عبد الحفيظ بن جلولي. يعتبر النقد فاتحة لمعرفة كيف تتطوّر العملية الإبداعية وتشكل نواة علىرؤية إلى العالم، ومنه كانت كل الدراسات التي عنيت بالرواية عتبة لتفكيك أسرار عالم الحكاية وكيف تؤثر في العالم من خلال شخوصها ورموزها وأمكنتها. تتعدّد المواقف الفنّية للكتابة الرّوائية وذلك لاختلاف الموقف من اللغة أساسا ومن السرد ومن عالم الواقع المنظور إليه من عالم الخيال، ضمن بانوراما فكرية وأدبية وفلسفية.
جاء كتاب د. بوسماحة مويسي المعنون: “الرّواية الجزائرية الجديدة بين المثاقفة والتأصيل” للدكتور مويسي بوسماحة، ليؤثث المشهد النّقدي بإضافة تتناول جانبا من جوانب التجليات الإبداعية في جنس الرّواية. يتعلق الموضوع بـ “الرّواية الجديدة” التي ظهرت في فرنسا ومثّلت عنصرا من عناصر الرّؤية للعالم، فهي “كانت وليدة ارهاصات امتدت عبر نصف قرن من الزمن أو يزيد، إذ كان لنتائج الحرب العالمية الثانية أثرها في تحول الفكر البشري”/ص14 كما يقول الكاتب، فيعزو سبب ظهور الرّواية الجديدة إلى المأساة التي شملت العالم إثر فضائع الحرب، والتي تضع الإنسان أمام مصيره المجهول، وهو سبب هام في تفسير العلاقة بين خلخلة الرّواية الجديدة للبنيات السردية المستقرّة في وعي الرّواية ما قبل الجديدة وما أحدثته الحرب من خراب ودمار في بنية العالم المادية وبنية الإنسان الذهنية. يربط أيضا الكاتب بين المذاهب الأدبية وظهور الرّواية الجديدة التي تجاوزت الثابت في مرجعية الكتابة الرّوائية، إذ يضيف إلى الحرب العالمية الثانية “.. ما أرسته المدرسة الواقعية والواقعية الاشتراكية لتختتم بآراء الشكلانيين الروس اللسانية التي دعت إلى اهتمام الفن بالفن دون غيره”/ص14، والإشارة هنا عضوية للرّبط بين ظهور الرّواية الجديدة والمذاهب التي كانت سائدة قبلها، فالمعروف أنّ الرّواية الجديدة تمرّدت على أيدي دعاتها من أمثال آلان بوب غرييه ونتالي ساروت وجان ريكاردو وميشال بيتور على النّظام السردي الذي قامت عليه الرّواية الكلاسيكية، فأول ما كرّسته الواقعية هو النمط الثابت للشخوص المتعالقة مع نظام الواقع والأمكنة التي تؤطره والأزمنة الخطية المتواطئة مع الحبكة وانفراجها. ثم جاءت الواقعية الاشتراكية لتكرّس مفهوم الالتزام وهو ما ترفضه الرّواية الجديدة، إذ أي التزام لابد أن يصب في مسار الرّواية وليس خارجها، ولهذا لم يكن الخلاف جوهريا بين الرّوائيين الجدد والشّكلانيين الروس “بوصفهما يلتقيان في المسألة الأساس ألا وهي عزل الفن عن السياسة”/ص45، لكن هل يستطيع الأدب أن لا ينخرط في الموقف السياسي، سلوك الرّوائيين الجدد ينفي زعمهم في البعد عما هو أيديولوجي بمساهمتهم في إدانة فرنسا الاستعمارية “ببيان 121 المشهور وذلك في سنة 1960″/ص54. هل تعبّر الرّواية الجديدة عن واقع الإنسان المعاصر في عالم يملأه اليأس والقهر واللامعنى؟ يرى د.بوسماحة أنّ الرّواية الجديدة لا تخلو من حكاية “بل هي مفعمة بها في شكل لوحات غير مكتملة أو أجزاء متناثرة هنا وهناك، تتكرّر في متن النص، تظهر ثم تختفي، كما هي الأحداث في الواقع المعيش”/ص10، فالحكاية في الرّواية الجديدة بحسب رأي الكاتب تمثل عنصرا قائما بذاته قد يصل درجة الشّخصية لأنّها لا تمثل فقط سردية الحدث بل تؤسّس لموقف يرتئيه الرّوائيون الجدد مناهضا لما آلت إليه أوضاع العالم والإنسان على العموم، فالحكاية في الرّواية الجديدة تقوم مقام البيان المساند أو الضد. يحلّل د.بوسماحة مصطلحي “المثاقفة والتأصيل” الواردين في العنوان، فالمثاقفة يعني بها “التواصل بين الأفراد والأمم، والتفاعل والاطلاع على ثقافة الآخر”/ص11، وهو التبيين الذي يبرر به وجود الرواية الجديدة في الجزائر، أو انعكاس تلقي الرواية الجديدة كما هي عند مؤسسيها ودعاتها الفرنسيون على الوعي الأدبي الجزائري بما يفرز بالضرورة نمطا تجديديا في الرّواية. أما مصطلح التأصيل فيؤكد عدم القصد منه العودة إلى التراث السردي العربي وإنّما “يعني انفتاح النص السردي الروائي على خصائص التراث السردي والاستفادة منه في ابتكار رواية متميّزة لها صلة بعمقها الثقافي والسردي وبقضايا أمتها”/ص12، ومن هنا فما يشغل د. بوسماحة هو تلك العلاقات الدقيقة بين ما ينتج في العالم وما يطمح إلى إنتاجه الوعي الرّوائي الجزائري، بحيث تستفيد الرّواية من المنجز الناضج عبر تاريخ طويل من الممارسة الأوربية للرواية لكن في