الدكتور هاني سليمان في ظلّ تنامي المقاومة الفلسطينيّة الشعبيّة والمسلّحة في الضفّة الغربيّة بكلّ مدنها ومخيّماتها ودساكرها، يصرّح رئيس الكيان المؤقّت بنيامين نتانياهو، أنّه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينيّة وأنّ على الفلسطينيّن أن يُقلعوا عن مجرّد التفكير بهذه الدولة. هذا التصريح وإن كان متوقّعًا، لا يمكن أن يمرّ مرور مرورًا عابرًا دون الوقوف عند أسبابه ودوافعه.

هذا التصريح يعكس حالتين متناقضتين لا وسط بينهما. الحالة الأولى: إمّا ان تكون حكومة العدوّ قد حقّقت إنتصارات كبرى فأجهضت الإنتفاضة وقضت عليها، فيأتي تصريح رئيس وزراء الكيان بمثابة ورقة النعوة أو إعلان مراسم الوفاة، وتقبّل التهاني بالوفاة المأساويّة لشعب ناضل طيلة عقود، وقدّم الشهداء من أجل حرّيته وكرامته. الحالة الثانية: وتعني في ما تعنيه، المكابرة واليأس من إمكانيّة القضاء على الثورة الفلسطينيّة، ومن ردّ فعل غاضب لمسؤول يصيح على جنوده بوجوب الصمود وإنتظار الوقت المناسب. فللمرّة الأولى تشهد الضفّة الغربيّة ومن حيث لا يحتسب قادة الكيان، إنطلاق صواريخ، وإطلاق عمليّات، وإقتحام مواقع عدوّة، ومهاجهة مستوطنات كانت تعتقد أنّها مأمونة الجانب، بل مرهوبة الجانب بسبب تسليح عصاباتها وإعتداءاتها المتكررة على أراضي الفلسطينيين ومزروعاتهم بالحرق والإتلاف، وعلى بيوتهم بالتطويق والهدم. والبارحة كان مخيّم جنين نموذجًا للصمود التاريخي رغم الهمجيّة وروح القتل الباردة التي إستخدمها قادة الكيان. إنّه التحوّل التراكمي لمقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة، التي كنّا ننتظرها على أحرّ من الجمر، متوقّعين حصولها في أيّ وقت. إنّه التحوّل النوعي من مقاومة سلبيّة في البدء، تعتمد على التمسّك المبدئي بالحقّ بالوجود، إلى فعل إيجابي نضجت ظروفه الذاتيّة والموضوعيّة في الدائرة التي ظنّ فيها العدوّ أنّها خطّ أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه، أو في الدائرة ” الممنوع الإقتراب منها” لأنّها تتعلّق بجوهر الكيان ومعتقده الديني ومبرّر تأسيسه قبل ثمانية عقود، ألا وهي دائرة يهودا والسامرة حسب مزاعمه. عندما دخل وزير دفاع العدوّ موشي دايان إلى الضفّة الغربيّة سنة 1967 أعلن عن ذلك الإنجاز قائلًا ” إنّه النصر الإلهي يتحقّق “. لقد باتت الضفّة الغربيّة ساحة الصراع الوجودي بالنسبة للكيان المؤقّت، وفي ظلّ هذا الصراع يأتي تصريح رئيسه بأنّه لن يسمح للفلسطينيّن بإقامة دولتهم. ولعلّ ما يسلّط الضوء على تفكير قادة الكيان بشأن الضفّة الغربيّة، كتاب بعنوان “السلام المفقود”، وفيه يروي وزير خارجية مصر الأسبق الدكتور محمد إبراهيم كامل مذكّراته عن مباحثات واتّفاقات “كمب ديفيد”، التي أدارها أنور السادات ” بعظمة بالغة “، كما يقول الكاتب ساخرًا. لقد إستقال محمد ابراهيم كامل من منصبه في وزارة الخارجية المصرية اعتراضًا على مباحثات ” كمب ديفيد”. وقد جاءت استقالته ليلة التوقيع على المعاهدة في نيويورك، فقفل عائدًا من واشنطن إلى بلاده من دون المرور بنيويورك. هذه الاستقالة كانت ثالثة لإستقالتين معترضتين على نهج السادات في المفاوضات، الأولى لوزير الخارجية آنذاك محمد فوزي والثانية لوزير الخارجية اسماعيل فهمي. يروي محمد ابراهيم كامل أنه لم يكن ضد مبدأ المفاوضات لاسترجاع سيناء ولترسيخ الحلّ الشامل للقضية الفلسطينية، وأن اعتراضه كان منصبًّا على التنازلات الجمّة وعلى الإهانات التي كات يتعرّض لها الوفد المصري من قبل الفريق الإسرائيلي المفاوض. ويروي، أنه أثناء رئاسته للجنة السياسية المصرية للمفاوضات، وخلال اجتماعه مع وزير خارجية “اسرائيل”‏ في القدس آنذاك، دخل عليهم رئيس وزراء “اإسرائيل”‏ مناحيم بيغن وخاطب وزير خارجيته قائلًا: ” لماذا تضيّعون وقتكم مع هؤلاء”،‏ كما التفت إلى محمد إبراهيم كامل قائلًا له: “هل‏ أنتم مجانين لتطالبوا بالضفّة الغربية أرضِ آبائنا واجدادنا؟… وهل طلبنا إليكم يومًا أن تنسحبوا من القاهرة؟ وهل نحن مجانين حتى نقبل بمناقشة هذا الطلب”؟‏ وبهذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى وجوب الإطّلاع على الكتاب المتميّز الذي أصدره كلّ من د. ستيفن والت – عميد كلّية كنيدي في جامعة هارفرد، ود. جون ميرشايمر، – برفوسور العلوم ‎السياسية في جامعة شيكاغو بعنوان ” اللوبي‏ الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية”.‏ هذا الكتاب يتحدث بمرارة عن  سيطرة اللوبي الإسرئيلي على مفاصل القرار الخارجي الأميركي بحيث يعتير الكاتبان فيه ” أن‏ إسرائيل أصبحت عبئًا على أميركا يجب التخلص منه، دون التخلي طبعًا عن دولة إسرائيل بوجودها وتفوّقها وديمومتها”، لقد روَّج الكاتبان لكتابهما على غلافه بجملة تقول: ” بعد المقالة التي هزّت العالم بجرأتها”. يروي الكاتبان صن ‎-١١-‏ . ويضيف الكاتبان ص (95): “ويعطي الردًّ على كتاب الرئيس الأسبق جيمي كارتر بعنوان ” السلام لا الفصل العنصري” مثالًا كاملًا على هذه الظاهرة، ففي حين يدافع كارتر عن حقّ اسرائيل في الوجود في وسط آمن وسلميّ”، وبرغم ذلك وبسبب أنّه أوحى أن سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلّة تشبه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا”،‏ فقد شنّ عدد من هذه المجموعات حملات تشنيع قبيحة ضدّه، واصفين إيّاه بأنّه معادٍ للساميّة وكاره لليهود، بلّ أنّ بعض النقّاد إتّهموه أيضًا بأنّه متعاطف مع النازيين. ولعلّ أوضح ما عاناه الرئيس جيمي كارتر هو ما ورد على لسانه، يوم إستضافته مقاطعة أوتاوا في كندا، في مهرجان السينما العالمي، كضيف شرف يتحدّث عن كتابه بعنوان “السلام لا الفصل العنصري”، في ذلك اللقاء قال كارتر: ” أنا رئيس أميركا أتعرّض للمضايقات وللتحرّشات الجسديّة، وللإشارات اللا أخلاقيّة، وللعبارات النابية، وللتشهير. تخيّلوا أنّ رئيس أميركا محاصر بسبب كتاب لا يعادي إسرائيل بل كلّ همّه هو مصلحتها في الأمن والإستقرار والإزدهار”. في كلّ أنواع النزال، إذا لم تُصبْ من عدوّك مقتلًا، فبإمكانه إستعادة توازنه وإلتقاط أنفاسه بهدف التغلّب عليك. الأخوة الفلسطينيّون في الضفّة الغربيّة يصيبون من العدوّ مقتلًا. هكذا يرى العدوّ … وهكذا يرى كلّ من يتابع ويحلّل ويستنتج.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

