صدى البلد:
2025-01-23@23:26:55 GMT

نهال علام تكتب: جميل هو عالم الطفولة

تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT

جميل هو عالم الطفولة.. بريء في أفكاره، حالم في تصوراته، لا حد لإبداعاته و لا حدود لخيالاته، فهي عالمه الذي يخبره أنه موجود وقادر أن يغير الوجود، لكن لا شك أن ذلك الخيال هو ما يصنع واقعاً أجمل في غد أفضل وحياة أكثر تقبلا وتفاصيلها أسهل.

 

فقطعا ستجد الأطفال الصغار ممن لعبوا بالأمس بالكبشة والحلة هم أمهر طهاة اليوم، ومن أمسك البارحة بالقلم أو سماعة الطبيب ربما هو اليوم أديب نجيب أو طبيب في مجاله فريد، ومن خلط الألوان دون تفكير بالإذعان لقواعد الثواب والعقاب قد أصبح فنان، وربما لا يمتد الأمر لمن غنى في السر فالإبداع يولَد في الجهر ويحتاج لجرأة وقلب جسور، ليُولِد الأمل ويخلق واقع مأمول.

الإبداع هو البذرة التي إذا ولدت في أرض خصبة قوامها الاقتناع والدعم لطرحت شجرة من الإمتاع الذي قد يطرح ثمراً يحقق للبشرية الكثير من الراحة والاستمتاع، والأمر ليس مقتصراً على الفنون والأداب، ولكن أيضا تلك التي تمتد للعلوم والحساب، فحياة البشر هي حصيلة عطاء بشر اخرين كانوا يوما حالمين حتى أصبحوا بأفكارهم عطاءين ومغيرين وعلى قدر التحدي كانوا مستعدين.


