ناجي ظاهر يُمكننا اعتبار الشاعر جمال قعوار ورفاقه محمود عبّاسي، ميشيل حداد، جورج نجيب خليل وقيصر كركبي، روّاد كتابة أدب الاطفال في بلادنا بعد النكبة، فقد بادر هؤلاء منذ أواسط الخمسينيّات وما بعدها، إلى كتابة وإصدار العديد من الكتب الموجّهة للأطفال والفتيان، تحديدًا، في بلادنا، معزِّزين العلاقة بينهم وبين المؤسّسة المدرسيّة- العنوان الأوّل لهذا النوع من الكتابة، ويُقرُّ كاتب هذه السطور أنّه تأثّر في صباه وفتوّته بما انتجه ونشره هؤلاء واطّلع عليه جنبًا إلى جنب مع ما أصدره رائد الكتابة الأدبيّة للأطفال آنذاك، الكاتب العربيّ المصريّ المبدع كامل كيلاني، كما يقرّ بكلّ المحبّة والتقدير أنّه استفاد من أدب هذا الأخير بالضبط كما استفاد ممّا قرأ لجمال ورفاقه.
تأتي أهميّة ما كتبه وأصدره كُتّابُنا الأفاضل، من أنّهم انطلقوا من رؤية تربويّة تُصرُّ على توطيد العلاقة مع المدرسة وطلّابها، وذلك ضمن رؤية مُضمرة ترى أنّ طالب اليوم هو رجل الغد، وعلينا أن نقدّم له ما يوطّد علاقته هذه ويقوّيها عبر رفده بالكتابات الإبداعيّة– قصّة وأنشودة ومسرحيّة -أوّلًا، بعدها بتراثه العربيّ وتاريخه الثقافيّ- ثانيًا، ثمّ اطلاعه على القيم التراثيّة النبيلة والقيم الدينيّة المنيرة- ثالثًا. مُساهمةً في اللفت إلى هذا الجانب، شبه المجهول، لدى الكثيرين منّا، نحاول فيما يلي إلقاء الضوء على أطراف من ذلك الإنتاج الباكوريّ- نسبة إلى الباكورة- في الكتابة للأطفال، بداية. تعزيزًا وتأصيلًا لوجودنا العربيّ في البلاد وحفزًا لمعنيّين بكتابة أدب الاطفال للاستفادة من تلك التجربة الأولى والغنيّة. الكتابة الابداعيّة- قصّة وأنشودة ومسرحيّة: وضع جمال ورفاقه في حسابهم، المبادئ التربويّة للطلّاب في أعلى سلّم أوليّاتهم، وقد انعكس هذا في كلّ ما أنتجوه ووضعوه من مؤلّفات للأطفال في بلادنا، وتبرز من بين هذه الكتابات قصّة “سامي الكسلان” لكاتبيها الدكتورين محمود عباسي وجمال قعوار، واحدةً من الأعمال الأدبيّة الدالة على ما نذهب إليه، فالقصّة كما هو واضح تنبذ الكسل الذي قد يعتري الطفل الطالب، وتحاول بطريقة إيحائية تُميّز الكتابة الأدبيّة أن توصل في المقابل هدفًا نبيلًا هو أهمّيّة النشاط في حياة الطفل من أجل التربية على القيم الإيجابيّة الحاضنة له.(1) هذا على مستوى الكتابة الإبداعيّة القصصيّة، أمّا على مستوى كتابة الأناشيد، فقد تعاون جمال مع صديقه الشاعر جورج نجيب خليل في كتابة وإعداد العديد من الأناشيد الموجّهة للطلّاب، ونقدّم فيما يلي نموذجًا لهذه الكتابة من كتابهما المشترك “ألحان الطالب- مجموعة أناشيد مدرسيّة”(2): في هذه المجموعة العديد من العناوين اللافتة مثل: تحيّة المدرسة، كتبها جورج، أنا والطبيعة- كتبها جمال، أيّها التلميذ صبرًا – لجورج، وعندما أكبر- لجمال. واضح من هذه العناوين أنّ وراءها رسالة تربويّة تعزّز الانتماء وتربّي على أهمّيّة الصبر والمثابرة من أجل تحقيق الأهداف ومن أجل أن يكبر الطالب وقد اكتملت شخصيّته، نمت وترعرعت على ذخيرة تربويّة صالحة. أمّا على مستوى الكتابة