شاهد بالفيديو.. من داخل أحد مساجد “شمبات”.. الفنان طه سليمان يطرب جيرانه بالحي بمدحة “مصر المؤمنة”

نشر الفنان السوداني المعروف طه سليمان, مقطع فيديو عبر صفحة معجبيه ومتابعيه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد ظهر الفنان طه سليمان, وسط جيرانه بأحد المساجد بحي “شمبات”, بمدينة الخرطوم بحري.

وترنم طه سليمان, خلال جلسة مع أهالي الحي بالمدحة الشهيرة “مصر المؤمنة”, التي صاغ كلماتها الشيخ العارف بالله عبد الرحيم محمد وقيع الله البرعي.

محمد عثمان _ الخرطوم

النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخبر يُجري جراحة سمنة عالية الخطورة لإنقاذ شاب من تبعات الفشل الكلوي الحاد
  • المعارضة في نيوزلندا تقود مشروع قانون لفرض عقوبات على الكيان الصهيوني
  • رنا أبو ريش تكشف لـ صدي البلد كواليس مشاركة مكة محمد صلاح في كامل العدد++ |فيديو
  • الجهاد الإسلامي: العدوان الأمريكي على اليمن دعم وقح للكيان الصهيوني وجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني
  • شاهد بالفيديو.. من داخل أحد مساجد “شمبات”.. الفنان طه سليمان يطرب جيرانه بالحي بمدحة “مصر المؤمنة”
  • مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخبر يجري عملية نادرة لـعشرينية تعرضت لإصابة رياضية معقدة
  • محمد فاروق سليمان .. عناد في زمان السقوط
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • غالبني الوجع وأنا أتلقى نبأ استشهاد صديقي الدكتور عمر محمد علي
  • الخطيب: ما يحصل اليوم من احداث مروعة ومجازر يندى لها الجبين يوضح اهداف المشروع الغربي