عربي21:
2025-04-07@08:43:08 GMT

الصورة التلفزيونية.. عدو إسرائيل اللدود

تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT

لم يكن العالم ليكذّب الصور التلفزيونية الحية القادمة من غزة الصمود والمقاومة، صور جرحت كبرياء الغطرسة الإسرائيلية وعرّت الشعارات الإنسانية المدعاة. لم تنقل تلك الصور الحية بشاعة قتل الآلة الحربية الإسرائيلية الممنهج الذي شمل الأطفال والنساء قبل الرجال فحسب، وإنما نقلت كذلك ذعر قادة الاحتلال في لقاءاتهم واطلالاتهم الإعلامية وبدا وزير الدفاع مرتجف الفرائص زائغ العينين لا يستقر لها حال، فعلم الناس أن فيهم ضعفا وخوارا يحاولون تغطيته بعمليات عسكرية حمقاء، ليسجل التاريخ أسوأ ما عرفته البشرية من إرهاب وتعطش للدماء.



لقد تزامنت الحرب الإعلامية على إدعاءات الإحتلال الإسرائيلي، مع حربه العسكرية الميدانية ضد غزة، ورغم الدمار والقتل إلا أن الأولى كانت بارعة في نقل الحقيقة المجردة ودحض الرواية الإسرائيلية. واتسمت التغطية الإعلامية عبرها بكثافة غير معتادة وتدفق غير مسبوق للأخبار والتقارير والصور. ولم تنجح مزاعم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإقناع أحد بأن حربهم على غزة هي حرب بين الحضارة والبربرية بل أثبتت الصورة التلفزيونية المباشرة العكس تماما.

ولهذا أُعتبرت الصورة التلفزيونية لغة معبرة وأداة لمخاطبة إنسانية المشاهد، كما أنها تعتبر إحدى الوسائل البصرية لاسيما وقد تطورت بتطور التكنولوجيا وتعتبر من الوسائل التركيبية التي تمزج بين العناصر الصوتية والحركية والبصرية في إرسالية واحدة عن طريق الأقمار الصناعية، فهي أكثر تأثيراً وإقناعاً، مع الأخذ في الاعتبار توافر الظروف المواتية للتأثير والإقناع وتمثل ذلك في وجود قضية فلسطينية عادلة في مواجهة محتل غاصب. لقد تغيرت المعادلة السائدة باعتبار أن إثارة الغرائز هي الأخطر ومن ثمّ جعل «لعبة الغرائز الحسية» أهم وسائل جذب للمشاهدين. فقد حلت صدقية النقل عبر الصورة التلفزيونية المباشرة محل تلك المعادلة (الهوليودية) حيث مصانع السينما الأمريكية الأكثر تأثيرا في هذا المجال.

إن الصورة الحية تستطيع التغلب على إشكالية الأمية وكذلك الكسل فهي تطارد المشاهد وتعتقله اعتقالا، بينما في حالة الكلمة المكتوبة فإن القارئ يطارد الكلمات مع إمعان جهد التخيل وتحويل الكلمات المكتوبة إلى صورة حيّة في عقله. ولهذا يُعدّ التلفزيون الآن من أهم وسائل الاتصال الجماهيرية ولعل أبلغ وصف يوضح مدى التأثير الذي يتركه، التلفزيون بأنه أصبح عين الإنسان وأُذنيه. وينسجم ذلك مع الحقيقة العلمية بأن العين ترى وتدرك أكثر من 75% من جملة الإدراك الذي تقوم بها حواس الإنسان في اليوم وتليها مباشرة الأذن التي تسمع اصواتا تحمل معلومات تعادل 8% من جملة إدراك الإنسان اليومي، إذ ينقل التلفزيون إلى المشاهدين الأحداث الجارية بكل ما فيها من معانٍ وانفعالات فهو يربط بينهم وبين الصورة. وفي هذه الحالة يكون المتلقي أقرب إلى الاتصال المواجهي المباشر، أو الاتصال وجها لوجه مثلما هو الحال مع الاتصال الشخصي والاتصال الجمعي. وفي هذا النوع من الاتصال تكون أذهان المشاهدين دائما ملتصقة بالواقع ومرتبطة بحيز الحياة الواقعية، كما أن المسافة بين المشاهد والعرض تعتبر طبيعية ومباشرة في نفس الوقت الذي تُعبر فيه عن علاقة بين شخص وشخص. وعليه فإن المؤثرات تقاس دائما على الواقع الفعلي وفي ظل هذا المناخ يحس الجمهور – جمهور المشاهدين – بواقعية ما هو واقعي وبعدم واقعية غير الواقعي.

