النقل المستدام والجهات الساعية إلى تعزيزه في الإمارات وبقية دول العالم مساحة ومكانة مهمة ضمن محاور وفعاليات معرض تكنولوجيا المياه والطاقة والبيئة (ويتيكس) ودبي للطاقة الشمسية، في دورته الـ 25 التي تنظمها الهيئة من 15 إلى 17 نوفمبر الجاري في مركز دبي التجاري العالمي تحت شعار “في طليعة الاستدامة”.


وأكدت الهيئة أن النقل المستدام يقع في قلب أهداف الدولة وإمارة دبي وتطلعاتها في دعم وتعزيز الابتكار في مجالات الطاقة المتجددة والنظيفة والاستدامة، مشيرة إلى أن انطلاقة المعرض تأتي متزامنة مع استعدادات الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في مدينة إكسبو دبي.
ويشير مفهوم النقل المستدام (أو وسائل النقل الخضراء) إلى أي وسيلة نقل ذات تأثير منخفض على البيئة، ويشمل النقل غير الميكانيكي، والمشي وركوب الدراجات، والمركبات الخضراء، ومشاركة السيارات، بالإضافة الى أنظمة النقل ذات الكفاءة في استهلاك الوقود.
وتقدم نظم النقل المستدام مساهمة إيجابية للاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات التي تخدمها، من حيث أن لنظم النقل تأثيرات مهمة على البيئة، وهو ما يمثل نحو 30% من استهلاك العالم من الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما أن انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النقل تتزايد بمعدل أسرع من أي قطاع من القطاعات الأخرى المستخدمة للطاقة.
وأكد معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، ومؤسس ورئيس معرض ويتيكس ودبي للطاقة الشمسية أن المعرض الذي يعد الأكبر من نوعه في المنطقة في قطاعات الطاقة والمياه والتنمية الخضراء والاستدامة يشكل نقلة نوعية في دعم الاستدامة والنقل المستدام انطلاقاً من شعاره “في طليعة الاستدامة”.
ولفت معاليه إلى أن المعرض سيسهم في تعزيز مساهمة دولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط في مجال النقل المستدام، من خلال كونه منصة رائدة للمؤسسات والشركات العالمية لطرح أحدث حلولها ومنتجاتها، والتعرف إلى التقنيات المبتكرة من جميع أنحاء العالم التي من شأنها ضمان مستقبل أكثر استدامة للبشرية جمعاء.
وأوضح أن مبادرة “الشاحن الأخضر” لتوفير محطات شحن السيارات الكهربائية التي أطلقتها الهيئة عام 2014، تدعم إستراتيجية خفض الانبعاثات الكربونية في إمارة دبي، والتي تستهدف خفض الانبعاثات بنحو 30% بحلول عام 2030، والأهداف الإستراتيجية للإمارة من ناحية الاستدامة وجودة الهواء، كما تدعم مبادرة دبي للتنقل الأخضر 2030، وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
وأسهم توفير الهيئة لشبكة شحن عامة قوية للمركبات الكهربائية في جميع أنحاء دبي في زيادة عدد المركبات الكهربائية في الإمارة، حيث تتيح الهيئة للمتعاملين المسجلين في خدمة الشاحن الأخضر والمتعاملين غير المسجلين في الخدمة عن طريق استخدام ميزة “خاصية الزائر” شحن مركباتهم في أكثر من 380 محطة شحن منتشرة تتضمن أكثر من 700 نقطة شحن في جميع أنحاء إمارة دبي.
وأسهمت الزيادة في استخدام السيارات الكهربائية في تقليل 236,700 طن من الانبعاثات الكربونية، حتى إبريل 2023، ما يدعم بشكل ملموس خطط الإمارة للتحول إلى وسائل النقل المستدامة الصديقة للبيئة.
وأطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي موقعاً إلكترونياً شاملاً مخصصاً لأحدث المستجدات والمعلومات المتعلقة بالمركبات الكهربائية في دبي.
وتستعرض هيئة الطرق والمواصلات في دبي مشاريعها الأبرز في «ويتيكس ودبي للطاقة الشمسية 2023» في إطار سعيها لتحقيق الريادة العالمية في التنقل السهل والمستدام، بما ينسجم مع التوجهات الإستراتيجية للدولة، مثل إستراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء 2030، ومئوية الإمارات 2071، والتوجهات المحلية لإمارة دبي لتعزيز الاستدامة.
وأفاد معالي مطر الطاير، المدير العام ورئيس مجلس المديرين في هيئة الطرق والمواصلات، بأن هيئة الطرق والمواصلات، تولي محور الاستدامة عناية خاصة، ويتجسد ذلك في رؤيتها ورسالتها في توفير تنقل آمن وسهل وتطوير منظومة خدمات الطرق والنقل المبتكرة والمستدامة، من خلال خارطة طريق للتحول نحو وسائل نقل عامة عديمة الانبعاثات بحلول عام 2050 تتضمن ثلاثة محاور إستراتيجية : التنقل الجماعي الأخضر، والمباني والمرافق، وإدارة النفايات.
وأشار إلى أنها تهدف إلى تخفيض 10 ملايين طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون وتحقيق وفر مالي يعادل 3 مليارات درهم، وتنفذ الهيئة العديد من المبادرات التي تدعم الجهود الرامية لترسيخ مكانة دبي عاصمةً عالميةً للريادة في مجالات الاستدامة والاقتصاد الأخضر، من بينها تحويل مركبات الأجرة وحافلات المواصلات العامة بنسبة 100% إلى مركبات وحافلات صديقة للبيئة (كهربائية وهيدروجينية).
