خرقٌ كبير يطال خطوط حزب الله الخلفية.. هؤلاء يهدّدونه بشدّة!
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
التحدّي الأكبر الذي يواجهه "حزب الله" في ظل المواجهة الحالية ضد العدو الإسرائيلي يرتبطُ بإمكانية وجود "جوقة جواسيس" تُلاحق عناصره في الجنوب. المسألةُ هذه ليست عادية أو عابرة، فالأمرُ خطيرٌ جداً ومن الممكن أن تكون ساحة الحزب "مخروقة" حقاً، وبالتالي يكون تنفيذ مُخططات ضدّها أمرا واردا حتماً.
خلال الخطابين اللذين ألقاهما في غضون الأسبوع الأخير، الأول يوم 3 تشرين الثاني الجاري والثاني أمس السبت، لم يتطرّق الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إلى المخاطر التي تُهدّد الحزب في الجبهة الداخليّة.
حالياً، يعملُ "حزب الله" على نطاقين محوريَّين: الأول وهو عسكريّ على الجبهة ضد إسرائيل، في حين أنَّ النطاق الثاني يرتبطُ بالخطوط الخلفية له، وتحديداً في بيئته الحاضنة.
في ما خص النطاق الأول، فإنّ الحزب يعي تماماً قواعده وحيثياته، كما أنهُ يُدرك طريقة إدارته لمسار العمليات المتصاعدة التي يُنفذها كونه هو الذي يرسم خطوط التحرك العسكري ضدّ إسرائيل إنطلاقاً من الجنوب.
في المقابل، يأتي التركيزُ على النطاق الثاني والمُتمثل بـ"تطهير" الجبهة الداخلية من العناصر المدسوسة التي قد تُشكل مأزقاً للحزب في ظل الحرب القائمة. هنا، وعند هذا الصعيد، يسعى "حزب الله" إلى فرض سيطرته الأمنية في مختلف قرى ومناطق الجنوب، والسبب هنا يعود إلى أن الوضع الحالي يسمحُ لأي جهة بالتحرّك بحرية ضمن الجنوب كون الطرقات غير مقطوعة، كما أنّ إمكانية الإنتقال إلى الكثير من المناطق الحدودية هو أمرٌ سهل وغير ممنوع. لهذه الأسباب، يرى الحزب أن "ظهره" قد يكونُ مكشوفاً في حين أنّ إمكانية ضبط الوضع قد تحتاجُ إلى الكثير من الجهود، فالساحة كبيرة للخروقات. وإنطلاقاً مما يجري، وتفادياً لأي خطرٍ كبير على الجبهة، يلجأ الحزبُ حالياً إلى خوض "حرب أمنية" من نوع آخر للجم الجواسيس قدر الإمكان وتأمين ساحة الجنوب.
في إطار التطبيق الميدانيّ، دأبَ الحزبُ مؤخراً على اعتماد عناصر ميدانية تنتشرُ في كل زاوية ضمن الجنوب. هدفُ تلك العناصر هو مُراقبة أيّ حركة غريبة ومُساءلة أي شخصٍ يتمّ الإشتباه به عن هويته وسبب تحركاته. المسألة هنا قد يُفسرها البعض على أنها "أمنٌ ذاتي"، لكن الحزب يعتبر هذا الأمر بمثابة "حقّ له"، كون الطامحين لخرقه كُثر وبالتالي لا يجب منحُهم تلك الفرصة.
السوريون.. التحدي الأكبر
الأهم هو أنه وبعد إنتهاء أزمة التوتر في الجنوب، بات يجدر على "حزب الله" الضغط أكثر في سبيل عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلدهم الأُم. هؤلاء، لعبوا دوراً غير جيد في أكثر من محطة ضمن توتر الحدود، وتقولُ معلومات "لبنان24" إنَّ مختلف المناطق الخاضعة لنفوذ "حزب الله " وحركة "أمل" في الجنوب فرضت تدقيقاً كبيراً على تحركات السوريين فيها خوفاً من وجود جواسيس في صفوفهم.
إزاء كل ذلك، من الممكن أن يُصبح تحرك الحزب ضد الوجود السوري أمراً واجباً عليه. في الوقت الحالي، هؤلاء شكلوا ضغطاً أمنياً عليه، وبالتالي هناك معالجة يجب أن تفرض نفسها على أرض الواقع. إلا أنه في الوقت نفسه، وإن لم ينجح الحزب في تطويق ذاك الوجود، عندها من الممكن أن يبادر إلى إتخاذ إجراءات لاحقاً تكون أكثر تأثيراً وشدة من الإجراءات السابقة، وهذا ما ينتظره سكان معظم المناطق الجنوبية حقاً.
