خديجة مسروق: الثورة الجزائرية قصة كفاح
تاريخ النشر: 6th, July 2023 GMT
خديجة مسروق من الصعوبة بمكان أن نختزل تاريخ الثورة الجزائرية في بضعة سطور. و هو التاريخ الحافل بالمحطات الشاهدة على فظاعة الإحتلال الفرنسي للجزائر , و على بسالة الشعب الجزائري و استماتته من أجل تحرير أرضه من براثن هذا العدو الغاشم , منذ أن وطئتها أقدامه في الخامس من شهر جويلية من سنة 1830إلى غاية الخامس من جويلية 1962 و هو التاريخ الذي لوّحت فيه الحرية الحمراء لواءها بفضل تضحية الوطنيين الأفذاذ بالغالي و النفيس لأجلها.
عملت القوات العسكرية الفرنسية على قمع الشعب الجزائري و إذلاله بشتى الطرق , و تفننت في جرائمها في حق هذا الشعب . غير أنها لم تكن تهنأ في كل عملية إجرامية تقوم بها . الجزائريون لم يدخروا أي جهد في التصدي لها , و إن كانت وسائلهم بسيطة فرب السماء كان يمطرهم بالعون , وماضاع حق يوما ووراءه مطالب .
بدأ فتيل الثورة الجزائرية بالانتفاضات الشعبية عبر القرى و المداشر. كان الجزائريون يقومون بثورات محلية و تفجيرات في مراكز العدو يتكبد فيها كثيرا من الخسائر المادية و البشرية ..
و كان العدو الفرنسي قد استغل حالة الأمية أو الجهل الذي كان يجثم على عقول أغلب الجزائريين, فحاول إقناعهم بأن الجزائر فرنسية و أن فرنسا دخلت أرضهم من أجل خدمتها و اصلاحها .و كل ذلك من أجل طمس هويتهم الوطنية.و بذلك يتراجع الجزائريون عن محاربتها و الإذعان لقراراتها . غير أن المصلحين و أهل العلم من أبناء الجزائر حملوا على أكتافهم مهمة توعية الشعب و تنويره .وهبت رياح الحركة الاصلاحية مع الشيخ عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي و الطيب العقبي و غيرهم من رواد الاصلاح . و انطلقوا في الدروس التوعوية من المساجد و الزوايا لبناء عقل الانسان الجزائري . و ذلك بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي رسمتها السياسة الاستعمارية و نشرتها بين أوساط الجزائريين قبل طرح فكرة الاستقلال , و نشر الوعي و شحذ الهمم في نفوس المواطنين ليكونوا أكثر استعدادا لمقاتلة العدو , واقناعهم بأن ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة .وأشرقت شمس اليقظة على الجزائريين المخلصين , الذين تأكدوا أن فرنسا لا تريد خيرا للجزائر , و أن القوة هي الحل الوحيد لإخراجها من بلادهم . فاثبتوا أنهم كالبنيان المرصوص لا تزعزعهم رياح و لا أعاصير .
و تشكلت لجان للتخطيط لأعظم ثورة يشهد لها التاريخ .فانطلقت الاتصالات السرية بين الثوار و المناضلين في جميع أنحاء الوطن, للاتفاق على تفجير شرارة أول نوفمبر من العام 1954. فأشعلوا فتيلها في زمن واحد في كل بقعة من أرض الجزائر.إنها اللحظة الحاسمة في تاريخ الجزائريين .