واعتمدت هيئة الطرق والمواصلات خطة خمسية متكاملة للاستدامة، للأعوام 2021-2025، بمحاورها الثلاثة، البيئية بالإضافة إلى المجتمعية والاقتصادية لدعم منظومة الاستدامة، وتشمل 20 مشروعاً، منها تسعة مشروعات، تصب في محور الريادة البيئية.
وتتكون خريطة الطريق من ثلاث ركائز إستراتيجية رئيسة: (1) التنقل الأخضر، (2) البنية التحتية، و(3) الاقتصاد الدائري، ومن المتوقع أن تخفض انبعاثات غازات الدفيئة بما يقدر بنحو 8 ملايين طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وتوفير حوالي 3 مليارات درهم بحلول عام 2050، وتشمل محاور العمل في الخريطة التوسع في استخدام المركبات والحافلات الكهربائية والهيدروجينية، ضمن أسطول حافلات المواصلات العامة، وحافلات النقل المدرسي ومركبات الأجرة والليموزين للوصول إلى نسبة 100% بحلول عام 2050، وكذلك التوسع في استخدام الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية في المباني والمرافق التابعة للهيئة، وإعادة تأهيل المباني والمرافق القائمة وإنشاء الأبنية ذات استهلاك الطاقة القريب من الصفر في جميع المشاريع الجديدة، واستكمال مشروع إنارة الطرق الذكية ذات الكفاءة العالية في استخدام الطاقة بحلول عام 2035، وإعادة تدوير النفايات الناتجة عن عمليات ومشاريع الهيئة بنسبة 100% بحلول عام 2030، وكذلك إعادة تدوير المياه وإعادة استخدامها في المرافق والمنشآت التابعة للهيئة.
وستعرض “مدينة مصدر” الكثير من الابتكارات خلال مشاركتها في «ويتيكس ودبي للطاقة الشمسية 2023»، والتي ستتضمن مصنعي السيارات الكهربائية عالية الجودة وخبراء الاستدامة وشركات رائدة ومستثمرين ومهندسين في مجال البحث والتطوير، وستقوم مدينة مصدر بالتعريف بجهود المدينة وعملها الرائد في تقديم المركبات الكهربائية وذاتية القيادة في أبوظبي، حيث جرى إطلاق مجمع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة (SAVI) في مدينة مصدر، والذي تم اعتماده من سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي للإمارة، والذي يرسخ مكانة أبوظبي عاصمة عالمية لتقنيات النقل باستخدام المركبات الذكية وذاتية القيادة، وتطبيقاتها الجوية والبرية والبحرية.
وقال أحمد باقحوم، الرئيس التنفيذي في “مدينة مصدر”: ” تتمتع أبوظبي بمكانة متميزة، تؤهلها لقيادة جهود تطوير تقنيات صناعة المركبات ذاتية القيادة، ونشرها على المستوى العالمي، فمن خلال سجلها الحافل في مجال الإبداع والابتكار ستتمكن الإمارة من الإسهام في تشكيل الاتجاهات العالمية لهذه الصناعة، اعتماداً على قاعدتها الصناعية الراسخة وبنيتها التحتية عالمية المستوى، واستقطابها المواهب والكفاءات، فضلاً عن تمتعها بقدرات تنظيمية وتشريعية متميزة، وموقع جغرافي استراتيجي على طرق التجارة العالمية».
وأضاف باقحوم: ” تأسست مدينة مصدر قبل 15 عاماً بهدف توظيف جهود البحث العلمي والتطوير وتسخير التكنولوجيا وضخ الاستثمارات لدفع عجلة التنمية المستدامة والارتقاء بآفاق الابداع والابتكار إلى مستويات جديدة. وقد أسفرت هذه الجهود عن تطوير جيلين من أنظمة التنقل المستدامة الذكية وذاتية القيادة في مدينة مصدر منذ أكثر من عقد، والتي أسهمت جميعها في نقل أكثر من 3 ملايين راكب. ويمثل مجمع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة (ٍSAVI) الخطوة التالية في مسيرة مدينة مصدر نحو ترسيخ مكانة أبوظبي كمرجع عالمي لابتكارات مدن المستقبل. وسيسهم مجمع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة في دفع عجلة التحول العالمي، وسيطلق العنان لنمو اقتصادي استثنائي، ويخلق فرصاً جديدة للمواهب ورواد الأعمال والمستثمرين، إذ يسهم المجمع في الناتج المحلي حتى 120 مليار درهم، ما يمهد الطريق لتوفير تقريباً 50,000 فرصة عمل، ليكون لمجمع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة تأثيرات مضاعفة ممتدة، تعود بالنفع على مختلف القطاعات، ويدفع باقتصاد الصقر القائم على المعرفة والمتنوع والمستدام إلى آفاق جديدة”.
وتواصل شركة «سيمنس»، مشاركتها في دورات معرض “ويتيكس ودبي للطاقة الشمسية”، وفي الدورة الخامسة والعشرين تستعد لتقديم أحدث ابتكاراتها وتقنياتها المتعلقة بمستقبل التنقل الكهربائي.
وقال هيلموت فون ستروف، الرئيس التنفيذي لشركة سيمنس في دولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط: “ستسلط منصة سيمنس الضوء على أحدث تقنيات شحن السيارات الكهربائية وكيفية تفاعلها مع المحيط لترشيد استهلاك الكهرباء، مشيراً إلى أن المشاركة في نسخة هذا العام من معرض ويتيكس تركز على التقنيات الذكية المتعلقة بالتنقل الكهربائي، ومن بينها الشاحن الذكي، الذي يتفاعل مع المحيط ويسهم في ترشيد الكهرباء ودعم بناء مدن أكثر استدامة”.وام


