تعرضت كتب نفيسة في مكتبة كبيرة بالعاصمة السودانية الخرطوم للاحتراق وأصبح المتحف القومي معزولا لأسابيع بسبب القتال، بينما أصبح متحف آخر في دارفور عرضة لتسرب الأمطار الموسمية داخله بعد أن أحدثت مقذوفات ثقوبا في سقفه.

الصراع المستعر بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان أثر سلبا على التراث الثقافي الغني للبلاد الذي يشمل مملكة كوش القديمة التي كانت تسيطر على التجارة بين جنوب أفريقيا ومصر في عصر الفراعنة.

ويسعى خبراء جاهدين لإنقاذ ما بمقدورهم إنقاذه.

وحسب تقرير نشرته منظمة التراث من أجل السلام، وهي منظمة غير حكومية للتراث الثقافي على اتصال بباحثين وعلماء آثار محليين، الأسبوع الماضي، فقد استُهدف ما لا يقل عن 28 موقعا ثقافيا وأثريا بأنحاء البلاد أو أنها تعرضت لأضرار جانبية.

وتقول محاسن يوسف عالمة الآثار في جامعة بحري إن بعض المواقع ومنها جامعات عديدة تُستخدم لأغراض عسكرية.

ونشرت قوات الدعم السريع التي تخوض صراعا على السلطة مع الجيش مقطع فيديو في أوائل يونيو/حزيران يُظهر قواتها داخل متحف السودان القومي في وسط العاصمة الخرطوم والذي يضم بعضا من أقدم وأهم المومياوات في العالم. ولم يتسنّ لموظفي المتحف الوصول إلى هناك للتحقق من الدمار الذي لحق به.

ساحة متحف السودان القومي بالعاصمة الخرطوم (غيتي)

وقالت محاسن يوسف "هناك مشكلة حقيقية في الحصول على معلومات كاملة عن حقيقة ما يحدث، ببساطة لأن معظم هذه المواقع تقع في إطار مناطق القتال".

وهناك اثنان من مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة التربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في السودان، هما جزيرة مروي موطن أحد أكبر مجمعات الأهرام القديمة في أفريقيا وجبل البركل وهو جبل مقدس من الحجر الرملي قرب المقابر والمعابد والقصور التي تنتشر مع مجرى نهر النيل، وكلاهما في مناطق هادئة نسبيا.

وقال إسماعيل حامد نور، الباحث السوداني في جامعة برمنغهام البريطانية والذي يوثق المواقع المعرضة للخطر، "في الوقت ذاته تزيد احتمالات النهب والسرقة في الموقع".

وتقول منظمة التراث من أجل السلام إن الاضطرابات في منطقة دارفور بغرب البلاد ألحقت أضرارا بـ4 متاحف على الأقل.

وأفادت المنظمة بأن سطح المتحف في نيالا، ثاني أكبر مدينة سودانية وعاصمة ولاية جنوب دارفور، "تعرض لأضرار طفيفة من المقذوفات، جعلت ما بداخله عرضة لهطول الأمطار مع اقتراب موسم الأمطار في السودان".

ويحتوي المتحف على قطع فخارية ومجوهرات وأدوات تُظهر تنوع الحضارات التي ازدهرت في مرحلة ما في دارفور، حيث تصاعد العنف مرة أخرى منذ أبريل/نيسان 2023. ويعدّ المتحف واحدا من المناطق المدنية الرئيسية في نيالا.

حرق كتب نادرة

من ناحيتها، قالت الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية إن النيران أتت على ما لا يقل عن 50 من الكتاب النادرة والقيمة أو المجموعات في جامعة أم درمان الأهلية، إحدى المدن الثلاث التي تشكل عاصمة السودان الأوسع.

وتُظهر صور نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكواما من بقايا كتب ومخطوطات متفحمة.

كتب ومخطوطات تاريخية نادرة تحولت إلى رماد بفعل حريق مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية (مواقع التواصل)

وخلّف إحراق مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بالجامعة الأهلية حسرة وأسى في نفوس آلاف من طلاب وخريجي الجامعة العريقة، الذين تفاعلوا بحزن كبير مع نبأ حريق المكتبة الذي أشاع كذلك حالة من الغضب والحزن بين المفكرين ودارسي التاريخ كونها من المراكز البحثية المهمة في البلاد.

ورغم أن إحراق مكتبة المركز وقع في سياق عملية نهب امتدت نحو 10 أيام وشملت كل ممتلكات الجامعة الأهلية، فإن مديرها البروفيسور المعتصم أحمد الحاج يظهر قناعة بأن إحراق المكتبة كان عملا ممنهجا دافعه الأساسي محو ذاكرة السودانيين.

