صنعاء يا قلب العروبة وعنوانها
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
برغم قتامة الليل العربي الملبد بغيوم الخيانة وسحب الذل والانكسار، ورغم هذا الهوان الإسلامي المسكون بكل مفردات الضعف والتردد والحسرة، تنهض صنعاء كطائر الفينيق من بين أنقاض العدوان، لتصدح بصوت عروبتها رافضة عدوان البرابرة على أبناء جلدتها في فلسطين، معلنةً لكل العالم أن زمن الارتهان الكلي لن يكون ولن يأتي لأرض السعيدة التي ستظل دوحة الرسالة المحمدية وقلب العروبة وعنوانها، صنعاء التي تتماهى مع شجرة الزيتون حين تقاوم التطلع بالتجذر، لم تقف مكتوفة الأيادي وهي ترى عربدة الصهاينة تعبث بجثث أطفال ونساء وشيوخ فلسطين وقطاع غزة، وفي تأصيل مبدئي وتأكيد انتمائها لمحور المقاومة وبدافع من إيمانها وإيمان قيادتها، وفي المقدمة سيدها وقائدها المجاهد سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، هذا الرجل الذي قيضه الله سبحانه وتعالى كي يوقد شعلة الكرامة في ليل العروبة المظلم، وينير بمواقفه الثابتة والراسخة سماء أمة الإسلام بأنوار العزة والانتصار رافضا مبدأ الاستكانة والخنوع متجاهلا غطرسة أعداء الأمة وأعداء وجودها، معلنا اصطفافه إلى جانب مقاومة أهل الحق ضد أهل الباطل أينما كانوا وكيفما كانوا وكانت قوتهم وقدراتهم، غير مكترث بتهديداتهم متجاهلا تحذيراتهم، مؤمنا أنه لنصرة الحق بعثه الله ولهدم أوكار الباطل سخره.
نعم ليقال ما يقال عن ( أنصار الله)، فقد أثبتت مواقفهم في ملحمة الأمة أنهم أصحاب مواقف عربية وإسلامية مبدئية ثابتة، مواقف لا تخضع لجدلية الربح والخسارة ولا تخضع للحسابات الضيقة أو لقوانين المرحلة، ولذا سجلوا وعلى رؤوس الأشهاد وبكل ثقة واقتدار موقفا عجزت عن الإتيان بمثله دول وأنظمة وجيوش تمتلك من القدرات والعدة والعتاد ما يفوق ربما بمئات المرات قدرات أنصار الله وسلطة صنعاء، لكنهم للأسف لا يمتلكون إرادة وقيم وأخلاقيات وإيمان أنصار الله الذين اصطفوا إلى جانب أشقائهم في فلسطين بمشاعرهم وإعلامهم وإمكانياتهم المادية والمعنوية وبصواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيرة التي تضرب العمق الصهيوني المحتل للمرة السادسة، وهم على جاهزية لمواصلة هذا الالتحام بالمعركة، مؤمنين بأن معركة طوفان الأقصى ليست معركة الشعب العربي في فلسطين بل هي معركة كل العرب وكل المسلمين وكل الأحرار الرافضين للغطرسة الصهيونية الأمريكية الإمبريالية بدوافعها الاستعمارية البغيضة.
صنعاء بقيادة الأنصار لم تستحدث هذا الموقف ولم تأت بجديد فيه، بل هو فعل وموقف طبيعي يفترض أن يقوم به ويأتي بمثله كل عربي وكل مسلم، باعتبار هذا الموقف تجسيدا طبيعيا لوحدة الهوية والانتماء ووحدة العقيدة الإسلامية التي يختزلها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، بقوله ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى) صدق رسول الله.
وهو تجسيد لوحدة الهوية العربية ووحدة الجغرافية والمصير، وأن العدو الذي يرتكب المجازر في فلسطين منذ 75 عاما وليس منذ 7 أكتوبر إنما هو عدو كل الأمة من محيطها إلى خليجها، وما هذه الاستكانة والذل التي تعيش بهما أمة العرب إنما هي جزء من السلاح الصهيوني الأمريكي الذي عمل على مدى عقود لتدجين الوعي واستلاب الارادة ومصادرة الكرامة والسيادة عن دول وأنظمة غدت أسيرة الارتهان ومكبلة بأغلال الذل وبثقافة الاستسلام.
نعم.. نحني هاماتنا لسلطة صنعاء وللإخوة في قيادة أنصار الله الذين يكرسون ميدانيا حقيقة انتمائهم العربي ويكرسون هويتهم الإيمانية متحدين كل الحواجز والحدود المصطنعة، غير مكترثين أو آبهين بكل التهديدات الإمبريالية والاستعمارية، ومن ذا الذي لديه ذرة من كرامة ونخوة وإنسانية يمكنه أن يرى ما يجري في فلسطين وقطاع غزة من جرائم وحشية وحرب إبادة.. ويصمت..؟!