إن كثيراً مما تنقله الصّورة التلفزيونية من أحداث من شأنه تحريك مراكز الإحساس والشعور لدى المرء، وصولا إلى التأثير في لا شعوره. فحتى بعد إطفاء الشاشة، تبقى صّورة الحدث عالقة في الذهن، تعيد إنتاج الحدث ذهنيّاً، إذ أن فعل الكاميرا يُساهم في خلق صّورة ذهنيّة أو افتراضية مأخوذة من الصّور الفعلية للحدث لدى المشاهد. فالكاميرا التلفزيونية هي الفاعل المجهول - المعلوم، الموجود في لحظة التماس الأولى مع الحدث. وبالتالي تتحول الكاميرا - عبر شاشة التلفزيون - من راصدة للحدث إلى فاعلة ومشاركة فيه، ولو في شكلٍ غير مباشرٍ، عبر ما تقدمه من نتاج مرئي حقيقي، له دوره في تنشيط الذّهن، وصناعة الوعي.

تشكّل الصّورة المنقولة من دمار ومعاناة غزة بُعداً نفسياً كامناً في لاشعور المُتلقي، باعتبارها تفصيلاً حياتياً يومياً، وتتجه ببصره وحسه نحو معايشة حقيقية وكأنه جزء من ذلك الواقع الأليم، وهذا الاندماج الذي تحققه الصورة يفرض التعاطي الايجابي ورفض الظلم والمطالبة بمحاسبة الجاني فضلا عن أن ذلك يخلق تحصينا ضد الدعاية السوداء التي يتعمد إعلام الاحتلال الإسرائيلي وداعموه بثها وفرضها على كونها بديلا لحقائق الواقع.

في حالة ما يجري في غزة تتوارى الجوانب السلبية لفعل الكاميرا؛ فالإنسان بطبعه يتعمّد إبداء أفضل ما لديه من وجه حسن تعلوه ربما الابتسامة عندما توجّه الكاميرا إليه وتكمن السلبية هنا أنه من الصعب عليه أن يتم اقتناص الواقع أو الحقيقة، حيث تنطوي الصّورة التي يتعمدها المراسل أو مصدره أو محدثه، على احتيال وثناء ذاتي. بيد أنه في حالة غزة اليوم وفي كل حالات الكروب لا تجد الكاميرا عناءً في نقل الواقع المجرّد بكل آلامه وجروحه وتمظهراته الإنسانية عميقة التأثير. وبحسب المفكر الفرنسي جان بوديّار فإن التلفزيون ينقل لنا «عالم الواقع المفرط»، فالواقع الحقيقي لم يعد موجوداً، بل استعيض عنه بما نشاهده على شاشته من مشاهد وصور وأحاديث وتعليقات. فلولا نقل هذا الواقع المفرط لما تمكن خيالنا من تصور ما يحدث في غزة الجريحة، ولصدقنا السياسيين والموظفين الأممين وخدرنا تعبيرهم عن «القلق» وسعيهم (الحثيث) لإنقاذ الأطفال والنساء. ومن حسن الحظ أن الصورة التلفزيزنية غدت سلطة نافذة تفوق سلطة أولئك ولذا نتفق تماما مع يقول الدكتور دومينيك فولتون مدير أبحاث في المركز الفرنسي للدراسات، في كتاب التلفزيون على سدة السُلطة «إن التلفزيون وجد طريقه لتبوؤ سدة السلطة تأثيراً ونفوذاً، كما أنه أصبح موضوع نجاحات استثنائية منذ أكثر من نصف قرن تقريباً، دون أن تكتسب الشرعية الفكرية والاجتماعية التي تستحقها».