الفاتح من نوفمبر كان البرزخ بين مرحلتين فاصلتين انتقلت فيها الجزائر من مرحلة المقاومة الشعبية إلى مرحلة الكفاح المسلح تحت لواء حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري . التفّ الشعب الجزائري حول الثورة . و قد قال في هذا الصدد الشهيد العربي بن المهيدي مقولته الشهيرة ‘القوا بالثورة إلى الشارع يتلقفها الشعب ‘ . و اتخذ الثوار من الجبال معاقل لهم للتربص بقوات الاستعمار .و تحصلت الجزائرآنذاك على الدعم المعنوي و المادي من الدول الشقيقة و الصديقة مساندة للثورة و دعمها بالسلاح و العتاد .فشكَّلَ المجاهدون قوة ثورية ضد جحافل العدو الفرنسي, التي زعزعت وجوده وقوته التي ظنها أنها لا تقهر. سبع سنوات و نصف من القتال الدامي المتبادل بين المجاهدين و عساكر الاحتلال ــ و قد عدّ الدارسون أطول استعمار عرفته الانسانية هو الاستعمار الفرنسي للجزائرــ عرف الشعب الجزائري خلال هذه الحقبة ‘ الاستعمارية ‘ أبشع أنواع القهر و الإذلال من قبل المحتلين . مازاد هذا الشعب إصرارا وعزيمة على التحدي في مواصلة القتال لتحرير وطنهم من الوجود الاستعماري . و كانت قوات العدوتقابل تحديهم بمحاولة القضاء عليهم. منهم من يتعرض للموت فيلاقي ربه شهيدا, ومنهم من يتم القبض عليه فيزج به في مراكز الإعتقال . و تفنن عساكر فرنسا في تعذيب الجزائريين الموجودين داخل هذه المراكز بأساليب لا علاقة لها بالانسانية , باستعمال الكهرباء و الماء و عمليات غسيل المخ, و تجريد المساجين من ثيابهم و التجول بهم وسط الشوارع , و انتهاك أعراض محارمهم أمامهم و غيرها من أنواع التعذيب التي كان يمارسها الاحتلال لبث الرعب في نفوس المواطنين و محاولة كسر عزيمة المجاهدين و الثوار..سجون فرنسا بالجزائر التي مورست فيها عشرات بل مئات من العمليات العقابية الفظيعة ضد المعتقلين الجزائرين ــ و هناك كثير ممن استشهدوا تحت التعذيب ــ لا تزال شاهدة إلى اليوم على جرائم فرنسا . كسجن ‘ سركاجي’ الذي نفذت فيه مئات العمليات الإجرامية ضد الشعب الجزائري , و هناك مركز’ بني مسوس ‘ و’ مركز موران ‘ و غيرهم من معاقل التعذيب التي لازالت إلى اليوم موجودة كمعالم تاريخية كبيرة تشهد على بشاعة الاحتلال. .
جرائم فرنسا ضد الانسانية لم تنته بخروجها من أرض الجزائر, بل إلى اليوم الخطر يحدق بالأرض و الانسان و الحيوان في كثيرمن مناطق الجنوب و الصحراء بأكملها . بسبب الألغام التي دستها في هاته البقاع الشاسعة من الصحراء الجزائرية التي كانت و لا تزال تؤرقها , كيف لا وقد احتلت الجزائر من أجلها للإستيلاء على الخيرات الموجودة بها . و لما بات حلم فرنسا وهمًا تأكدت من استحالة تحقيقه , استعملت سياسة الأرض المحروقة بالقيام بالتجارب النووية على هذه الأراضي , التي تسببت في مقتل عشرات المواطنين و إصابة كثيرمنهم بعاهات مستدامة بسبب الإشعاعات النوووية .
