برلين- يدافع اليسار في أوروبا عموما عن اللاجئين والمهاجرين، وهو أمر ينطبق كذلك على شخصيات كثيرة داخل حزب اليسار الألماني، لكن القيادية السابقة في هذا الحزب، سارة فاغنكنيشت، التي أعلنت مؤخرا انسحابها منه رفقة نواب آخرين لتأسيس حزب يساري جديد، أعلنت بوضوح أنها ضد فتح الأبواب أمام اللاجئين، بل وطالبت بتقليل الهجرة إلى ألمانيا وخفض المعونات المقدمة للاجئين.

فاغنكنيشت ليست شخصية عادية، فهي الرئيسة السابقة لمجموعة اليسار في البرلمان الألماني، وهي مشهورة بين الأوساط اليسارية الأوروبية منذ عضويتها بحزب الاشتراكية الديمقراطية الذي اندمج مع حزب آخر لتكوين حزب اليسار الألماني، وأسست مؤخرا جمعية تحمل اسمها هي التي سينبثق عنها الحزب الجديد، وهي من المدافعين بشدة عن ضرورة استمرار العلاقات بين ألمانيا وروسيا، كما ترفض تسليح أوكرانيا.

سارة فاغنكنيشت قالت إن ألمانيا لم تعد مستعدة لتكون الرقم "1" بالنسبة للاجئين (غيتي) الدانمارك ونموذج التشدد

دعت فاغنكنيشت هذا الأسبوع إلى تغيير السياسة الألمانية "المتسامحة" في التعامل مع اللاجئين والمهاجرين، وانتقدت توجهات الحكومة التي لا تعرف حسب قولها "خطورة الوضع"، وقالت "إن توزيعا أفضل للاجئين والأعباء المادية بين الولايات لن يحل المشكلة، لأن أرقام اللاجئين كبيرة جدا".

وتابعت القول وفق ما نقلته صحيفة "تسايت"، إن "ألمانيا ممتلئة، ولم تعد لديها مساحة كافية لاستقبال اللاجئين، ولم تعد مستعدة لتكون الرقم 1 بالنسبة إليهم"، مشيرة -في تطور لافت- إلى النموذج الدانماركي في سياسة الهجرة واللجوء، وقالت إن الدانمارك "تبين كيف يمكن استعادة التحكم".

وتتمثل خطورة ما قالته فاغنكنيشت في أن الدانمارك وضعت قوانين صارمة تلزم طالبي اللجوء بالانتقال إلى بلدان غير أوروبية، حتى يتم النظر في طلباتهم، بالإضافة إلى ترحيل السوريين القادمين من "المناطق الآمنة".

وتضع كوبنهاغن هدفا بإخلاء البلاد من اللاجئين بشكل تام، كما تحدد عددا أقصى للسكان "غير الغربيين" في الأحياء السكنية.

وأقرت الدانمارك كذلك قانونا يربط الإعانات الاجتماعية بالعمل، وأصدرت قبل سنوات قانون بمصادرة الأموال والمقتنيات الثمينة لدى طالبي اللجوء، وأدى هذا القانون إلى انتقادات كبيرة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكن رغم ذلك تفكر سياسية يسارية ألمانية باستلهام هذا النموذج.

ويقول حسن حسين -وهو صحفي متقاعد وخبير في الشؤون الألمانية- إن "فاغنكنيشت كانت تمثل المركز الشيوعي داخل حزب الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا الشرقية، والآن صارت تتبنى سياسات معاكسة 180 درجة للتوجه الشيوعي".

ويضيف للجزيرة نت أن هذه القيادية باتت "تتخذ مواقف شعبوية لا توجد إلا عند اليمين المتطرف"، وهو ما لا يعطيها أي مصداقية، خصوصا أن صراعها مع حزب اليسار يبدو أن سببه إملاءات من شخصيات أخرى.


انفصال عن اليسار

وتشير مصادر متعددة إلى أن الخلاف الذي جعل فاغنكنيشت تنسحب مع قياديين آخرين من حزب اليسار هو ملف الهجرة، فهي ليست أول مرة تعلن فيها عن آراء مناقضة لسياسات حزب اليسار الألماني، خصوصا عام 2016 عندما أدلت بتصريحات أدت إلى الاحتفاء بها من حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، بينما طالبها عدد من زملائها في الحزب بالاستقالة.

