المدنيون في غزة تحت ويلات الحرب
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
المدنيون في غزة تحت ويلات الحرب
تدّعي إسرائيل أنها تتحرك دفاعًا عن النفس في حربها ضد حماس، ولكنها تتسبب بسقوط حصيلة مروّعة من المدنيين الأبرياء.
يكشف حصار غزة الكامل، والاجتياح البرّي الإسرائيلي، عن محاولة إسرائيل خلق ظروف يُضطر فيها الفلسطينيون إلى الاختيار بين الموت أو إخلاء القطاع.
حرب إسرائيل على غزة وانتهاكها المستمر للقانون الدولي دليلٌ فشل ذريع للوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية الدولية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإرساء العدالة والسلام.
يصعب توقّع تطورات الأيام والأسابيع المقبلة، لكن الأكيد أن المدنيين الأبرياء يدفعون الثمن الأكبر. يجب أن يكفّ المجتمع الدولي عن غض النظر عن قتل الفلسطينيين ونزوحهم.
* * *
في 7 تشرين الأول/أكتوبر، استيقظ الفلسطينيون في غزة على نبأ الهجوم الذي شنّته حماس على إسرائيل. وقد فوجئوا بالخبر شأنهم في ذلك شأن باقي دول العالم، بما فيها إسرائيل نفسها التي تُعرَف باستخباراتها ونظمها الأمنية المتطورة. ولكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم على أعتاب حرب خامسة مع إسرائيل، مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي فرض "حصار كامل" على غزة في معركة ضد "الحيوانات البشرية".
تستخدم إسرائيل الآن قوتها على نحو غير مسبوق ضد المدنيين العزّل في غزة، منتهكةً بذلك القانون الإنساني الدولي مع إفلات تام من العقاب. غالبًا ما يُستخدَم استهداف حماس ذريعةً لتبرير القتل العشوائي لشرائح واسعة من السكان والتسبب لهم بإصابات وتهجيرهم من منازلهم، بالإضافة إلى الهجمات المتواصلة على الأحياء السكنية، ويُصوَّر سقوط المدنيين على أنه أضرار جانبية للحرب.
ولكن الناس في غزة ليسوا مجرد أرقام، ولا شيء يبرر إبادة عائلات بأكملها عن وجه الأرض. وفي الوقت نفسه، تُعرّض الهجمات الجوية المكثّفة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة حياة المدنيين الإسرائيليين وسائر المدنيين الأجانب المحتجزين في غزة للخطر.
وقد أوردت قناة الجزيرة نقلًا عن حركة حماس أن هذه الأخيرة عرضت الإفراج عن رهينتَين، ولكن إسرائيل رفضت استقبالهما، الأمر الذي نفته إسرائيل معتبرة أنه مجرد حملة دعائية ضدها.
بهذا المعنى، فإن استخدام إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين الأبرياء بمثابة سلاح في يدها يذهب على ما يبدو أبعد من المنطق المعلن للحرب المتمثل في القضاء على حماس، وينطوي على مسعى لتنفيذ أجندة سياسية يمينية متشددة أوسع نطاقًا قد تشمل تطهيرًا عرقيًا واسعًا للفلسطينيين عن طريق طردهم من غزة.
حتى قبل اندلاع الحرب، كان قطاع غزة يوصَف بأنه غير صالح للسكن، ولكن تضييق الحصار يُحكم الخناق أكثر فأكثر على سكّانه. تعتبر إسرائيل أن هذا النوع من العقاب الجماعي هو بمثابة تكتيك عسكري.
فالحصار الكامل لا يقطع الوقود والكهرباء عن حماس فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى إضعاف معنويات المقاتلين وقدرتهم البدنية على الاستمرار في خوض المواجهة العسكرية. ويمكن أن يقود الحصار المطوّل أيضًا إلى التفكيك التدريجي للنسيج الاجتماعي في غزة من خلال الدفع بالأشخاص إلى التزاحم على الموارد الشحيحة.
والأهم هو أن سيطرة إسرائيل الكاملة على قرار السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو منعها من الدخول يساعد أيضًا على تشتيت الأنظار عن الفظائع التي ترتكبها ضد المدنيين. على سبيل المثال، بعيد الهجوم على المستشفى المعمداني في غزة في 17 أكتوبر/ تشرين الأول، وفيما كانت المصادر تعمل على التحقق من هوية الجهة المسؤولة عن الاعتداء، أعلنت إسرائيل عن التوصل إلى اتفاق مع مصر للسماح بدخول شاحنات المساعدات الإنسانية عن طريق معبر رفح.
وهذه كانت خطوة سياسية على وجه التحديد، لأن حجم المساعدات لم يكن كافيًا على الإطلاق، وقد وصفه مسؤول في منظمة الصحة العالمية بأنه "نقطة في محيط من الاحتياجات"، فقد كان الهدف تشتيت أنظار وسائل الإعلام عن الفظائع عبر تحويل اهتمامها نحو مسألة المساعدات.
ختامًا، يكشف الحصار الكامل على غزة، بالإضافة إلى الاجتياح البرّي الإسرائيلي، عن محاولة إسرائيل خلق ظروف حيث يُضطر الفلسطينيون إلى الاختيار بين الموت أو إخلاء القطاع.
فيما تواصل القوات الإسرائيلية الهجوم البرّي والجوي، يُتوقَّع حدوث دمار إضافي في المناطق الشمالية والوسطى في غزة لتفكيك شبكة الأنفاق التي بنتها حماس تحت الأرض وتدمير قدراتها العسكرية.
