السلاح الاقتصاديّ وحرب غزّة.. رؤية تحليليّة
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
الاقتصادُ سلاحٌ يستخدم بتوسّع حاليًا على صُعُدٍ متعدّدة، وتتنوّع الأسلحةُ الاقتصاديّةُ ما بين العقوبات، والحظر التّجاريّ والمقاطعة. وقد ذهبت مراكز صناعة القرار، والأبحاث السياسيّة في الغرب إلى أنَّ السلاح الاقتصادي يعتبر تهديدًا لا يقاوم، ويمكن أن يركّع الطرف الآخر دون قطرة دم واحدة، واعتبره الغرب وسيلةً بديلة للحرب، لكنّها حرب خانقة قد تؤدّي إلى اليأس.
الآن ومن 7 أكتوبر وغزّة تحت حصار اقتصادي خانق من قبل إسرائيل، فمن أين أتى هذا وشُرعن لإسرائيل من قبل الغرب؟
بدأ هذا مع الحرب العالميّة الأولى، حينما حاصر الحلفاء ألمانيا عبر منع استيراد الأغذية والمنتجات الأوليّة؛ كمدخلات للصناعة الألمانيّة، مثل، المعادن كالمنجنيز، والتي كانت لندن مركزَ تجارتها دوليًا، هنا جرى استغلال نقاط الضعف الاقتصادي من قبل الخَصم الذي لا يرحم، فحُرمت ألمانيا وحلفاؤها من الكثير تحت الحصار، فكان ردّ فعلها عبر حرب الغواصات لشلّ حركة الشحن عبر ضفتَي المتوسط، لكنّ هذا كله كان يتم عبر حسابات مادية براجماتيّة بحتة، فغالبًا ما تكون العقوبات غير قابلة للتنبّؤ بعواقبها، فعندما صنّفت الولايات المتحدة الأميركية شركة روسال عملاق صناعة الألمنيوم الروسيّة والقريبة من دوائر الحكم في روسيا، لم تتوقّع كيف يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تعريض اقتصاد حلفائها في أوروبا الغربية للخطر، والأخطر من ذلك هو أنّ صنّاع السياسات الأميركيّين لا يعرفون كيف ستردّ روسيا، حيث إنّ فلاديمير بوتين حساباته مختلفة عن حسابات الغرب، فهو لا يضع المصلحة الاقتصادية فوق كل شيء طبقًا للبراجماتيّة الغربية، وموازنة العقوبات مقابل الخسائر الماديّة، بل يعتبر أنّ روسيا تتعرّض إلى تهديد وجودي يتطلب ردًا عسكريًا، هنا نرى دُوّامة من انعدام الأمن لا يمكن التنبّؤ بنهايتها. وهذا ما حدث في حرب غزّة الأخيرة بسبب الحصار الإسرائيلي لسنوات، فهناك انعدام للأمن والاستقرار في دُوّامة من العنف لا نهاية لها.
السلاح الاقتصادي في غزةلقد أحدث السلاح الاقتصاديّ جراحًا في غزة ليس سهلًا علاجُها، ومن الصعب على الساسة في الغرب أن يتصوّروا كيف يؤثر هذا على الإنسان، وكيف يولّد غضبًا لا شفاءَ منه.
إنَّ سلاح العقوبات الاقتصاديَّة الصارم الذي دأب الغرب على استخدامه تبّنته إسرائيل ضد غزّة، وهو نظام يقومُ على قيود تفرضها الدول على تداول بعض المنتجات أو السلع أو الخدمات، وكل ذلك له آثار على الدول والشركات والأفراد على المدى البعيد، ما يفرض إعادة التفكير في هيكلة النظام الاقتصاديّ العالميّ مرّة أخرى لنزع هذا السلاح من يد الولايات المتحدة وأوروبا، للحدّ من نفوذهما دوليًا. إنّ خطورة الوضع الدوليّ الراهن تكمنُ في نظام مقاصّة الدولار، فبوسع الولايات المتّحدة إخراج الشركات الأجنبية متعدّدة الجنسيات، وحتى الدول متوسّطة الاقتصاد من الأنظمة المركزيّة للاقتصاد العالميّ، هنا سُلطة الدولة الواحدة باتت بحاجة لمُراجعة، وهذا ما ولّد تجمّع "البركس"، ومعاملات نقديّة مباشرة بين بعض الدول لتفادي هذا النّظام.
