ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عن حكم قول زمزم بعد الوضوء، ويقول السائل: ما حكم قول المسلم لأخيه "زمزم" بعد الوضوء؟ حيث يدَّعي البعض أنَّه لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من أصحابه، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها.

هل الوضوء أثناء الاستحمام صحيح أم يجب ستر العورة.

. الموقف الشرعي هل الوضوء يغني عن غسل الجنابة.. الموقف الشرعي لمن صلى على هذا النحو حكم قول زمزم بعد الوضوء

وأجابت دار الإفتاء، عن حكم قول زمزم بعد الوضوء، بأن ما اعتاده الناس في مصر وغيرها من دعاء المسلم لأخيه بعد الوضوء بقوله "زمزم" هو من العادات المستحسنة؛ لأنه دعاء بالوضوء أو الشرب أو الاغتسال من ماء زمزم المبارك.

وأوضحت دار الإفتاء، أن مراد الداعي بذلك هو الدعاء بأداء الحج أو العمرة اللذين يشتملان على الشرب من زمزم؛ من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، وإنما اختار الناس ماء زمزم في الدعاء دون غيره لبركته وفضله على سائر المياه؛ فهو من الدعاء المستحب شرعًا.

وأكدت دار الإفتاء، أن الدعاء عقب الوضوء مستحب، بالإضافة إلى ما اشتمل عليه من المعاني الجليلة، والمقاصد النبيلة؛ كدعاء المسلم لأخيه، وإدخال السرور على قلب المتوضئ، وإثارة لواعج الشوق إلى حرم الله وحرم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وشحذ الهمم وبعث النوايا على أداء فريضة الحج والعمرة، ومناسبة ذلك لحال المتوضئ.

وأما القول بأن ذلك بدعةٌ فهو قول باطل؛ لمخالفته لعموم أدلة الشرع، وتضييقه على الناس من غير حجة.

وأوضحت، أنه قد بيَّن الشرع أنَّ هناك هيئاتٍ وأحوالًا وأمكنة وأزمنة يكون فيها الدعاء أقرب للقبول وأرجَى للإجابة، وأنها من نفحات الله تعالى على عباده؛ كهيئة السجود، ورفع اليدين، وكحال التلبس بالعبادات المختلفة، وعقب الانتهاء منها؛ من تطهر ووضوء، وصلاة وصوم، وزكاة وحج، ومن الأمكنة: كالبيت الحرام، والمسجد النبوي، والروضة الشريفة، والمسجد الأقصى، وطور سيناء، ومن الأزمنة: كشهر رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، وليلة القدر، وثلث الليل الأخير، ونحو ذلك.

فضل ماء زمزم

وذكرت دار الإفتاء فضل ماء زمزم، منوهة أنه اسمٌ للبئر المعروفة بمكة المُكرَّمة عند بيت الله الحرام، وماؤه خيرُ ماءٍ على وجه الأرض، وأفضل أنواع المياه بعد الماء النابع من أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، ويكفي هذا الماءَ شرفًا أن الله تعالى اختاره لتَغسل به الملائكة الكرام صدر النبي المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام، في حادثة "شقِّ الصدر الشريف" المشهورة.

وجُمِع لماء زمزم من الفضل والشرف ما لم يُعرف لغيره؛ ففيها معنى الطعام، والشراب، والشفاء: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ وَشِفَاءٌ مِنَ السُّقْمِ» أخرجه الطبراني في معجميه "الأوسط" و"الكبير" من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِمَاءِ زَمْزَمَ» أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كُنَّا نُسَمِّي زَمْزَمَ شَبَّاعَةَ، وَنَزْعُمُ أَنَّهَا نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى الْعِيَالِ" أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما"، والطبراني في "المعجم الكبير".

وكان سيدنا العباس رضي الله عنه يقول: "ما أُحِبُّ أنَّ لي بها جميعَ أموالِ أهلِ مكةَ" أخرجه ابن سعد في "الطبقات".

