وقع عدد كبير من الباحثين والفنانين والكتاب والنشطاء الأوكرانيين بيانا تضامنيا مع الشعب الفلسطيني "الذي تعرض وقاوم على مدى أكثر من 75 عاما الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وسياسات التطهير العرقي، ومصادرة الأراضي، والفصل العنصري (الأبارتايد)" مستنكرين موقف حكومة بلادهم من القضية الفلسطينية.

وإذ أدان البيان -الذي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- الهجمات على السكان المدنيين من الأطراف المختلفة، اعتبر أن "الإدانة ليست تبريرا لاستمرار سياسات العقاب الجماعي الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وربط جميع سكان غزة بحركة حماس، والاستخدام العشوائي لمصطلح "الإرهاب" ولصقه بالمقاومة الفلسطينية بأكملها.

كذلك، فإن هذه الإدانة ليست تبريرا لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي".

ونبه البيان إلى السياق التاريخي الأوسع للحرب الإسرائيلية على غزة مذكرا بالنكبة الفلسطينية عام 1948 التي شهدت ذبح وتدمير قرى فلسطينية بأكملها، وأشار البيان إلى أنه "منذ قيامها، لم تتوقف دولة إسرائيل أبدا عن مواصلة توسعها الاستعماري الاستيطاني".

ويعد البيان -الذي وقعه قرابة 400 مثقف وأكاديمي وكاتب وفنان أوكراني- موقفا لافتا في ظل تناول معظم وسائل الإعلام الأوكرانية الحرب من منظور منحاز لصالح إسرائيل، بل إنها خصصت حيزا كبيرا من ساعات التغطية لهذا الغرض، يضاهي أحيانا حجم اهتمامها بالحرب الروسية الدائرة على أوكرانيا، كما رصد تقرير سابق للجزيرة نت من كييف.

واعتبر الموقعون أن موقفهم التضامني مع الحقوق الفلسطينية يأتي من تجربتهم في أوكرانيا "وإحساسنا ومعرفتنا بالألم العميق جراء الآثار المدمرة التي تسببها سياسات الاحتلال وقصف البنية التحتية المدنية والحصار الإنساني. فمنذ العام 2014 تخضع أجزاء من أوكرانيا للاحتلال الروسي. كما فشلت جهود المجتمع الدولي في وقف العدوان الروسي آنذاك، وغض الطرف عن الطبيعة الامبريالية والاستعمارية للعنف المسلح الروسي تجاه أوكرانيا".

مبنى مصفاة "فلسطين" في العاصمة الأوكرانية كان جزءا من فندق لحجاج كييف وزائريها (الجزيرة)

وشرح البيان أن مشاهدة القوات الإسرائيلية وهي تستهدف وتقصف البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، والحصار الإنساني واحتلالها للأراضي الفلسطينية، "يتردد صداها بشكل مؤلم لدينا كمواطنين ومواطنات أوكرانيين بشكل خاص" داعيا الأوكرانيين على مستوى العالم، وكافة مواطني العالم، إلى رفع أصواتهم دعما للشعب الفلسطيني وإدانة سياسات التطهير العرقي الجماعي الإسرائيلي المستمر ضد الشعب الفلسطيني.

ورفض البيان الموقف الرسمي الأوكراني تجاه الحرب الجائرة على غزة، ورفض الموقعون تصريحات الحكومة الأوكرانية التي تعرب عن دعمها غير المشروط للأعمال العسكرية الإسرائيلية، معتبرين "الدعوات التي أطلقتها وزارة الخارجية الأوكرانية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين متأخرة وغير كافية. كما نرى في موقف الحكومة الأوكرانية هذا تراجعا عن سجل دعم الحقوق الفلسطينية وإدانة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، الذي اتبعته أوكرانيا منذ عقود، وهو ما يؤكده سجل التصويت في الأمم المتحدة".

وكان موقف الرئاسة في أوكرانيا قد انحاز سريعا وبقوة لصالح الاحتلال مع بداية الحرب، قبل أن تعدله وزارة الخارجية في وقت لاحق ببيان تحدث عن أهمية حل الدولتين لحل القضية.