إنّ قرار أوروبا والولايات المتحدة بإخراج روسيا من النظام المالي العالميّ- من خلال حرمان البنوك المركزية من الوصول إلى "سويفت"، ومقاصة الدولار، وتجميد أصول البنوك المركزية- يؤدي إلى تشوهات في الاقتصاد الدولي، وحذر شديد من عدد من الدول الصاعدة من خارج التحالف الغربي، ما يولّد معاملات اقتصادية لتجاوز النظم المركزيّة الغربية الاقتصادية المهيمنة. ولكنْ هل هناك ردود فعل تجاه هذه العقوبات والحظر التجاريّ لبعض المنتجات؟
إنَّ سلاحَ العقوبات يواجهُه سلاح المقاطعة، وهو أسلوب نموذجي للمواجهة والمقاومة تستخدمه الشعوب كي تنال حريتها واستقلالها، والمقصود هنا المقاطعة بشكل عام مع الطّرف المطلوب مقاطعته، والتأثير عليه سياسيًا أو إضعافه عسكريًا واقتصاديًا، هذا ما أرساه المهتاما غاندي، حينما طلب من الهنود أن يقاطعوا المنسوجات البريطانية المصنوعة من القطن الهندي، وأن ينتجوا ملابسهم بأنفسهم، فكان سلاحًا ناجعًا، وهذا ما خنق إسرائيل لسنوات في ظلّ المقاطعة العربية من عام 1948م، ففي سنة 1948 م صدرت فتوى من الأزهر الشريف جاء فيها: (تحريم بيع أراضي فلسطين لليهود ووجوب مقاطعتهم..)، هذه الفتوى تلاها عدة بيانات ومواقف للأزهر تساند فلسطين في كل المواقف، لكن كان الإجماع العربي في الخمسينيات بمقاطعة إسرائيل ومن يتعاون معها اقتصاديًا بدايةً لشهْر هذا السلاح، وكان أبرز إنجازاته قرار مجلس جامعة الدول العربية في عام 1975 بمقاطعة خطوط طيران أيرفرانس بسبب استثماراتها في مشروعات تنموية إسرائيليّة، وتوقفت أنشطة الشركة في القاهرة ودمشق وهو ما أدَّى إلى رضوخها للمطالب العربيّة.
أكبر أداة ضغط عربيةلعلّ قطع البترول عن الدول الأوروبية التي تدعم إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة إبان حرب أكتوبر 1973، كان أكبر أداة ضغط عربية استخدمت ضد إسرائيل، لكن بعد عام 1977 شهدت المقاطعة العربية لإسرائيل حالة تراخٍ متصاعدة، ليعود مرة أخرى سلاح المقاطعة للواجهة منذ انتفاضة سنة 2000 في الضفة الغربية، وما ترتّب عليها من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فالسوق الفلسطيني ثاني أكبر سوق لها، وقد صدر تقرير إسرائيليّ في مارس 2001 يشير إلى انخفاضٍ قدره 50% على الصادرات الإسرائيلية إلى مناطق السلطة الفلسطينية. هذا ويمكن أن نقدّر في هذا السياق موقف الاتحاد الأوروبي من مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، فقد امتنع عن استيرادها باعتبارها لا تخضع لاتفاقية التجارة الحرّة مع إسرائيل، فلجأت إسرائيل لتزييف شهادة المنشأ.
لكن حرب غزّة الأخيرة أفرزت لأوّل مرة جبلًا شابًا لم يكن يعلم من قبل ما هي فلسطين وما هي مأساتها، غير أن مشاهد الدم جعلت الشعور بمأساة فلسطين يتدفّق في شرايينه، وما زاد الأمر تدفقًا هو العجز العربيّ عن إنقاذ غزة، فتعالت أصوات المقاطعة في الدول العربية الإسلامية. وبتحليل خطاب المقاطعة في وسائط التواصل الاجتماعيّ سنجد أنّ الشريحة من 20 عامًا إلى 45 عامًا هي الأكثر تفاعلًا من الأجيال الأكبر، وخاصة من تعدوا الستين عامًا والذين عاصروا حرب 1973، وحصار بيروت واجتياح لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، وكأن الحرب الأخيرة خلقت جيلًا يرى إسرائيل عدوًا حقيقيًا يجب مواجهته، وظهر سلاح المقاطعة كحلّ يمكن من خلاله دعم القضية الفلسطينية، ليبقى التساؤل: هل هذه المرّة حملات المقاطعة مختلفة؟
في حقيقة الأمر مختلفة، فهي تتجاوز فكرة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ومقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل إلى مقاطعة بضائع الدول التي أعطت غطاءً لإسرائيل لقتل المدنيين في غزة، بدءًا من الولايات المتحدة الأميركيّة إلى دول أوروبية، مثل: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، ويبدو في الأفق في بعض هذه الدعوات اتجاهٌ إلى إعادة النظر في مكانة هذه الدول في المنطقة العربية فبعد أن كانت تحظى بمكانة وتقدير، بات هذا محلّ تساؤلات، ليبقى التساؤل: كيف ستنظر هذه الأجيال مستقبلًا لها؟، إنّ من المثير أيضًا وجود دعوات في مجموعات خليجيّة في وسائط التواصل الاجتماعي (مجموعات واتساب) لمقاطعة السيّاح الخليجيين زيارة لندن؛ عقابًا لبريطانيا على دعمها إسرائيل الذي شمل أسلحة لقتل المدنيين في غزة، بل ذهب البعض لرصد حجم إنفاق السياح الخليجيين في لندن وأعدادهم، ليذهب البعض بعيدًا إلى ضرورة سحب الاستثمارات العربيّة في بريطانيا، أو وقف ضخّ استثمارات جديدة، قد يكون هذا كله نتاجَ الحماس والضغط الذي تسبّبه المشاهد الدموية المنقولة من غزة.
