لا تقتصر نتائج الحروب والنزاعات التي نتابعها في أنحاء متفرقة حول العالم على الخراب والدمار الذي يلحق بالبنى التحتية والمباني، والموت الذي يتعرض له المدنيون هنا أو هناك، والعاهات التي تلازم الجرحى طول العمر وتحولهم إلى كائنات عاجزة.
ولا تقتصر أيضاً على الانهيار الاقتصادي الذي يضاعف الأزمات ويزيد من معاناة الشعوب والحكومات، ولا على المدن التي تتحول إلى ساحات للمعارك وتصفية الحسابات وهدف مستباح لأنواع مختلفة من الأسلحة المحرمة دولياً.
. بل تمتد إلى المستقبل لتنقل الكراهية من جيل إلى جيل وتشرعن العنف والتطرف.
نعم، الحروب تقتل روح الحياة، وتدمر البراءة عند الأطفال الذين قادتهم أقدارهم للوجود في أماكن المعارك لتحصدهم، أو تشلهم آلات القتل التي تستخدمها الأطراف المتحاربة، ينطبق ذلك على ما يحدث في أوكرانيا وفي السودان، وما حدث في العراق وأفغانستان وفيتنام وغيرها.. وما حدث في عواصم الخريف العربي، التي تحول خلالها الشقيق إلى عدو، وتقاتل الجار مع جاره، وانتشرت الأحقاد بين أبناء الأمة الواحدة والدولة الواحدة بل وأبناء العائلة الواحدة.
ورغم كل ما تعرضت له الطفولة خلال الحروب والنزاعات والفتن التي تجوب العالم، فإن ما يحدث للأطفال في غزة حالياً غير مسبوق، المشاهد التي نطالعها يومياً للصغار هناك تختلف عن أي مشاهد نقلتها الكاميرات من قبل، نراهم يومياً وقد فتكت ببعضهم آلة الحرب وحولتهم إلى أشلاء، وخطفت من بعضهم الأشقاء والأهل وأصبحوا بلا أسرة ولا سند، وشردت الكثيرين وأجبرتهم على ترك البيت والكتاب والانتقال إلى مجهول لا يدركونه. جعلت من اللقمة وشربة الماء حلماً بعيد المنال، حرمتهم من النوم وأثارت فيهم الرعب.
مشاهد تثير في داخلنا تساؤلات، وفي ذات الوقت تضع إجابات يقينية عن تساؤلات مطروحة منذ عقود أمام من يهمهم الأمر. كل متابع لديه تساؤلاته عن مصير من فقد أهله وذويه، وكيف سيستكمل رحلة الحياة من فقدَ أعضاء من جسمه أو خرج من الحرب بعجز كلي أو جزئي، وما الذي سيحكيه من سينجون من هذه الحرب لأولادهم مستقبلاً إن لم يشهدوا حروباً قادمة أشد وطأة؟
السؤال الذي يتكرر منذ عقود بلا إجابة حاسمة هو: ما السر وراء تزايد موجات العنف والتطرف والإرهاب والكراهية؟ حرب غزة اليوم أجابت بوضوح؛ الأطفال الذين يعيشون هذا الرعب ونراهم على الشاشات يرتجفون خوفاً وهلعاً ربما لن يكونوا دعاة سلام، ليس ذنبهم إن كرهوا الآخر، رافضين لوجوده، متخذين العنف وسيلة للرد على من شردهم وقتل أهلهم واغتال براءتهم وسلب منهم إنسانيتهم.
الأمين العام للأمم المتحدة وصف الوضع في غزة ب «مقبرة الأطفال»، وغيره من ساسة وزعماء العالم وصفوه بالكارثي، فكيف سيكون إحساس من يعيشون في قلب الجحيم، وكيف سيكون إحساس الطفل الذي وجد نفسه طرفاً في حرب لا يستوعب شيئاً عنها، ولا يدرك طبيعة الأسلحة المستخدمة فيها؟ حرب جعلت من الصغار كباراً من هول ما يعيشون، ومشاهد الأشلاء والجثث والدماء تسرق منهم براءتهم والنار التي تحاصرهم وتدفع أهاليهم للهروب بهم إلى مناطق ينشدون فيها أماناً غير موجود.