وروى أحمد الحاج في تقرير سابق للجزيرة نت كيف أن النيران أحرقت معها وأضاعت إلى الأبد جهد 37 عاما من البحث وجمع الكتب والوثائق النادرة، ويقول إن ما حدث ليس سوى محاولة لتركيع الجامعة الأهلية التي تمثل نموذجا للعمل الطوعي واستمرارا لمسيرة التعليم الأهلي التي بدأها الآباء بإنشاء المدارس الأهلية.

كذلك يعتقد أن جهة ما أرادت بث رسالة مفادها أنهم إذا استولوا على السلطة لا بد أن تكون هذه الجامعة غير موجودة لأنها تمثل رمزية كبيرة مثلما كانت تمثلها طوال 30 عاما من حكم النظام المعزول.

حريق ضخم قضى على مخطوطات وكتب تاريخية في مكتبة الجامعة الأهلية بالخرطوم (مواقع التواصل) نقص التمويل

ويعاني الحفاظ على التراث الثقافي في السودان من نقص التمويل منذ مدة طويلة، والسودان هو ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة.

وجمعت الهيئة القومية للآثار والمتاحف أموالا لدفع رواتب 100 حارس ومفتش ليعودوا إلى مواقعهم حيث يكون ذلك آمنا، وأجرت عمليات تحويل أموال للتدريب على الاستجابة للطوارئ واتخاذ إجراءات لمنع التنقيب غير القانوني وتوعية تلاميذ مدارس دارفور بشأن أهمية التراث الثقافي.

وقال إبراهيم موسى، المدير العام للهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية، إن هذا جزء من حملة لتوعية الناس بأهمية الثقافة، دون لفت الانتباه إلى المواقع التي قد تستهدفها فصائل مسلحة تحاول الترويج لفهمها الخاص لتاريخ السودان.

ويحاول المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية والهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية وضع خطوات للحفاظ على التراث الثقافي في أثناء الحرب، بما في ذلك احتمال إجلاء القطع الأثرية.

أرشيف رقمي لتاريخ السودان

وقالت أبارنا تاندون المسؤولة في المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية "في حين أن هناك قدرا كبيرا من الوعي بخصوص التراث الثقافي والحاجة إلى حمايته في أوقات الأزمات، فإن أحد أكبر التحديات التي نواجهها هو أن الثقافة لا تزال غير مدمجة في لغة المساعدات الإنسانية".

وبدأت مارلين ديجان خبيرة العلوم الإنسانية الرقمية في المملكة المتحدة وباحثون محليون مشروعا لإنشاء أرشيف رقمي لتاريخ السودان الثقافي، وذلك بعد أن أحرق متمردون مسلحون بعض المخطوطات القديمة بتمبكتو في مالي.

وبحلول الوقت الذي بدأت فيه الحرب، كانوا قد أكملوا رقمنة ما يصل إلى 150 ألف صورة لمواد تعود إلى الفترة من 4000 قبل الميلاد إلى انتفاضة 2019 التي أُطيح خلالها بعمر البشير.

وأضافت ديجان أن ملايين المواد لا تزال غير رقمية وعرضة لخطر الضياع إلى الأبد.

وأردفت قائلة "هناك أشرطة إذاعية تعود إلى أربعينيات القرن العشرين في تلفزيون السودان، ولا يزال هناك الكثير من الأفلام الوثائقية في أرشيف السينما، من مخطوطات وكتب وصور وأشياء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

فصل دارفور !

مناظير السبت 16 نوفمبر، 2024

زهير السراج

manazzeer@yahoo.com

* كنتُ وما زلت وسأظل من الداعين لايقاف الحرب وانقاذ الشعب السوداني من المحنة الصعبة التي يعيشها منذ اكثر من عام ونصف بسبب حرب قذرة على السلطة والمال، لا ناقة له فيها ولا جمل ولا مصلحة!

* كما انها تهدد وجود السودان خاصة مع المطامع الخارجية الواضحة في خيراته وموراده وارضه، فضلا عن المحاولات السافرة الخبيثة للبعض لفصل إقليم دارفور عن السودان، ظناً منهم أن السودان (الموحد) يقف ضد طموحاتهم السياسية في الحكم أو العودة الى الحكم مرة أخرى، وهو بالفعل كذلك !

* ولكى اكون اكثر وضوحا فإنني أقصد قائد مليشيا الجنجويد (حميدتي) من جانب، ومن الجانب الآخر (بعض) قادة النظام البائد وحزب المؤتمر الوطني المحلول، ويتضح ذلك من الإستراتيجية التي تُدار بها الحرب والواقع الميداني، والأمنيات المعلنة لبعض قادة النظام البائد عن تكوين (دولة النهر والبحر) باعتبارها الوسيلة الوحيدة للعودة الى الحكم بعيدا عن حميدتي ودارفور !