إرادة قويةإنَّ العديد من الدراسات المسحيّة تبين أنَّ أي دعوات للمقاطعة قد تراوح مكانها، وبالتالي يظل تأثيرها لا يعدو كونه تهديدًا، وعادة لا يكون للمقاطعة تأثير اقتصادي كبير على المدى القصير؛ بسبب التعقيد في السوق العالميّ، وتنوع الصادرات في معظم الدول، الأمر الذي يجعل التأثير عليها صعبًا. وعلى جانب آخر تمثل استمرارية المقاطعة باعتبارها إرادة قوية سلاحًا مؤثرًا. من هنا فإنَّ سلاح المقاطعة لابدّ أن تكون له قوّة الاستمرار، وهذا ما قد يغيّر مواقف الدول المساندة لإسرائيل.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة سلاح المقاطعة وهذا ما من قبل سلاح ا هذا ما فی غزة
إقرأ أيضاً:
صلاح جلال والتفكير بصوتٍ عالٍ
لم ألتقِ بالأستاذ صلاح جلال ولكن جمعتني به معرفة إسفيرية إمتدت من العام 2013 بعد هبة سبتمبر عامذاك حيث كنا ومع آخرين نعمل جاهدين علي رعاية أُسر شهداء هبة سبتمبر والسهر علي حفظ حقوقهم.
أطلق الصديق صلاح جلال دعوة للتفكير بصوتٍ عالٍ حول ما تمور به الساحة السياسية السودانية من تحديات جِسام لا يمكن أبداً مواجهتها بصفوف سياسية ومدنية وعسكرية منقسمة تنظيمياً ومَنصِّياً رغم إتفاقها في المباديء والأهداف الكلية ..
تساءل الصديق صلاح جلال وبجرأة في دعوته تلك وهو يتناول موضوع تشكيل حكومة (موازية):
هل ستجد القوي السياسية نفسها وفى المستقبل القريب فى موقف يضطرها لحمل السلاح من أجل الدفاع عن وحدة السودان ؟؟؟
أم أنها ستستسلم للإنقسام بإعتباره قدراً محتوماً ؟؟
مستشهداً بموقف القوي السياسية من إنفصال الجنوب عندما إعتبرت الإستفتاء مفتاح لشرعيته وتعبير عن رغبة أشقائنا في الجنوب رغم قناعتنا التامة كسياسيين بعدم شرعية النظام المُباد وتمثيله للدولة السودانية !!!
ذكرنا الصديق صلاح جلال في مداخلته بما كانت تَتَقوله القوي السياسية آنذاك بأن قبول تقرير المصير الوارد فى ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية كان مرهوناً بإستعادة النظام الديموقراطى وتحقيق السلام ولكن جاءت نيفاشا وفى ظل نظام الإنقاذ غير الشرعي وغياب النظام الديموقراطى إنحنت كل القوي السياسية أمام العاصفة ورضيت بالإستفتاء رغم تناقضه مع وثائقها بل وإعتبرت إنفصال الجنوب قدراً محتوماً وافقت عليه بالصمت ولم ينس في ختام مداخلته أن يكرر الدعوة إلي التفكير بصوتٍ عالٍ قبل وصول القطار إلي المحطة الأخيرة ولعله يلوح بإنفصال جديد ..
