قراءة في الأحكام العامة للادعاء المباشر وفق قانون الإجراءات الجزائية
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
مسقط-أثير
إعداد: زعيم بن ناصر الشعيبي؛ باحث ماجستير بكلية الحقوق في جامعة السلطان قابوس
منح المشرع حق تحريك الدعوى عن الفعل الضار بواسطة الادعاء المباشر؛ فالأصل أن الادعاء العام هي الجهة التي تحرك الدعوى العمومية أمام القضاء، كما نصت المادة (86) من النظام الأساسي للدولة الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم (6/2021م) بأن: “الادعاء العام جزء من السلطة القضائية، يتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، ويشرف على شؤون الضبط القضائي، ويسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، وذلك على النحو الذي يبينه القانون…”.
فكما هو معلوم أن حق التقاضي مكفول لكل مواطن في الدولة، وبالتالي يكون لكل من أصابه ضرر من الجريمة سواء كان المجني عليه أو المضرور أن يحصل على حقه من الجهات القضائية، ولكن بعد صدور الحكم قد تتقاعس بعض جهات التنفيذ عن السير في الإجراءات بدون سند قانوني، فكان لزامًا على المشرع أن يتفادى مثل هذه الأمور ويعطي للمضرور طريق استثنائي لمباشرة دعواه أم القضاء ويتجنب أي جهة من الممكن أن تعطل سير القضاء وتؤخر من حصول المضرور على حقه.
فقد أعطى المشرع سلطة تحريك الدعوى للادعاء العام ورفعها أمام القضاء وليس لغيره، ولكن المشرع خرج بدوره على هذه القاعدة، وأجاز لأطراف أخرى غير الادعاء رفع الدعوى العمومية وإدخالها في حوزة القضاء، فقد خول المشرع لكل من (الأفراد – الهيئات القضائية) سلطة رفع الدعوى العمومية. بالنسبة للأفراد، فقد أجاز المشرع للشخص المتضرر من الجريمة أن يستعمل حقه في الادعاء المباشر فيما يسمى أيضاً بالدعوى المباشرة. أما فيما يتعلق بالهيئات القضائية، فقد أجاز لها المشرع تحريك الدعوى العمومية بنفسها في حالات التصدي وجرائم الجلسات.
والادعاء المباشر هو تخويل الشخص المضرور من الجريمة الادعاء مباشرة بطلب التعويض عما أصابه من ضرر، وذلك عن طريق التكليف مباشرة بالحضور و المثول أمام المحكمة الجزائية، ويّتضح من هذا بأنه أسلوب ينطوي على تخويل سلطة تحريك هذه الدعوى لغير الادعاء العام، وبالتالي فهو يمثل أسلوبًا آخر يخرج من صميم اختصاص الادعاء العام بتحريك الدعوى العمومية. وقد ورد النص على الادعاء المباشر في المادة (4) مكررًا من قانون الإجراءات الجزائية العماني حيث نصت على أنه: “دون التقيد بنص المادة (5)، لمن أصابه ضرر من الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (163) من قانون الجزاء العماني، أن يكلف المتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجنح المختصة في المواعيد وطبقا للإجراءات المنصوص عليها في المادتين (163) و (164)، وعلى أمين سر المحكمة إخطار الادعاء العام بنسخة من صحيفة التكليف بالحضور لمباشرة الدعوى العمومية” وتشير هذه المادة إلى جريمة الامتناع وتعطيل تنفيذ حكم أو قرار أو أمر قضائي، حيث يشترط لقيام هذه الجريمة توافر ركنها المادي والمعنوي.
أولا، فيما يتعلق بالركن المادي يتمثل في سلوك إيجابي وهو تعطيل عمل قضائي وكذلك في سلوك سلبي وهو الامتناع عن القيام بما أمر به القانون. حيث نصت المادة (230) بقولها” …كل موظف مختص امتنع أو عطل تنفيذ حكم قضائي أو قرار أو امر قضائي…الخ) ويتضح لنا من خلال نص المشرع أنه حدد الفاعل تحديدا دقيقا وهو الموظف المختص، ويعني بذلك الموظف الذي له سلطة واختصاص في تنفيذ الحكم أو القرار أو الأمر القضائي. وتتمثل النتيجة في تحقق الضرر من تعطيل أو امتناع تنفيذ الحكم أو القرار أو الأمر القضائي وذلك بعد مضي ثلاثين يوما من إنذار الموظف بالتنفيذ، حيث أوردت المادة (4) مكرر من قانون الإجراءات الجزائية لفظ ( لمن أصابه ضرر…الخ) والحديث في هذه المادة عن صاحب الحق في الادعاء المباشر، فالمشرع العماني أورد لفظا شاملا وعاما لصاحب هذا الحق وهو المضرور، ويستوي أن يكون المجني عليه أو شخص آخر كان طرفًا في الدعوى العمومية ذاتها وله مصلحة وصفة لتنفيذ الحكم القضائي، مع مراعاة وجود علاقة سببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة المترتبة.