و إذا كانت فرنسا ترفض الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري أيام الاحتلال , فإن التاريخ حافل بالشواهد التي تؤكد على ذلك و بعض الشواهد موجودة في عقر دارها . يكفي أن متحف باريس يضم عشرات من جماجم الثوار الجزائرين الذين قامت بقتلهم و لم تكتف بذلك , بل قامت بفصل رؤوسهم عن أجسادهم وتهريب تلك الجماجم لتضعهم كقطع تذكارية في متحف باريس الكبيريتحلق الزائرون له حولها , و كأنها تؤكد للعالم عن عدائها للإنسانية .وكانت الدولة الجزائرية قد استردت مؤخرا بعضا من هذه الجماجم ليحويهم تراب أرضهم الطاهرة الذين ضحوا بكل شيء من أجله.. حين لم تنجح فرنسا في كل مخططاتها العسكرية و أيضا السياسية التي حاكتها ضد الجزائر من أجل البقاء على أرضها .اضطر شارل دوغول مرغما بعد عجزه في التصدي لمقاومة الشعب الجزائري الباسل على الموافقة على مبدأ تقرير المصير, بعد فشله في تطبيق سلم الشجعان الذي ينص على واجب تخلي الشعب الجزائري عن الثورة , و أبرمت اتفاقية إيفيان في 18 مارس من العام 1962لتعلن الجزائر عن وقف القتال.و رغم استفزازات العساكر الفرنسية للجزائريين إلا أنها لم تحرك فيهم ساكنا حيث استطاعوا أن يحافظوا على مبدأ وقف اطلاق النار .ويتم الإعلان عن قيام دولة مستقلة ذات سيادة .ويلوح العلم الوطني بألوانه الثلاثة خفاقا في كل التراب الوطني , و تعلن الجزائر عن احتفالاتها بالاستقلال الرسمي في الخامس من جويلية 1962 , و الجزائريُّ ينتشي طعم الحرية و الاستقلال في شموخ و هو الذي كان ولا يزال يرفض أن تنحني هامته لغير الخالق ..فالسلام على أبناء الجزائر الذين ضحوا من أجل الحرية بالغالي و الرخيص و عقدوا العزم أن تحيا الجزائر . فكل عام ووطني الجزائر ينعم بالسلام و الحرية و المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار .. .
كاتبة من الجزائرالمصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة: الزعماء العرب الذي يتسابقون على تقديم الولاء والطاعة لترامب لا يحظون بأي قيمة عنده مهما فعلوا ومهما قدموا
يمانيون/ خاص
أوضح السيد القائد أن الرئيس الأمريكي بايدن كان يعلن للعرب أنه يؤمن بالمشروع الصهيوني الذي يستهدف أرضهم وعرضهم وبلادهم وأوطانهم وثرواتهم ومقدساتهم.
وأكد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في كلمة له، اليوم الخميس، حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية، أن ترامب حرص على أن يقدم للعدو الإسرائيلي إنجازات معينة وتباهى بأنه فعل ما لم يفعله الرؤساء الأمريكيون من قبله.
ولفت قائد الثورة إلى أن ترامب قال إنه مستعد لإعطاء “إسرائيل” المزيد من الأراضي العربية وهو يقصد ما يقول، وهذه هي حقيقة الأمريكيين.
وأشار السيد القائد إلى أن الزعماء العرب الذي يتسابقون للولاء لترامب والطاعة له لا يحظون بأي قيمة عنده مهما فعلوا ومهما قدموا.. مؤكداً أن ترامب يرى في الدول العربية الغنية بقرة حلوبا، ويرى في الفقراء أمة بائسة تعيسة ليس لها في حساباته إلا الموت والدمار.
ولفت السيد إلى أن ترامب عمل تحت عنوان “التطبيع” على تطويع بعض العرب ليكونوا خداما للعدو الإسرائيلي والمصالح الأمريكية، وأنه عمل على تجيير البعض من الأنظمة العربية بإمكانات شعوبهم وبلدانهم لخدمة العدو الإسرائيلي.
وأكد قائد الثورة أن ترامب فشل في مشروع “صفقة القرن” رغم كل عنجهيته واستكباره واستهتاره وطغيانه، وسيفشل في هذه المرة أيضاً، مؤكداً أن ترامب سيفشل مهما أثار من الفتن ومهما ألحق بأمتنا من النكبات نتيجة لعملائه والمتواطئين معه.
ونوه السيد القائد إلى أن القضية الفلسطينية محمية بالوعد الإلهي بزوال الكيان المؤقت، ومحمية بأولياء الله وعباده المجاهدين المخلصين المضحين في سبيل الله.. لافتاً إلى ان أمام أمتنا نموذج راقٍ وعظيم في الصمود والتماسك والاستبسال والروح الجهادية العظيمة وهم المجاهدون في قطاع غزة ولبنان.