وكان أهل مكة يُغسِّلون بها موتاهم؛ لبركتها وفضلها؛ فعن ابن أبي مليكة قال: "كنتُ أول من بشَّر أسماء رضي الله عنها بالإذن في إنزال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: فانطلقنا إليه، فما تَناوَلْنا منه شيئًا إلا جاء معنا، قال: وقد كانت أسماءُ رضي الله عنها وُضِعَ لها مِرْكَنٌ فيه ماءُ زمزم، وشَبٌّ يماني، فجعلنا نناولها عضوًا عضوًا فتغسله، ثم نأخذه منها فنضعه في الذي يليه، فلما فرغت منه أدرجناه في أكفانه، ثم قامت فصلت عليه، وكانت تدعو: "اللهم لا تُمِتْني حتى تُوليني جُثَّته"، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت" أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة"، وقال عقبه: "وأهل مكة على هذا إلى يومنا يغسلون موتاهم بماء زمزم، إذا فرغوا من غسل الميت وتنظيفه جعلوا آخر غسله بماء زمزم تبركًا به".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ماء زمزم زمزم الوضوء صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنهما دار الإفتاء ماء زمزم

إقرأ أيضاً:

حكم تجسس أحد الزوجين على هاتف الآخر .. الإفتاء توضح

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم الدين في تجسس الزوج على زوجته أو العكس عن طريق وسائل الاتصال الحديثة؟

وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن تجسسَ أحد الزوجين على الآخر أو تتبعَ عوراته حرامٌ شرعًا، والواجب على كلٍّ منهما رعايةُ حق الآخر وإحسانُ الظن به والتعاونُ على البر والتقوى، ومَن ثارت في نفسه شكوكٌ تجاه الآخر فعليه مصارحتُهُ بقصد الإصلاح والنصح والتذكير بحق المعاشرة بالمعروف التي أمر اللهُ تعالى بها.
 

المنهيات والمحظورات المترتبة على التجسس على المكالمات الهاتفية بين الزوجين
وأشارت الى ان الله تعالى أنعم على عباده بنعمة الزواج، وذكَّرَهُم بها في معرض الامتنان؛ فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، وعظَّم سبحانه من شأن رابطة الزوجية واصفًا إياها بالميثاق الغليظ؛ فقال جلَّ وعَلَا: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، وأمر بأن تكون العشرة فيها بالمعروف؛ فقال عزَّ وجَلَّ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، مما يقتضي مبادلة الثقة وحسن الظن؛ فهذا مما يحصل به السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، ولا تسير تلك العلاقة على نسقٍ صحيحٍ إلا بتخلُّق كِلَا الزوجين بالسماحة وغضِّ الطرف عن الهفوات.

ومن ثَمَّ فإن تكدير العلاقة بين الزوجين بسوء الظن وتتبع العورات واختلال الثقة بينهما مُنافٍ للحكمة والقيمة الأخلاقية والاجتماعية التي قصد الشرعُ الشريفُ إقامةَ الحياة الزوجية عليها، وما يعتري بعضَ الأزواج من حالات الغيرة الزائدة والشك المفرط وقلة الثقة في شريك الحياة دون مبررٍ حقيقيٍّ لذلك، مما يدفعه إلى التجسسِ على المكالمات الهاتفية للطرف الآخر، أو التفتيشِ في مراسلاته ومحادثاته الإلكترونية وأجهزة الاتصال الخاصة به -مع كون هذا التواصل لغرضٍ صحيحٍ شرعًا تُراعَى فيه الضوابط الشرعية والآدابُ العامةُ-؛ يُعد سلوكًا عدوانيًّا سيـئًا بين الزوجين، وتعدِّيًا وانتهاكًا للحُرُمات، ومسلكًا للشيطان للتفريق بين الزوجين؛ حيث يشتمل هذا النوع من السلوك على عددٍ من المنهيات والمحظورات الشرعية المفروضةِ صيانةً لشئون الناس وأحوالهم وأسرارهم:
 

حكم أخذ مصحف موقوف من المسجد .. الإفتاء تجيبمظاهر التسامح الديني قبل الهجرة النبوية وبعدها.. الإفتاء توضحهامعتقدات باطلة .. دار الإفتاء توضح حكم التشاؤم من شهر صفرالإفتاء توضح حكم جمع الصلوات أو قصرها قبل الخروج من المنزل ووقت العمل

 فمنها: سوء الظن؛ ومعناه: التهمةُ والتَّخَوُّنُ لهم في غير محله، وهو على هذا النحو محرمٌ شرعًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12].
قال الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (7/ 377، ط. دار طيبة): [يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثيرٍ من الظن، وهو -أي الظن- التهمةُ والتَّخَوُّنُ للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليُجتَنَب كثيرٌ منه احتياطًا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "ولا تَظُنَّنَّ بكلمةٍ خَرَجَت مِن أخيك المسلم إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا"] اهـ.
 

 ومنها: تَتَبُّعُ عورات الناس ومعائبهم بالبحث عنها والخوض فيها، وقد شدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تنبيه المسلمين على خطورة الخوض في أعراض الناس والتنقيب عن عوراتهم، مخبرًا من يستهين بذلك بأنه يسعى لهتك الستر عن نفسه إن استمر في ذلك، فيفضحه الله تعالى ولو كان في جوف بيته، فعن ثوبان رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» رواه أحمد.
 