في سياق هذه الدعوة للتفكير بصوتٍ عالٍ لابد من الإشارة إلي حقائق تاريخية يتغافل عنها بعض الساسة في هذا الزمان وهم يتأففون من من إمتشاق السلاح أو يترفعون عن التحالف مع طرف يحمل السلاح كوسيلة لنيل حقوق وتحقيق أهداف متفق عليها..
الحقيقة الأولي هي تجربة (الجبهة الوطنية ) في حمل السلاح لمواجهة النظام المايوي في الفترة من 1970 - 1976 ومن أهم مكوناتها الحزب الإتحادي الديموقراطي بقيادة المرحوم الشريف حسين الهندي وحزب الأمة بقيادة الإمام الهادي المهدي قبل إستشهاده والإمام الصادق المهدي وجماعة الإخوان المسلمون بقيادة محمد صالح عمر رحمهم الله، لقد حملت القوي السياسية المكونة لهذه الجبهة الوطنية السلاح وهم ساسة لا يشك أحد في وطنيتهم في مواجهة النظام المايوي لدواعي وحُجج لا يمكن مقارنتها البتة بدواعي وحُجج اليوم وفي مقدمتها مشروع تقسيم البلاد الذي تقوده سلطة المؤتمر الوطني الحاكِم وكتائبه.
الحقيقة الثانية وهي تجربة التجمع الوطني الديموقراطي المُؤسس في 1989 عقب إنقلاب البشير ورغم البدايات المدنية للتأسيس إلا أنه حمل البندقية ضد النظام علي مرحلتين أولاهما حملها نيابة عنهم الراحل جون قرنق قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان بعد إنضمامه للتجمع في العام 1990 رغم إتهامات ذات الآلة الإعلامية العاملة الآن لشخصه بكل الأوصاف غير اللائقة وظل يقاتل بالأصالة عن جيشه وحليفاً لهم لحين ومن بعد ذلك حملوا هم البندقية مجتمعين فتأسست جيوش التجمع الوطني الديموقراطي مثل جيش الفتح بقيادة السيد/محمد عثمان الميرغني وجيش الأمة بقيادة الإمام الصادق المهدي رحمه الله وقوات التحالف السوداني بقيادة عبدالعزيز خالد وكمال إسماعيل، وجيش الأسود الحرة بقيادة مبروك مبارك سليم وغيرها من الجيوش، هذا هو تاريخ قريب للقوي السياسية حملت فيه السلاح إنابةً وأصالة لتحقيق أهدافها السياسية وقد عايشنا هذا التاريخ القريب في بعض مراحله وكان هتافنا في الداخل (بكرة التجمع جايي وثورة حتي النصر)..
للإجابة علي تساؤل الصديق صلاح جلال حول إحتمالية حمل القوي السياسية للسلاح دفاعاً عن وحدة السودان ؟
أولاً يُلاحظ أن القوي السياسية والمدنية في فترة ما بعد حرب 15 أبريل قد تَلَبَّستها حالة (السِلمِية) التي إستنتها ثورة ديسمبر المجيدة متناسية أيامها الخوالي في حمل السلاح لمواجهة نظام الدكتاتور نميري وأخيراً نظام المؤتمر الوطني وكتائبه مرة نيابةً عنها حليفها الراحل جون قرنق ومرة أخري بجيوشها المتعددة التي توغلت حتي مدينة كسلا ، والغريب في مقابل لُبُوس حالة السِلمِية لقوانا السياسية والمدنية نجد أن خصمها الأوحد ممثلاً في المؤتمر الوطني وكتائبه لا يأبهان ليس من حمل وإستخدام كل أنواع الأسلحة لقتل المواطنين فقط بل يُسرِف في القتل بأبشع صُنوف القتل حتي ولو كان الثمن هو تقسيم البلاد بالقوة فالقَتَلة يعلمون جيداً أن مشروع تقسيمهم لا يمكن تمريره عبر أي إستفتاء طالما أن التركيبة السودانية لأعداد السودانيين حسب آخر تعداد سكاني ستظل معدلاتها كما هي وربما لعقود قادمة..