 

وفيما يلي نص البيان مترجما للعربية:

"نحن الموقعين أدناه، مجموعة من الباحثين والفنانين والنشطاء السياسيين وأعضاء وعضوات المجتمع المدني الأوكراني، نعلن عن تضامننا الكامل مع شعب فلسطين الذي تعرض وقاوم على مدى أكثر من 75 عامًا الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وسياسات التطهير العرقي، ومصادرة الأراضي، والفصل العنصري (الأبارتايد). هذه رسالة تضامن شعبي، إذ لاحظنا أن الخطاب السائد على المستوى الحكومي، وحتى بين بعض مجموعات التضامن التي تدعم نضالات الأوكرانيين والفلسطينيين، غالبا ما يؤدي إلى التباعد بين الجانبين. ونحن بتوقيعنا هذه الرسالة نعلن أيضا رفضنا لمثل هذه الانقسامات المصطنعة، ونؤكد تضامننا مع كل مظلوم ومناضل من أجل الحرية.

كناشطين ملتزمين بقيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومع الاعتراف الكامل بالفوارق في السلطة، فإننا ندين بشدة الهجمات على السكان المدنيين، سواء أكانوا إسرائيليين هاجمتهم حركة حماس أم فلسطينيين هاجمتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية وعصابات المستوطنين المسلحة. إن الاستهداف المتعمد للمدنيين يعد جريمة حرب. ومع ذلك، فإن هذه الإدانة ليست تبريرا لاستمرار سياسات العقاب الجماعي الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وربط جميع سكان غزة بحركة حماس، والاستخدام العشوائي لمصطلح "الإرهاب" ولصقه بالمقاومة الفلسطينية بأكملها. كذلك، فإن هذه الإدانة ليست تبريرا لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي. وكما أكدت قرارات الأمم المتحدة المتعددة، فإننا أيضا نؤكد أنه لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شهدنا الهجوم العنيف الذي شنته حركة حماس ضد المدنيين الإسرائيليين، وهو الحدث الذي يشير إليه الكثيرون الآن ويستخدمونه لشيطنة المقاومة الفلسطينية وتجريدها من إنسانيتها تمامًا. إننا نؤكد أنه يجب النظر إلى حركة حماس، وهي منظمة إسلامية أصولية، في سياق تاريخي أوسع، وفي ظل عقود من الاستيلاء الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وذاك قبل وقت طويل من ظهور هذه المنظمة في أواخر الثمانينيات. ففي خلال نكبة العام 1948، تم تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني بوحشية من منازلهم، كما تم ذبح وتدمير قرى فلسطينية بأكملها. ومنذ قيامها، لم تتوقف دولة إسرائيل قط عن مواصلة توسعها الاستعماري الاستيطاني. حيث أُجبر الفلسطينيون على العيش في المنافي، وتم تشتيتهم والتحكم بهم من قبل أنظمة مختلفة. حتى هؤلاء الذين حصلوا على المواطنة الإسرائيلية، مازالوا إلى حد كبير متأثرين وضحايا السياسات العنصرية والتمييز الهيكلي من قبل الحكومات الإسرائيلية. كما يتعرض أولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة لممارسات واسعة من الفصل العنصري في ظل عقود من السيطرة العسكرية الإسرائيلية. كذلك، يعاني سكان قطاع غزة من الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2006، والذي أدى إلى تقييد حركة الأشخاص والبضائع، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والحرمان بصورة مهولة.

منذ اندلاع المواجهات في السابع أكتوبر (وحتى وقت كتابة هذه الرسالة)، تعدى عدد القتلى الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية في قطاع غزة 8500 شخص. وشكلت النساء والأطفال أكثر من 62% من القتلى، في حين أصيب أكثر من 21048 شخصًا. وخلال الأيام الأخيرة، قصفت إسرائيل المدارس والمناطق السكنية والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والعديد من المستشفيات. كما قامت السلطات الإسرائيلية بقطع كافة إمدادات المياه والكهرباء والوقود والانترنت عن قطاع غزة. وهناك نقص حاد في الغذاء والدواء، مما تسبب في الانهيار الكامل لنظام الرعاية الصحية في القطاع.