على مدى عقود طويلة خسارتنا فيها كانت فادحة وجسيمة فالشكوى الدائمة من مصرنا الغالية، أنها ليست حضناً دافئاً للأفكار المغايرة والمبدع والمفكر لا محل له من الإعراب، والقدرات العلمية والمواهب الفنية لا تجد من يرعاها فيأكلها اليأس كما أكل النمل منسأة سليمان، أما إذا حالف صاحبها ضربة حظ وانتصر على ضباب الواقع، وعُبد له القدر ورأي إبداعه بصيص احتمال سينتهي به الأمر وهو وأفكاره حبيسي الدُرج ومقيدي اليد وذلك أول خطواته ليتهاوى على الدَرَج ويصبح هو وأماله مجرد خيال أعرج.
تبدلت الأيام ومرت السنوات العجاف التي ما كان فيها للمبدع أمل، ولا للمختلف شأن ولا عمل، واليوم نحن في عهد مختلف كان الرِهان فيه على كل من عانى لعقود وربما لقرون من التجاهل والتهميش.
على مدار العشر سنوات الماضية، وهي الفترة التي تولى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي سُدة الحكم، تصدرت أولوياته الانحياز لكل من وصمه المجتمع على مرأى ومسمع الجميع أنهم أقلية أو غير مؤهلين ولن يكونوا أبداً متمكنين لذا لا داعي لأن يكونوا ممكنين.
وجاء الرد بالعمل.. وأسأل المرأة والشباب وذوي الهمم، وإذا أردت أن يصيبك الأمل ابحث عن المبادرات الرئاسية لرعاية الموهوبين والتي نتج عنها كابيتانو وبرنامج الدوم وكل المبادرات الواعدة التي تقدم بشكل يومي من خلال حياة كريمة.
أما إذا أردت أن تحلق في عالم الخيال الذي وطأ أرض الواقع فنشر الوعود والأمال بغد لا يشبه الأمس، فكيف ذلك وهناك مصريون مجتهدون وهبوا عمرهم للقيام بأعمال تصنع مستقبل مليء بالأحلام والأمال، وقيادة واعية بمفردات الغد ومتطلبات الأمان.
وذلك ما لامسته بالدورة الثانية للمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، ولمسته في عيون الحضور في تلك الفاعلية التي تقيمها وزارة التخطيط تحت رعاية رئيس الجمهورية وبالتنسيق والتكامل مع كل الوزارات والمحافظات والمحليات في الجمهورية، وذلك لعرض المشروعات التي تنطبق عليها شروط المبادرة، وهي أن تكون تلك المشروعات مراعية للاشتراطات البيئية وتسهم بشكل فعال في تقليل التلوث مما يؤثر إيجابيا في أجندة الدولة المصرية لمجابهة التغييرات المناخية وتبعاتها الاقتصادية.
كما تعني المبادرة بأن تكون المشروعات المقدمة تعمل في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، وتحقق أهداف التنمية المستدامة في سياق تنفيذ رؤية مصر 2030 من خلال الحفاظ على البيئة لتحسين نوعية الحياة ومراعاة حقوق الأجيال القادمة، والتي ما بقي على خطة تنفيذها إلا سبع سنوات، وتلك فترة في عُمر العمل قليلة، وإذا لم تكن مشمولة بكل الجهود الخلاقة التي تبذل من أجل تحقيق أهدافها فلن تصبح حقيقة.
الدمج والتمكين لكل الفئات العمرية والاختلافات الفردية والتنوعات المجتمعية وشمولية كل المناطق الجغرافية من أهم أهداف المبادرة الأساسية، لذا على مدى الدورتان تم عرض ما يقرب من 12 ألف مشروع عامل وفاعل وواقع على الأرض، وليست بعض أفكار حالمة سجينة البيروقراطية الظالمة.
وتقوم المبادرة على فكرة رائعة، وهي فكرة التنافسية التكاملية، فلا مكان فيها لخاسر الكل بمشاركته حقق الجائزة الكُبرى، والجوائز المالية هي من نصيب المشروعات الأقرب للكمال، فمن ضمن أهداف المبادرة ألا ترد فكرة، بل يتم تقويمها ومساندتها ودعمها، ويسخر لها كل سُبل المشورة والمراجعة والتطوير حتى تصبح جديرة بالتحقيق.
المبادرة واقعية جاءت لتواكب كل التغيرات العالمية وذلك بتعظيم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إطار خطة الدولة للتحول الرقمي، كما تهدف إلى وضع خريطة على مستوى المحافظات للمشروعات الخضراء والذكية وربطها بجهات التمويل، وجذب الاستثمارات اللازمة لها باستثمارات مصرية وعالمية، وربما في كلمات أكثر بساطة أن تواجه المشكلات ليس فقط بالحلول اللازمة لمواجهتها ولكن أيضا بتلك التي تضمن الاستفادة الاقتصادية منها، وذلك تفكير غاية في العبقرية.
تستهدف المبادرة المشروعات الخضراء الذكية والتي تقع ضمن ست فئات مختلفة لتكون المنافسة بين المشروعات المتقدمة في كل فئة بشكل منفصل لضمان تكافؤ الفرص لجميع المشاركين، وليقف الجميع على نفس الأرض في مسطرة التنافس ولتحقق رؤيتها في التكامل.
مصر تتغير، وملامحها تتجمل برتوش العلم والعمل، ومسيرتها تتحول لتواكب دروب التقدم وتواجه تحدياته وتحل مشكلاته وتقضي على تعقيداته، بخطوات مختلفة ورؤية للمرة الأولى في عمر الوطن نطبقها وبالمعايير العالمية نطابقها، غد مصر ليس كأمسها وذلك ما تثبته القيادة السياسية وتطبقه وزارتها الحكومية، وحققته وزارة التخطيط وضربت نموذجا في حسن التنسيق والتكامل والتخطيط مع كل الجهات الحكومية وأثبتت أن عصر الجزر المنفصلة قد ذهب بلا عودة.
والفائز الأكبر هو المواطن الذي سيجني ثمار تلك المبادرة، والمساهمات الفعالة التي سيقدمها 12 ألف مشروع بصورة عامة وبصفة خاصة المشروعات الثمانية عشر الفائزة هذا العام ومثيلاتها الفائزة في العام السابق، والتي حققت كل شروط المبادرة في تحقيق رؤية الدولة المصرية لجذب وتشجيع فرص الاستثمار البيئي والمناخي، والتي تحد من التغيّرات المناخية في جميع ربوع الجمهورية، وقدمت حلولاً صديقة للبيئة تتعامل بابتكار مع تحديات تغيّر المناخ وتعزز جهود التحول للاقتصاد الأخضر لمستقبل أخضر، ومن أجل هدف أكبر أن يجد كل حالم ذو عود أخضر أرض خصبة تستوعب إبداعه وتلبي طموحاته وتحقق خياله ولا تصبح أحلامه مجرد وهم أحمق.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