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: صناعة المرکبات الذکیة وذاتیة القیادة ویتیکس ودبی للطاقة الشمسیة هیئة الطرق والمواصلات السیارات الکهربائیة النقل المستدام الکهربائیة فی مدینة مصدر فی استخدام بحلول عام أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

فوضى القيادة: كيف ستقود “الترامبية” إلى تراجع النفوذ الأمريكي عالمياً؟

 

في ضوء ما تتصف به شخصية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الاندفاع وصعوبة القدرة على التنبؤ بأفعاله، والولع بتحقيق إنجاز؛ اتجه منذ اليوم الأول في ولايته الثانية إلى اتخاذ العديد من القرارات المثيرة للجدل داخلياً وخارجياً، مستنداً إلى شعار “أمريكا أولاً”. وعلى الرغم من قصر المدة منذ دخول ترامب المكتب البيضاوي في 20 يناير 2025، فإن قراراته، ولاسيما الخارجية، قد أثارت الكثير من الصخب وعززت حالة عدم اليقين، كونها لم تطل الخصوم فقط، وإنما امتدت إلى الحلفاء أيضاً، فضلاً عما حملته القرارات من إعادة تأطير وربما تقويض لأسس وقواعد السياسة الأمريكية على الساحة الدولية، وهو المشهد الذي يُثير العديد من التساؤلات بشأن الانعكاسات السلبية المتوقعة لهذه القرارات على النفوذ الأمريكي عالمياً.

