على خطى الدانمارك.. هل يتخلى اليسار الألماني عن دعمه اللاجئين؟
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
برلين- يدافع اليسار في أوروبا عموما عن اللاجئين والمهاجرين، وهو أمر ينطبق كذلك على شخصيات كثيرة داخل حزب اليسار الألماني، لكن القيادية السابقة في هذا الحزب، سارة فاغنكنيشت، التي أعلنت مؤخرا انسحابها منه رفقة نواب آخرين لتأسيس حزب يساري جديد، أعلنت بوضوح أنها ضد فتح الأبواب أمام اللاجئين، بل وطالبت بتقليل الهجرة إلى ألمانيا وخفض المعونات المقدمة للاجئين.
فاغنكنيشت ليست شخصية عادية، فهي الرئيسة السابقة لمجموعة اليسار في البرلمان الألماني، وهي مشهورة بين الأوساط اليسارية الأوروبية منذ عضويتها بحزب الاشتراكية الديمقراطية الذي اندمج مع حزب آخر لتكوين حزب اليسار الألماني، وأسست مؤخرا جمعية تحمل اسمها هي التي سينبثق عنها الحزب الجديد، وهي من المدافعين بشدة عن ضرورة استمرار العلاقات بين ألمانيا وروسيا، كما ترفض تسليح أوكرانيا.
سارة فاغنكنيشت قالت إن ألمانيا لم تعد مستعدة لتكون الرقم "1" بالنسبة للاجئين (غيتي) الدانمارك ونموذج التشدددعت فاغنكنيشت هذا الأسبوع إلى تغيير السياسة الألمانية "المتسامحة" في التعامل مع اللاجئين والمهاجرين، وانتقدت توجهات الحكومة التي لا تعرف حسب قولها "خطورة الوضع"، وقالت "إن توزيعا أفضل للاجئين والأعباء المادية بين الولايات لن يحل المشكلة، لأن أرقام اللاجئين كبيرة جدا".
وتابعت القول وفق ما نقلته صحيفة "تسايت"، إن "ألمانيا ممتلئة، ولم تعد لديها مساحة كافية لاستقبال اللاجئين، ولم تعد مستعدة لتكون الرقم 1 بالنسبة إليهم"، مشيرة -في تطور لافت- إلى النموذج الدانماركي في سياسة الهجرة واللجوء، وقالت إن الدانمارك "تبين كيف يمكن استعادة التحكم".
وتتمثل خطورة ما قالته فاغنكنيشت في أن الدانمارك وضعت قوانين صارمة تلزم طالبي اللجوء بالانتقال إلى بلدان غير أوروبية، حتى يتم النظر في طلباتهم، بالإضافة إلى ترحيل السوريين القادمين من "المناطق الآمنة".
وتضع كوبنهاغن هدفا بإخلاء البلاد من اللاجئين بشكل تام، كما تحدد عددا أقصى للسكان "غير الغربيين" في الأحياء السكنية.
وأقرت الدانمارك كذلك قانونا يربط الإعانات الاجتماعية بالعمل، وأصدرت قبل سنوات قانون بمصادرة الأموال والمقتنيات الثمينة لدى طالبي اللجوء، وأدى هذا القانون إلى انتقادات كبيرة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكن رغم ذلك تفكر سياسية يسارية ألمانية باستلهام هذا النموذج.
ويقول حسن حسين -وهو صحفي متقاعد وخبير في الشؤون الألمانية- إن "فاغنكنيشت كانت تمثل المركز الشيوعي داخل حزب الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا الشرقية، والآن صارت تتبنى سياسات معاكسة 180 درجة للتوجه الشيوعي".
ويضيف للجزيرة نت أن هذه القيادية باتت "تتخذ مواقف شعبوية لا توجد إلا عند اليمين المتطرف"، وهو ما لا يعطيها أي مصداقية، خصوصا أن صراعها مع حزب اليسار يبدو أن سببه إملاءات من شخصيات أخرى.
انفصال عن اليسار
وتشير مصادر متعددة إلى أن الخلاف الذي جعل فاغنكنيشت تنسحب مع قياديين آخرين من حزب اليسار هو ملف الهجرة، فهي ليست أول مرة تعلن فيها عن آراء مناقضة لسياسات حزب اليسار الألماني، خصوصا عام 2016 عندما أدلت بتصريحات أدت إلى الاحتفاء بها من حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، بينما طالبها عدد من زملائها في الحزب بالاستقالة.