جميل الأسد.. إمبراطور الشبيحة وإمام جمعية المرتضى

مع انقلاب نوفمبر/تشرين الثاني 1970 أصبح حافظ الأسد وعائلته مسيطرين على الدولة السورية بقبضة من حديد؛ فالرجل الذي ارتقى من منصب وزير الدفاع ثم إلى رئاسة الجمهورية، لم يكن ليقبل إلا بتعيين أخيه رفعت الأسد ذراعا يُمنى له، وقائدا لـ"سرايا الدفاع" التي استقلت عن الجيش ليكون حصنه الحصين، وقلعته الأمامية.

ولم يكتف حافظ بترقية وترفيع المقربين منه عائليا فقط، بل أصر على هيمنة العلويين على مفاصل الدولة ليتمكن من خلالهم من إدامة حكمه، وتوريثه لأبنائه وأحفاده من بعده لتصبح سوريا بمثابة الإقطاعية الأسدية العلوية، وقد لاحظ عدد من المؤرخين والباحثين في الشأن السوري هذه الظاهرة مبكرًا.

ففي كتابه "الصراع على السلطة في سوريا"، يشير المؤرخ والدبلوماسي نيكولاس فان دام، إلى أن حافظ الأسد، بعد توليه السلطة، اعتمد بشكل رئيسي على مجموعة من الضباط الذين شغلوا مواقع إستراتيجية حساسة، وأن الغالبية العظمى منهم كانوا من الطائفة العلوية، بينما شغل الضباط المنتمون إلى طوائف أخرى مناصب عسكرية رفيعة بشكل شكلي فقط، ولم تُمنح لهم صلاحيات حقيقية تمكنهم من تهديد سلطة الأسد.

وأمام هذه الحقيقة، كان من الطبيعي أن يتصدر إخوة وأبناء وأقارب حافظ الأسد المشهد في البلاد، ولئن عرفنا حافظ ورفعت كرجلين عسكريين دمويين وصارمين في سحق المعارضة، بل واستهداف الأكثرية، فإن أخاهما الأوسط (جميلا) الأسد كان له بابه الذي وَلج منه إلى النفوذ والسطوة.

إعلان جميل الأسد

ولِد جميل علي سليمان الأسد ونشأ في بلدة القرداحة عام 1933، وعند وصول أخيه حافظ إلى السلطة بدأ نشاطه بالعمل في أروقة الدولة ومؤسساتها بحرية كبيرة، وسرعان ما حظِي بعضوية مجلس الشعب، ثم أصبح عضوًا في المؤتمر القومي الـ12 لحزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد ذلك انتقل إلى العمل في مجال الاستيراد والتصدير، ومن هنا بدأت رحلته في الكسب غير المشروع.

ويلحظ عبد الرحمن نموس في كتابه "تاريخ سوريا الحديث" أن ظاهرة الكسب غير المشروع شملت أعدادا ضخمة من محاسيب نظام الأسد الجديد بحيث "ظهرت طبقة جديدة هي برجوازية الكسب غير المشروع التي رعتها الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر"، وكان رفعت الأسد وجميل الأسد إخوة حافظ على رأس هذه الطبقة الجديدة.

فقد أسّس جميل الأسد شركة تخليص جمركي، وفتح لها فروعا في كافة المنافذ الحدودية البرّية والبحرية في سوريا، وبمرور الوقت تمكن من تنصيب نفسه وصيّا على التخليص الجمركي وأخذ نسبة ثابتة من التجار والمتعاملين لنفسه، فكانت تلك بوابته التي بدأ منها بناء مملكته الاقتصادية وسط إقطاعية آل الأسد، ويبدو أن جميلا كان يبحث عن الثروة السريعة لتكون أداة من أدواته للهيمنة والنفوذ السياسي في البلاد.