فما بالكم إن كان المشاهد عربيا تجري في عروقه دماء العروبة وتتشكل قناعته الفكرية والثقافية بقيم واخلاقيات الإسلام، وفي اليمن هناك فائض من قيم العروبة والإسلام، لدرجة أن معركة فلسطين غدت معركتهم وعلى أنفسهم آلوا أن لن يبقوا مكتوفي الأيادي أو متفرجين كالبقية لما يجري في فلسطين مثل البقية الذين فقدوا كل صلة بالعروبة والاسلام وأصبحوا مجرد بيادق بيد الصهاينة والأمريكان وحولوا أوطانهم إلى ( كازينوهات وبارات وأسواق استهلاكية) ومنتجعات ترفيهية وسياحية نزولا عند رغبة أعداء الأمة الذين يشيدون بكل خطوة نحو الانحطاط يقدم عليها هذا النظام العربي أو ذاك..؟!
في هذا الزمن، زمن الارتهان والانكسار والتبعية للأعداء، تعلن صنعاء موقفها العروبي والاسلامي وتعبر عن انحيازها المطلق لجانب المستضعفين في الأرض وفي المقدمة أبناء فلسطين الذين يدفعون اليوم ثمن خيانة النظام العربي المرتهن.. إن صنعاء بقيادة الأنصار تعكس بمواقفها القومية والعروبية قناعات وإرادة الشعب اليمني الذي يرتبط بعلاقة وجدانية مع فلسطين الثورة والقضية منذ سنوات موغلة، غير أن الجديد في ابتكار الأنصار هو هذا الدعم والاسناد ببعده العسكري المتمثل بالصواريخ والمسيرات، وكأن لسان حال الأنصار يقول “لقد أغلقتم الحدود أمامنا ومنعتمونا من المشاركة الميدانية، فلا ضير إذاً فلدينا طرق أخرى تمكننا من المشاركة وبوسائل أكثر إيلاما وفعالية،” وسائل أكثر نجاعة وأكثر قدرة على إيلام العدو وردعه بغض النظر عما يسوقه أبواق المتخاذلين وتندرهم، الذين يفترض أن يتندروا على أنفسهم وعلى مواقف أسيادهم المخزية التي تكشف عن حالة انحطاط في الوعي والتفكير والسلوك، وأقصد بهؤلاء أولئك الذين يشككون بمواقف صنعاء وأنصارها المناصرين لقضايا الأمة المساهمين بمعركة تحرير الأمة من رجس الاستعمار الصهيوني والهيمنة الأمريكية وتخاذل المنبطحين الذي يرون أن (قوة الأمة بضعفها) وأن انتصارها بتحقيق الرفاهية وإنشاء المزيد من المدن السياحية.
تحية إجلال وتقدير لقيادة الأنصار ولسيدهم المجاهد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي يرفع بيارق المجد في زمن الانكسار ويوقد شعلة الكرامة في ليل العرب المظلم..
والتحية والإجلال لجيشنا اليمني الحر والبطل ولقواتنا الصاروخية التي أربكت حسابات الصديق قبل العدو، وذعر منها العدو واستهان بها البعض ولكن غدا سيدرك الذين كفروا أي منقلب ينقلبون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
#سواليف
أنا السجّان الذي عذّبك
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️إنه #الحبيب_محمد ﷺ صاحب الخلق العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} آية 4 سورة القلم، وهو الذي بعثه ربه سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولأنه كذلك ﷺ فإنه أحب أن يكون المسلمون على نهجه وعلى خلقه ﷺ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} آية 21 سورة الأحزاب. لقد أحب الخير ودعا الناس إليه، وكره الشرّ ونهى الناس عنه، حتى أنه صنّف الناس إلى صنفين اثنين لمّا قال: “إن من #الناس #مفاتيح_للخير #مغاليق_للشر، وإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشرّ على يديه”.
✍️نعم، إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، فتجد أحدهم مثل الطيب والمسك لا تسمع منه ولا ترى منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا ما يسرّك، هيّن ليّن سهل متسامح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. إذا حدّثك اطمئن قلبك إليه، يشعر بشعور الآخرين، يتحدث عن الأمل والتفاؤل، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل الصالح العام، إذا دُعي إلى فضيلة لبّى واستجاب، وإذا دُعي إلى رذيلة كأن في أذنيه صممًا.