فعشية اعتداءات نسبت للاجئين ذلك العام، صرحت اليسارية ذاتها أن "استقبال وإدماج عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين يرتبطان بمشكلات كبيرة"، منتقدة تصريح المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بأن البلد يستطيع النجاح في سياسة الإدماج. وبعد الانتقادات تراجعت فاغنكنيشت عن تصريحاتها وقالت إنها ليست ضد اللجوء.
لكن الآن، أضحت فاغنكنيشت واضحة في رفضها للاجئين، ولم تعد تحتاج توضيحا في هذا الشأن، خصوصا أنها غازلت ناخبي "البديل" المتطرف، وقالت مؤخرا "إن الكثير من الناس ينتخبون هذا الحزب، ليس لأنه يميني، ولكنهم لأنهم غاضبون ومحبطون، ولذلك فكرنا في إعطاء هؤلاء الناس خيارا آخر".
ويشير الخبير حسين إلى صعوبة استقطاب فاغنكنيشت جماهير هذا الحزب، لافتا إلى أن من ينتخبون اليمين الشعبوي يركزون على اختلافين رئيسين مع الأحزاب الحاكمة: الأول هو سياسة الهجرة، والثاني هو دعم الحكومة "السخي" لأوكرانيا في الحرب مع روسيا.
ويتساءل حسين "إن كان هؤلاء الناخبون يختارون حزبا يمينيا يمثل نسخة أصلية لما يؤمنون به، فلماذا سيتجهون إلى نسخة مزورة تعلن أنها يسارية؟".
وتسبب انسحاب فاغنكنيشت وبقية القياديين في خسارة حزب اليسار لمجموعته البرلمانية، بحكم أن عدد الأعضاء الـ28 المتبقين لا يكفي لقيادة مجموعة برلمانية، ما سيؤثر ماليا في الحزب، ويدخله في تحديات كبيرة. ولم يحصل هذا الحزب إلا على 4.9% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، محتلا بذلك المركز السادس.
حسن حسين: الأحزاب الألمانية باتت تزايد على بعضها في موضوع اللجوء (الجزيرة) المهاجرون والانتخابات القادمةويبدو أنه أصبح من الصعب التفريق بين الأحزاب الألمانية في موضوع اللجوء، باستثناء حزب اليسار. فصورة ألمانيا كبلد مستقبل للاجئين، ومنهم العرب، انتهت تقريبا، والحزب المسيحي الديمقراطي، الذي رفعت رئيسته السابقة ميركل سياسة "نستطيع إنجاز ذلك"؛ أي إدماج اللاجئين، بات خطابه اليوم متطرفا للغاية، بينما أقرت الحكومة التي يقودها حزب في وسط اليسار، سياسة جديدة لترحيل أسرع لمن رفضت طلبات لجوئهم، وخفض المساعدات المالية المخصصة للاجئين.
ويؤكد حسين وجود هذا التغيير الكبير، لافتا إلى أن "حركية الاحتفاء باللاجئين انتهت بشكل شبه تام، وحاليا باتت الأحزاب الألمانية تزايد على بعضها في موضوع اللجوء، وكل حزب يحاول أن يقدم مقترحا أكثر تشددا من سابقيه".
ويتابع أن هذه السياسات "أثرت سلبا على المزاج العام، وأسهمت في خلق مناخ يعادي المهاجرين"، ولفت إلى أن الأصوات المدافعة عن المهاجرين تخفت شيئا فشيئا، مقابل صعود أصوات من يطالبون بالتشدد وغلق الحدود.
وإذا كان "اليساريون الجدد" بقيادة فاغنكنيشت يريدون الاستفادة من الألمان اليمينيين، فهم يغامرون بفقدان أصوات ذوي الأصول المهاجرة، التي كانت تمثل خزانا انتخابيا لأحزاب اليسار. ولا يخص الأمر فقط المسلمين الذين يحق لحوالي مليونين منهم الانتخاب، ولكن عامة الألمان من أصول مهاجرة، الذين قد يعاقبون الطبقة السياسية المناوئة للهجرة.