* كما ان (حميدتي) يعلم أنه من المستحيل أن يحكم السودان بسبب الكراهية الشديدة والعداء المتنامي له ولعصابته والجرائم والانتهاكات الفظيعة التي انتهكوها ضد الشعب، وأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق طموحه السياسي هى فصل دارفور!

* أى أن كلا الطرفين يعتقد ويؤمن، بأن الفصل هو الحل الوحيد لتحقيق طموحاته ورغبته الجامحة في الحكم، ولا أستبعد على الاطلاق أن يتفق الإثنان في أي وقت من الأوقات على هذا الحل، أو الذي (يعتقدون) انه الحل أو الوسيلة لتحقيق الطموح، خاصة أن تحقيق النصر العسكري بواسطة أي طرف شبه مستحيل في الوضع الراهن إلا إذا حدثت تطورات في المستقبل تجعله احد الاحتمالات الممكنة!

* في رأيي الشخصي أن الشئ الوحيد الذي منع الطرفين من الاتفاق على فصل دارفور هو الموقع الاستراتيجي بالغ الاهمية لمدينة (الفاشر) بالنسبة للسودان وبعض الدول الحدودية، وإصرار الجيش (تحت ضغوط خارجية قوية) على التمسك بها والزود عنها بكل ما يملك من جهد وعدم التخلي عنها لـ(حميدتي) بسهولة مثلما حدث في بقية ولايات إقليم دارفور، كما أنها الموطن لبعض الحركات المسلحة التي تحارب بجانب الجيش!

* ولولا ذلك لتخلى عنها قادة النظام البائد والمؤتمر الوطني بسهولة كما تخلوا من قبل عن إقليم جنوب السودان قبل بضعة اعوام ظنا منهم ان ذلك سيُسهِّل عليهم حكم السودان ويقوي قبضتهم على السلطة، وكلنا نذكر عبارات السخرية للمخلوع البشير التي يُظهر فيها فرحه وسروره بانفصال الجنوب مما سيتيح لهم تطبيق (الشريعة الاسلامية) بدون (جغمسة أو دغمسة) ــ بدون مواربة ــ ولم يكن يقصد بالطبع سوى تشديد قبضتهم على السلطة، وليس تطبيق الشريعة التي لم نرهم يطبقونها طيلة فترة حكمهم الفاسد الذي يتناقض مع حكم الله وعدالته، ولكن هل سيؤدى فصل دارفور لتحقيق احلام الطرفين (قادة النظام البائد وحميدتي)، ام سيكون وبالا عليهم كما كان فصل الجنوب وبالا على النظام البائد ؟!

* ولكن بعيدا عن احلام وامنيات زعيم عصابة الجنجويد وقادة النظام البائد بفصل دارفور حتى يتيسر لهما الحكم (لو حدث ذلك)، فإلى متى يظل الشعب بلا منقذ ولا حامٍ من القتل والنهب وهتك العرض والجرائم التي يتعرض لها كل يوم بل كل لحظة، ام يجب ان يهرب من وطنه ويتذوق طعم الهوان والاهانة والتشرد كما حدث لغيره، أم أن قدره أن يبيد عن بكرة أبيه حتى يرضى عنه الجيش والجنجويد وعصابة النظام البائد والمؤتمر الوطني المحلول ؟!

   

مقالات مشابهة

  • السفارة الأميركية تعلن عن مبادرتين لحماية التراث الثقافي اليمني
  • الحوثيون: استهدفنا بالمسيّرات موقعا حيويا في إيلات
  • أمريكا تعلن عن دعم مبادرتين جديدتين لحماية التراث الثقافي اليمني والحفاظ عليه
  • إحداها لترميم قلعة القاهرة.. سفارة أميركا تعلن دعم مبادرتين في اليمن لحماية التراث الثقافي
  • فصل دارفور !
  • عبد العزيز عشر: عودة الظهور وأبعاد سياسية في مشهد الصراع السوداني
  • أضرار الافراط في تناول الزنجبيل.. مخاطر صحية على الحامل
  • اليابان يأمل في إدراج مشروب الساكي التقليدي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو
  • القنصل السوداني يطالب بفتح القنصلية السودانية في الكفرة لتسهيل الإجراءات للنازحين بشكل أسرع
  • سفارة باكستان بالقاهرة تُبرز التراث الثقافي والإمكانات السياحية بيوم التوجيه بجامعة المنصورة