لقد أصدرت إسرائيل بالفعل أوامر لأكثر من مليون فلسطيني لإخلاء شمال غزة، وتواصل شن هجمات جوية على كامل أراضي القطاع. ولكن من المحتمل جدًا أن يمتد الغزو البري إلى جنوب غزة، بهدف دفع أكبر عدد ممكن من العائلات الفلسطينية إلى الفرار إلى صحراء سيناء.
الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي هي دليلٌ على الفشل الذريع للوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية الدولية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإرساء العدالة والسلام في المنطقة. يصعب توقّع التطورات في الأيام والأسابيع المقبلة، ولكن الأكيد هو أن المدنيين الأبرياء يدفعون الثمن الأكبر.
يجب أن يكفّ المجتمع الدولي عن غض النظر عن موت الفلسطينيين ونزوحهم، وينبغي عليه العمل من أجل حماية المدنيين، من خلال التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإلى تسوية سلمية عن طريق التفاوض. يجب وضع حد لدورة العنف، قبل بلوغ نقطة اللاعودة.
*د. منى جبريل باحثة في الاجتماع بمركز أبحاث الأعمال، جامعة كامبريدج البريطانية.
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة الموت 7 أكتوبر المستشفى المعمداني في غزة الحصار الكامل إخلاء القطاع الهجوم البري على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
عربية وعبرية وإسرائيلية.. رسالة فلسطينية إلى إسرائيل بـ«ثلاث لغات» (صور)
وجهت حركة “حماس” رسالة بثلاث لغات “عربية وعبرية وإنكليزية”، بعنوان “النازية الصهيونية في أرقام”، على لافتات أثناء عملية تسليم جثامين 4 أسرى إسرائيليين إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في منطقة بني سهيلا بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وخلال عملية تبادل الأسرى، جاء في الرسالة، التي صيغت بثلاث لغات هي العربية والعبرية والإنكليزية، أن “عدد ضحايا الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تخطى الـ61 ألف قتيل، وأن نحو 14 ألفا منهم مازالوا تحت الأنقاض”.
ووفق الرسالة، “في الأرقام المذكورة على الملصق الكبير الذي وضع على منصة تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين الأربعة الذين تم تسليمهم إلى الصليب الأحمر اليوم الخميس، أن الجيش الإسرائيلي ارتكب 9268 مجزرة، أدت إلى إصابة أكثر من 111000 شخص”.
وأضافت الرسالة “أن 17881 طفلا “قتلهم جيش الاحتلال، بينهم 214 رضيعا ولدوا وماتوا خلال الحرب، وأن 12316 امرأة قتلت خلال الحرب و38000 طفل فلسطيني فقدوا أحد والديهم، بينهم 17 ألفا فقدوا كلا الوالدين”.
وباللغات العربية والعبرية والإنجليزية كتُب على منصة التسليم: “عودة الحرب (تعني) عودة الأسرى في توابيت”، كما كتُب على لافتة في موقع التسليم: “قتلهم مجرم الحرب نتنياهو وجيشه النازي بصواريخ الطائرات الحربية الصهوينية”، في إشارة إلى مصير الأسرى الإسرائيليين الذين أُسروا أحياء، ووضعت هذه العبارة مع صورة ضخمة لنتنياهو على هيئة “دراكولا”، مع صورة أخرى للأسرى الإسرائيليين الأربعة وقد امتص نتنياهو دماءهم”.
وأكدت حركة “حماس”، أن “التبادل هو الطريق الوحيد لإعادة الأسرى الإسرائيليين أحياء إلى ذويهم”، مشيرة إلى أن أي محاولة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية أو العودة إلى الحرب لن تسفر إلا عن مزيد من الخسائر في صفوفهم”.
وقالت الحركة إن “كتائب القسام وفصائل المقاومة حرصت خلال مراسم تسليم جثامين الأسرى على مراعاة حرمة الموتى، بينما لم يراعِ الاحتلال حياتهم وهم أحياء”.
وأكدت “أنها حافظت على حياة الأسرى الإسرائيليين وقدمت لهم ما تستطيع، وتعاملت معهم بإنسانية، لكن الجيش الإسرائيلي قتلهم مع آسريهم، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي “قتل أسراه بقصف أماكن احتجازهم، وحكومة الاحتلال النازية تتحمّل المسؤولية الكاملة بعد أن عرقلت اتفاق التبادل مرارا”.
وأضاف البيان “يتباكى المجرم نتنياهو اليوم على جثامين أسراه الذين عادوا إليه في توابيت، في محاولة مكشوفة للتنصّل أمام جمهوره من تحمّل مسؤولية قتلهم”.
وقالت “بذلت كتائب القسام والمقاومة كل ما في وسعها لحماية الأسرى والحفاظ على حياتهم، إلا أن القصف الهمجي والمتواصل للاحتلال حال دون تمكّنها من إنقاذ جميع الأسرى”.
ووجهت “حماس” رسالة إلى ذوي الأسرى الإسرائيليين القتلى، وخصت بالاسم عائلتا “بيباس وليفشتس”، وقالت “كنّا نفضّل أن يعود أبناؤكم إليكم أحياءً، لكن قادة جيشكم وحكومتكم اختاروا قتلهم بدلًا من استعادتهم، وقتلوا معهم: 17881 طفلاً فلسطينياً، في قصفهم الإجرامي لقطاع غزة، ونعلم أنكم تدركون من المسؤول الحقيقي عن رحيلهم، لقد كنتم ضحية لقيادة لا تكترث لأبنائها”.
وكانت حركتا “حماس والجهاد” سلمتا اليوم الخميس 4 جثامين لإسرى إسرائيليين إلى الصليب الأحمر الدولي الذي نقلهم إلى القوات الإسرائيلية، هذا وخلّفت الحرب على غزة، “أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، فضلا عن دمار هائل”.
حماس: “النازية الصهيونية في أرقام”