محيي الدين: النهج الشامل هو مفتاح التغلب على معوقات العمل المناخي والتنموي
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
أكد الدكتور محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي COP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، أن النهج الشامل الذي يجمع كل أبعاد العمل المناخي ويضعها في إطار العمل التنموي هو مفتاح التغلب على معوقات تنفيذ العمل المناخي والتنموي.
جاء ذلك خلال مشاركته في أعمال نموذج محاكاة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي نظمته الجامعة البريطانية في مصر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة زايد، بمشاركة الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، وأليساندرو فراكاسيتي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، والسفير عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية السابق وعضو مجلس الأمناء بالجامعة البريطانية في مصر، والدكتور محمد لطفي، رئيس الجامعة البريطانية في مصر.
وشارك محيي الدين لجلسة محاكاة للطلاب ناقشوا خلالها ملفات أسواق الكربون وأهميتها للدول النامية وسبل تنفيذها وحوكمتها، والعدالة المناخية بين الدول ذات الانبعاثات الكثيفة والدول النامية والجزر الأقل إسهامًا في الانبعاثات الضارة والأكثر تضررًا من تغير المناخ، واستراتيجيات التكيف مع تغير المناخ، وتمويل العمل المناخي في ظل أزمات الديون في الدول النامية والاقتصادات الناشئة، وسبل تفعيل صندوق الخسائر والأضرار.
أشاد محيي الدين بالنقاشات بين الطلاب التي تناولت عددًا من الملفات الهامة والرئيسية في العمل المناخي، موجهًا الطلاب نحو تضمين التكنولوجيا والحلول العلمية في نقاشاتهم لأهمية دور البحوث العلمية والتكنولوجيا في تنفيذ العمل المناخي.
وقال محيي الدين إن اتفاق باريس وشراكة مراكش وضعا أطر واضحة للعمل المناخي ودور الأطراف غير الحكومية في هذا الصدد، مؤكدًا أهمية النهج الشامل الذي دعا إليه مؤتمر الأطراف السابع والعشرين بشرم الشيخ، والذي يضع العمل المناخي في موقعه الطبيعي كجزء لا يتجزأ من العمل التنموي.
وأوضح محيي الدين أن مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في جلاسجو نجح في تدشين تحالف جلاسجو المالي من أجل صافي الانبعاثات الصفري، بينما أطلق مؤتمر الأطراف السابع والعشرين أجندة شرم الشيخ للتكيف التي تساهم مجالات عملها الرئيسية في تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك هدف مواجهة تغير المناخ، كما دشن المؤتمر صندوق الخسائر والأضرار الذي يتم العمل حاليًا على وضع إطار العمل الخاص به تمهيدًا للاستفادة منه بشكل فعلي خلال الفترة المقبلة.
وشدد محيي الدين على أن سد فجوة تمويل المناخ لا يجب أن يفاقم أزمة الديون في الدول النامية والاقتصادات الناشئة، مشيرًا إلى أهمية حشد التمويل من مصادره العامة والخاصة والمحلية والخارجية، ومشاركة جميع الأطراف في تمويل وتنفيذ العمل المناخي بما في ذلك القطاعان العام والخاص والمجتمع المدني والجامعات ومراكز البحوث ومؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف.
ونوه رائد المناخ عن ضرورة تكثيف العمل لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية المتفق عليها، واضطلاع الدول الأكثر مساهمةً في الانبعاثات بمسئولياتها في هذا الصدد، كما أكد أهمية التمويل العادل والكافي لأنشطة التكيف وتعزيز صمود المجتمعات في مواجهة تغير المناخ، والتي لا تحظى حتى الآن بأكثر من ١٥٪ إلى ٢٠٪ من تمويل العمل المناخي ككل.
وقال محيي الدين إن بعض السياسات الصناعية والتجارية الوقائية التي تفرضها الدول المتقدمة تؤثر بالسلب على الدول النامية وقطاعاتها التصنيعية وقدرة منتجاتها على المنافسة، فضلًا عن تأثيرها السلبي على حركة التجارة وعدم توافقها مع قواعد منظمة التجارة الدولية، موضحًا أن نزع الكربون عن القطاعات الصناعية في الدول النامية يتطلب تعاونًا ودعمًا من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية فيما يتعلق بتوفير التمويل والتكنولوجيا.