فعشية اعتداءات نسبت للاجئين ذلك العام، صرحت اليسارية ذاتها أن "استقبال وإدماج عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين يرتبطان بمشكلات كبيرة"، منتقدة تصريح المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بأن البلد يستطيع النجاح في سياسة الإدماج. وبعد الانتقادات تراجعت فاغنكنيشت عن تصريحاتها وقالت إنها ليست ضد اللجوء.

لكن الآن، أضحت فاغنكنيشت واضحة في رفضها للاجئين، ولم تعد تحتاج توضيحا في هذا الشأن، خصوصا أنها غازلت ناخبي "البديل" المتطرف، وقالت مؤخرا "إن الكثير من الناس ينتخبون هذا الحزب، ليس لأنه يميني، ولكنهم لأنهم غاضبون ومحبطون، ولذلك فكرنا في إعطاء هؤلاء الناس خيارا آخر".

ويشير الخبير حسين إلى صعوبة استقطاب فاغنكنيشت جماهير هذا الحزب، لافتا إلى أن من ينتخبون اليمين الشعبوي يركزون على اختلافين رئيسين مع الأحزاب الحاكمة: الأول هو سياسة الهجرة، والثاني هو دعم الحكومة "السخي" لأوكرانيا في الحرب مع روسيا.

ويتساءل حسين "إن كان هؤلاء الناخبون يختارون حزبا يمينيا يمثل نسخة أصلية لما يؤمنون به، فلماذا سيتجهون إلى نسخة مزورة تعلن أنها يسارية؟".

وتسبب انسحاب فاغنكنيشت وبقية القياديين في خسارة حزب اليسار لمجموعته البرلمانية، بحكم أن عدد الأعضاء الـ28 المتبقين لا يكفي لقيادة مجموعة برلمانية، ما سيؤثر ماليا في الحزب، ويدخله في تحديات كبيرة. ولم يحصل هذا الحزب إلا على 4.9% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، محتلا بذلك المركز السادس.

حسن حسين: الأحزاب الألمانية باتت تزايد على بعضها في موضوع اللجوء (الجزيرة) المهاجرون والانتخابات القادمة

ويبدو أنه أصبح من الصعب التفريق بين الأحزاب الألمانية في موضوع اللجوء، باستثناء حزب اليسار. فصورة ألمانيا كبلد مستقبل للاجئين، ومنهم العرب، انتهت تقريبا، والحزب المسيحي الديمقراطي، الذي رفعت رئيسته السابقة ميركل سياسة "نستطيع إنجاز ذلك"؛ أي إدماج اللاجئين، بات خطابه اليوم متطرفا للغاية، بينما أقرت الحكومة التي يقودها حزب في وسط اليسار، سياسة جديدة لترحيل أسرع لمن رفضت طلبات لجوئهم، وخفض المساعدات المالية المخصصة للاجئين.

ويؤكد حسين وجود هذا التغيير الكبير، لافتا إلى أن "حركية الاحتفاء باللاجئين انتهت بشكل شبه تام، وحاليا باتت الأحزاب الألمانية تزايد على بعضها في موضوع اللجوء، وكل حزب يحاول أن يقدم مقترحا أكثر تشددا من سابقيه".

ويتابع أن هذه السياسات "أثرت سلبا على المزاج العام، وأسهمت في خلق مناخ يعادي المهاجرين"، ولفت إلى أن الأصوات المدافعة عن المهاجرين تخفت شيئا فشيئا، مقابل صعود أصوات من يطالبون بالتشدد وغلق الحدود.


وإذا كان "اليساريون الجدد" بقيادة فاغنكنيشت يريدون الاستفادة من الألمان اليمينيين، فهم يغامرون بفقدان أصوات ذوي الأصول المهاجرة، التي كانت تمثل خزانا انتخابيا لأحزاب اليسار. ولا يخص الأمر فقط المسلمين الذين يحق لحوالي مليونين منهم الانتخاب، ولكن عامة الألمان من أصول مهاجرة، الذين قد يعاقبون الطبقة السياسية المناوئة للهجرة.