 ومنها: التجسس، وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التجسس وما يكدر العلاقة الطيبة بين الناس ويجلب الكراهية والبغضاء، والأحاديث في ذلك كثيرة؛ منها حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» متفقٌ عليه.
قال الخطيب الشربيني في تفسيره "السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير" (4/ 70، ط. مطبعة بولاق "الأميرية"، القاهرة): [وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ حُذِفَ منه إحدى التاءين؛ أي: لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها] اهـ.

ولا يقتصر التجسس على البحث عن العورات والمعائب فقط، بل يشمل النظر فيما يخص المسلم من مكتوب أو نحوه؛ روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَظَرَ في كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ في النَّارِ» رواه أبو داود.
قال الإمام ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (4/ 147، ط. المكتبة العلمية، بيروت): [هذا تمثيلٌ: أي كما يَحذَر النارَ فلْيَحذَر هذا الصنيع. وقيل: معناه: كأنما ينظر إلى ما يُوجِبُ عليه النارَ. ويحتمل أنه أراد عقوبة البصر؛ لأن الجناية منه، كما يعاقب السمع إذا استمع إلى حديث قومٍ وهُم له كارهون، وهذا الحديث محمولٌ على الكتاب الذي فيه سرٌّ وأمانةٌ يَكرَهُ صاحبُهُ أن يُطَّلَعَ عليه. وقيل: هو عامٌّ في كل كتاب] اهـ.
وعلى ذلك تواردت نصوص الفقهاء؛ قال الإمام النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 276، ط. دار الفكر): [ولا يختص وجوب غض البصر عن المحرمات من النساء، بل يتناول غَضَّهُ عن النظر للغير على وجه الاحتقار، أو على وجه تتبع عورات المسلمين من كل ما يَكرَهُ مالِكُهُ نَظَرَ الغير إليه مِن كتابٍ أو غيره] اهـ.

وقال الإمام شهاب الدين الرملي في "حاشيته على أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (2/ 479، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ولو كان فيه سرٌّ لم يَجُزْ للمكتوب إليه إذاعتُهُ وإطْلاعُ الغير عليه ولا على الصحيفة.. ولو قرأ المكتوبُ إليه الكتابَ وألقاه أو وُجِدَ في تركته لَمْ تَحِلَّ أيضًا قراءتُهُ؛ لاحتمال أن يكون فيه سرٌّ للكاتب لا يُحِبُّ الاطلاعَ عليه] اهـ.


وقد فرق العلماء بين معنى التحسس والتجسس الوارد النهيُ عنهما في الحديث الشريف: بأن التحسس هو الاستماع للحديث، والتجسس هو البحث عن العورات. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ؛ وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (16/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا» الأول بالحاء، والثاني بالجيم. قال بعض العلماء: التحسس بالحاء: الاستماع لحديث القوم. وبالجيم: البحث عن العورات. وقيل: بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير. وقيل: بالجيم: أن تطلبه لغيرك. وبالحاء: أن تطلبه لنفسك؛ قاله ثعلب. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ؛ وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال] اهـ.

وإذا كان هذا هو حكم التجسس عمومًا، فإنه بين الزوجين أشد تحريمًا؛ لعِظَم وقداسة عقد النكاح؛ قال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ» رواه ابن ماجة وأبو داود.

قال الشيخ محمد صديق خان القنوجي في تفسيره "فتح البيان في مقاصد القرآن" (3/ 65، ط. المكتبة العصرية): [وهو -أي الميثاق الغليظ- عقد النكاح، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ»] اهـ.
۞ ومنها أيضًا: استماع المرء إلى حديث قومٍ وهُم له كارهون؛ حيث تَوَعَّدَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن يفعل ذلك بقوله: «وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ؛ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ -الرصاص المذاب- يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري.
وهو بهذا الفعل كالسارق يسرق بأُذُنِهِ، فاستحق من الله تعالى العقوبةَ في الآخرة؛ قال الإمام ابن هبيرة الشيباني في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (3/ 196، ط. دار الوطن): [المستمع إلى حديثِ مَن لا يُحِبُّ استماعَهُ سارقٌ، إلا أنه لم يسرق بتناول دراهم فكانت تُقطَعُ، ولكنه تناول ذلك عن باب السمع فَصُبَّ فيه الآنك، والآنك: نوعٌ من الرصاص فيه صلابة] اهـ.