عقيدة ترامب:

خلال القرن العشرين، أدركت واشنطن أن لها دوراً يجب أن تؤديه على الساحة الدولية، وهو الدور الذي رأى السياسي الأمريكي المحنك، هنري كيسنجر، أنه يهدف إلى بناء “إجماع أخلاقي قادر على جعل العالم التعددي عالماً مبدعاً وليس مدمراً”، موضحاً أن أي تصور رصين للمصالح الأمريكية “يجب أن يأخذ في الاعتبار الاهتمام الواسع النطاق بالاستقرار والتغيير السلمي”؛ ومن ثم يتضح أن الولايات المتحدة ليست إمبراطورية بالمعني التقليدي الذي عكسته الإمبراطوريات المتعاقبة على مدار التاريخ؛ فالقوة الأمريكية لا تعتمد فقط على القوة الخشنة، وإنما تعتمد أيضاً على القيم والأفكار والمؤسسات؛ ما يعني استنادها إلى “النموذج المُلهم” الذي سعت إلى تلميعه وبلورته عبر قوتها الناعمة.

وعلى النقيض من ذلك واستناداً إلى شعاري “أمريكا أولاً” و”جعل أمريكا عظيمة مجدداً”، أطلق الرئيس ترامب العديد من التصريحات الشائكة، مثل تلك المتعلقة بالسيطرة على قناة بنما وجزيرة غرينلاند وقطاع غزة، واتخذ عدداً من القرارات المثيرة للجدل، مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وفرض رسوم جمركية ضد الحلفاء والخصوم على السواء. ويمكن تفسير هذه القرارات والتحركات وفق أُطر فكرية وفلسفية قديمة في العقلية الأمريكية مثل “عقيدة القدر المحتوم” التي ظهرت لأول مرة كمصطلح عام 1845، والتي تعتبر أن الولايات المتحدة مُقدر لها توسيع أراضيها عبر أمريكا الشمالية، أو اعتبارها محاولة لتبني نهج وطني لتعزيز المصالح الأمريكية من خلال إعادة تفعيل “مبدأ مونرو” الذي ظهر لأول مرة في عام 1823.

انعكاسات سلبية:

يحمل الطابع الترامبي، الذي بات يغلف السياسة الخارجية الأمريكية حالياً، في طياته انعكاسات سلبية على النفوذ الأمريكي عالمياً، بل وربما يؤدي إلى تراجعه، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- خفوت بريق النموذج الليبرالي الأمريكي: لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تقديم تأكيدات متكررة مفادها أن هيمنتها وقوة نفوذها على الساحة الدولية نابعة من قوة النموذج الليبرالي الذي تتبناه وتستند إليه سياسياً واقتصادياً، داخلياً وخارجياً، إلا أنه بات من الواضح أن هذا النموذج يخضع حالياً للتشكيك والمراجعة من قِبل ترامب؛ إذ لم يتوقف الأمر عند حد اعتبار ترامب مسؤولاً عن حادثة اقتحام الكابيتول في يناير 2021، وإنما اتجه منذ يومه الأول في البيت الأبيض إلى العمل على تصفية حساباته مع خصومه السياسيين، وهاجم بقوة المعارضين ووسائل الإعلام والموظفين المدنيين، واستخدم بعض الوكالات والمؤسسات الحكومية كأدوات للانتقام، وهو ما اعتبرته الكاتبة ليبي وينكلر، في تحليلها المنشور على موقع (Medium) الأمريكي في 12 فبراير الجاري مثيراً للمخاوف بشأن التزام واشنطن بـ”المبادئ التي طالما روجت لها”. وهذا يتصل بما أكده عالم السياسة الأمريكي، جوزيف ناي، من أن القوة الناعمة الأمريكية تعتمد في جانب منها على “كيفية ممارسة الديمقراطية في الداخل”.