وبينما تبرر معظم وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية هذه الوفيات باعتبارها مجرد "أضرار جانبية" لجهود محاربة حركة حماس، إلا أنها تلتزم الصمت بالكامل عندما يتعلق الأمر بالمدنيين الفلسطينيين المستهدفين والقتلى العزل في الضفة الغربية المحتلة. فمنذ بداية العام الجاري 2023 وحده، وقبل 7 أكتوبر، بلغ عدد القتلى في الجانب الفلسطيني 227 قتيلا. ومنذ السابع من أكتوبر استشهد 121 مدنيا فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة. كما يوجد حاليا أكثر من 10 آلاف أسير سياسي فلسطيني في السجون الإسرائيلية. إن السلام الدائم والعدالة لن يكون ممكنا إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية. وكما يحق للأوكرانيين مقاومة الغزو الروسي لبلادهم، فإن للفلسطينيين كذلك كل الحق في تقرير مصيرهم ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لبلادهم.

إن تضامننا مع الشعب الفلسطيني وأهل غزة يأتي من غضبنا ورفضنا لكافة أشكال الظلم، ومن تجربتنا الأليمة في أوكرانيا وإحساسنا ومعرفتنا بالألم العميق جراء الآثار المدمرة التي تسببها سياسات الاحتلال وقصف البنية التحتية المدنية والحصار الإنساني. فمنذ العام 2014 تخضع أجزاء من أوكرانيا للاحتلال الروسي. كما فشلت جهود المجتمع الدولي في وقف العدوان الروسي آنذاك، وغض الطرف عن الطبيعة الإمبريالية والاستعمارية للعنف المسلح الروسي تجاه أوكرانيا، الذي تصاعد نتيجة لذلك في 24 فبراير/شباط 2022. حيث يتعرض المدنيون في أوكرانيا للقصف الشديد يوميا، في منازلهم، وفي المستشفيات، وفي محطات الحافلات، وفي طوابير الخبز(…) وبسبب الاحتلال الروسي، يعاني آلاف الأشخاص في أوكرانيا من صعوبات جمة للحصول على المياه أو الكهرباء أو التدفئة. والفئات الأكثر ضعفا هي التي تتأثر في الغالب بتدمير البنية التحتية الحيوية. حيث عانت مناطق مثل ماريوبول طوال أشهر من الحصار والقصف العنيف، ولم يكن هناك ممر إنساني لتوفير المساعدات الإنسانية لسكانها المنكوبين. إن مشاهدة القوات الإسرائيلية وهي تستهدف وتقصف البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، والحصار الإنساني واحتلالها للأراضي الفلسطينية، يتردد صداها بشكل مؤلم لدينا كمواطنين ومواطنات أوكرانيين بشكل خاص. ومن هذا المكان المليء بالتجربة والمعاناة والتضامن، ندعو زملاءنا ورفاقنا الأوكرانيين على مستوى العالم، وكافة مواطني العالم، إلى رفع أصواتهم دعما للشعب الفلسطيني وإدانة سياسات التطهير العرقي الجماعي الإسرائيلي المستمر ضد الشعب الفلسطيني.

إننا نعلن رفضنا لتصريحات الحكومة الأوكرانية التي تعرب عن دعمها غير المشروط للأعمال العسكرية الإسرائيلية. ونعتبر الدعوات التي أطلقتها وزارة الخارجية الأوكرانية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين متأخرة وغير كافية. كما نرى في موقف الحكومة الأوكرانية هذا تراجعا عن سجل دعم الحقوق الفلسطينية وإدانة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته، الذي اتبعته أوكرانيا منذ عقود، وهو ما يؤكده سجل التصويت في الأمم المتحدة. ومع إدراكا لمتطلبات المنطق الجيوسياسي العملي وراء القرار الذي اتخذته أوكرانيا باتباع سياسات حلفائها الغربيين، الذين نعتمد عليهم في بقائنا، إلا إننا نرى أن الدعم الحالي لإسرائيل ورفض حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير يتناقض مع التزام أوكرانيا بقيم ومبادئ حقوق الإنسان العالمية، والنضال من أجل أرضنا وحريتنا. ونحن كأوكرانيين، يتعين علينا في المقام الأول أن نعلن صراحة تضامنا ليس مع المحتلين والقامعين، بل مع الذين يعانون من الاضطهاد ويقاومونه.