ثانيًا: فيما يتعلق بالركن المعنوي؛ قيام الجريمة في القانون لا يتوقف فقط على توافر الركن المادي من طرف الجاني وإنما يستلزم معه وجود رابطة نفسية تصل بين الجاني والفعل المادي الذي يقوم بارتكابه وهذه الرابطة النفسية تتمثل في الركن المعنوي الذي يقوم على الإرادة التي توجه سلوك الجاني مع العلم التام أن هذا السلوك مخالف للقانون، بمعنى أن الجاني في هذه الحالة يعلم أن ارتكاب هذا الفعل مجرم ،كما ان هناك حالة أخرى يقوم فيها الشخص بسلوك مخالف للقانون إلا أن الجاني في هذا النوع من الأفعال ليس قاصدا وإنما يقع منه خطأ أو إهمال؛ بمعنى أن الجريمة يعاقب عليها على أساس جريمة غير عمدية. في جريمة امتناع الموظف عن تنفيذ الحكم القضائي أشارت المادة (230) من قانون الجزاء الى الركن المعنوي هو العمد، حيث ذكرت المادة ( … كل موظف مختص امتنع أو عطل عمدًا…) وعليه فإن هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يشترط فيها توافر القصد في ارتكابها واتجاه ارادة الموظف الى تعطيل الحكم القضائي وإلحاق الضرر بصاحب الحق.
إجراءات الادعاء المباشر
لقد صدر مرسوم سلطاني رقم (69/2022) بتعديل المادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية والتي كان المشرع العماني قد أورد من خلال المادة سالفة الذكر ببعض الإجراءات التي تتعلق ببعض الأحكام الخاصة لرفع دعوى الجنحة المباشرة (الادعاء المباشر)، حيث أورد المشرع باقي الأحكام الإجرائية العامة الى المادتين (164،163) من قانون الإجراءات الجزائية، حيث قرر بأن يتم تكليف الخصوم بالحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بثلاثة أيام في المخالفات؛ وبسبعة أيام في الجنح؛ وبعشرة أيام في الجنايات، وأوجب ضرورة ذكر التهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة، وأوجب المشرع الُعماني على أمانه سر المحكمة المختصة إخطار الادعاء العام بصورة من صحيفة الادعاء المباشر، وذلك لمباشرة الدعوى الجزائية أمام المحكمة باعتباره الأمينة عليها، كما أجاز للمتهم أن ينيب عنه من يمثله قانون في حضور الجلسات.
إلا أن هذا التعديل للمادة (4) مكررًا قد منع المشرع المضرور من الجريمة المنصوص عليها في المادة (230) من قانون الجزاء أن يرفع دعواه مباشرة إلى المحكمة المختصة إذا أراد أن يرفع دعواه على رؤساء وحدات الجهاز الإداري وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، بل عليه تقديم طلب للادعاء العام، فضلاً عن وضع قيدٍ على تحريك الدعوى الجزائية الذي يتمثل في الحصول على إذن من مجلس الوزراء.
وحيث نرى بأن هذا التعديل قد يتعارض مع نص المادة (81) من النظام الأساسي للدولة (6/2021) والتي نصت: ” تصدر الأحكام وتنفذ باسم السلطان، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون، وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة”، حيث لم يرد على هذا الحق وجود أي قيد من شأنه يلزم للمحكوم له تقديم طلب أو الحصول على إذن صادر من مجلس الوزراء.
وفي النهاية لقد خلصنا إلى أن الادعاء المباشر هو طريق استثنائي يعطي المتضرر حق الادعاء مباشرة أمام المحكمة المختصة دون أن يلزم بتقديم الطلب للادعاء العام، وذلك تفاديًا لأي تعطيل أو تأخير في أخذ المضرور لحقه، وهو طريق يمنح الشعور بالاطمئنان من عدم وجود أي سلطة تؤخر وصول الحق لأصحابه.