وعلى النقيض مما طرحته بعض التحليلات حول بناء الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين لنفوذ واشنطن عالمياً على الفكرة المتعلقة بـ”التقدم الجماعي للأسواق المفتوحة والمجتمعات المفتوحة” بالاستناد إلى أهميتها في تحقيق الثروة والأمن لواشنطن والدول الأخرى، اتجه ترامب إلى زيادة التعريفات الجمركية ضد الحلفاء والخصوم على السواء. فعلى سبيل المثال، أعلن ترامب، في مطلع فبراير الجاري، فرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا بنسبة 25% وعلى الصين بنسبة 10%، قبل أن يُعلن لاحقاً تأجيلها على المكسيك وكندا لمدة شهر، كما أكدت الإدارة الأمريكية أن الزيادات قد تشهد مزيداً من الارتفاع حال اتجهت هذه الدول إلى اتخاذ إجراءات للرد. إضافة إلى ذلك، كشف ترامب عن نيته زيادة التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم لتشمل جميع الواردات؛ مما سيؤدي فعلياً إلى إلغاء صفقات مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان وغيرها.

وفي سياقٍ موازٍ، ثمة مؤشرات متزايدة على استناد أعمدة السياسة الخارجية الأمريكية إلى الأفكار الدينية المتشددة، وليس إلى قيم الحرية والقانون وحقوق الإنسان؛ فلم يتوقف الأمر عند حدود تبني رواية الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة وإنما أسهم الدور المتصاعد للإيفانجيليكيين (الإنجيليون الأصوليون) في تأطير بعض القرارات والسياسات؛ وهو ما انعكس بشكل واضح في موقف إدارة ترامب الداعم لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وكذلك الحديث عن ضم الضفة الغربية تحت مسمى “يهودا والسامرة”. وقد مثّل اختيار ترامب للقس مايك هاكابي، حاكم ولاية أركنساس السابق، لمنصب السفير الأمريكي في إسرائيل مؤشراً واضحاً على تنامي هذا التوجه، فقد قال في أحد تصريحاته السابقة: “لا يوجد شيء اسمه فلسطيني”.

2- التشكيك في مصداقية واشنطن كحليف موثوق: على مدار عقود، ارتكزت الولايات المتحدة في دعم قوتها وتعزيز نفوذها على الساحة الدولية، إلى شبكة من الحلفاء والشركاء، وهو ما أبرزه كل من هال براندز وبيتر د. فيفر، في تحليلهما بعنوان: ما فوائد تحالفات أمريكا؟ المنشور في المجلة الفصلية لكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي “باراميترز” في صيف 2017؛ إذ أوضحا أن التحالفات توفر مزايا جيوستراتيجية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية تعمل على تدعيم القوة الأمريكية وتحقيق الأهداف الوطنية؛ ومن ثم أشارا إلى أن مثل هذه التحالفات تجعل واشنطن بوصفها القوة العظمى “أكثر نفوذاً”؛ وهو ما يبدو متعارضاً لدرجة بعيدة مع رؤى وأفكار ترامب التي لا تُعوّل على التحالفات، فضلاً عن منحاها القائم على استهداف الحلفاء بنفس وسائل استهداف الخصوم.

لقد أدى الموقف العدائي لترامب تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى توتر العلاقات مع حلفاء واشنطن الرئيسيين. وهو ما علق عليه ماكس بيرغمان في تحليله بـ”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، قائلاً إن العلاقات عبر الأطلسي قد شهدت على مدار التاريخ بعض الخلافات، لكنه اعتبر أن ما تقوم به إدارة ترامب مثل التعريفات الجمركية والإنفاق الدفاعي وتسوية الحرب الأوكرانية؛ سيتسبب في “تغير هذه العلاقات إلى الأبد” بطريقة قد تدفع أوروبا إلى “رسم مسارها الخاص”. كما أشار بيرغمان إلى أن التوصل لصفقة بين جانبي الأطلسي بات غير مرجح في ضوء إصرار ترامب على إعادة صياغة الشراكة “بطريقة تجدها أوروبا غير مقبولة”. إضافة إلى ذلك، فقد وضعت التصريحات المتعلقة بضم جزيرة غرينلاند الدنماركية علامات استفهام حول الالتزام الدفاعي الأمريكي في إطار حلف الناتو بالتوازي مع رغبتها في الاستيلاء على أراضي الحلفاء.