أحد المواطنين في بلدة عدلون يقول لـ"لبنان24" إنَّ الحزب مُطالب بمعالجة مسألة السوريين كونها تضغط بقوة على الوضع، مشيراً إلى أن تقييد حركة هؤلاء أمرٌ مطلوب كون هناك إمكانية لبروز جواسيس في ما بينهم خصوصاً أثناء تحركاتهم خلال فترة الليل".
الخوف الأكبر هو أن يستغل بعض السوريين مقتنياتهم لممارسة أعمالهم الإستخباراتية، مثل الدراجات النارية التي تدخل عُباب الأحراج والجبال. المسألة هنا ليست عادية، ومن الممكن أن يعي "حزب الله" مدى خطورتها ويقوم بمعالجتها فوراً.
إذاً، وبكل بساطة، ما يجب أن يحصل على صعيد الجواسيس والسوريين يجب أن يفرض نفسه بقوة على الساحة.. هنا، بات مطلوباً من أبناء الجنوب أن يبادر نواب "حزب الله" لاحقاً للمطالبة بحلول تشريعية وحكومية بملف النازحين.. فهل سيتحقق هذا الأمر بسهولة؟ وهل سيكون هذا الأمرُ محوراً أساسياً لعمل الحزب سياسياً خلال وقتٍ لاحق؟
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: من الممکن أن هذا الأمر حزب الله
إقرأ أيضاً:
مستقبل حزب الله
“بيننا وبينكم الجنازات” عبارة منسوبة تاريخيا للإمام أحمد بن حنبل، كان الفقيه المرموق إمام أهل السنة في زمانه، ويروى أنه ذكر العبارة المعنية في ذروة تحديه لأهل البدع، والمثير على اختلاف القرون، أن حكم إمام السنة صدق في حق أعظم زعماء الشيعة العرب في عصرنا السيد حسن نصر الله، ليس لأنه فقيه أو مرجع ديني، بل لأنه كان إماما لسنة المقاومة وأهلها على مدى أربع عقود خلت، فقد شارك في تشييع نصر الله عدد هائل من الناس يقارب عددهم المليون، وفي تقديرات متحفظة مدققة، جاوز العدد ثلاثة أرباع المليون، وهو حشد أسطورى بالقياس إلى ظروف يوم التشييع المتأخر كثيرا عن صدمة يوم استشهاده، وبالقياس إلى ظروف طقس معاكسة، سادته البرودة الشديدة وهطول الثلوج بغزارة، وبالقياس إلى حجم سكان بلده الصغير، لبنان، فهذه أكبر جنازة لزعيم لبناني بإطلاق، بل إنها واحدة من أكبر الجنازات الأسطورية في التاريخ الإنساني كله، وعلى رأسها جنازات الزعيم جمال عبد الناصر والإمام الخميني وكوكب الشرق أم كلثوم والأميرة ديانا والبابا يوحنا بولس السادس.
وقد اختلفت الآراء والمقاربات القارئة ليوم تشييع نصر الله، حسب توزع المواقع السياسية غالبا، فكل جماعات إسرائيل في لبنان والمنطقة العربية عموما، اعتبرت دفن نصر الله دفنا للمقاومة، وبعض ضحايا أخطاء وخطايا الرجل وحزبه في سوريا بالذات، لم يتخلفوا عن مواكب الشماتة فيه، وفي قتله على يد كيان الاحتلال “الإسرائيلي” وطائراته وقنابله الأمريكية الضخمة.