وحيث إن فلسفة الادعاء المباشر تقوم على سرعة نظر دعوى المضرور من جراء الضرر الذي أصابه وأيضًا بأن لا تمر الى جهات التحقيق وإنما ترفع مباشرًة الى محكمة الجنح لاقتصاد في الإجراءات ولضمان سرعة تنفيذ الأحكام القضائية، وكما أنه تم التطرق الى موقف المشرع العماني من الادعاء المباشر، وتوصلنا أن المشرع العماني حصر هذا الطريق الاستثنائي لجريمة واحدة فقط وهي امتناع الموظف عمدا عن تنفيذ حكم أو أمر أو قرار قضائي، كما أنه منح هذا الحق لكل من أصابه ضرر من هذا الأمتناع أو التعطيل، وقرر المشرع العماني عقوبة كافية لردع الموظف وهي الغرامة الأصلية من مائة ريال وحتى ألف ريال عماني دون عقوبة السجن، إلا أنه نرى بأن المشرع العماني قام بتخفيف العقوبة المفروضة لهذا النوع من الجرائم من عقوبة السجن الى عقوبة الغرامة، وهذا الاختلاف بين النصوص يتضح جليًا ما جاء في نص المادة رقم (163) من قانون الجزاء السابق رقم (7/74) وفي المادة رقم (230) من قانون الجزاء رقم (7/2018).
أخيرًا، ما فيما يتعلق بالتعديل الأخير للمادة (4) مكررًا من قانون الإجراءات الجزائية، فمن خلال تحليل للواقع وتطبيقً للنصوص فإن هذا التعديل يعطل فلسفة الادعاء المباشر من عدة جوانب: – عدم سرعة نظر دعوى المضرور وذلك لوجوب رفع الإذن صادر من الجهة المختصة (مجلس الوزراء) وبشريطة تقديم هذا الطلب لمن له صفة ومصلحة للمدعي العام، إلا وأنه لم يتطرق المشرع في تعديل هذه المادة الى مواد أخرى أو في المادة نفسها إلى مسائل أخرى جوهرية وهي على سبيل المثال: إجراءات تحدد الطريقة التي يتم فيها تقديم طلب الإذن، المدد الزمنية التي يجب على مجلس الوزراء البت في هذا الطلب، والإجراءات التي تأتي ما بعد نتيجة القبول أو الرفض للإذن، لذا كان عدم تضمين النقاط التي سبق وأن ذكرتها لوجود آثار على الجانب العملي وأهمها هو التأخر في البت في هذه الطلبات والنظر للدعاوى المقدمة من المضرورين من هذه الجرائم.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: المحکمة المختصة الادعاء العام أمام المحکمة مجلس الوزراء تنفیذ الحکم فیما یتعلق من الجریمة فی المادة ضرر من فی هذه
إقرأ أيضاً:
للعام الرابع على التوالي.. دبي الوجهة الأولى عالمياً في استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة
حافظت دبي على مركزها الأول عالمياً في استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة للعام الرابع على التوالي، وذلك وفق بيانات “فايننشال تايمز – إف دي آي ماركتس” حول أسواق الاستثمار الأجنبي المباشر.
فقد استقطبت الإمارة في العام 2024 ما قيمته 52.3 مليار درهم (14.24 مليار دولار أمريكي) من مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، بما يمثل زيادة بنسبة 33.2 بالمئة عن الرقم المسجل في العام 2023 والبالغ 39.26 مليار درهم (10.69 مليار دولار أمريكي)، ليشكل أعلى قيمة مسجلة في الإمارة للاستثمار الأجنبي المباشر في عام واحد منذ 2020.
وبهذه المناسبة، أكد سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، أن دبي تواصل تحقيق المزيد من الإنجازات التي ترسخ من مكانة الإمارة كعاصمة عالمية للأعمال ووجهة جاذبة لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، وهو ما يعكس إمكانات وقدرات الإمارة كحلقة وصل رائدة في الاقتصاد العالمي، وجاذبيتها للمستثمرين الدوليين، وذلك بفضل التوجيهات السديدة والرؤية الطموحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”.