وهو الأمر الذي يمتد إلى كندا والمكسيك اللتين تواجهان قرارات شرسة بفرض رسوم جمركية على الرغم من التفاوض على اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) قبل بضع سنوات. بالإضافة إلى التعبير عن الرغبة في السيطرة على قناة بنما على الرغم من الاتفاقية الموقعة بين البلدين، وكذلك إجبار كولومبيا على استقبال المهاجرين غير المسجلين. وفي السياق ذاته، فإن اتخاذ ترامب قرارات من شأنها سحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية أو التخلي علانية عن تايوان، سيسهم في امتداد هذه الحالة إلى آسيا، بما قد يحمل انعكاسات تعزز النفوذ الصيني هناك. ويدلل هذا المشهد على تزايد احتمالات النظر إلى واشنطن كحليف غير موثوق بطريقة قد تدفع الحلفاء للقيام بتحركات مضادة إما من خلال بناء أُطر إقليمية أو متعددة الأطراف، وإما من خلال التقارب مع خصوم الولايات المتحدة.

3- انكماش الانخراط الأمريكي متعدد الأبعاد: اعتمدت الولايات المتحدة لعقود طويلة في تعزيز نفوذها العالمي، على المساعدات الخارجية التي تقدمها للدول المختلفة في مجالات متنوعة. ووفقاً للرئيس الأمريكي الأسبق جون إف كينيدي، فإن الفشل في الوفاء بالتزامات المساعدات الخارجية من شأنه أن يؤدي إلى “كارثة”، فضلاً عن فرض تكاليف باهظة على المدى البعيد؛ مما سيؤدي إلى تعرض “أمن وازدهار الأمة الأمريكية للخطر”. وهو ما يختلف كلية مع رؤية ترامب، الذي اتهم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بـ”الاحتيال”، معتبراً أن إدارتها تتم من خلال “مجموعة من المجانين الراديكاليين”. واتصالاً بذلك، اتخذ ترامب قراراً بتجميد تمويل الوكالة.

ونظراً للحجم الكبير للمساعدات الدولية الأمريكية؛ فإن أي تغييرات تتعلق بعملها تجد أصداءها في أنحاء واسعة من العالم؛ ومن ثم فإن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يعني تعريض المبادرات الإنسانية العالمية للخطر؛ إذ تواجه البرامج التي تعالج أزمات الصحة العامة وسوء التغذية وحقوق الإنسان والاستدامة البيئية والقضاء على الجهل والتعافي من الصراعات وغيرها، حالة من عدم اليقين، بطريقة يمكن أن تحمل تداعيات واسعة وخطرة. على سبيل المثال، فإن إنهاء المساعدات الأمريكية لمنطقة مثل القرن الإفريقي قد يؤدي إلى اضطرابات وعدم الاستقرار وزيادة كبيرة في تدفقات اللاجئين.

لذا، تم إطلاق عدد من التحذيرات المحلية والدولية مفادها أن تحجيم عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ينطوي على تهديدات للأمن القومي الأمريكي، فضلاً عن النيل من نفوذ واشنطن، وهي المسألة التي فسرتها بعض التحليلات وفق “منطق الفراغ” الذي ستتركه واشنطن، كونه سيسهم في تعزيز فرص الخصوم في توظيفه لصالحهم. فقد اعتبر مايكل شيفر، المدير المساعد السابق لمكتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في آسيا، أن تعليق إدارة ترامب للمساعدات الخارجية يهدد بإفساح المجال على مصراعيه أمام الصين لتوسيع نفوذها، وربما تسعى روسيا أيضاً إلى استغلال الفراغ الناجم عن انسحاب واشنطن من المساعدات الخارجية.