ويرجح حسين إمكانية تأثير أصوات الجاليات العربية والمسلمة في الانتخابات المقبلة، قائلا إن من كانوا ينتخبون الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو حزب الخضر (يوجدان في الحكومة)، سيعيدون النظر، بسبب انحراف مواقف الحزبين بخصوص الحرب في الشرق الأوسط وسياسة اللجوء، ما يمثل فرصة كبيرة لحزب اليسار الألماني، للاستفادة من هذه الأصوات، بحكم وضوح مواقفه سواء فيما يخص دعم الشعب الفلسطيني، وكذلك مواقفه الداعمة للمهاجرين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذا الحزب إلى أن

إقرأ أيضاً:

نقص في الخدمات الصحية بالكفرة مع استمرار تدفق اللاجئين السودانيين

ليبيا – تقرير: أكثر من 215 ألف نازح سوداني في ليبيا وسط تحديات إنسانية متزايدة أعداد متزايدة من النازحين

تناول تقرير إخباري نشرته “الهيئة الطبية الدولية” أزمة النزوح المستمرة نتيجة الصراع العسكري في السودان، مشيرًا إلى فرار أكثر من 11 مليون سوداني إلى دول الجوار، بينهم قرابة 215 ألف شخص وصلوا إلى ليبيا، مما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لضمان حصولهم على المساعدات الإنسانية اللازمة.

الحاجة إلى خدمات صحية ودعم إنساني

ووفقًا للتقرير الذي تابعته صحيفة “المرصد”، فإن النازحين السودانيين في ليبيا يواجهون تحديات تتعلق بالرعاية الصحية، الصحة العقلية، الحماية، الغذاء، والمأوى، في ظل محدودية الموارد المتاحة. وأشار التقرير إلى أن “الهيئة الطبية الدولية”، التي كانت أول منظمة إنسانية عالمية وصلت إلى ليبيا بعد عام 2011، تعمل على توفير هذه الاحتياجات الأساسية.

تزايد الضغط على الخدمات الطبية في الكفرة

ذكر التقرير أن الفرق الطبية التابعة للهيئة أجرت 18,519 استشارة طبية في بلدية الكفرة، إلى جانب توزيع الإمدادات الأساسية في المستوطنات غير الرسمية والمرافق الصحية. كما توقع أن تشهد ليبيا تدفق 160 ألف نازح سوداني إضافي في عام 2025، ليصل العدد الإجمالي إلى 375 ألف شخص، مما يزيد من الضغط على البنية التحتية الصحية الضعيفة في الكفرة.

نقص حاد في الكوادر الطبية والمستلزمات

وأشار التقرير إلى أن 85% من المنشآت الصحية في الكفرة تعاني من نقص الأدوية الأساسية للصحة العقلية، مما يجبر المرضى على السفر إلى بنغازي أو طرابلس لتلقي العلاج. كما تعاني المرافق الصحية من عجز في الطواقم الطبية، حيث يحتاج مستشفى “عطية الكاسح” إلى 3 أطباء تخدير، 10 أطباء لقسم الطوارئ، وعدد من الفنيين لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات الطبية.

مشكلات صحية شائعة بين النازحين

أكد التقرير أن أكثر المشكلات الصحية انتشارًا بين النازحين تشمل الالتهابات التنفسية والأمراض الجلدية المزمنة، مما يجعل الحاجة إلى دعم إضافي في الخدمات الصحية أمرًا ضروريًا لضمان العمليات الفعالة ورعاية المرضى بجودة عالية.

ترجمة المرصد – خاص

مقالات مشابهة

  • ليبيا: تدفقات هائلة للاجئين السودانيين إلى مدن جنوب البلاد وتوقعات بوصول عشرات الآلاف خلال العام
  • انخفاض طلبات اللجوء إلى أوروبا بنسبة 11% في 2024 لكن العدد تجاوز المليون
  • برباعية.. رشلونة يتخلى عن الرحمة مع سوسيداد ويتصدر الدوري
  • نقص في الخدمات الصحية بالكفرة مع استمرار تدفق اللاجئين السودانيين
  • الاتحاد الأوروبي: نشكر مصر لاستضافتها عددًا كبيرًا من اللاجئين ودعمها لقضايا المنطقة
  • «الأونروا»: التخلص من الوكالة لن ينهي قضية اللاجئين
  • تعرف على مدة الفصل في طلب اللجوء وفقًا للقانون
  • انخفاض عدد الأتراك الذين يطلبون اللجوء في ألمانيا
  • سيدة ألمانيا الحديدية تطارد المستشارية في برلين
  • الأونروا: التخلص من الوكالة لن ينهي قضية اللاجئين