(الشرق القطرية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال الصورة غزة الاحتلال جرائم صورة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

نحو معالجة فكرية للموروث في الشرق والغرب

عوامل فاعلة:

عوامل نتحدث من زاويتها حول انحدار أو سقوط الأمم بعد ارتقاء، وهي الفكر والزمان، والقدرة على التجدد ومعالجة التحديات، أما الفكر المتجدد فهو ما يحوي آليات تجديده أو يتقبل الاستنباط وفق قراءة أو استقراء الواقع، وأحيانا الاستقراء الخطأ يقود إلى اختراع أو ابتكار آليات تبدو كعنصر قوة وتجديد؛ لكنها تشكل خللا بنيويا في الأمة يؤدي إلى انهيارها الحضاري الفكري أو تقطع وسائلها المبنية على تفاصيل بديهية نسيت مع الزمن فتصبح بلا صيانة. النظم الوراثية مثلا تحتاج إلى صيانة وإلى تجديد بالآليات، لكنها بقيت على آليات قديمة كمحافظة على الهالة وما يشبه الألوهية أو التفويض الإلهي، وهذا لا يمنع تحديثها وأساليب ديمومتها فقط بل يجعلها تتراجع للأفول أو ضعف الفاعلية أو أذى الشعوب، وقد تنعزل في برج عاجي كما في بريطانيا، أو تصبح تقليدية طاردة للكفاءات لا تسير على قواعد علمية في التنمية، وهذا لا يعني أنها لا تتطور ولكنها تتطور سرطانيا وليس بشكل متسق فيحدث الأمر خللا في العوائد والموازنات الاقتصادية والتنموية والفكرية أيضا.

الأمم تعني الانسجام وقواعد الحياة:

قواعد الحياة قد يعبر عنها بنمط الحياة عندما تبنى الأمور على صيغ علمية وقانونية بحته ومعالجات لحاجات الناس وفق نمط معين من المسارات الاقتصادية والإدارية، مثل النظام الرأسمالي الغربي بأشكال متعددة وبمستويات متعددة من التطور وفق قدرات البلاد وتطورها الإداري المحكم.

ظهرت المذاهب المتعددة على أمور بسيطة أو من منطلق سياسي كالذي أحدثته صِفّين والطف، وأراد أن يدعم نفسه كتوجه بالفقه والتأصيل ليكون مذهبا ثم طائفة
النظام الرأسمالي بني على التجانس ولم يُصغ صياغة متينة للمختلف بأعداد مؤثرة قابلة لإحداث تغيير بوجود بارز؛ والناس يتعاملون مع القانون في تشكيل نمط الحياة، والقانون يفترض أن المختلف أمر طبيعي، لكن مع ازياد الأعداد ظهرت الفجوة التي تتوسع لتصل إلى رأس الحكم والحكومات، فهم بحاجة إلى وضع آليات جديدة لاحتواء هذا لكن لا يوجد فكر قابل للتوسع وقبول المعالجات. والنفعية تجسم الخطر خصوصا عندما يكون الدين فاعلا في رفض الآخر من كل الأطراف، فإما أن تحل هذه أو سيتفكك نمط الحياة والاستقرار الذي يمنحه هذا النمط، وبالتالي ستتخلف المدنية والحياة وقد يظهر نوع من الدكتاتوريات المستبدة لتمزق المجتمع، خصوصا مع فشل الرأسمالية والانهيارات الاقتصادية التي طلت في فترات متعددة وآخرها ما زال مستمرا منذ 2008.

المنطقة الإسلامية:

الأمة منهارة فعلا لفقدان أواصر الارتباط العقلية وانهارت تدريجيا بزرع عوامل الفرقة والاختلاف مع ارتفاع أدائها المدني والحكم والانتشار الذي لم يرافقه تغيير في الأساليب، لأن الطابعة لم تك موجودة والنسخ لا يوفر الكتاب الأساس في الإسلام (القرآن) ولا الحديث والسنة، فظهرت المذاهب المتعددة على أمور بسيطة أو من منطلق سياسي كالذي أحدثته صِفّين والطف، وأراد أن يدعم نفسه كتوجه بالفقه والتأصيل ليكون مذهبا ثم طائفة، أما المعتزلة والأشعرية والسلفية وغيرها والتي نشأت في تلك الفترة فنقلت معتقداتها ومشاكلها واجتهاداتها أيضا بالتقليد وضعف التفكر وفق المعطيات المستجدة أو التي اتضحت مع التطور بكفة المجالات، وعندما يزداد الاختلاف يتولد التعصب ثم التعصب الأعمى إلى أن أصبح الإسلام دينا بعيدا عن واقع الحياة.