4- النيل من قوة وتماسك النظام الدولي: دأبت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة على اتهام خصميها الصين وروسيا بالعمل على تغيير النظام الدولي، بوصفهما “قوى مراجعة” أو “قوى تعديلية” (Revisionists)، وذلك في ضوء ما يمثله النظام الدولي بشكله الحالي من رافعة للنفوذ الأمريكي في ضوء كون واشنطن القوة العظمى المهيمنة. ومن المفارقة أن الإدارة الأمريكية الحالية هي من تُشكك في النظام الدولي، وتنال من دوره الذي سعت لتعزيزه على مدار سنوات طويلة. فقد بات واضحاً أن ترامب لا يؤمن بالنظام الدولي القائم على القواعد، ويرى أن نصف الكرة الغربي يمثل مجالاً للنفوذ الأمريكي كما تنظر بكين لتايوان وموسكو لأوكرانيا.

واستناداً إلى ذلك، أطلق ترامب تصريحاته المثيرة للجدل، والتي تمثل انتهاكاً واضحاً لمبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، ومن أبرزها الاستحواذ على جزيرة غرينلاند، وضم كندا، والتعامل مع غزة كـ”صفقة عقارية” والمطالبة بتهجير الفلسطينيين منها بما يمثل دعوة للتطهير العرقي. وقد ذهب ترامب أبعد من ذلك عبر توقيع مرسوم يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية مذكرة التوقيف الصادرة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. إضافة إلى ذلك، فقد قرر ترامب، ضمن الأوامر التنفيذية التي وقّعها في يومه الأول بالبيت الأبيض، أن ينسحب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ. وهكذا، يتضح أن رؤية ترامب للنظام الدولي لن تحمل انعكاسات سلبية فقط على قوة وتماسك هذا النظام، وإنما يمكن أن تؤدي أيضاً إلى عزل الولايات المتحدة بشكل متزايد فيما يتعلق بالقضايا العالمية المهمة والرئيسية، بل وربما تعزيز جهود بناء نظام دولي جديد أكثر عدالة بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.

الخلاصة أنه من المُتوقع أن تحمل ولاية ترامب الثانية تأثيرات سلبية في صورة الولايات المتحدة ونفوذها عالمياً بالاستناد إلى ما بدا كحالة من تراجع الثقة التي تسبب فيها الرئيس الأمريكي بسبب سلوكه كزعيم متقلب ومندفع، وذلك على الرغم من تركيزه المستمر على هدفه المتعلق بـ”استعادة العصر الذهبي الأمريكي”. لكن سوف تتوقف حدود تراجع النفوذ الأمريكي على عدد من الأمور، منها مفاضلة ترامب بين الاستمرار في سياسة الصخب والفوضى أو اتجاهه لمزيد من التعقل والتريث، وأيضاً حدود اعتماده على نظرية “الرجل المجنون” كوسيلة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والنطاقات المتوقعة لتوظيفها، إضافة إلى قدرته على إعادة ضبط بوصلة التفاعلات في الساحات المختلفة كبديل عن الانسحاب وتقليل الانخراط، وأخيراً، قدرة الخصوم على استغلال تراجع النفوذ الأمريكي في سبيل تعزيز نفوذهم.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • تحليل معمق- زعيم الحوثيين يقود “محور المقاومة” الخارج عن الخدمة  
  • فوضى القيادة: كيف ستقود “الترامبية” إلى تراجع النفوذ الأمريكي عالمياً؟
  • صور.. النقل تستهدف تنفيذ 17 محورًا جديدًا على النيل حتى 2030
  • الإمارات تقود الابتكارات المتطورة في مجال المركبات ذاتية القيادة
  • الإمارات تقود الابتكارات المتطورة بمجال المركبات ذاتية القيادة
  • مركز تحديث الصناعة يقدم الدعم الفني لمحطتين للطاقة الشمسية في فنادق شرم الشيخ
  • هوندا تكشف عن سيارتها الكهربائية S7 الجديدة.. بتكنولوجيا القيادة الذاتية
  • “برنامج إعمار اليمن” يقدم مشاريع تنموية للإسهام في تحسين القدرات التشغيلية للطاقة الكهربائية
  • السوداني يوجّه وزارة الكهرباء والمحافظين بسرعة تهيئة الأراضي لمشاريع الطاقة الشمسية الذكية
  • السوداني يترأس اجتماعاً خاصاً لمناقشة آلية الحلول الذكية في تنفيذ مشروع الطاقة الشمسية