حق الزوجة على زوجها وحق الزوج على زوجته
۞ نهيُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يفاجيء المسافرُ زوجتَهُ بدخوله عليها راجعًا من سفره دون سابقِ خبرٍ لها؛ وإنما أُمِرَ المسلمُ بإنبائها قبل قدومه؛ حتى تستعد لمقدمه بالتزين له وحسن الاستقبال، ولِئَلَّا يحمله ذلك على التخوين وسوء الظن بها وتتبع عوراتها؛ فروى مسلمٌ في "صحيحه" عن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ". والطُّرُوق بالضم: المجيء بالليل مِن سفرٍ أو من غيره على غفلة.

قال الإمام النووي الشافعي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 71): [ومعنى "يَتَخَوَّنُهُم": يظن خيانتهم ويكشف أستارهم ويكشف هل خانوا أم لا. ومعنى هذه الروايات كلها أنه يُكرَهُ لمن طال سفرُهُ أن يَقْدُمَ على امرأته ليلًا بَغْتَةً] اهـ.

وقد ربط بعضُ الشافعية بين النهيِ عن طروق الأهل ليلًا بغتةً والمنعِ من التجسس وسوء الظن؛ باعتبار أن تعمد المباغتة في هذا المقام يُنبئُ عن سوء الظن؛ يقول الإمام أبو حفص بن الملقن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (25/ 155، ط. دار النوادر، دمشق): [ومعنى كون طَرْقِ الليل سببًا لتخوينهم: أنه وقتُ خلوة وانقطاعِ مراقبةِ الناس بعضَهُم لبعض.. ومعنى الحديث: النهي عن التجسس على أهله، ولا تحمله غيرته على تُهْمَتِهَا إذا لم يأنس منها إلا الخير، فهو دالٌّ على المنع من التجسس وطلب الغيرة والتعرض لما فيه الغيبة وسوء الظن] اهـ.

هذا، مع مراعاة أن للزوج حقًّا في ألَّا تُدخِل زوجتُهُ بيتَهُ أحدًا إلا بإذنه وأن تحفظه في غيبته؛ لقول الله تعالى واصفًا الزوجة الصالحة: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾ [النساء: 34]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ» رواه ابن ماجة وأبو داود.

وكما أنه لا يجوز للزوجة أن تُدخِل بيتَ زوجها أحدًا إلا بإذنه، فكذلك لا يجوز لها التواصل مع أجنبيٍّ عنها إلا بإذنه، مع مراعاة الضوابط الشرعية والآداب المرعية، وأن يكون ذلك في حدود الحاجة، وهذا المعنى هو المستفاد من الحديث؛ قال الإمام الخطّابي في "معالم السنن" (2/ 200، ط. المطبعة العلمية، حلب): [وقوله: «إنَّ لَكُمْ عَلَيهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ» فإن معناه: أن لا يأذنّ لأحدٍ من الرجال يَدخُلُ فيتحدث إليهن] اهـ.

ولا يُظَنُّ بأن عقد النكاح يُبِيحُ لأيٍّ من الزوجين الاطِّلاعَ على خصوصيات الآخر بغير إذنه؛ فإن قوامة الرجل على أهل بيته لا تكون إلا بالحكمة والنصح والإرشاد مع أدائه ما يجب عليه نحوهم من الحقوق لا بالتجسس وسوء الظن وتتبع العثرات، كما أن حب المرأة لزوجها وغِيرتِها عليه لا يسوغ لها التفتيش في خصوصياته؛ لما سبق تقريره من المقاصد والمعاني، بل إن مَن يفعل شيئًا مِن ذلك إنما يأتي بما يكدّر عليه صفو الحياة ويفسد العلاقة الزوجية، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» رواه أبو داود.

طباعة شارك التجسس حق الزوجة على زوجها وحق الزوج على زوجته تجسس الزوج على الزوجة تجسس الزوجة على الزوج الإفتاء

مقالات مشابهة

  • حكم تجسس أحد الزوجين على هاتف الآخر .. الإفتاء توضح
  • صلاة الضحى.. أدها الآن وتصدق عن جسمك وكفر الذنوب
  • حكم صيام شهر المحرم كاملًا.. الأفضل بعد رمضان
  • ما حكم تلاوة المرأة القرآن أمام الرجال الأجانب؟.. دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز أداء الصلاة مع وجود طلاء الأظافر؟.. الإفتاء تجيب
  • جعجع: هل عدنا إلى بدعة نظام الأسد في الترويكا؟
  • هل لمس الزوجة ينقض الوضوء؟ .. الأزهر يُجيب
  • هل لمس الزوجة ينقض الوضوء؟.. الأزهر يجيب
  • صلاة الضحى.. تعرف على وقتها وعدد ركعاتها وكيف تصليها
  • هل القنوت فى صلاة الفجر بدعة؟.. الإفتاء تجيب