وأفاد بأن تنفيذ العمل المناخي يتطلب حشد التمويل العادل والكافي والفعال، وتفعيل الحلول التكنولوجية للتصدي لأزمة تغير المناخ، وتغيير الأفكار والممارسات على مستوى جميع الأطراف الفاعلة، ووضع السياسات والأطر التنظيمية المحفزة للعمل المناخي.
وأقيم نموذج محاكاة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بالجامعة البريطانية في مصر تحت رعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الشباب والرياضة والرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين وفريق الأمم المتحدة لرواد المناخ والسفارة البريطانية بالقاهرة.
وفي كلمته التي ألقاها في الجلسة الختامية لنموذج المحاكاة، أكد محيي الدين أن نماذج المحاكاة تعزز قدرة الشباب على التعامل مع المشكلات على أرض الواقع كما تمد صناع القرار بالأفكار، موضحًا أن الأدلة والأرقام ونتائج البحوث العلمية هي الوسيلة للتعامل مع الأزمات على أرض الواقع، وإيجاد الحلول العملية القابلة للتطبيق.
وقال محيي الدين إن مؤتمر الأطراف السابع والعشرين بشرم الشيخ عبر بقوة عن الدول النامية، مشددًا على أن الدول النامية يجب أن تعمل بقوة لتصبح جزءًا من الثورة الصناعية الرابعة من خلال الاستثمار في البشر والعلم والتنمية الصديقة للبيئة.
وأوضح أن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بدبي سيركز على تسريع أنشطة التخفيف والتحول العادل في قطاع الطاقة، وتفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تم تدشينه في مؤتمر شرم الشيخ، والاستثمار في الطبيعة والبشر، مع مواصلة الجهد لحشد التمويل الكافي والعادل والفعال للعمل المناخي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أجندة ٢٠٣٠ الجامعة البريطانية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التنمية المستدامة البریطانیة فی مصر الأمم المتحدة العمل المناخی الدول النامیة تغیر المناخ محیی الدین
إقرأ أيضاً:
عاجل - التغير المناخي يهدد المعالم الأثرية.. كيف تحركت مصر في السنوات الأخيرة؟
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا جديدًا حول "تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري" استعرض خلاله تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري، وذلك من خلال التطرق لكيفية تأثير الظواهر المناخية المختلفة على المعالم الأثرية، ومدى اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بهذه القضية، وتحليل كيفية تهديد تغير المناخ والظواهر المصاحبة له للمناطق الأثرية على الصعيد العالمي.
وتطرق إلى تجربة مصر من خلال تناول التأثيرات المختلفة المهددة للتراث الثقافي والأثري المصري المتنوع، وكيف تعاملت الدولة مع تلك التهديدات، وما المناطق الأثرية التي تأثرت، وكيف تدخلت الحكومة لإنقاذها وحمايتها من تأثيرات تغير المناخ.
أشار التحليل إلى أن الأنشطة البشرية منذ القرن التاسع عشر أسفرت عن حدوث تغير غير مسبوق في درجات الحرارة؛ مما أدى للتأثير على أنماط الطقس والمناخ، وهو ما يعود سببه في بادئ الأمر إلى حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، الذي يتولد عنه انبعاثات الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات ذات الصلة)، مُسببًا ما يطلق عليه ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي يترتب عليها ارتفاع درجة حرارة الأرض على نحو غير معتاد، وما يترتب عليها من ظواهر مناخية متطرفة مثل زيادة معدل هطول الأمطار، والفيضانات، وموجات الجفاف الحادة، وظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات، كما أنه يؤدي إلى تسارع وتيرة الظواهر المناخية الطبيعية مثل الأعاصير والانفجارات البركانية.
ومع تفاقم أزمة المناخ، التي تؤثر على حياة الملايين من البشر والكائنات الحية، يتضح أن تأثيرها لا يقتصر على ذلك فقط، بل امتدت عواقبه إلى التراث الثقافي، وخاصة المواقع الأثرية التاريخية.
تأثير تغير المناخ على التراث العالميوعن تأثير تغير المناخ على التراث العالمي، فقد أوضح التحليل أن هناك علاقة وثيقة بين استقرار التراث الثقافي والأثري، والنظام البيئي، فإذا كانت البيئة مستقرة لا تتعرض لتهديدات فإن التراث الثقافي في مأمن من التأثيرات المصاحبة، ولعل تغير المناخ والظواهر المناخية الحادة التي تصاحبه، تؤدي إلى تغيرات غير طبيعة في النظام البيئي والتأثير سلبًا على اتزان النظام الإيكولوجي، وهو ما ينعكس بصورة غير إيجابية على المواقع الأثرية، سواء الثابت منها أو المنقول أو تلك المدفونة تحت سطح الأرض، وبالتالي يكمن تأثير تغير المناخ على التراث العالمي في تعرض الأماكن الأثرية المكشوفة للظواهر المناخية في البيئة المحيطة بها، واحتمالية إصابتها بالتلف نتيجة للملوثات الناجمة عن الأنشطة البشرية المختلفة، وخاصة الأنشطة الصناعية الكبيرة، مما قد يؤدي إلى تآكل القشرة الخارجية للآثار، وخاصة في المباني الحجرية والمكونات الصخرية.
وعلى سبيل المثال، قد يؤثر التغير في معدل هطول الأمطار ومستويات المياه الجوفية ومعدل الرطوبة والطبيعة الكيمائية للتربة على البقايا الأثرية المدفونة تحت الأرض، فضلًا عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المناطق القطبية وتسببها في ذوبان الجليد، وهو ما قد يؤول إلى حدوث الانهيارات الأرضية بسبب عدم استقرار باطن الأرض والتسبب في تلف المناطق الأثرية في بعض الأرجاء.
فقد البيانات المحفوظة على الأثركما تستعرض المناطق الأثرية القريبة من سطح البحر لخطر فقد البيانات المحفوظة على الأثر بفعل تأثير ظاهرة ارتفاع سطح الأرض التي ينتج عنها تآكل للشواطئ أو الغمر الدائم للمناطق الأثرية الواقعة في الأراضي المنخفضة، كما أنه يتسبب في زيادة نسبة ملوحة التربة الساحلية وتشبعها بالمياه الممزوجة بالأملاح في ظل تربة خالية من الأكسجين؛ مما قد يؤدي إلى فقدان سلامة تلك المناطق الأثرية وتآكلها.
بالإضافة إلى أن الفيضانات وزيادة معدل المياه قد يضر بمواد البناء الخاصة بالأثر، والتي لا تتحمل الرطوبة لفترات طويلة، إلى جانب احتمالية تلف الأسطح المزخرفة في المباني الأثرية بسبب زيادة معدل الرطوبة، ويمكن أن تؤدي زيادة غزارة الأمطار كذلك إلى فقدان أنظمة الصرف لقدرتها على استيعاب المياه، مما قد يتسبب في حدوث خلل في أنظمة مياه الأمطار وحدوث انقسامات وتشققات في الأثر، كما يمكن للحوادث المناخية المفاجئة، مثل الزلازل والعواصف وتباين درجات الحرارة، أن تؤدي إلى انقسام وتشقق وتقشير المواد والأسطح؛ مما يؤثر على المباني الأثرية الواقعة في المدن التاريخية المختلفة ويحدث أضرارا في هيكل المباني وجوهر ارتكازها.
تسريع عملية التدهور والتآكلوأفاد التحليل أن التغيرات المفاجئة في طبيعة التربة جراء الظواهر المصاحبة لتغير المناخ قد تُشكل تهديدًا كبيرًا على المعالم الأثرية المدفونة في باطن الأرض التي لم يتم اكتشافها بعد؛ نتيجة لإحداث خلل في التوازن الهيدرولوجي والكيميائي والبيولوجي للتربة التي تحفظ البقايا الأثرية لمئات وآلاف السنين، مما يتسبب في تسريع عملية التدهور والتآكل في المناطق الحساسة في الأثر.
وأشار التحليل إلى أن العلاقة بين ملف تغير المناخ والإرث الثقافي والأثري حظيت باعتراف دولي موسع بسبب مخاطرها المحتملة، ففي مؤتمر الأطراف COP 25 المقام في مدينة مدريد عام 2019، تمت الإشارة لقضية تأثير تغير المناخ على الإرث الثقافي بمختلف أنواعه، وأصبح تأثيره أكثر وضوحا في مؤتمرات الأطراف التي تلته، وفي مؤتمر الأطراف “COP 28” في ديسمبر 2023 ترأست دولة الإمارات العربية طاولة الحوار بشأن العمل المناخي القائم على الثقافة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، وتطرقت من خلاله إلى تناول ملف تغير المناخ من منظور واسع يتضمن التحديات الثقافية والبيئية والمالية والعلمية.
24 موقعًا أثريًّا تأثرو فعلياوأضاف التحليل أن الحراك العالمي للمحافظة على الإرث الثقافي يأتي كرد فعل على الخسائر والأضرار التي تعرضت لها المعالم التراثية فعليًّا، فجدير بالملاحظة أنه يوجد نحو 24 موقعًا أثريًّا تم الاعتراف بها من جانب منظمة اليونيسكو، متأثرين بتغير المناخ في قارة إفريقيا، حيث إنها تأتي في المرتبة الأولى كأكثر القارات التي تحتوي على مواقع تراث عالمي ومعرضة للتأثر بتقلبات المناخ، وفي المرتبة الثانية تأتي قارة أوروبا بنحو 21 موقعًا، وتليها قارة آسيا بقرابة 15 موقعًا.
واستعرض التحليل أهم الأمثلة على المناطق الأثرية المتضررة من تبعات المناخ وذلك على النحو التالي:
- مدينة البندقية (Venice): تلك المدينة التراثية الأيقونة في شمال إيطاليا، التي تبلغ مساحتها 118، جزيرة متصلة بقنوات مائية، إذ إنها تأسست في القرن الخامس، وتتسم بأنها تحفة معمارية من القصور والمباني التاريخية، وكانت دائمًا عُرضة لارتفاع منسوب سطح البحر والتهديد بالغرق بفعل التغيرات الطبيعية في سطح الأرض، إلا أن الظاهرة أصبحت أكثر تواترًا وحدة في السنوات الأخيرة بفعل تغير المناخ والظواهر المصاحبة له، مما شكل خطرًا كبيرًا على المدينة الأوروبية الشهيرة، وقد أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأن المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر قد ارتفع بين 0.1 متر و0.2 متر خلال القرن العشرين.
كما أنها تتوقع زيادة متوسط المنسوب العالمي بما يتراوح بين 0.09 و0.88 مترًا في الفترة ما بين عامي 1990 و2100، وبالفعل تأثرت البندقية من خلال فقدان جزء من ارتفاعها جراء الفيضانات التي تحدث بالمدينة، ومن المتوقع وفقًا للسيناريوهات المعتدلة لتغير المناخ أن تفقد المدنية 54 سم من ارتفاعها جراء الغمر بالماء بفعل تلك الحوادث.
- منطقة تشان تشان(Chan Chan): التي تقع شمال بيرو والمدرجة في قائمة التراث العالمي باليونسكو عام 1982 و1983 تأثرت بالتغير في وتيرة ظاهرة النينيو الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، والتي تسببت في هطول الأمطار الغزيرة والفيضان الجزئي في المنطقة الأثرية الطينية الهشة، وألحقت الضرر بقاعدة الهياكل المعمارية الطينية بالمنطقة، وجدير بالملاحظة أن الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن ظاهرة النينيو خلال تلك الحقبة تم تقديرها من جانب البنك الدولي بنحو 14 مليار دولار أمريكي، وكان نصيب "بيرو" من تلك الخسائر ما يقارب مليار دولار أمريكي.
- كهوف موجاو (Mogao Caves): تقع الكهوف المدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي في "دونهوانغ" شمال غرب الصين، حيث تتعرض الأعمال والنقوش الفنية العتيقة في المنطقة لظواهر جوية متضاربة بشكل مستمر نتيجة لتغير المناخ، مثل ارتفاع الحرارة والرطوبة والأمطار الغزيرة بشكل مفاجئ وغير معتاد، مما يمثل تهديدا صريحا للمنطقة التاريخية.
جهود مصرية لا تتوقف للحفاظ على التراثوأشار التحليل إلى أن التاريخ المصري وما يتضمنه من معالم أثرية على مر العصور يُعد من أهم ركائز التراث الثقافي العالمي، مضيفًا أن مصر تمتلك حضارة تاريخية عريقة وإرثًا ثقافيًا فريدًا بداية من العصور الفرعونية حتى التاريخ المعاصر، ومع وضوح تأثيرات تغير المناخ على مختلف القطاعات -ومن ضمنها التراث الثقافي والحضاري للدولة-، فقد بذلت الحكومة المصرية جهودًا حثيثة لتسليط الضوء على قضية تأثير تغير المناخ على الآثار المصرية على الصعيد الدولي، وهو ما ظهر جليًّا على مستوى الخطط والاستراتيجيات وبرامج العمل الوطنية.
وركزت على أهمية "الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي من الآثار السلبية لتغير المناخ" كأحد توجهات الهدف الثاني في الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050، الذي ينص على "بنـاء المرونـة والقـدرة علـى التكيـف مـع تغيـر المنـاخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغيـر المنـاخ"، عن طريق تحديد عدة مسارات، ومنها تقليل الخسائر والأضرار التي تمس أصول الدولة والحفاظ عليها من تغير المناخ، ومن أهم هذه الأصول إرث الدولة الثقافي.
وأضاف التحليل أنه على هامش استضافتها لمؤتمر قمة المناخ (COP 27) بمدينة شرم الشيخ، أطلقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (ICESCO) بالشراكة مع وزارة السياحة والآثار مبادرة إنشاء صندوق حماية المواقع التراثية والمتاحف من أضرار التغيرات المناخية، مما عزز من التزام مصر بمكافحة تأثير تغير المناخ على إرثها الثقافي؛ إذ يعمل الصندوق على تحقيق عدة أهداف، وهي دراسة واقع تأثير تغير المناخ على المناطق الأثرية والمتاحف، والبحث عن فرص تمويلية لصياغة خطط حماية الآثار.
ووضعت وزارة السياحة والآثار هدفًا رئيسًا متمثلًا في "الحفاظ على التوازن البيئي واستدامة نشاط السياحة والآثار" كأحد أهداف الوزارة الاستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في إطار رؤية مصر 2030، وهو ما ترجمته الوزارة بالعديد من البرامج والمشروعات التي تنهض باتجاه الحفاظ على استدامة المعالم الأثرية، وحفظها من تأثيرات تغير المناخ، ولعل من أبرز تلك المشروعات: (ترميم صالة الأعمدة الكبرى بمعابد الكرنك - مشروع خفض منسوب المياه الجوفية في مقابر كوم الشقافة - مشروع ترميم وتطوير معبد دندرة).
حماية الآثار المصريةولا يقتصر تنفيذ مشاريع حماية الآثار المصرية من العوامل الناتجة عن ظواهر تغير المناخ على وزارة السياحة والآثار فقط، بل تتشارك الوزارات الأخرى المعنية في تلك المشروعات، فقد قامت وزارة الموارد المائية والري بتنفيذ عدة مشروعات بهدف التكيف مع ظواهر تغير المناخ، ويتم تطبيقها تحت شعار حماية الشواطئ المصرية من ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن الاحترار العالمي وما يتسبب به من تبعات ومشاكل بيئية تُهدد المناطق الساحلية المصرية مثل "النوات" - ظاهرة مناخية تحدث في فصل الشتاء في المناطق الساحلية تصحبها رياح شديدة وأمطار غزيرة وعواصف رعدية - الساحلية وتآكل الشواطئ وتملح الأراضي ومشاكل النحر.
ولعل أبرز تلك المشروعات: (حماية قلعة قايتباي والمنتزه من خطر "النحر" الناجم عن الأمواج العالية في أوقات النوات والتقلبات الجوية - حماية مدينة رأس البر التاريخية ضمن مشروع حماية سواحل محافظة دمياط - مشروع خفض مناسيب المياه الجوفية بمنطقة "أبو مينا" الأثرية بالإسكندرية والتي تم تسجيلها على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1979 وتعد المنطقة الوحيدة المدرجة في القائمة بالإسكندرية ويتضمن المشروع إنشاء خطوط صرف للمياه لتخضع لعملية التطهير بصفة دورية وتحديث منظومة التحكم الإلكتروميكانيكية).
أفاد التحليل أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة لا غنى عنها لأجل ضمان سلامة المعالم الأثرية المصرية وحمايتها من المخاطر التي تهددها، سواء ارتبطت بالمناخ أو العوامل الجغرافية الأخرى.
توصية بإنشاء وحدات بحثوأوضح التقرير في ختامه أنه من الضروري زيادة رصد تأثير الظواهر المصاحبة لتغير المناخ على المعالم الأثرية المختلفة عن طريق إنشاء وحدات بحث ومتابعة مختصة لإيجاد حلول لتقليل الضرر وبناء القدرة على التكيف، وضمان سرعة التدخل من جانب أجهزة الدولة وتنفيذ شراكات مع المنظمات الدولية المعنية، ومع كفاءة المشاريع القائمة، لا تزال هنالك المزيد من الحاجة لمضاعفة الجهود لضمان الحفاظ على سلامة الإرث الحضاري المصري.