✍️وبالمقابل، فإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير، فتجد أحدهم مثل نافخ الكير تتأذى منه كلما اقتربت منه، فظّ غليظ، فاحش في القول، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، إذا حدّثك عرفته في لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} آية 30 سورة محمد. فلا تطمئن لكلامه، وعندما تشعر بالريبة في كل ما يقول لا يهمّه إلا نفسه، شعاره في الحياة “أنا وليذهب غيري إلى الجحيم”، تجده دائمًا محبطًا سوداويًا متشائمًا، إذا دُعي إلى فضيلة تجاهل وتغافل، وإذا دُعي إلى رذيلة كان سبّاقًا إليها.
✍️إن الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشرّ يكون أحدهم كالعافية والبلسم لجراح الناس وآلامهم، إذا تكلّم نفع ورشد، وإذا طُلب منه النصيحة أخلص فيها وصدق. سبّاق لعمل الخير بما يرضي الله تعالى، هو مفتاح خير وسفير هداية، مغلاق شرّ، صمام أمان لأهله ومجتمعه، جنّد نفسه في حزب الرحمن لنشر الخير والفضيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
✍️وأما الذين هم مفاتيح الشرّ مغاليق الخير، يكون أحدهم كالداء والعلة، هو محضر سوء حيثما كان، إذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرهم ولا ينفعهم، يشقيهم بالقيل والقال، سيء المعاملة، إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم، جعل نفسه جنديًا في حزب الشيطان لنشر الفتن والفساد والرذيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للشرّ مغلاقًا للخير.
????المسامح بطل
✍️وإن من أعظم الأخلاق التي إن وُجدت في شخص، فإنها تضعه في خانة مفاتيح الخير ومغاليق الشرّ، إنه خُلق العفو عن الناس والتسامح معهم. فالعفو هو أن تصفح عمن أخطأ بحقك وأساء إليك مع قدرتك أن ترد بالمثل، ولكن ولأنك مفتاح للخير، فإنك تعفو وتصفح وهذا يرفع قدرك بين الناس ويعوضك الأجر في الآخرة ربّ الناس سبحانه. يقول النبي ﷺ: “ينادي منادٍ يوم القيامة، ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس”.
إنه مفتاح الخير محمد ﷺ يعلمنا خلق العفو بقوله: “صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك”.
✍️فإذا كنت تريد أن تكون من هؤلاء الذين أجرهم على الله، فاعف واصفح عمن أساء إليك أو أخطأ بحقك أو قصّر معك، ألم يقل الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى.
سامح صديقك إن زلّت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل
✍️فأن تصبر على من أخطأ بحقك، وأن تعفو عمّن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق الرجال الأبطال مفاتيح الخير، وهي التي توصل أصحابها إلى أعلى الدرجات يوم القيامة.
✍️ إن الناس الطيبين هم مفاتيح الخير والعملة الذهبية الأصيلة وليست المزيفة، هم الذين إذا أسيء إليهم فيتوعّدون بالانتقام، ولكنهم سرعان ما تخبو ثورة غضبهم فيعودون إلى أصالتهم، فعندما تأتيهم فرصة الانتقام ممن أساء وتطاول عليهم، تصرخ في ضمائرهم وفي قلوبهم نزعة الخير تنادي {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. وأي تسامح أعظم من تسامح الخالق عز وجل عندما يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} آية 22 سورة النور.
✍️ إن مفاتيح الشرّ مغاليق الخير من الناس، هم الذين في أقوالهم وأفعالهم وحديّتهم بين الناس يشيعون أن العفو والتسامح هو سلوك الضعفاء والجبناء، ويزرعون هذا في سلوك أبنائهم ومن حولهم، ويتجاهل هؤلاء سلوك وهدي أشجع الرجال سيّدهم محمد ﷺ يوم فتح مكة وقد أصبح رجالات قريش الذين ظلموه وأساءوا إليه وشتموه وطعنوا في عرضه وسلبوا ماله وهجّروه من بيته، وكان بإمكانه أن يُعمل السيف في رؤوسهم، لكن ولأنه كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ فما كان منه إلا أن قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء”.
✍️ يروى أن أعرابيًا جيء به إلى السلطان يحاكمه على تهمة اتهم بها، فدخل على مجلس القضاء وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} آية 19 سورة الحاقة. فقيل له: إن هذا سيقال يوم القيامة وليس في الدنيا، فقال: والله إن هذا اليوم شرّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي وأنتم اليوم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
✍️ نعم، ما أجمل وأعدل أن لا ترى في الآخرة أنه كومة من الشرّ والسلبيات، وأنه رغم ما فيه من سلبيات وسيئات، لكن لعلّ فيه حسنات وفضائل تُذكر بها. وما أجمل أن يكون هذا منطق وروح التعامل مع ابنك ومع زوجتك ومع جارك ومع الناس أجمعين، فإن كان منهم ما يسيء، فتذكر أن فيهم كثيرًا مما يفرحك. وما أجمل ما قاله في ذلك الإمام الشافعي:
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة والغلط
وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبت مهذبًا رمت الشطط
من الذي ما ساء قطّ ومن له الحسنى فقط
✍️وما أجمل ما ورد في قصة المسيح عليه السلام مع تلاميذه يوم مرّ على كلب أسود مّيت على جانب الطريق، فقال أحدهم: ما أنتن ريحه. وقال آخر: ما أطول مخالبه. وقال ثالث: ما أشد سواد شعره. فقال لهم عيسى عليه السلام: وما أشدّ بياض أسنانه”. أي أنه بجانب ما تأذيتم به منه فإن فيه ما يُمدح.