إطار التواصل مع الواقع والتاريخ والثقافة الأصيلة. تحدّث بإسهاب عن خصائص الرّواية الجديدة في فرنسا، مجملا الانعطاف على الشّخوص الروائية، الحكاية، الالتزام والزمن والفضاء. ولعل التأكيد على هذه العناصر إنّما يكرّس الوعي بالأسس الفكرية والفلسفية التي تقوم عليها الرّواية الجديدة، وبالتالي، انعكاسها على البنية السردية لها، وهو ما يجعل الرّواية الجديدة “رؤية للعالم” تحدد موقفا منه. إنّ النمذجة الرّوائية التي اختارها كعيّنة للتطبيق لبيان علاقتها بالرّواية الجديدة والمتمثلة في روايتي “صوت الكهف” لعبد المالك مرتاض و”حمائم الشفق” لجيلالي خلاص، تكشف عن وعي الناقد بأهمية البحث الموضوعي في الرّواية الجزائرية على تجليات الرّواية العالمية، لا لتكريس التقليد وإنّما لتبرير التجريب والخلوص إلى ملامح رواية تمتح من جذور التجربة الكونية التي تتأسس في مسار التجربة الإنسانية حتى لا تكون الرواية الجزائرية بدعا في مسار ما ينتجه العالم. إن العنوان مستفز ومثير لسؤال: هل هناك رواية جديدة جزائرية؟ اختار الناقد العملين المذكورين لالتماسه فيهما “سمات الحداثة وخصائص الرواية الجديدة حسب وجهة نظري”/13، وهو ما يقطع بعدم الحسم في كون العملين الرّوائيين مصنّفين ضمن تيار الرواية الجديدة، وهو ما يمنح الفسحة الواسعة في الاختلاف، حتى تنضج البحوث وتتركز في ميدان قراءة الأعمال الروائية في مجال الرّواية الجديدة، وحصر خصائصها الفنية للوصول إلى أرضية اتفاق أكاديمية على عناصر “الرّواية الجديدة” في النص الرّوائي الجزائري، ومنه يسهل تحديد خارطة الطريق التي تتضمن ملامح الرواية الجديدة الجزائرية. ومما يؤكد هذا المنحى في العمل النقدي للدكتور بوسماحة هو اهتمامه بالرّؤية الرّوائية الجديدة لدى جان ريكاردو، بل والاتكاء عليها في تأكيد موقفه ورؤيته الشخصية للرواية الجديدة، وإن كان هذا لا يخلو من سلبية إلى أنه جد مهم في تشكيل الركائز والأسس المتعدّدة للرواية الجديدة الجزائرية لسهولة التأسيس من خلال الرؤى الفردية المتعددة في فرنسا ذاتها.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
مراسلة سانا: القائم بأعمال وزارة الصحة الدكتور ماهر الشرع يفتتح مركز “الاستعراف السوري للطبابة الشرعية” في مبنى العيادات الشاملة بمنطقة الزاهرة الجديدة بدمشق
2025-03-26sebaسابق تكريساً للتآخي وتلاحم النسيج الاجتماعي.. المدينة الجامعية بدمشق تنظم عدة مبادرات إفطار جماعي للطلاب انظر ايضاًتكريساً للتآخي وتلاحم النسيج الاجتماعي.. المدينة الجامعية بدمشق تنظم عدة مبادرات إفطار جماعي للطلاب
دمشق – سانا لزرع التآلف والأخوة بين طلبة المدينة الجامعية، وحفاظاً على النسيج الاجتماعي، نظمت …
آخر الأخبار 2025-03-26مراسلة سانا: القائم بأعمال
وزارة الصحة الدكتور ماهر الشرع يفتتح مركز “الاستعراف السوري للطبابة الشرعية” في مبنى العيادات الشاملة بمنطقة الزاهرة الجديدة بدمشق 2025-03-26تقديراً لعطاء الأم والمعلم… فعالية فنية أدبية بمشاركة أطفال من ذوي الإعاقة على مسرح ثقافي حمص 2025-03-26إحداث نقطة منظومة إسعاف سريع في مركز شين الصحي بريف حمص 2025-03-26تركيا تدعو مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات فورية في مواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد سوريا 2025-03-26مراسلة سانا: القائم بأعمال وزارة الصحة الدكتور ماهر الشرع يفتتح مركزاً إسعافياً في مدينة داريا بريف دمشق لتوفير الخدمات العلاجية والإسعافية لأهالي المنطقة 2025-03-26هيومن رايتس ووتش تدعو الاتحاد الأوروبي لقيادة جهود رفع العقوبات عن سوريا 2025-03-26مجلس التعاون الخليجي: عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قرية كويا استمرارٌ لنهجه في زعزعة أمن المنطقة 2025-03-26السورية للمخابز: عطلة الأفران أول أيام عيد الفطر فقط لتأمين احتياجات المواطنين 2025-03-26الصين تدين الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية 2025-03-26زراعة ريف دمشق: حملة مكافحة الحمى القلاعية استهدفت 60% من الأبقار لدى مربي الثروة الحيوانية
صور من سورية منوعات جامعة ناغازاكي تطور “مرضى افتراضيين” لتدريب طلاب كلية الطب 2025-03-24 المائدة الرمضانية في درعا… تنوع يجمع بين الأصالة والنكهة 2025-03-15فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved