د. عبد الحميد فجر سلوم ** وأخيرا انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مُخيم جنين، بعد بربريةٍ وهمجيةٍ ليست بغريبةٍ عنها.. وبعد أن دمّرت ما دمّرتهُ، وقتلت من قتلتهُ، واعتقلت من اعتقلتهُ، وأصابت من أصابتهُ، وخرّبت البنية التحتية من ماء وكهرباء وخدمات.. وبعد أن قام العرب بدورهم الروتيني المألوف بإصدار بيانات الإدانة والاستنكار ذاتها، الجاهزة دوما، بعد تغيير التاريخ.

.  لم تُقدِم دولة عربية واحدة، على سحبِ سفيرها من إسرائيل، أو طرد سفير إسرائيل منها.. ولا حتى استدعاء سفير إسرائيل، كما فعل بعضهم مع سفراء السويد.. وذات الأمر ينطبق على الدول الإسلامية المُطبِّعة مع إسرائيل.. كلها تعبيرعن عواطف ومشاعر.. ولذلك إسرائيل لا تعيرُ أدنى اهتمام للمواقف العربية، ولا الإسلامية، وهي تُدرِك أن هذه الإدانات موجّهة للرأي العام الداخلي، والعربي، والإسلامي، وليس لإسرائيل.. ** ما أرجلَ، وما أشجعَ، العرب والمسلمين على بعضهم بعضا.. من يستمع لبيانات طرفي القتال في السودان، تعودُ بهِ الذاكرة إلى زمن الحروب بين العرب وإسرائيل، على الجبهتين السورية والمصرية، حينما كُنا نُصغي باهتمام كبير إلى تصريحات الناطق العسكري وهو يقولُ بصوتٍ حماسيٍ مُرتفِع: أسقطت قواتنا الباسلة طائرة للعدو كانت تقوم بعدوانٍ سافرٍ في المنطقة الفلانية.. ودمّرت دبّابة للعدو في القطّاع الفلاني.. يشعرُ الإنسان بحُزنٍ ما بعدهُ حُزنٍ، حينما يسمع بيانا لأحد طرفي الحرب في السودان، وهو يفتخر بأنهُ قتل مجموعة من جنود الطرف الآخر، أو أسقط طائرة للجيش السوداني، وكأن الجيش السوداني هو جيش عدو، وليس جيش السودان، وأفراده ليسوا من ابناء السودان.. وقد يكونوا أخوة ولكن كل واحد يقاتل مع طرف، وقد يقتل الأخ أخاه.. ** كم روّجَ المُطبِّعون مع إسرائيل، أن هذا التطبيع يخدم قضية الشعب الفلسطيني، ويُشجِّعها على قبول الحل على أساس الدولتين، ووقفِ بناء المستوطنات.. ما حصل هو العكس تماما.. فقد زاد التطرُّف الإسرائيلي تطرُّفا.. ووصل إلى البرلمان، والحكومة، أشدُّ الشخصيات تطرُّفا بتاريخ إسرائيل، الغني بالمتطرِّفين.. وزادت مصادرة الأراضي والممتلكات، وتوسيع الإستيطان.. إسرائيل فهمت هذا التطبيع كرسالة، مفادها أننا لسنا معنيين بقضية الشعب الفلسطيني.. إنها قضية فلسطينية إسرائيلية وليست قضيتنا.. أندونيسيا، تُضحِّي باستضافة مباراة دولية لكرة القدم، تحت سنِّ العشرين، لأن فريق كرة قدم إسرائيلي سوف يشارك بها.. فكم من دولة عربية، تفعل ذلك؟. ** ما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني سواء في غزة، أم في الضفّة الغربية، أم في القُدس، هو أكبر انتهاك للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وكل الاتفاقات والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، أو ما يُعرَف بقانون حقوق الإنسان.. ما هو المقصود بالقانون الدولي الإنساني؟. باختصار القانون الدولي الإنساني هو مجموعة قواعد وضوابط ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال، كالمدنيين، أو الذين لم يعودوا طرفا في القتال، كما الجنود المُصابين، ويفرضُ قيودا على وسائل الحرب وأساليبها..وكان سابقا يُعرَف بقانون الحرب، أو قانون النزاعات المُسلّحة.. وهو أحد فروع القانون الدولي العام.. بعد الحرب العالمية الثانية، وضعت الدول المنتصرة أسُس وقواعد العالم الجديد، فكان تأسيس الأمم المتحدة، وميثاقها الذي يُعتبَرُ أداة من أدوات القانون الدولي، والدول الأعضاء مُلزَمة به.. وفي عام 1949 وُضِعت اتفاقات جنيف الأربعة.. ** هذه الاتفاقات هي من يستند عليها القانون الدولي الإنساني بشكل رئيسي، فضلا عن عدة اتفاقات وبروتوكولات أخرى.. وهذه الاتفاقات هي: الإتفاقية الأولى، معنية بكيفية التعامُل مع جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان.. والإتفاقية الثانية، معنية بكيفية التعامُل مع جرحى ومرضى القوات المسلحة في البحار.. والإتفاقية الثالثة، معنية بكيفية التعامل مع أسرى الحرب.. والإتفاقية الرابعة، معنية بحماية السكان المدنيين وقت الحرب.. وتحت الإحتلال.. ** اتفاقية جنيف الرابعة تُحظِّر على سُلطة الاحتلال، الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصّة القتل بجميع أشكالهِ، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.. وتُحظِّر الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المُهينة، والحاطّة بالكرامة.. كما تفرض المادة 17 على سلطة الإحتلال الاهتمام بالجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال، والنساء النفاس.. وتحظِّر المادة 18 الإعتداء على المشافي، وكل المباني ذات الطابع المدني.. أو إعاقة عملها، وعمل كوادرها.. إسرائيل لا تلتزم بشيء من كل هذه الأمور، وفي عدوانها الأخير على جنين اعتدت على ثلاث مشافي، باعتراف ممثل منظمة الصحة العاليمة في الأراضي الفلسطينية.. ** إسرائيل، كسُلطة احتلال، والمسؤولة عن حماية المدنيين بموجب هذه الإتفاقية، لم تحترم في أي وقت، أي بند من بنود اتفاقية جنيف الرابعة.. بل إسرائيل، وخلافا للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، تقوم بتدمير الممتلكات العامة والخاصّة، وتهدم البيوت، وتصادر الأراضي والممتلكات، وتعتدي على الأماكن الدينية، ودور العبادة، والمعالم الثقافية، في انتهاك صارخ أيضا لإتفاقية لاهاي عام 1954 .. ** وإسرائيل تنتهك على الدوام (إتفاقية حقوق الطفل) الدولية لعام 1989، والتي تنص في المادة 38 على حق الأطفال بالحصول على الحماية أثناء الحروب.. فإسرائيل تعتقل الأطفال، وتسجنهم.. وفي عام  2015، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانونا يسمح برفع الأحكام بحق الأطفال، وإنشاء سجن خاص بهم، تُمارَسُ فيه كل أشكال الإهانات والتعذيب النفسي والجسدي.. وتعريضهم للكلاب البوليسية الشرسة.. ومَن سينسى صورة الطفل محمد الدُرّة الذي قتلهُ رصاص المُحتَل الإسرائيلي وهو يختبئ في حُضنِ والدهِ.. وصورة الطفلة هدى غالية التي كانت تصرخ باكية بأعلى صوتها، وشعرها المنكوش، فوق جثامينِ والديها وأخوتها الأطفال، الذين مزّق أجسادهم  صاروخ إسرائيلي على شاطئ بحرغزة.. ** وإسرائيل تنتهك على الدوام حقوق الإنسان الفلسطيني التي نص عليها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.. ** وفضلا عن ذلك تنتهك كافة قرارات مجلس الأمن الدولي، ومقررات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارات مجلس حقوق الإنسان، وقرارات كافة المنظمات الدولية، والوكالات المتخصصة، فيما يتعلق بالتعامل مع الفلسطينيين، وحقوق الفلسطينيين.. وجرائمها ترقى إلى مستوى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.. الإحتلال بحدِّ ذاتهِ هو أكبر انتهاك لحقوق الإنسان، ولكل القوانين الدولية.. وطالما الاحتلال قائم، فانتهاك حقوق الإنسان قائمة.. ** أعان الله شعب فلسطين.. قلوب ملياري عربي ومُسلِم معهم.. ولكن هذه لا تُفيد، فهُم يريدون سيوف العرب والمسلمين، وليس عواطفهم.. ولكن السيوف أصبحت خشَبَا.. يا فلسطينُ من يُهديكِ زنبقةً؟ … ومن يُعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟. من جرّب الكيَّ لا ينسى مواجِعهُ… ومن رأى السُمّ لا يشقى كمَن شرِبا.. رحِم اللهُ نزار..  وتحية لشعب فلسطين الجبار.. وتحية لأهلنا بالجولان، الذين تحدُّوا الإسرائيلي بصدورهم العارية، وأجبروه على التراجع عن قرارهِ بإقامة مشروع التوربينات في أراضيهم.. وأسفي وحُزني على هذه الأمّة.. إلى أين وصل فيها الذلُّ والهوان !. كاتب سوري وزير مفوض دبلوماسي سابق

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

دولة عربية ثاني أكبر مستثمر تكنولوجي في بريطانيا وأوروبا

شدد موقع «The Investor» على الاهتمام القطري اللامتناهي بالمشاريع التكنولوجية، وذلك على المستويين المحلي، والخارجي الذي شهد إقبالا واضحا من طرف المستثمرين الممثلين للجهات الحكومية أو الخاصة، مرجعا هذا التوجه إلى مجموعة من الأسباب الأساسية، أبرزها الثقة الكبيرة في هذا النوع من المشروعات، المتماشية مع الرؤى المستقبلية للدوحة، الرامية إلى تعزيز التنمية، والتأسيس لموارد دخل جديدة تدعم تلك القادمة من صادرات الغاز الطبيعي المسال، التي تعد الممول الرئيسي للاقتصاد القطري.

وبين التقرير أن الاهتمام القطري بالنهوض بالقطاع التكنولوجي في الداخل بات جليا، مستندا في ذلك إلى العديد من المشروعات التي تم إطلاقها من طرف مجموعة من الجهات الحكومية والخاصة في المرحلة الماضية، ما أسهم في تسريع عملية التحول الرقمي في الدوحة، ووصل به إلى مستويات عالية جدا في مدة زمنية قياسية، ما عزز من مكانة قطر الريادية في القطاع ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي ترى في الدوحة القدوة الحسنة التي يجب اتباعها في هذه الجوانب.

واعتبر التقرير المدن الذكية التي تزخر بها قطر دليلا على التحول التكنولوجي الذي تشهده البلاد، واصفا الدوحة بالعاصمة القيادية في هذا النوع من المشاريع، والمثال الذي يجب اقتفاء أثره في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بالنظر إلى العدد المميز من المدن الذكية التي أطلقتها الدوحة في الفترة السابقة، ذاكرا منها مشيرب قلب الدوحة التي شكلت نموذجا حقيقيا للمدن العصرية، حالها حال مدينة لوسيل التي نجحت في ظرف وجيز في احتلال مكانة متقدمة بين أجمل المدن في العالم، ما أسهم في تحويلها إلى وجهة استثمارية بامتياز لمختلف المهتمين بمشاريع العقارات، وهم الذين استحوذوا فيها على العديد من الفلل والشقق التجارية والسكنية، مستغلين التعديلات القانونية التي أقرتها الدوحة، ما أعطاهم القدرة على التملك الكامل.

وأكد التقرير على أن الاهتمام القطري بالتكنولوجيا لا يقتصر على المشروعات الداخلية فقط، بل يتعداه إلى غيره من الاستثمارات الخارجية، التي جاءت لتترجم عزم الدوحة على اقتناص الفرص الاستثمارية التي تطرحها الأسواق الرقمية على المستوى العالمي، وذلك عبر مجموعة من الأجنحة أهمها صندوق قطر السيادي الذي تمكن في المرحلة الماضية من الاستحواذ على العديد من المشاريع البارزة في هذا المجال في العديد من الدول ضمن مختلف قارات العالم، بالإضافة إلى الدخول في شراكات جديدة مع مجموعة من المؤسسات العاملة في هذا القطاع الحيوي.

وأوضح التقرير أبرز الوجهات الاستثمارية بالنسبة لقطر في المجال التكنولوجي، واضعا في مقدمتها أوروبا التي شهدت في الأعوام الماضية إقبالا ضخما من طرف الدوحة، المصنفة حاليا كثاني أكبر المستثمرين الأجانب في التكنولوجيا المالية في القارة العجوز، ضاربا المثال ببعض المشروعات التي تم حسمها ومنها تمويل شركة سوموب العالمية لخدمات المدفوعات التي أنفقت بحوالي 750 مليون يورو.

ولفت التقرير إلى الاهتمام الكبير الذي توليه قطر بالسوق البريطاني، الذي تواجدت فيه الدوحة بمشاريع من ضمنها ضخ حوالي 272 مليون جنيه إسترليني في ستارلينج بنك البريطاني، ما أسهم بشكل كبير في تحقيق البنك البريطاني للعديد من أهدافه التنموية الرامية إلى وضعه في صدارة المصارف المعتمدة على التقنيات المالية الحديثة، وهو ما يمكن له بلوغه في حال ما استمرت شراكته مع جهاز صندوق قطر السيادي الذي يعد من بين أكبر المستثمرين المهتمين بمجالات التكنولوجيا عبر العالم، والذي من المتوقع أن يعمل على رفع قيمة استثماراته في البنك خلال المرحلة المقبلة.

الشرق القطرية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يتحدى الهدنة في غزة| انقطاع الكهرباء والخدمات تحدٍ سافر للقرار الدولي.. ومقررة حقوق الإنسان الأممية في فلسطين تنذر بإبادة جماعية بالقطاع
  • اليوم الدولي للمرأة: هل يفي العالم بوعود بيجين بعد 30 عاما؟
  • مسؤول عسكري سابق: إذا تجددت الحرب لن تُهزم حماس و”إسرائيل” ستفقد شرعيتها الدولية 
  • المقررة الأممية لحقوق الإنسان: تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة واجب على المجتمع الدولي تنفيذه
  • الأمم المتحدة تحث قادة جنوب السودان على إنقاذ اتفاق السلام
  • الطاقة الدولية: مصر ثاني أكبر منتج للطاقة الشمسية في إفريقيا
  • في يومها الدولي.. الأمم المتحدة: العراق يعزز حقوق المرأة
  • دولة عربية ثاني أكبر مستثمر تكنولوجي في بريطانيا وأوروبا
  • كينيا كدولة مارقة !!
  • «الوطنية لحقوق الإنسان» تناقش دور الإعلام