وأضاف سموه أن هذا الإنجاز يعكس مدى الثقة التي تحظى بها دبي كوجهة مفضلة للمستثمرين والشركات العالمية، ويؤكد نجاح إستراتيجية دبي الاقتصادية الطموحة التي تركز على الاستدامة، والابتكار، والتنافسية العالمية.
وقال سموه “هذا النجاح هو ثمرة رؤية إستراتيجية واستشرافية لمواكبة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية تحقيقاً لأجندة دبي الاقتصادية D33 التي تستهدف مضاعفة حجم اقتصادها بحلول عام 2033، وترسيخ مكانتها ضمن أهم ثلاث مدن اقتصادية في العالم.
وأضاف سموه: “هذه المكانة العالمية المرموقة التي حققتها دبي كوجهة عالمية بارزة في استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، ليست سوى محطة جديدة في مسيرة دبي نحو الريادة الاقتصادية العالمية. ونحن مستمرون في ترسيخ ثقافة الابتكار، وتعزيز تنافسية الاقتصاد، وتهيئة بيئة أعمال استثنائية تُمكّن الشركات والمستثمرين من تحقيق النمو والازدهار. كما إننا ماضون بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانة دبي مدينة المستقبل، ومركزاً رئيسياً للاقتصاد العالمي، وحاضنة لأفضل العقول والشركات الرائدة في العالم”.
واستقبلت دبي 1,117 مشروعاً من مشاريع الاستثمار الأجنبي الجديدة خلال العام 2024، لتسجل بذلك أفضل أداء بتاريخها. كما حققت الإمارة إنجازاً تاريخياً في استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، مع الإعلان عن 1,826 مشروعاً بزيادة بلغت 11 بالمئة مقارنة بالرقم المسجل في العام 2023 والبالغ 1,650 مشروعاً، وذلك وفقاً لبيانات مرصد دبي للاستثمار الأجنبي. ويعكس هذا الإنجاز تسجيل أعلى أداء في تاريخ الإمارة من حيث إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المعلن عنها.
وتحولت دبي إلى مركز عالمي للاستثمار الأجنبي المباشر بفضل إستراتيجياتها التي تواكب متطلبات المستقبل، ويدعم ذلك توفر كل من البيئة الملائمة لممارسة الأعمال، والقوانين والأنظمة المناسبة، إلى جانب ما تتمتع به من بنية تحتية متطورة، وموقع إستراتيجي مميز، ما يجعلها وجهة مفضلة للمستثمرين.
وقد شهدت الإمارة خلال العام 2024 تقدما في تصنيفها، لتحل في المركز الرابع عالميا في استقطاب رأس مال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، متقدمةً بواقع مركز واحد عن تصنيفها السابق في العام 2023. بينما جاءت في المركز الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في هذا المجال، وذلك وفقاً لبيانات شركة إف دي آي ماركتس التابعة لفاينانشال تايمز، الأمر الذي يمثل تقدماً كبيراً في جاذبيتها الاستثمارية.
وأحرزت الإمارة تقدما كذلك في مجال توفير فرص العمل من خلال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر التي تم استقطابها خلال العام 2024، لتحل في المركز الثالث عالميا بعد أن كانت في المركز الرابع، وتحقق المركز الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في هذا المجال.
وتشهد دبي ارتفاعاً ملموساً في استقطاب المواهب في قطاعات رئيسة مهمة مثل الخدمات التجارية، وكذلك تكنولوجيا المعلومات البرمجية، والعقارات، والنقل والتخزين، والخدمات المالية، والمعدات الصناعية، والمنتجات الاستهلاكية، والاتصالات. ويعكس ذلك بيئة الأعمال الحيوية في الإمارة، وكذلك السياسات الاقتصادية الإستراتيجية القائمة، إلى جانب القدرة على استقطاب المتخصصين والخبراء، ما يعزز مكانة دبي باعتبارها وجهة رائدة للاستثمار والابتكار.
وللسنة الثالثة على التوالي، حلّت دبي في المركز الأول عالمياً من حيث استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر عبر استضافة المقرات الرئيسية للأعمال، إذ سجلت انطلاق 50 مشروعاً جديداً في العام 2024. أمّا على المستوى الإقليمي، فتصدّرت دبي القائمة من ناحية استقطاب مشاريع الاستثمار الأجنبي الجديدة، وجذب رؤوس الأموال.