بالأرقام، الأطفال هم أصحاب النصيب الأكبر من القتل والإصابة، وكأنهم المستهدفون إذ سقط منهم الآلاف، وكأنها حرب للقضاء على المستقبل أكثر من استهدافها للحاضر. في 20 من الشهر الجاري سيحتفل العالم باليوم العالمي للطفولة، ولا ندري أي طفولة سيحتفلون بها ونحن نراها هدفاً للمتصارعين والمتحاربين في أرجاء الدنيا، وما هو وضع أطفال غزة خلال هذا الاحتفال؟ الإجابة عند الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بالطفولة والتي تعي أن ما يتعرض له الصغار في غزة يعجز عن احتماله الكبار في العالم بأسره.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
شهادات مؤلمة لأمهات فقدن أطفالهن جراء سوء التغذية الحاد أطفال غزة يموتون جوعاً..
الثورة / افتكار القاضي
ليست حرب الإبادة الصهيونية الوحشية بصواريخها وقنابلها الجوية والبحرية والبرية، هي وحدها من يفتك بأجساد أطفال غزة ، فالجوع يفعل ذلك وأشد، نتيجة الحصار المطبق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينتهج سياسة التجويع بحق سكان قطاع غزة، منذ اكثر من 14 شهرا، وخصوصا الأطفال الذين يبدون اكثر استهدافا من قبل كيان الاحتلال المجرم قتلا وتجويعا ومرضا .
سياسة التجويع الممنهج في قطاع غزة التي ينتهجها جيش الاحتلال النازي، أدت لوفاة مئات الأطفال، فيما يقاسي الآلاف ويلات الجوع والهزال، ويخوضون مع عائلاتهم أياماً قاسية ومؤلمة وهم يبحثون عما يكاد يسد قليلا من رمقهم.، جراء منع سلطات العدو الصهيوني إدخال المواد الأساسية الضرورية المنقذة للحياة، ليدفع ثمنها الأكبر الأطفال.
وقال مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، إن المستشفى يستقبل حوالي 70 إلى 100 طفل يوميا يعانون سوء التغذية، المتوسط والحاد، مشيرا إلى أن أغلبية الحالات التي يستقبلها المستشفى هي من المستوى المتوسط، التي قد تصل إلى المستوى الحاد في ظل استمرار سياسة التجويع الممنهج من قبل سلطات الاحتلال.
وأضاف أن انتشار الجوع في شمال غزة والوفيات الناتجة عن سوء التغذية للأطفال أصبح واقعا صارخا، مشيرا إلى أن عشرات الأطفال توفوا في المستشفى بسبب الجوع، مع تسجيل وفيات إضافية في مراكز الإيواء والمنازل.
لم يتمكن مستشفى كمال عدوان ومستشفيات أخرى في قطاع غزة من جمع بيانات شاملة حول وفيات الأطفال الناجمة عن سياسة التجويع وسوء التغذية والجفاف بسبب الإبادة الجماعية المستمرة ونقص الكوادر الطبية الحاد.
ويواجه 90 % من أطفال غزة ، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرا والنساء الحوامل والمرضعات فقرا غذائيا حادا، وفقا لتقرير حديث صدر عن مجموعة التغذية العالمية، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بالتغذية وتقودها اليونيسف.
وأضافت المجموعة أن ما لا يقل عن 90 % من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية.
شهادات مؤلمة لأمهات فقدن أطفالهن
مئات الأطفال توفوا في غزة نتيجة المجاعة الشديدة التي تعصف بقطاع غزة للشهر الرابع عشر على التوالي والأمراض الناجمة عنها .
ووثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال شهادات من أمهات أطفال استُشهدوا بسبب سياسة التجويع التي نجم عنها سوء تغذية وجفاف في مستشفى كمال عدوان بمدينة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة.
الطفل عبدالعزيز سالم، البالغ من العمر سبعة أيام، توفي في مستشفى كمال عدوان بسبب توقف القلب ونقص الأوكسجين.
وُلد الطفل عبدالعزيز في المستشفى نفسه دون مساعدة الأطباء بسبب نقص الكوادر الطبية، وأمضى أسبوعا في الحاضنة بينما كانت والدته في حالة حرجة، تعاني اليرقان وتأثيرات سوء التغذية أثناء الحمل.
وقالت والدته: “لم أتمكن من إرضاع ابني لأنني لم أكن أملك الطعام وأصبت بالمرض”.
كما توفيت الطفلة جود البرش، من مخيم جباليا، بعد أسبوع من ولادتها ، في نفس المستشفى بسبب سوء التغذية، إذ لم تتمكن والدتها من إرضاعها نتيجة لنقص الغذاء.
وتم وضع الطفلة في حاضنة المستشفى لمدة أسبوع بسبب سوء التغذية الناجم عن نقص حاد في الحليب الطبيعي والصناعي.