للمسرح، فقد أصدر جمال بالتعاون مع صديقه وقريبه الشاعر ميشيل حدّاد، مسرحيّة حملت عنوانًا دالًّا ولافتًا هو ” العلم نور”، وأشار مفتّش المعارف في حينها الأستاذ رائف الزعبي، في تقديمه هذه المسرحيّة، إلى أهمّيّة التمثيل المسرحيّ ودوره في “تربية القدرة اللغويّة لدى الطالب”، فيما أشار مؤلّفاها إلى أنّ التمثيل المسرحيّ هو واحد من ” مظاهر النشاط الاجتماعيّ والوعي الثقافيّ الضروريّ في حياة الطلّاب الابتدائيّين والثانويّين، فهو فنٌ جميلٌ يشيع فيهم غريزة التقليد ويقوّي شخصيّتهم ويشجّعهم على التنافس في ميدان الخدمة الاجتماعيّة، كما يجعلهم يدرسون الحياة ويفكّرون في حلّ ما استعصى من مشاكلهم بتعقّل، رويّة واتّزان”(4). من أساطير الشعوب: ويلاحظ أنّ انتاج جمال ورفاقه في هذا المجال قد امتدّ على مساحة إبداعيّة واسعة، وذلك بهدفٍ غيرِ خافٍ، هو أهمّيّة احترام الآخر عبر معرفتنا له واطّلاعنا على تراثه الشعبيّ القديم. نشير فيما يلي إلى الإصدارات التالية: “الراعي الصغير”، وقد ضمّ قصّة شعبيّة محلّيّة و”فتاة الغرائب”- وهو يضمّ مجموعتين قصصيّتين، “ابنة صانع الاجراس”- مجموعة أساطير صينيّة، و”القفص الذهبيّ”- وضمّ أساطير قفقاسيّة، و”زهرة الجنّة”- وضمّ مجموعة من الأساطير البابليّة. قصص تراثيّة: وقد كتب جمال في هذا النوع الهامّ من قصص الأطفال، وما زلتُ أتذكّر قصّة “خباء حاتم”، واحدة من القصص التي أثّرت في صباي وفتوّتي لما تضمّنته من قيم الكرم وحسن الضيافة العربيّة، بل إنّني ما زلت أتذكّر ذلك البيت الشعريّ الرائع الذي تَصدَّر هذه القصّة وهو: أَوقِد فَإِنَّ اللَيلَ لَيلٌ قَرُّ وَالريحَ يا موقِدُ ريحٌ صِرُّ عَسى يَرى نارَكَ مَن يَمُرُّ إِن جَلَبَت ضَيفاً فَأَنتَ حُرُّ) 5) وتشير قائمةُ إصدارات جمال ورفاقه، محمود عباسي خاصة، في هذا المجال، إلى أنّهم وضعوا تحت الطبع، كتابهم ذا الصلة: ” رجل الشدّة- عن الشاعر امرؤ القيس”، صدر عام 1966. القصص الدينيّة: وقد أولى جمال ورفيقاه الكاتبان محمود عبّاسي وقيصر كركبي تحديدًا، هذا النوع من الكتابة الأدبيّة للأطفال اهتمامًا خاصًّا ومميَّزًا في إنتاجهم الأدبيّ الموجّه للأطفال، فاصدروا الكتب التالية: “قاهر النمرود”- قصّة حياة إبراهيم الخليل، كليم الله- وضمّت فصلًا من حياة موسى عليه السلام، بشير السلام وضمّت قصّة حياة عيسى عليه السلام، و”الأمين” وضمّت قصّة حياة محمّد صلّى الله عليه وسلّم.(6) مُجمل القول: إنّ جمال ورفاقه خاضوا تجربة كتابة أدب الأطفال في فترة مبكّرة من حياة المجتمع العربيّ في البلاد، وأدركوا مبكّرًا جدًّا أهمّيّة الطفل كونه رجلَ المستقبل، فكتبوا له وأصدروا الكتب في شتّى المجالات الإنسانيّة التراثيّة الخاصّة والعامّة، ولم يقتصر ما أصدروه وقدّموه للأطفال في بلادنا على بُعد واحد من أبعاد العمليّة التربويّة الإبداعيّة. فإليهم جميعًا ألف تحيّة. ـــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قصة سامي الكسلان. محمود عباسي وجمال قعوار. مطبعة الحكيم 1963. (2) “ألحان الطالب- مجموعة أناشيد مدرسيّة”- وضع