في وقت مبكر جدا انكشفت حقيقة أن القمة العربية الطارئة لن تكون أكثر من ذر للرماد، ومحاولة لشغل وقت الشعوب العربية المنتظرة لموقف عربي صارم تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، في محاولة – كما يبدو – لتطبيع مشاعر هذه الشعوب تجاه هذا الذي يحدث من إذلال وامتهان للعرب في جولة العدوان الصهيوني الجديدة.
فالسعودية خلال الأيام الماضية حاولت الإيحاء بتكثيف تحركاتها استجابةً للظروف التي تشهدها غزة ومن أجل وقف شلال الدماء الفلسطينية في موجة الهمجية الصهيونية الحالية، من خلال الدعوة لقمتين عربية وإسلامية، لكنها عادت ودمجتهما في قمة واحدة بزعم تأكيد وحدة الأمة وتوحيد الجهود، وقبل ذلك كان هناك قمة سعودية أفريقية لذات الغرض، ولم يكن لها أي صوت، كما هو متوقع.
ثم ما لبثت أن تأكدت هذه الحقيقة أيضا حين رفضت الرياض مقترحات بأهم مطالب الشارع العربي والإسلامي والساحات الحرة في مختلف دول العالم، بإيقاف العدوان على غزة، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان، وكذا التهديد باستخدام ورقة النفط للضغط من أجل رفع هذا الظلم عن الشعب الفلسطيني، فما الذي تبقّى كي ينتظره الناس من هذه القمة؟!.
قبيل انعقاد تجمع الرياض كان هناك لقاء في القاهرة جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والأمير القطري تميم بن حمد، وبحث الجانبان في صيغة مقترح لما أسمياه بأفضل السبل لحماية المدنيين الأبرياء في غزة، ووقف نزيف الدم، واستعرضا الجهود المكثفة الرامية إلى تحقيق وقف لإطلاق النار، واستدامة نفاذ المساعدات الإنسانية بالكميات التي تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني في غزة، والتأكيد على رفض أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني أو دول المنطقة، ورفض محاولات التهجير القسري، الى آخر ذلك من المطالب التي تبقى حبراً على ورق مع انعدام إجراءات الضغط لتنفيذها، وتشير هذه المطالب إلى أن الجميع في الرياض لن يتجاوزوا البحث في معالجة آثار العدوان الصهيوني الجديد دون الخوض في حال مستدام للسلام في المنطقة، وكأن الأمر ليس من صلاحيات ممثلي المليار مسلم وعربي.
أبناء غزة والشعب الفلسطيني ليسوا بحاجة لكلمات تنتظم في بيان رسمي ممهور بتواقيع أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وإنما إلى أفعال وإجراءات تعكس قدرة العرب على فرض إرادتهم، في القضايا التي تعنيهم على الأقل.
وإذا كان من المستبعد جدا توقع اتخاذ خيار عسكري مباشر لاسترداد حق الفلسطينيين، فإن هناك ما يمكن أن يلوح به العرب ويمثل أوراقا ضاغطة وكفيلة بأن تؤكد ضرورة رد الحقوق المنهوبة وتؤدي إلى نتيجة إيجابية، فالمقاطعة السياسية والاقتصادية لا تزال سلاحا غير مفعل، بل ويجري استبعاده تماما من قبل الدول الأكثر تأثيراً على المنطقة.
بيان القمة الذي لا يبتعد عن عبارات كررها الإعلام، إنما يثبت أن هناك من لا يريد لأي متغير إيجابي أن يحدث في إطار الصراع العربي الصهيوني، فتمسُّك المطبعين بخيار التطبيع، واستمرار السعودية في استقبال الجنود الامريكان، فضلا عن تبني البعض خيار النقد للمقاومة واعتبارها سببا في هذا العدوان، وكأنه ما قبل (7) اكتوبر المجيد كان على خير ما يرام، كل هذه المعطيات وغيرها أمور تبين أنه حتى دعوة السعودية للقمة كان أمراً متعمداً لامتصاص أي حماس هنا أو هناك لقمة تكون خارج التأثير الأمريكي، وللوفاء مع أمريكا بحماية إسرائيل.