يلاحظ أيضاً أن القوي السياسية والمدنية في فترة ما بعد الحرب قد أصبحت تتعمد طرح رؤاها لإيقاف الحرب بصورة (هوائية) لعل وعسي أن يتلقفها أي طرف من أطرافها دون صياغتها وطرحها شكلاً ومضموناً بصورة يمكن أن يَتحرّج منها الطرف الرافض أو تضعه في مربع الإدانة وهذا الأمر يشهد عليه إعلان أديس أبابا 2 يناير 2024 المُوقع بين تنسيقية تَقدُم والدعم السريع إذ لم يعلم أي سوداني إلا بعد مرور ما يقارب العام بأن هذا الإعلان قد عُرِض علي الفريق البرهان ووافق علي التوقيع عليه ولكن بعد توقيع الدعم السريع، مما بدا وكأنه فَخ نَصبه الجيش للقوي السياسية والمدنية لتعزيز سردية حضانتها السياسية للدعم السريع والتي أصبحت فوبيا تثير هلع غالب السياسيين والمدنيين فتجدهم يبدأون ويختمون بياناتهم وأحاديثهم وتصريحاتهم بإدانة الدعم السريع ..
عليه لا أظن أن كل القوي السياسية والمدنية الفاعلة في الساحة السودانية الآن قادرة علي حمل السلاح من أجل الدفاع عن وحدة السودان طالما أنها أسيرة لسرديات آلة إعلام الكيزان ولكن البعض منها ربما يفتح الطريق بحمل السلاح أو بالتحالف مع من يحمله دفاعاً عن وحدة البلاد ..
في ختام مقاربة الصديق صلاح جلال تعرض لما جري في اليوم الأول من إنعقاد مؤتمر تحالف تأسيس بنيروبي عن الإحتمالية الثنائية للحكم في السودان مُستعرضاً تاريخ ثنائية حكم السودان في فترة الإستعمار وأخري بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل في نيفاشا (دولة بنظامين) قبل الإستفتاء، وأقول للصدبق صلاح جلال أن هذه الثنائية التاريخية كانت حاضرة ونحن نسعي بين الطرفين الداعي لتشكيل الحكومة والرافض لها لإيجاد معادلة تحفظ للقوي السياسية والمدنية وحدتها وتماسكها كونفدرالياً دون اللجوء إلي فك الإرتباط ولكن إصرار البعض وقف حائلاً دونها ولا أري سبباً ط لذلك غير فوبيا الحضانة السياسية للدعم السريع التي زرعتها الآلة الإعلامية في أدمغة العامة..
من وجهة نظري أن أهم إختراق سياسي وإعلامي ناتج من الدعوة لتشكيل حكومة حتي الآن هو *كسر حاجز الخوف والرهبة الذي صنعته الآلة الإعلامية الكيزان* لذا أتفق مع الصديق صلاح جلال في وصف معظم النقد الذي إطلع عليه حول فكرة تشكيل حكومة موازية بإفتقاره للعمق وقراءة المستقبل، كما أتفق معه عندما ذهب إلي أبعد من ذلك بأن بيانات بعض القوي السياسية جاءت سطحية مكتفية بمظاهر الأشياء ولم تحفر فى العمق وكما قال الصدبق صلاح جلال: (نحن شطار فى نقد ما لا نريد) كذلك أشار إلي بديهة وهي أن أى قضية لها أكثر من حل يسندها أكثر من منطق، موضحاً أن الموافقة أو الرفض هى من أسهل الحلول ولكن هناك أيضاً حلول أخري ممكنة لم يتم التفكير فيها بسبب الكَسَل الفكرى وعدم تحمل رَهَق البحث مُبيناً أن السياسة فى السودان بعد عبدالخالق والصادق والترابى ونقد قد إفتقرت للفكر والثقافة والمعرفة الحقيقية بتعقيدات السودان خاصة تعقيداته المجتمعية الناتجة من المظالم التاريخية، وهي مظالم لا تستوجب الإعتذار وحسب إنما تتطلب البحث والتقصي عن حلول ناجعة لها، لقد حذرنا مما سيجره تفكيك إرتباط القوي المدنية والسياسية والعسكرية المعارضة لسلطة المؤتمر الوطني وكتائبه وسنري له صوراً طبق الأصل عاجلا ً في كل مُمسِكات الوطن من منظومات سياسية ومدنية ومهنية وحتي العسكرية..
لقد لَخص الصديق صلاح جلال في ختام مقالته بجرأة مناهج إدارتنا المعتلة لقضايا بلادنا وهي جرأة مطلوبة في حاضرنا المُضطرب هذا إذ ليس مرغوباً أن نكون كعبدالخالق، والصادق والترابي ونُقد ولكن ما هو مطلوب بالضرورة هو إِجالة البصر في تجاربنا القريبة وإعمال العقل في كيفية الإستفادة منها حتي يكون عام 2025 ليس كعام إنفصال الجنوب 2011 ..
محمد عصمت يحيي