كان جميل الأسد ماهرًا بالتغطية على أعماله غير الشرعية بمشاريع تجارية لتبييض أمواله، وكل ذلك بتوجيهات من أخيه الرئيس الذي لم يكن يريد أن تفوح رائحة الفساد من العائلة إلى العلن، خاصة في فترة الثمانينيات التي شهدت أكبر مجازر القرن في مدينة حماة، حيث قُتل ما يقارب 40 ألفًا على يد قوات حافظ الأسد بقيادة أخيه رفعت.

أسّس جميل الأسد "شركة الساحل" للتخليص الجمركي، التي اتخذت من اللاذقية مقرًا لها، وعين هيثم شحادة مديرًا للشركة، فأصبح منذ ذلك الحين بمثابة ملك المعابر في سوريا، بالإضافة إلى ذلك، دعم جميل، شحادة ليصبح عضوًا في مجلس الشعب لدورتين متتاليتين.

جميل الأسد تمكن من فرض سيطرته على مرفأ اللاذقية من خلال شركته "شركة الساحل" (الفرنسية) ملك المعابر والموانئ

تمكن جميل الأسد من فرض سيطرته على مرفأ اللاذقية من خلال شركته "شركة الساحل"، حيث فرض على التجّار ضريبة نسبتها 2.5% من أرباحهم، مدّعيًا أن هذه الأموال تُجمع كـ"زكاة" لكونه يعتبر نفسه "الإمام" كما سنرى. إلى جانب ذلك، أجبر المخلّصين الجمركيين على دفع مبالغ شهرية وصلت إلى 50 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل أكثر من ألف دولار في تلك الفترة.

إعلان

ومع مرور الوقت، توسعت هيمنته ليجعل ختم معاملات "شركة الساحل" شرطا إلزاميا لإنجاز أي معاملة جمركية في مرفأ اللاذقية، مقابل رسم قدره 1500 ليرة سورية لكل معاملة. كما فرض سلطته على العاملين في المرفأ، مهددًا بعقوبات تصل إلى الفصل من الوظيفة لأي شخص يحاول تمرير معاملة دون ختم شركته.

وفي التسعينيات، مدّ جميل الأسد نفوذه إلى مرفأ طرطوس، حيث طبّق نفس أساليبه الاحتكارية، ولم تتوقف طموحاته عند المرافئ، بل توسعت أعماله لتشمل السيطرة على المعابر الحدودية البرّية أيضا، ولهذا السبب عمل على افتتاح مكاتب عند معابر باب الهوى وباب السلامة على الحدود مع تركيا، ثم امتد نفوذه إلى معبرَي التنف واليعربية على الحدود مع العراق، وكذلك معبر نصيب على الحدود مع الأردن، ليُحكم قبضته على المعابر الرئيسية لسوريا.

ورغم سطوته المطلقة هذه، كان هناك تحدّ كبير يواجهه، وهو تدخل باسل الأسد، ابن أخيه حافظ الأسد في شؤونه، حيث عمل على اقتسام الأرباح معه في تلك الفترة، وبعد وفاة باسل توسعت أعمال جميل بشكل أكبر، ليصبح شريكه الأبرز هو بشار الأسد، الذي ورث النفوذ بعد شقيقه باسل.

باسل الأسد (يمين) الابن الأكبر لحافظ الأسد (غيتي) جميل الأسد وجمعية "الإمام المرتضى"

في عام 1981 أطلق جميل الأسد على نفسه لقب "الإمام المرتضى" في إشارة إلى دوره كمؤسس لأول جمعية شيعية كبرى وتحت رعاية السلطة في سوريا، كما أطلق على نفسه "قائد المسار" ليوازي به لقب شقيقه حافظ الأسد "قائد المسيرة"، ورغم انتماء جميل إلى الطائفة العلوية، وليس الطائفة الشيعية، فقد أنشأ جميل الأسد "جمعية المرتضى"، التي اعتُبرت الأولى من نوعها في البلاد.

ووفقا للباحث والكاتب السوري عبد الرحمن الحاج في كتابه "البعث الشيعي في سوريا"، فقد انضم آلاف السوريين إلى الجمعية رغم نفور الوسط السني من أفكارها؛ إذ كان الدافع الرئيسي وراء ذلك يتمثل في الخوف من القمع الدموي الذي مورس خلال تلك الفترة ولا سيما بعد مذابح جسر الشغور وحماة وتدمر وغيرها.