أمتنا المنقسمة والمتنوعة في نفس الوقت بحاجة إلى إصلاح يوقف ذهابها في طريق يريد إحياء أنماط ميتة، وأن تتوقف عن استجلاب الماضي بخلافاته وإحيائها في واقع لا صلة له بها وليس طرفا فيها وبأسوأ ما فيها من تفاصيل، بل على المسلمين واجب وجهد لاستقراء الواقع واستنباط ما يناسبه من أناس متفتحين
وما زال الاختلاف بين الفرق الأشعرية والصوفية والسلفية بأنواع فهم السلفية ما بين الخضوع والتمرد، وكلها متطرفة في هذا وذاك إلى أن أصبحت الأمة لا تعرف الطريق وهي أصلا انهارت منذ زمن لتكون جاهزة للاستعمار والاحتلال، وتخلفت عندما تركت فهم العلم وأنكرت أي تجديد أو تحديث واعتبرته بدعة وضلالة ومن يقولها فهو في النار، وهذا متفق عليه عند المختلفين بكل شيء.

فهم الإسلام المتقوقع هذا وأنه قوالب جاهزة لا يمكن أن تتسع لهذا العصر وتطلب من الناس أن يكونوا بحجم تلك القوالب هو أمر ليس ممكنا، فالعالم فيه مشاكل تحتاج حلولا من أجل الاستمرار في الحياة وفيه أسئلة لا تجيب عليها المذاهب والفرق، ونحتاج إلى اختصار التوسع في مسألة كتبت بها كتب لتكون بصفحة واحدة، فالعبادة ليست باتباع رأي الفقهاء وقسم من الاجتهادات أصلا لا يعقل ولا يمكن أن يُقبل وكان نوعا من الهروب الفكري بعيدا عن السياسة، بل العبادة في ما يوضح ويعين الآدمية على فعل ما خلقت له وإعادتها إلى رشدها بدل ما نرى مما وصفته الملائكة لربها.

لا بد من التغيير.. تلك السنة الكونية المهملة

إن أمم الغرب لا بد أن تعدل من قواعد تأسيس الدولة الحديثة التي لا ترتكز على قيم أخلاقية بل النفعية في القرار والتعاملات والسلوك، وهي أيضا باتت تقليدية ومنكمشة لفقدان آليات التحديث لما لم يحسب له حساب.

أمتنا المنقسمة والمتنوعة في نفس الوقت بحاجة إلى إصلاح يوقف ذهابها في طريق يريد إحياء أنماط ميتة، وأن تتوقف عن استجلاب الماضي بخلافاته وإحيائها في واقع لا صلة له بها وليس طرفا فيها وبأسوأ ما فيها من تفاصيل، بل على المسلمين واجب وجهد لاستقراء الواقع واستنباط ما يناسبه من أناس متفتحين. الأمة غارقة بعقليات مغلقة، صوتها عال ومرتفع، تُسكت وتشوش وتشوه أفكارا تتلمس الطريق نحو يقظة فكرية تجمع الأمة على ما يكون هو الحل لمشاكلنا ومشاكل الأمم، بدل ما نرى من فساد وسفك للدماء وتخلف فكري في الغرب، مع تخلف فكري ومدني في بلداننا التي لن تتقدم إلا أن أعملت التفكير ونزعت جلابيب الماضي واتخذت مسار القرآن والسنة والسيرة وتحقيقها، ثم بناء ما يناسب الحياة وصناعتها من خلال استنباط يتبع استقراء الواقع.

مقالات مشابهة

  • 140 باحثًا يشاركون بمؤتمر الاتصال الرقمي بجامعة المؤسس
  • عملاقة الكاميرا والأداء.. مقارنة بين شاومي 15 ألترا ووان بلس 13
  • عقب انتهاء مراسم عزاء زوجته.. أول تعليق لـ نضال الشافعي
  • وزيرا خارجية مصر وتركيا يبحثان جهود استعادة وقف النار في غزة
  • شكر واجب.. نضال الشافعي يوجه رسالة لكل من واساه في وفاة زوجته
  • التلفزيون الإيراني يقطع بثه بعد اعتراض مواطن على الأوضاع.. ماذا قال؟
  • 140 باحثًا من 56 جامعة دولية بمؤتمر الاتصال الرقمي لجامعة المؤسس
  • السيسي وماكرون يبحثان تطورات الأوضاع في غزة
  • طريقة مذهلة لتقليل تأثير «الهواتف المحمولة» على صحة الدماغ
  • نحو معالجة فكرية للموروث في الشرق والغرب