جورج نجيب خليل وجمال قعوار. مطبعة الحكيم – الناصرة 1956. (3) مسرحية العلم نور. تأليف ميشيل حداد وجمال قعوار. مكتبة الجليل – الناصرة لصاحبها فؤاد بواردي. كتاب رقم 1- مسرحية. مطبعة الحكيم الناصرة 1954. (4) نفس المصدر ص 5 (5) خباء حاتم من التراث العربيّ- حاتم الطائيّ، صدرت عام 1966. (6) صدرت هذه السلسلة من الكتب بين الاعوام 1964- 1966. (7) مرايا العدد الثاني ايلول 2016. مجلة حول ادب الاطفال والفتيان- إصدار المعهد الاكاديمي العربي للتربية. ( مقابلات شخصية مع الدكتور محمود عباسي وفريال قعوار- قرينة الدكتور الراحل جمال قعوار
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
الخيار الإجتماعي/الحفاظ على التوازنات الإقتصادية/الإنفتاح الدولي/ رئيس الحكومة يحدد معالم التحول التنموي بالمغرب
زنقة 20 ا الرباط
أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اليوم الثلاثاء، أن الحكومة تسعى للمساهمة في بناء مغرب المستقبل وتهييء الأرضية المناسبة لاحتضان خياراتنا الكبرى”، مشددا على أن “هذه الطموحات المشروعة نابعة من صلب التصور الملكي السامي الذي يبتغيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله.. إطارا تنمويا لمستقبل بلادنا.
وأضاف أخنوش، في جلسة الأسئلة الشهرية المخصصة لمسائلة رئيس الحكومة، بمجلس المسشتارين، حول المؤشرات الاقتصادية والمالية وتعزيز المكانة الدولية للمغرب، أن “هذه الرؤية الملكية الفريدة كانت حافزا مباشرا نحو بلوغ نموذج اقتصادي صاعد وبناء علاقة وطيدة بالعالم تُركس مكانة المغرب القارية والإقليمية”.
ومضى قائلا “فمنذ بداية الألفية الثالثة قاد جلالة الملك محمد السادس ملحمة وطنية من البناء والتقدم حقق خلالها المغرب العديد من المنجزات الهامة ووضع مساره التنموي في سكته الصحيحة”.
وأشار إلى أن “هذه الدينامية الانتقالية التي قادها جلالة الملك ساهمت في تحديد معالم التحول التنموي في بلادنا وفق ثلاثة دعامات أساسية أولها تتمثل في نجاح بلادنا في توطيد الخيار الاجتماعي من خلال مراجعة نموذج سياساته الإجتماعية باعتبارها آلية لترسيخ الثقة وتكريس مناخ اجتماعي سليم.. وهو ما جعل القطاعات الإجتماعية أكثر مسؤولية وفعالية ومواكبة لتطورات المجتمع”.
أما الدعامة الثانية يؤكد أخنوش، تتجسد في رفع التحديات للحفاظ على التوازنات الإقتصادية عبر تعبئة مسلسل من المبادرات الهيكلية التي كان لها وقع مباشر في تحسين مردودية الإقتصاد الوطني وتعزيز صموده في مواجهة المخاطر الظرفية “.
وبخصوص الدعامة الثالثة، يضيف رئيس الحكومة، تتمثل في تعميق الإندماج الدولي للمغرب وانفتاحه المتزايد على محيطه الإقليمي وهو مايعكسه الوضع المتقدم الذي تشهده مكانة المملكة”.
وشدد رئيس الحكومة على أن “هذه المكتسبات التي راكمتها المملكة تعطينا الثقة في الذات والأمل في المستقبل كما أكد على ذلك جلالته بمناسبة عيد العرض المجيد للسنة الماضية، مبرزا في خطابه السامي أن “التحديات التي تواجهها بلادنا تحتاج إلى الزيد من الجهد واليقظة وإباداع الحلول والحكامة في التدبير”.