إعلان

وإلى جانب ذلك، الإغراءات التي قدمتها الجمعية، فقد كان من بينها تسليح أعضاء الجمعية البارزين وتزويدهم بسيارات حماية مقدمة من سرايا الدفاع، مما يكشف عن وجود علاقة وثيقة بين الجمعية ورفعت الأسد، قائد سرايا الدفاع.

ويبدو أن تأسيسها في عام 1981 كان انعكاسا للحظة السياسية وقتها؛ فقد قطع حافظ الأسد العلاقات مع صدام حسين والعراق، وقرر تأييد إيران وإمام الثورة الخميني في الحرب العراقية الإيرانية وقتها، وقد تزامن ذلك مع تقارب اقتصادي وديني بين دمشق وطهران وقتها.

فقد اتفق الجانبان على منح سوريا البترول الإيراني بأسعار تفضيلية مع تسهيل السياحة الدينية للقادمين من شيعة إيران لزيارة المقامات في سوريا وعلى رأسها مقام السيدة زينب، فكانت مسارعة جميل الأسد لإنشاء جمعية "الإمام المرتضى" جزءا من هذه اللحظة التاريخية والسياسية وانعكاسًا للتقارب بين الجانبين.

وقد لعبت جمعية "الإمام المرتضى" خلال ثمانينيات القرن العشرين دورا موازيا للجناح العسكري المعروف بـ"سرايا الدفاع" بقيادة أخيه رفعت الأسد، الشقيق الأصغر لحافظ الأسد، فكان الهدف الأساسي للجمعية توسيع نفوذ النظام السوري والمتحالفين معه عبر نشر المذهب الشيعي في مناطق مختلفة من البلاد.

وركزت الجمعية على استقطاب القبائل في درعا، وسكان منطقة الجزيرة، والأكراد في القامشلي، بالإضافة إلى المناطق العلوية في اللاذقية وريفها، ومناطق الإسماعيليين في السلمية ومصياف.

انضم آلاف المواطنين من المدن والأرياف السورية إلى الجمعية، مدفوعين بالخوف من المجازر الطائفية التي طالت مدينة حماة، ونتيجة للإغراءات التي قدمتها الجمعية، مثل الحماية الأمنية وفرص التوظيف في مؤسسات الدولة، على غرار الامتيازات التي يتمتع بها أعضاء حزب البعث الحاكم.

صورة أرشيفية لعام 2000 تظهر  جميل الأسد (يمين) وبجواره بشار الأسد ثم حسن نصر الله (شترستوك)

وفي هذا الإطار عملت جمعية "الإمام المرتضى" بشكل علني، ونظمت ندوات واحتفالات ومهرجانات في مختلف أنحاء سوريا، وفي تلك الفترة، قاد الشيخ الكردي أبو الحسن الميقري أنشطة الجمعية هناك، وتميزت الجمعية بانتساب عدد كبير من المسؤولين العلويين داخل النظام السوري، إضافة إلى بعض كبار التجار وزعماء العشائر الذين كانت السلطة تمثل عامل جذب لهم.

إعلان

يُوضح عبد الرحمن الحاج في كتابه السابق أن الهدف الأساسي من تأسيس جمعية "المرتضى" لم يكن دينيًّا صرفًا، بل كان يحمل في جوهره أبعادا سياسية واضحة، فرغم أن جميل الأسد لم يكن شخصا متدينا بالمعنى التقليدي، فإنه كان أقل ميولا نحو العلمانية مقارنة بأخويه حافظ ورفعت.

ويشير الحاج إلى أن النزعة الطائفية لجميل الأسد هي التي دفعته للتفكير في إنشاء جمعية دينية تمكّنه من توسيع نفوذه السياسي تحت غطاء ديني.

ركزت "جمعية المرتضى" على تنظيم الفعاليات والندوات وإحياء الاحتفالات في مختلف أنحاء البلاد، كما أصدرت شهادات عضوية لمنتسبيها. ومن خلال هذه الجمعية، نجح جميل الأسد في بناء شبكة واسعة من المؤيدين والأتباع.