ويسلط التصنيف الضوء على البيئة الاقتصادية المحفزة التي تتمتع بها دبي وتعزيزها لتحقيق نمو مستدام، حيث تأتي هذه النتائج المبهرة لأداء الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024 في إطار المشاريع التحويلية والإستراتيجيات الرائدة التي تندرج ضمن مستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33 الطموحة والرامية إلى مضاعفة حجم اقتصاد دبي بحلول العام 2033، وتعزيز مكانتها كوجهة عالمية رائدة للأعمال والترفيه.
وتواصل دبي إرساء أعلى معايير التميّز في الاستثمار والحيوية الاقتصادية، إذ بلغت حصتها السوقية العالمية من إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة 6.2 بالمئة، وما نسبته 55 بالمئة على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
من جهته، قال معالي هلال سعيد المري، المدير العام لدائرة الاقتصاد والسياحة بدبي: “قدرتنا على مواصلة استقطاب رؤوس الأموال في ظلّ المتغيرات العالمية تعكس الرؤية الإستراتيجية والقيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، في تعزيز مكانة الإمارة الاقتصادية على المستوى العالمي، وتؤكد في ذات الوقت التزامنا بتطوير منظومة استثمارية تتماشى مع المتطلبات المستقبلية”.
وأضاف “كما يعكس تدفق رؤوس الأموال الجديدة ثقة المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات والمواهب العالمية في نظامنا المرن المدعوم بالشراكات القوية بين القطاعين العام والخاص، وكذلك المستهدفات الرائدة لأجندة دبي الاقتصادية D33. ونتطلع دوماً لإرساء معايير جديدة للتنافسية العالمية من خلال وضع قوانين تنظيمية تتماشى مع الطموحات المستقبلية، وتوفير حلول طاقة فعّالة من حيث التكلفة، وعقد شراكات إستراتيجية عالمية بالتزامن مع مواصلة بناء منظومة شاملة تمكّن الشركات من النمو. كما أن تركيزنا على الابتكار، وحاضنات الشركات الناشئة، والبنية التحتية الرقمية، يجعل من دبي الوجهة المفضلة للباحثين عن فرص النمو والنجاح في الاقتصاد العالمي. ونحرص أيضا على تكثيف وتوحيد جهودنا لتحويل دبي إلى أفضل مكان في العالم للزيارة والعيش والعمل والاستثمار”.
وتشير البيانات إلى أن دبي تصدّرت التصنيف العالمي من حيث مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، وجذب رؤوس الأموال، وتوفير فرص العمل التي نتجت عن استقطاب الاستثمارات في مختلف القطاعات، مثل السلع الاستهلاكية، والتصنيع، والنقل والتخزين، إلى جانب قطاع المأكولات والمشروبات، ومشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في السياحة، بالإضافة إلى فئات أخرى مثل الأمن السيبراني، والتجارة الإلكترونية.
وقد تمكنت دبي من خلال استقطاب استثمارات أجنبية عالية القيمة من ترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً رئيسياً لتوسيع الأعمال، ما يعزز سمعتها مركزاً عالمياً للتجارة والتكنولوجيا والنمو القائم على الابتكار.
وتصدّرت دبي التصنيف في جذب مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة ضمن قطاعات تشمل الخدمات المالية، والمقرات الرئيسية، والعقارات، والذكاء الاصطناعي. وقد ازدادت حصة دبي العالمية من إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في تكنولوجيا المعلومات المتقدمة من 7.3 بالمئة في العام 2023 إلى 8 بالمئة في العام 2024، وهو ما يرسخ مكانتها كأفضل وجهة عالمية لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات المتقدمة.
من جانبه، قال هادي بدري، المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للتنمية الاقتصادية، ذراع التنمية الاقتصادية التابعة لدائرة الاقتصاد والسياحة بدبي: “تواصل دبي زخمها في توفير بيئة حيوية غنية بالفرص من خلال تحقيق أرقامٍ قياسية في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة لعام 2024. ويعكس هذا الإنجاز الرؤية المستقبلية الطموحة للقيادة الرشيدة وكذلك النظرة الإيجابية والمتفائلة للمستثمرين العالميين تجاه دبي”.