ويرجح حسين إمكانية تأثير أصوات الجاليات العربية والمسلمة في الانتخابات المقبلة، قائلا إن من كانوا ينتخبون الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو حزب الخضر (يوجدان في الحكومة)، سيعيدون النظر، بسبب انحراف مواقف الحزبين بخصوص الحرب في الشرق الأوسط وسياسة اللجوء، ما يمثل فرصة كبيرة لحزب اليسار الألماني، للاستفادة من هذه الأصوات، بحكم وضوح مواقفه سواء فيما يخص دعم الشعب الفلسطيني، وكذلك مواقفه الداعمة للمهاجرين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذا الحزب إلى أن
إقرأ أيضاً:
اللجوء.. وكرم شعب
على خلفية مشاهدتي لبعض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولى الذى اختتم فعاليات دورته الخامسة والأربعين يوم الجمعة الماضي، ناقش أحد الأفلام المعروضة قضية اللجوء إلى الدول الأوروبية هربا من الحروب والويلات وعدم الاستقرار فى بعض البلدان، الفيلم الفرنسي "قابل البرابرة" يدور حول اضطرار بلدة فرنسية بقبول عدد من اللاجئين من أوكرانيا، ولما لم يتبق منهم أحد بعد لجوئهم إلى مدن أخرى تبقت أسرة قادمة من سوريا، فاضطر المجلس المحلي للبلدة على التصويت على قبولهم بالرغم من تحفظات البعض.
واجهت الأسرة السورية الكثير من المتاعب والتنمر والاضطهاد الذى كاد أن يتسبب فى طردهم، قبل أن يحدث موقف إنساني لحالة ولادة طارئة تتدخل فيه ابنتهم الطبيبة لتنقذ الأم والوليد، ليضطر رب الأسرة الذى كان كارها لوجود الأسرة السورية، إلى تقبلهم على مضض نزولا على رغبة زوجته وتهديدها له بأن عليه الاختيار بينها وبين بقاء هؤلاء اللاجئين.
ذكرني ما حدث مع هذه الاسرة السورية ومع ما حدث ومازال يحدث من حوادث عنصرية فى بعض البلدان الأوروبية تجاه اللاجئين وحتى بعض المقيمين هناك، وبين ما يحدث فى مصر من فتح ذراعيها لكل لاجئ لها رغبة فى العيش بأمن وأمان للفارين من هول النزاعات والانقسامات والحروب، وإذا كانت مصر الدولة التى لا تتخلى أبدا عن دورها باعتبارها لأخت الكبرى لكل الأشقاء، فإن هذا الدور ينسحب أيضا على الشعب بأكمله، الذى لم يتذمر ولم يتعامل بقسوة مع من اعتبرهم ضيوفه حتى لو تجاوز عددهم 9 ملايبن، وهو ما يعادل تعداد بعض الدول.
قبل سنوات طويلة استقبلت مصر الأشقاء من الكويت عقب الغزو العراقي للكويت فى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وبعدها استقبلت الأشقاء من العراق، وهم حتى الآن مازالوا جيراننا ويتملكون عقارات، ثم بعد ذلك الأشقاء من اليمن وسوريا، أما بالنسبة للأخوة من فلسطين فهم على مر السنين يعيشون بيننا، وأخيرا هذه الأعداد الكبيرة من النازحين من السودان بعد الاضطرابات التى سادتها منذ عامين تقريبا.
كل من يعيش على أرض مصر فهو آمن، فلا اضطهاد ولا تنمر ولا مضايقات تذكر، وهؤلاء جميعا يعيشون ويعملون ويتعلم أبناؤهم فى المدارس المصرية، بل إنهم لديهم مشروعات استثمارية ومحلات ولنا فى المطاعم السورية المنتشرة فى معظم أحياء القاهرة خير دليل، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار والتضخم المتزايد الذى يعاني من آثاره المصريون، إلا أنهم لم يضيقوا بالضيوف، الذين تسبب وجودهم فى ارتفاع الإيجارات بشكل غير مسبوق وكذا ارتفاع أسعار العقارات والمواد الغذائية، وكما قال النائب علاء عابد أثناء مناقشة قانون لجوء الأجانب الأسبوع الماضي، فإن العقارات زادت بنسبة كبيرة والشقة التى كان سعرها مليون جنيه أصبح الآن سعرها خمسة ملايين جنيه، ومع ذلك مصر "لا قفلت ولا هتقفل بابها فى وش حد".
سلوكيات الناس فى الشارع مع الأشقاء من السودان الذين نزحوا بأعداد كبيرة، تنم عن كرم وإنسانية، فتجد من يدلهم عن الطريق وعن المواصلات ويساعد كبار السن منهم ويتعاطف مع صغارهم، هذه هى مصر وهذا شعبها.. صدق بها قوله سبحانه وتعالى "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".