يُشير عبد الرحمن الحاج أيضا إلى أن جميل الأسد أقام بسرعة علاقات قوية مع الإيرانيين وحصل على دعمهم، لكن السلطات الرسمية في طهران تجنّبت تقديم دعم علني له بسبب حرص حافظ الأسد على ضبط حدود العلاقة مع إيران.

وقد تلقّى جميل دعمًا ماليا ومعنويا من المرجعيات الشيعية في العراق وإيران كما يرصد الحاج، مما مكّنه من افتتاح عشرات الحسينيات في مدن مثل اللاذقية وطرطوس.

ويبدو أن حافظ الأسد استفاد من جمعية "المرتضى" لتوثيق علاقته بإيران آنذاك، والتغلغل في المجتمع الشيعي العراقي خاصة وأن خلافاته مع صدام حسين كانت وصلت إلى حد الاتهام والسباب العلني، مما دفعه لغضّ الطرف عنها.

لكن الخلاف بين حافظ ورفعت الأسد أثّر على الجمعية بصورة سلبية، ففي عام 1983، تعرض حافظ الأسد لأزمة قلبية حادة أدت إلى حجزه في المستشفى لعدة أشهر، وفي تلك الأثناء أعلن جميل دعمه لأخيهما رفعت كبديل لحافظ في قيادة سوريا، وحشد أتباعه أمام قصر الضيافة للمطالبة بتنصيب رفعت رئيسا، غير أن تعافي حافظ أدّى إلى انتقامه من المتورطين فيما اعتبرها مؤامرة عليه، فتم حلّ الجمعية واعتقال عدد من أعضائها.

إمبراطور الشبّيحة والنهاية

في كتابه "سوريا: سقوط مملكة الأسد"، يرصد الأكاديمي الأميركي ديفيد ليش نشوء ظاهرة الشبيحة في البلاد، فيرى أنهم في الأصل مجموعات إجرامية غير نظامية كانت تعمل في المناطق الساحلية السورية، وخاصة في اللاذقية وطرطوس، كانت هذه المجموعات مرتبطة بعائلات وقوى محلية ولديها تاريخ في التهريب والأنشطة غير القانونية، استغلها بيت الأسد باحترافية شديدة لمصالحهم الخاصة منذ فترة مبكرة، وقد كان جميل الأسد الأب الشرعي لهذا التنظيم.

فعلى إثر خسارته جمعية "الإمام المرتضى" اتجه جميل إلى الانخراط الكلي في العمل التجاري، حيث استغل نفوذه ونفوذ العائلة الحاكمة في نشاطات مثل التهريب والتجارة غير المشروعة وعلى رأسها المخدرات.

إعلان

وفي مقابلة حصرية لبرنامج المتحرّي على شبكة الجزيرة استضاف في تحقيقه العميد نبيل الدندل رئيس فرع الأمن السياسي في محافظة اللاذقية بين عامي 2003 و2007، حيث قدّم معلومات مهمة عن دور عائلة الأسد في تجارة المخدرات، وكشف أن جميل الأسد كان يسيطر على ميناء اللاذقية لهذا الغرض.

كما حافظَ جميل على اتصالاته ببعض أعضاء الجمعية، وشاركوا في أنشطة شملت التهريب والمخدرات والمعاملات الجمركية، ومن بين هذه الشبكات السرية نشأت مجموعات "الشبيحة"، التي تكونت في بداياتها من أتباع جميل الأسد.

ويرجع سبب تسمية "الشبيحة" إلى سيارات "المرسيدس الشبح" التي كانت تُستخدم في موكب جميل الأسد، حيث كان موكبه يضم دائما عددا من هذه السيارات، كان أصحابها يتمتعون بأولوية المرور في أي وقت وتحت أي ظرف، مما جعلها معروفة بين الناس في المناطق التي تمر بها. وبمرور الزمن، ارتبط هذا التعبير بالبلطجية الذين عملوا تحت إمرة جميل الأسد، وأصبح يُطلق عليهم اسم "الشبِّيحة".

في مقال نشرته بمجلة تايم إن الأسترالية، تطرقت الكاتبة الأسترالية ذات الأصول اللبنانية، رانيا أبو زيد، إلى جذور ظاهرة الشبيحة، وأرجعتها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما حكم حافظ الأسد سوريا بمساندة شقيقه رفعت، الذي كان يؤدي دورا محوريا في إدارة الأجهزة الأمنية، بينما انشغل شقيقهما الثالث جميل بصفقات تجارية مشبوهة شملت تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات، وفقا لما أورده المعارض السوري رضوان زيادة.