وكل ذلك مفهوم وله العذر أحيانا، وإن كان النقاش في جوهره ليس محصورا في التشفي بالرجل، بل بالتساؤل عن مستقبل حزبه “حزب الله” بعد رحيله، وهو القائد الأبرز في سيرة الحزب وإن لم يكن القائد المؤسس، فقد قضى في قيادة الحزب أكثر من ثلاثة عقود، صنع فيها وهج الحزب لبنانيا وعربيا وعالميا، وبنى مؤسساته المتشعبة متينة التكوين، وجعله أكبر أحزاب لبنان والمشرق العربي كله، وكان شخصية كاريزمية جامعة، قادت “حزب الله” ومقاومته إلى انتصارات كبرى، أبرزها تحرير الجنوب اللبناني أواخر مايو 2000، ومن دون أن يتورط في توقيع اتفاق استسلام، ولا صك تطبيع مع العدو، ثم كان خوضه معركة كبرى مع جيش العدو طوال يوليو 2006، وصولا إلى مبادرته بخوض حرب إسناد للمقاومة الفلسطينية مع عملية “طوفان الأقصى”، التي تبعتها حرب الإبادة الجماعية في غزة، وإلى أن تطورت الدراما الحربية غير المسبوقة، وقرر العدو “الإسرائيلي” الأمريكي، أن يخوض حرب إبادة “حزب الله” نفسه مع مقتل حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024، ومن قبله هجوم “البيجر” و”اللاسلكي” والاغتيالات المتتابعة لعدد كبير من قادة الصف الأمامي لحزب الله، و في المقتلة “الكربلائية” الدامية وبعدها، بانت مخاطر خروق أمنية واسعة تعرض لها الحزب، جاءت غالبا نتيجة توسع عمله في بيئات وساحات هشة مليئة بالمتربصين والجواسيس، من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا بالذات، فيما بدا من خطايا نصر الله بشخصه وسياسته، غير أن حسنات الرجل وأفضاله راحت ترأب الصدوع، على نحو ما بدا في المقدرة اللافتة المعجزة للحزب، على استعادة تنظيمه الدقيق في نحو عشرة أيام لا غير، وبالذات في التنظيم العسكري للحزب، الذي أفادته ميزة الإحلال التلقائي للقيادات والاستعداد المسبق بتجهيز البدائل، وبما مكنه من القتال الأسطوري الكفء طوال أكثر من شهرين، وضد خمس فرق من جيش العدو، لم تستطع التقدم بريا إلى عمق الجنوب اللبناني، وظلت عند قرى الحافة الجنوبية الحدودية، بما دفع العدو إلى طلب اتفاق لوقف النار، كان تكرارا في نصوصه الأساسية للقرار الأممي 1701 الصادر عقب حرب 2006، وهو الاتفاق الذي تلكأت “إسرائيل” في تنفيذه، وانتهكته مئات المرات قبل وبعد مد وقت مهلة انسحاب العدو إلى 21 يوما إضافية بعد شهري وقف النار، وظلت “إسرائيل” تحتفظ باحتلال خمس تلال استراتيجية على الحدود، وهو ما يمنح “حزب الله” مبررا لبنانيا إضافيا لاستئناف المقاومة المسلحة، مع تغير الظروف، ومن دون إغفال مصاعب كثيرة مضافة يواجهها “حزب الله” على طريق استعادة حضوره، بينها المساعي الأمريكية “الإسرائيلية” الضاغطة في الداخل اللبناني، وتحفز جماعات “إسرائيل” اللبنانية للسعي إلى نزع سلاح “حزب الله”، حتى لو كان الثمن إشعال حرب أهلية لبنانية جديدة، لا يحول دونها سوى تفوق القوة العسكرية والسياسية لحزب الله، وقوة واتساع تنظيمه، على نحو ما بدا في يوم تشييع زعيمه التاريخي حسن نصر الله، الذي لم يخف يوما طبيعة علاقة حزبه بالقيادة الإيرانية، وقال ذات مرة بوضوح قاطع “سلاحنا وأكلنا وشربنا يأتي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، وفيما تعرف جماعات “إسرائيل” اللبنانية، أن أي مواجهة لها مع “حزب الله” ستكون خاسرة بالتأكيد، وتسعى لاستجلاب المدد من العدو “الإسرائيلي” الأمريكي نفسه، وتريد أن يدمر لها العدو “حزب الله”، كما قتل زعيمه الأشهر بمئة طن متفجرات، بينما أثبتت تجربة قتل “نصر الله”، أنها لا تؤدي بالضرورة إلى