وأضاف “إن هذا النجاح جاء كثمرة لالتزامنا بتعزيز التعاون في مختلف القطاعات، وتقديم حلول مبتكرة، وتبني نموذج اقتصادي قائم على التنوع. كما نركز على المبادرات الرائدة المستلهمة من المستهدفات الطموحة لأجندة دبي الاقتصادية D33 لتمهيد الطريق نحو النمو المستدام. وبدعم من قيادتنا الرشيدة والشركاء والجهات المعنية، تواصل دبي رسم مسارها المتميز لتصبح نموذجاً عالمياً للابتكار والشمولية وتحقيق قيمة مستدامة”.
وبالنسبة لأنواع الاستثمارات في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر بدبي، فقد شهدت الأشكال الجديدة من الاستثمار الأجنبي زيادة ملحوظة بنسبة 23 بالمئة، ما يعكس ثقة المستثمرين المتزايدة في الأساليب المبتكرة لتخصيص رأس المال، بينما ارتفعت مشاريع إعادة الاستثمار بنسبة 98 بالمئة، في مؤشر يؤكد ثقة المستثمرين المستدامة وتوسع الأعمال داخل الإمارة. وسجل الاستثمار الأجنبي المباشر من رأس المال المغامر زيادة بنسبة 39 بالمئة، ما يعزز مكانة دبي مركزاً مزدهراً للشركات الناشئة والمشاريع ذات النمو المرتفع، بينما شهدت عمليات الاندماج والاستحواذ زيادة بنسبة 8 بالمئة، ما يدل على الاهتمام القوي للأعمال بالشراكات الاستراتيجية.
وأظهرت بيانات مرصد دبي للاستثمار الأجنبي أن أبرز خمس دول تشكل مصدراً لتدفقات رأس مال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر ساهمت في 63 بالمئة من إجمالي الاستثمارات التي استقطبتها دبي خلال العام 2024. وتصدرت الهند قائمة الدول المصدرة لرأس مال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر وبنسبة 21.5 بالمئة، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 13.7 بالمئة، ثم فرنسا بنسبة 11 بالمئة، والمملكة المتحدة بنسبة 10 بالمئة، وسويسرا بنسبة 6.9 بالمئة.
وفيما يتعلق بإجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المعلنة في دبي، فقد استحوذت أبرز خمس دول مُصدرة على ما يقارب 55 بالمئة من الإجمالي، حيث تصدرت المملكة المتحدة القائمة بنسبة 17 بالمئة، تلتها الهند بنسبة 15 بالمئة، والولايات المتحدة بنسبة 14 بالمئة، وفرنسا بنسبة 4.5 بالمئة، وإيطاليا بنسبة 4 بالمئة.
وشكلت خمسة قطاعات رئيسة ما نسبته 53 بالمئة من إجمالي تدفقات رأس مال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في دبي خلال العام 2024، و68 بالمئة من إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المعلن عنها.
وتصدّر قائمة القطاعات الرائدة من حيث استقطاب رأس مال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر كلٌ من قطاعات الفنادق والسياحة بنسبة 14 بالمئة، والعقارات بنسبة 14 بالمئة، والخدمات البرمجية وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 9.2 بالمئة، ومواد البناء بنسبة 9 بالمئة، والخدمات المالية 6.8 بالمئة.
كما تصدّر قطاع خدمات الأعمال قائمة القطاعات الأكثر جذباً لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 19.2 بالمئة، تلاه قطاع المأكولات والمشروبات بنسبة 16.5 بالمئة، وقطاع الخدمات البرمجية وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 14.3 بالمئة، وقطاع الأقمشة بنسبة 9.6 بالمئة، وقطاع المنتجات الاستهلاكية 8.3 بالمئة.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تشير التوقعات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2025 إلى نمو معتدل، معززاً بالاستقرار الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والتغيرات الجيوسياسية.
في المقابل، تبقى توقعات الاستثمار الأجنبي المباشر في دبي إيجابية لعام 2025، على الرغم من حالة عدم اليقين العالمية والتغيرات الاقتصادية الديناميكية. في حين أنه من المتوقع أن تستمر الإمارة في جذب استثمارات كبيرة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، وأيضا القائمة على الابتكار. ونظراً لاهتمام المستثمرين المتزايد بالأصول طويلة الأمد والمقاومة للتضخم، تسهم البيئة التنظيمية الملائمة والمحفزات الاستثمارية في الإمارة في الحفاظ على جاذبيتها للمستثمرين من القطاع الخاص والصناديق السيادية.وام