✍️قال ابن القيم رحمه الله: “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها الله لك، فإذا أردت أن يغفرها الله لك، فاغفر أنت لعباده، وإذا أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده”.
???? النبيل ليس ذليلًا
✍️ما أعظمه خلق العفو والتسامح الذي أحب الله سبحانه من يتخلّق به لأنه صفة من صفاته، فهو “العفو” جلّ جلاله، وهو “الغفور” سبحانه، وهو الذي يتخلّق به عباده. إنه أفضل دعاء في أفضل ليلة هي ليلة القدر، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: “يا رسول الله أرأيت إن أدركتني ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وقد ورد في صحف إبراهيم أن الله سبحانه يقول: “يا ابن آدم وعزّتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي، أعدد لك أعمالك وأحسن لك أقوالك، حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك: لا تحزن يا عبدي فلأجلك أسميت نفسي العزيز الغفار”.
✍️ نعم، إن التسامح وإن العفو هو من سلوك وشيم أصحاب النفوس الكبيرة والعالية، بينما الحقد والانتقام هو من شيم أصحاب النفوس الدنيئة التي تتمتع بعيش الوحل والطين والأحقاد، حيث الانشغال بالأمور التافهة وتضييع الأوقات وهدر الطاقات على سفاسف الأشياء، بينما التسامح يفتح أبواب الراحة والطمأنينة وسكينة النفس، كما قال الإمام الشافعي:
لما عفوت لم أحقد على أحد أرحت نفسي من همّ العداوات
وقال أحدهم: “لا ينبل الرجل، أي لا يكون نبيلًا حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عمّا في أيدي الناس، والتجاوز عمّا يكون منهم”.
✍️ إن أصحاب النفوس الكبيرة المشغولة بقضايا شعبها وأمتها ودينها، والمشغولة بهمّ الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار، لا يسمحون لأنفسهم أن يجرّهم إلى مستنقع الوحل والطين والأحقاد والعداوات أحد من الخلق، ولا يقع في فخ الأعداء ومخططاتهم باسم العائلية وغيرها من العصبيات. ولذلك فإن ديدنهم هو التسامح وعدم الوقوف عند انشغالات الصغار الذين لا يرون من الدنيا إلا أنفسهم، ولا ينظرون إلا إلى موطن أقدامهم، فهناك يبدأ التاريخ وهناك يتوقف.
✍️كان مما اشتُهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان له خصوم حسّاد، فكان يقول: “من ضاق صدره عن مودتي وقصّرت يده في معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شأنه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي، فلا كدّر الله له صفو أوقاته ولا أراه مكروهًا في حياته”.
✍️ وقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه العظيم أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي الله عنه، فيروى أنه كان في مرض الموت فسمع رجلًا مسنًا على باب بيته يبكي كما تبكي النساء، فلمّا دخل على الإمام أحمد زاد من بكائه وقال: كنت أنا السجّان الذي عذّبك لمّا كنت في السجن في فتنة خلق القرآن، وإني أتيتك الآن راجيًا أن تسامحني وتعفو عني. فما كان من الإمام أحمد إلا أن بكى لبكائه ودعى الله أن يغفر له وإن كان مرّ على ذلك سنون طوال. فسأله ابنه كيف تستغفر له يا أبتي وهو الذي عذّبك وأهانك وآذاك؟ فقال الإمام أحمد: ماذا ينفعك يا بني أن يُعذَّب أخوك بسببك؟ ألا تعلم قول الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. ألا تعلم يا بني أنه إذا كان يوم القيامة وجثت الأمم بين يديّ رب العالمين نودوا ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا منهم.
✍️ هل هناك عطاء أعظم من عطاء الله لأصحاب خلق العفو والتسامح لما جعل جزاءهم ليس إلا جنّة عرضها السماوات والأرض، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133- 134 سورة آل عمران.
✍️فكن ممن أجره على الله، وكن من العافين عن الناس، وكن من رهط محمد ﷺ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} آية 29 سورة الفتح. وكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
كن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.