قتل الحزب، الذي لا يزال يحتفظ بأغلب مقدراته الصاروخية وطائراته المسيرة المتطورة، وبمصانع سلاحه تحت الأرض، وحتى بأنفاقه وسلاحه ومقاتليه في الجنوب اللبناني نفسه، ويحظى بالتأييد الجارف عند قواعده الاجتماعية الكبرى، ويبتكر الحيل والطرق لفك الحصار، ويطور أساليب التواصل مع الداعم الإيراني الرئيسي، ويجري مناورات سياسة مع حلف الخصوم في الداخل اللبناني، ويعد لصيغ مقاومة تخفف دواعي الصدام مع الدولة والجيش اللبناني، ومن دون استهانة بالأثر الخانق لأحداث وتبدلات سوريا الجديدة، التي قطعت شريان الاتصال البري الميسر مع إمدادات السلاح الإيراني، وإن كانت الفوضى المتصلة في الداخل السوري مما قد يخدم “حزب الله”، وعناصر التفكيك في سوريا متفاقمة الأثر، وقد تدفع الوضع السوري إلى مخاطر التقسيم ومضاعفة ثقل النفوذ الخارجي، فقد أخرجت إيران من سوريا، وحل محلها نفوذ تركي مرئي، مع استمرار النفوذ الأمريكي بقواعده العسكرية في شمال شرق سوريا بالذات، والأخطر ما تترى حوادثه من نفوذ كيان الاحتلال “الإسرائيلي” الذي دمر بالكامل كل مقدرات الجيش السوري، الذي جرى حله مع سقوط طغمة بشار الأسد، ولم يعد لسوريا جيش رغم إعلانات متكررة عن السعي لبناء جيش جديد، والحد من توسع انتشار جماعات مسلحة على أسس عرقية وطائفية، لا تخفي “إسرائيل” نيتها لاستثمارها لتقسيم سوريا، من وراء دعم عناوين “اللامركزية” و”الفيدرالية” وغيرها، وحديث حكومة بنيامين نتنياهو، عن استعدادها لبسط حمايتها على جماعات مثل “الدروز” وغيرهم، ثم إعلانها عن “نزع سلاح” ثلاث محافظات في الجنوب السوري، إضافة لاحتلالها الدائم لهضبة الجولان، ثم شفعها لإنذار نزع السلاح بهجمات جوية وبرية طالت محافظات القنيطرة ودرعا وصولا إلى ريف دمشق.
تواجه الحزب تحديات صعبة لكنه يبقى كيانا أصيلا راسخ الجذور
ومن شأن هذه التطورات ولواحقها المنتظرة، أن تؤدي في المستقبل القريب والأبعد إلى مشهد أخطر، تسعى فيه “إسرائيل” بتفويض أمريكي إلى صنع خرائط جديدة، تلحق فيها سوريا بغالب مناطقها باحتلال “إسرائيلي” مباشر وغير مباشر، يستفز قواعد الشعب السوري، وقد يدفعها لدعم نشوء حركات مقاومة مسلحة، قد يجد فيها “حزب الله” سندا لفك الاختناق اللوجيستي من الجهة السورية.
وبالجملة، قد لا يبدو مستقبل “حزب الله” رهينا بتمنيات الخصوم أو الأصدقاء، والقدر المتيقن منه موضوعيا، إن الحزب واجه ويواجه تحديات صعبة، إضافة لتلقي ضربات موجعة، لكنه يبقى كيانا أصيلا راسخ الجذور، وليس شجرة “لبلاب” تميل مع الريح، فقاعدته الاجتماعية واسعة، ومؤسساته راقية التنظيم، والحاجة إليه لبنانيا وعربيا لا تنفد في المدى العاجل والآجل، وإلهام زعيمه التاريخى غاية في التأثير، بل تبدو المفارقة الظاهرة، أن “إسرائيل” ذاتها تلعب دورا ملحوظا في تجديد دور “حزب الله”، فما من تراجع وارد في عدوانية ووحشية كيان الاحتلال، لا في فلسطين ولا في لبنان ولا في سوريا، وطغيان الاحتلال يؤدي إلى تحفيز خط المقاومة لا العكس، و”حزب الله” مدرسة مقاومة، بنيت على أساس روح استشهادية، لا تؤثر فيها الخسائر البشرية ولا المادية، ولا الدمار الشامل، فالمقاومة تنهض دائما من رماد، وتجربة “حزب الله” جمعت الحس الاستشهادي المبارك إلى تطوير التكنولوجيا الحربية المتحدية، ونشأت أجيال قادرة على استيعاب دروس المواجهات الأخيرة، التي لم تنهزم فيها المقاومة الجديدة، وإن كان الطريق إلى النصر الكامل لا يزال شاقا، ويمضى عليه الحزب الذي بناه حسن نصر الله، ولا يموت بموته الجليل.