حكم صلاة الجمعة في الزوايا
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
يسأل الكثير من الناس عن صلاة الجمعة في الزوايا اجابت دار الافتاء المصرية وقالت صلاة الجمعة شرعت في أول الهجرة عند قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، وثبتت فرضيتها بقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٌ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]، وصلاة الجمعة لا يشترط فيها المسجد، بل تجوز في الفضاء، والبنيان، وليس من شروط صحتها المسجد، فتجوز صلاة الجمعة في الزوايا، والمصلَّى.
قال الإمام ابن القيم في "عون المعبود" (3/ 281، ط. دار الكتب العلمية): [وذهب البعض إلى اشتراط المسجد، قال: لأنها لم تقم إلا فيه، وقال أبو حنيفة والشافعي وسائر العلماء: إنه غير شرط، وهو قوي إن صحَّت صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في بطن الوادي، وقد روى صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في بطن الوادي ابن سعد وأهل السير، ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها في المسجد على اشتراطه اهـ.
وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 278، ط. دار الحديث): [وذهب الهادي إلى اشتراط المسجد؛ قال: لأنها لم تقم إلا فيه، وقال أبو حنيفة والشافعي والمؤيد بالله وسائر العلماء: إنه غير شرط، قالوا: إذ لم يفصل دليلها.
قال في "البحر": (قلت: وهو قوي إن صحت صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في بطن الوادي) اهـ. وقد روى صلاته صلى الله عليه وآله وسلم في بطن الوادي ابن سعد وأهل السير، ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها في المسجد على اشتراطه اهـ.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 501، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ولا يشترط إقامتها في مسجد، ولكن تجوز في ساحة مكشوفة بشرط أن تكون داخلة في القرية أو البلدة معدودة من خطتها، فلو صلوا خارج البلد لم تصح بلا خلاف، سواء كان بقرب البلدة أو بعيدًا منه، وسواء صلوها في ركن أم ساحة؛ ودليله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا كَمَا رَأيتُمُوني أصَلِّي»، ولم يُصلِّ هكذا] اهـ.
قال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي في "طرح التثريب في شرح التقريب" (3/ 190، ط. دار الفكر العربي): [مذهبنا -أي: مذهب الشافعية-: أن إقامة الجمعة لا تختص بالمسجد، بل تقام في خطة الأبنية] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 378، ط. دار إحياء التراث العربي): [ويجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة، إذا شملها اسم واحد، وفيما قارب البنيان من الصحراء وهو المذهب مطلقًا. وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم] اهـ.
لكن هناك مسألة أخرى تتعلق بالسؤال، وهي: أن الجمهور على عدم جواز تعدد الجمعة إلا عند الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وقد خالفهم عطاء؛ كما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 170، ط. المكتب الإسلامي، بيروت): [عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون؟ قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه، ثم يجزئ ذلك عنهم. قال ابن جريج: فأنكر الناس ذلك أن يجمعوا إلا في المسجد الأكبر] اهـ.
قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 248، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز في أكثر من واحد، وإن حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة، وكذلك ما زاد، لا نعلم في هذا مخالفًا، إلا أن عطاء قيل له: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر. قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه، ويجزئ ذلك من التجميع في المسجد الأكبر.
وما عليه الجمهور أولى؛ إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة؛ إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل] اهـ.
وعليه: فإن صلاة الجمعة في الزوايا جائزةٌ ولا حرج فيها، لكن الأولى عدم فعل ذلك إلا لضرورةٍ؛ خروجًا من خلاف الجمهور.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المسجد الأکبر فی المسجد
إقرأ أيضاً:
حكم تلحين القرآن وتصويره تصويرًا فنيًا
قالت دار الإفتاء المصرية لا يجوز شرعًا قراءة القرآن الكريم مع تلحينه تلحينًا موسيقيًّا؛ لكون هذا العمل يخرج القرآن عن جلالته وقدسيته، ويصرف السامع عن الخشوع والخضوع عند سماعه، كما يجعله أداة لهوٍ وطربٍ، وكل عمل يخرج كتاب الله عن غايته يعد عملًا منكرًا لا يقره الدين.
وأكدت الإفتاء أنه يجب عند قراءته مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابه والتابعين، وكذلك لا يجوز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا؛ لما في ذلك من مفاسد يجب منعها؛ كتصوير الأنبياء ونحوه مما هو محاط بالقداسة في الشريعة الإسلامية.
بيان حكم تلحين القرآن الكريم تلحينًا موسيقيًّاجاء في مقدمة الإمام الطبري والقرطبي من أن العلماء قالوا: إن المعلوم على القطع والبينات أن قراءة القرآن تلقينًا متواترةٌ عن كافة المشايخ جيلًا فجيلًا إلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس فيها تلحينٌ ولا تطريبٌ مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام وغير ذلك من كيفية القراءات، ثم إن في الترجيع والتطريب همزُ ما ليس بمهموزٍ ومَدُّ ما ليس بممدود، فترجع الألفُ الواحدة ألفاتٍ، والواوُ الواحدة واواتٍ؛ فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن، وذلك ممنوعٌ. وإن وافق ذلك موضع نبرٍ وهمزٍ صيَّروها نبراتٍ وهمزاتٍ، والنبرة حينما وقعت من الحروف فإنما هي همزةٌ واحدةٌ لا غير إما ممدودةٌ أو مقصورةٌ.
وروى عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرٍ له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته"، وذكره البخاري، وقال في صفة الترجيع: آء آء آء ثلاث مرات.
قلنا: ذلك محمولٌ على إشباع المد في موضعه، ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبًا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب، وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه، وقد خرّج أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رضي الله عنهم قال: "كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المد ليس فيها ترجيع".
وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذن يطرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْأَذَانَ سَهْلٌ سَمْحٌ؛ فَإِنْ كَانَ أَذَانُكَ سَمْحًا سَهْلًا، وَإِلَّا فَلَا تُؤَذِّنْ» أخرجه الدارقطني في "سننه"، فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى أن لا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن؛ فقال وقوله الحق: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]. قلت: وهذا الخلاف إنما هو ما دام يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات، فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام بالاتفاق.
ذكر الإمام الحافظ أبو الحسين رزين وأبو عبد الله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" من حديث حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اقرأوا الْقُرْآن بِلُحُونِ الْعَرَب وَأَصْوَاتهَا، وَإِيَّاكُم وَلُحُون أهل الْعِشْق وَأهل الْكِتَابَيْنِ؛ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قوم من بعدِي يرجعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيع الْغناء والرهبانية وَالنوح لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ، واللحون جمع لحن؛ وهو التطريب وتحسينه بالقراءة والشعر .
وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالت: "ما لكم وصلاته؛ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح" ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة ميسرة حرفًا حرفًا. أخرجه النسائي، وأبو داود، والترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. اهـ. انظر: مقدمة القرطبي في "تفسيره" (1/ 15-17، ط. دار
وأضافت الإفتاء قائلة: لذلك يجب عند قراءة القرآن مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه الناس في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والتابعين وليس فيها ترجيع أو غناء، وإذا كان المسلمون قد بدؤوا بعد المائة الأولى من الهجرة بأن عدلوا عن القراءة على هذا النحو فإن ذلك يعتبر بدعة في قراءة القرآن أي في أمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بكتاب الله الذي نزل على رسوله وسمعَهُ الرسول من الوحي، وقرأه عليه ونقله إلى أصحابه كما سمعه.