وقالت والدتها: “توفيت جود جوعا، وترك لي الله توأمها، التي أنجبتها بعد عشر سنوات من الزواج”.
الطفلة ميلا عبدالنبي “ثلاث سنوات” والتي تعمل والدتها ممرضة في وحدة العناية المركزة بمستشفى كمال عدوان، توفيت أمام عيني والدتها ولم تستطع إنقاذها جراء سوء التغذية.
وتقول والدتها: “عندما اجتاحت قوات الاحتلال المنطقة الشمالية وحرمتنا من الطعام، عانت طفلتي نقص المعادن وبقيت على أجهزة التنفس الاصطناعي حتى يوم وفاتها.
وتضيف بمرارة وألم : “كانت ميلا ذكية جدا ومتعلقة بي، كانت ابنتي الوحيدة”.
الطفل مصعب ، أربع سنوات، أصبح هيكلا عظميا بسبب المجاعة، وقالت والدته للحركة العالمية: “الأسعار مرتفعة جدا، ولا يستطيع أحد شراء أي شيء”، حيث تم إدخال الطفل مصعب إلى مستشفى الأهلي العربي ، قبل أن يُنقل إلى مستشفى كمال عدوان بعد إغلاق وحدة العناية المركزة بسبب انقطاع الكهرباء، وقد تدهورت صحته وفقد وزنه حتى توفي.
أما والدة الطفل ناهض حبوش، البالغ من العمر شهرين، من مخيم جباليا، فقالت: “أُدخل طفلي المستشفى مرتين، الأولى كانت بسبب بكاء شديد وجفاف، فتحسنت حالته بالسوائل والعلاج”.
مضيفة عانى الطفل ناهض تدهورا صحيا وجفافا، وتم وضعه في وحدة العناية المركزة حيث بقي على أجهزة التنفس الاصطناعي لمدة ثلاثة أيام حتى توفي الثالث من إبريل الماضي.
أرقام مروعة
ومع استمرار حرب الإبادة والحصار المطبق ..قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”: إن 50 ألف طفل فلسطيني يُعانون في قطاع غزة من سوء تغذية حاد، في القطاع ، وحذرت من زيادة أعداد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد بالقطاع.. مشددة على أن الوضع الإنساني بغزة فظيع للغاية.، في حين أكدت وزارة الصحة في غزة ، أن مليون طفل يتهددهم “سوء التغذية”.
فيما أشار الناطق باسم الـ”يونيسف” بفلسطين، كاظم أبو خلف: إلى أن 30 % من الأطفال بقطاع غزة يعانون سوء التغذية الحاد..
وأضاف أبو خلف: إن الوضع بشمال القطاع بغاية الصعوبة والمأساوية ويزداد سوءاً يوما وراء يوم.
الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أكدت أن الحصار المطبق والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية التي تمارسها قوات الاحتلال بحق أهالي قطاع غزة تخلقان أزمة إنسانية، لا مثيل لها ، وتتسببان في مواصلة معاناة المواطنين، وخصوصا الأطفال الذين يموتون جوعا وألما.
دراسة حديثة
كشفت دراسة جديدة أن قطاع غزة اصبح واحدا من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة للأطفال، وسط استمرار حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على القطاع.
وأظهرت الدراسة التي أجراها مركز التدريب المجتمعي لإدارة الأزمات، برعاية تحالف “أطفال الحرب”، مدى التأثير النفسي المدمر للحرب على أطفال قطاع غزة.
وبينت الدراسة أن 96% من الأطفال في غزة يشعرون بأن موتهم قريب، في حين أن نحو نصفهم يتمنون الموت نتيجة الجوع والآثار النفسية الناتجة عن حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة على القطاع للعام الثاني على التوالي.
وتضمنت الدراسة تقييما لآراء أولياء أمور أو مقدمي رعاية لـ504 أطفال من أسر تعاني من الإعاقة أو الإصابات أو نقص الخدمات.
ونبهت إلى أن التقييم النفسي للأطفال جرى في يونيو من هذا العام، “ما يعني أنه لا يعكس تماما التأثير النفسي المتراكم على الأطفال “، بعد أكثر من 14 شهرًا من العدوان الصهيوني.
وقالت الرئيسة التنفيذية لمنظمة “أطفال الحرب” في المملكة المتحدة” هيلين باتنسون: “يكشف التقرير أن قطاع غزة يعد واحدا من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة للأطفال. بالإضافة إلى الدمار المادي للمستشفيات والمدارس والمنازل، فإن الدمار النفسي الذي يعاني منه الأطفال جرح غير مرئي لكنه مدمر”.