بالأمس لم يكن مفاجئا أن تزخر كلمات المجتمعين في الرياض، بالشجب والتنديد والإدانة، ولم يكن متوقعا الدعوة لمحاكمة الكيان بسبب إفراطه في استخدام القوة، وتجاوزه مبدأ التناسب، كما يقتضيه القانون الدولي الإنساني، كما لم يكن متوقعا أن يدعو المجتمعون، الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتعامل بجدية مع السلاح النووي الإسرائيلي الذي هدد باستخدامه أحد وزراء نتنياهو لمحو غزة من على وجه الأرض.
ببساطة، لم يتوقع الكثير أن تعيد القمة الطارئة إلى الأذهان تلك القمة اليتيمة التي كان للعرب فيها صوت قوي أسمع كل الأرض، وهي قمة الخرطوم بلاءاتها الثلاث: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
سباق الكبار وتقلبات القمة
شهدت منافسات دوري المحترفين السعودي واحدة من أكثر مراحله إثارة وتقلبًا؛ حيث بات الاتحاد يغرد وحيدًا في الصدارة، مبتعدًا عن أقرب منافسيه بثبات وثقة، مستثمرًا الاستقرار الفني والانسجام الكبير بين عناصره، إلى جانب القراءة الذكية من الجهاز الفني لكل مباراة؛ ما جعله رقمًا صعبًا في السباق نحو اللقب.
في المقابل، اقترب النصر من وصافة الترتيب بأداء هجومي مميز بقيادة كريستيانو رونالدو، الذي لا يزال يقدم الإضافة، مدعومًا بكوكبة من الأسماء الأجنبية والمحلية، التي بدأت تجد التناغم في توقيت حساس من الموسم. النصر، الذي عانى من بعض العثرات في بداية المشوار، عاد بقوة في الجولات الأخيرة، مستغلًا تعثر الهلال، الذي تراجع أداؤه بشكل مفاجئ رغم البداية القوية، ما فتح الباب لتبدل المواقع في مقدمة الجدول.
الهلال الذي كان مرشحًا- كالعادة لحسم اللقب- ظهر عليه الإرهاق الذهني وتراجع في بعض الخطوط، وهو ما تسبب في فقدان نقاط ثمينة، وأعاد الحسابات،
في خضم صراع الهروب من شبح الهبوط، يبرز الفتح والوحدة بجموح لافت وإصرار واضح على البقاء، حيث قدما في الجولات الأخيرة مستويات مميزة، تؤكد عزيمتهما على تخطي الخطر. الفتح أظهر توازنًا في الأداء، مستفيدًا من إمكاناته الهجومية وتنظيمه الدفاعي، بينما بدا الوحدة أكثر شراسة داخل الميدان، متسلحًا بروح قتالية أخرجته من قاع الجدول مؤقتًا، وأعادت له الأمل في الاستمرار بين الكبار.
في الجهة المقابلة، يواصل الرائد سلسلة التراجع، ليصبح المرشح الأول لمغادرة دوري المحترفين، بعد أن فقد توازنه الفني، وافتقد للفاعلية في الحسم، ما جعله حبيس المراكز الأخيرة، مع تراجع الروح المعنوية وتكرار الأخطاء القاتلة في مباريات مصيرية،
أما التعاون، فهو يكتب فصلًا جديدًا في تاريخه، بمسيرة مميزة، قد تفضي إلى إنجاز قاري غير مسبوق. الفريق القصيمي أثبت أنه أحد مفاجآت الموسم؛ بفضل الأداء الجماعي والنهج الفني العالي، واستطاع أن يصل إلى الأمتار الأخيرة في منافسة قارية، واضعًا اسمه بين كبار آسيا، في انتظار ما ستسفر عنه قادم المواجهات، التي قد تمنحه المجد وتفتح له آفاقًا جديدة في ساحة الكرة الإقليمية.