وتؤكد أبو زيد أن "عصابات الشبيحة، التي انبثقت عن عائلة الأسد الممتدة وانتمت للطائفة العلوية، لطالما وُصفت بأنها الذراع التنفيذية للمافيا في البلاد".

أما الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، فقد تناول موضوع الشبيحة في تقرير نشر في إحدى الدوريات الألمانية، حيث أشار إلى أن مصدر دخلهم الرئيسي كان يتمثل في أنشطة التهريب، بما في ذلك السلع، التبغ، المخدرات، الكحول، وحتى الآثار. كما وصفهم بـ"وحشيتهم وقسوتهم المطلقة"، إلى جانب "تفانيهم الأعمى في خدمة قادتهم".

إعلان

ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لجأ النظام إلى التكثيف من تجنيد هذه المجموعات وتحويلها إلى أداة فعالة لقمع الناس، مما حوّلها من عصابات إجرامية إلى مليشيات مسلحة موالية للنظام.

ويلفت ليش في كتابه السابق إلى أن الشبيحة لعبوا دورا محوريا في قمع المتظاهرين السلميين خلال المراحل الأولى من الثورة، حيث عملت هذه المجموعات خارج الإطار القانوني، مما أتاح للنظام تفادي المساءلة الدولية المباشرة. كما تم توظيف الشبيحة في تنفيذ هجمات عنيفة ضد المدنيين، شملت عمليات قتل واعتقالات تعسفية وترهيبا ممنهجا، بهدف إخافة السكان وإحباط أي محاولات للمشاركة في الثورة.

ويؤكد ليش أن الشبيحة كانت تعمل بتوجيهات مباشرة من أجهزة الأمن السورية والنظام السياسي بصورة مباشرة، حيث شكلت هذه المجموعات "ذراعا غير رسمية" للنظام، مكّنته من تنفيذ عمليات قمع دون تحمّل المسؤولية المباشرة عن الانتهاكات التي ارتكبتها.

وبعد عقود قضاها جميل الأسد في إنشاء مملكته الخاصة التي قامت على استغلال الدين والاقتصاد لمصالحه الخاصة أولا، ومصالح العائلة الأسدية الحاكمة ثانيا توفي في 15 ديسمبر/كانون الأول عام 2004 في فرنسا، تاركا خلفه ثروة طائلة تُقدَّر بمليارات الدولارات أدت إلى اندلاع خلافات حادة بين الورثة.

بَيد أنه ترك أيضا إدارة إمبراطورية الشبيحة لابنه فواز جميل الأسد الذي استمر في تجارة المخدرات المحلية والدولية وفرض الإتاوات، وزعامة وتحريك الشبيحة في قمع الثورة السورية، حتى وافته المنية في مارس/آذار 2015 إثر تليف شديد في الكبد ناتج عن إدمانه للخمر.

مقالات مشابهة

  • وكيل «تضامن المنيا» تستقبل وفدا من هيئة إنقاذ الطفولة لبحث سبل التعاون
  • نقابة الصحفيين تتسلم 4 آلاف كتاب ضمن مبادرة "المليون كتاب" التي أطلقتها وزارة الثقافة
  • اجتماع لمتابعة تنفيذ مبادرة «1000 رائد لـ1000 مشروع»
  • مواطن يوفر محلاً لجارته بعد احتراق عربة الطعام التي تبيع فيها منتجاتها.. فيديو
  • دونالد ترامب من نجم هوليوودي إلى البيت الأبيض .. أبرز الأدوار التي ظهر فيها
  • هل تعلم ماذا اشترى الأتراك في 2024؟ هذه هي الاصناف التي أنفقوا فيها أموالهم
  • جميل الأسد.. إمبراطور الشبيحة وإمام جمعية المرتضى
  • «عالم الشاي».. الذي ينتسب إليه 90% من سكان العالم
  • تعرف على الحالات التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي
  • النزاهة تضبط مسؤولاً سابقاً بصحة بابل لإضراره بمصلحة الجهة التي يعمل فيها