كما إننا نعترض بشدة على تصريحات بعض السياسيين الأوكرانيين التي تساوي بين المساعدات العسكرية التي تقدمها الدول الغربية لأوكرانيا وتلك التي تقدمها لإسرائيل. إن أوكرانيا لا تحتل أراضي شعب آخر، بل إنها تحارب الاحتلال الروسي، وبالتالي فإن المساعدة الدولية لبلدنا تخدم قضية عادلة وتعزز قيم القانون الدولي. بينما دولة إسرائيل مازالت تقوم باحتلال الأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان السورية. والمعونات والمساعدات الغربية لها تقوي وتساند نظاما ظالما، وتعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القانون الدولي.

كذلك فإننا نعارض الموجة المتصاعدة من الإسلاموفوبيا، مثل حادثة القتل الوحشية لطفل أميركي فلسطيني يبلغ من العمر 6 سنوات، والاعتداء على عائلته في ولاية إلينوي الأميركية. وفي الوقت نفسه، فإننا نعارض الربط بين الانتقادات الموجهة لدولة إسرائيل بمشاعر معاداة السامية. ونرفض أيضًا تحميل المواطنين اليهود حول العالم المسؤولية عن السياسات الإجرامية لدولة إسرائيل. كما أننا ندين تماما كافة حوادث العنف المعادي للسامية، مثل هجوم الغوغاء في مطار داغستان، روسيا على الطائرة القادمة من إسرائيل. كما نرفض مساعي إحياء خطاب "الحرب على الإرهاب" الذي تستخدمه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتبرير جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي، والتي قوضت نظام الأمن الدولي وتسببت في وفيات لا حصر لها. وهي المحاولات التي استعارتها دول أخرى، بما في ذلك روسيا لتبرير وشرعنة حروبها في الشيشان، والصين من أجل تبرير الإبادة الجماعية ضد شعب الإيغور ـ والآن تستخدمه دولة إسرائيل لتنفيذ التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

توصيات ودعوة للعمل إننا نحث على تنفيذ الدعوة إلى وقف إطلاق النار العاجل التي طرحها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. إننا ندعو الحكومة الإسرائيلية إلى الوقف الفوري للهجمات على المدنيين الفلسطينيين، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لهم. ونحن نصر على ضرورة الرفع الفوري وغير المشروط للحصار عن قطاع غزة وإجراء عملية إغاثة عاجلة لاستعادة البنية التحتية المدنية. كما ندعو الحكومة الإسرائيلية إلى إنهاء الاحتلال والاعتراف بحق النازحين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم. إننا ندعو الحكومة الأوكرانية إلى إدانة استخدام الإرهاب والحصار الإنساني الذي تفرضه الدولة الإسرائيلية ضد السكان المدنيين في غزة وإعادة التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. كما ندعو الحكومة الأوكرانية إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتعمدة على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ندعو وسائل الإعلام الدولية إلى التوقف عن تأليب الفلسطينيين والأوكرانيين ضد بعضهم بعضا. ويجب أن تتوقف وسائل الإعلام عن خطابها في "لوم الضحايا"، حيث تعمل التسلسلات الهرمية للمعاناة على إدامة الخطاب العنصري وتجريد أولئك الذين يتعرضون للهجوم من إنسانيتهم. لقد شهدنا كيف اتحد العالم تضامنا من أجل شعب أوكرانيا وحقوقه، والآن فإننا ندعو الجميع إلى أن يفعلوا الشيء نفسه من أجل شعب فلسطين وحقوقهم المشروعة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الضفة الغربیة المحتلة البنیة التحتیة المدنیة الاحتلال الإسرائیلی الحکومة الأوکرانیة الشعب الفلسطینی وسائل الإعلام ندعو الحکومة دولة إسرائیل فی أوکرانیا حرکة حماس قطاع غزة أکثر من من أجل

إقرأ أيضاً:

بين عناد كييف واشتراط موسكو.. ما موقف روسيا من السلام والحرب؟

موسكو- بدأ موضوع مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، الذي كان قد تراجع إلى الخلف بسبب "الحروب الجمركية"، يعود بسرعة إلى جدول الأعمال.

فمنذ أيام، بدأت الصحافة الغربية تنشر معلومات "من الداخل" حول كيفية سير المفاوضات لإنهاء الأعمال العدائية والشروط التي يطرحها طرفا النزاع.

وأثارت مقالة نشرتها صحيفة فايننشال تايمز، في 22 من أبريل/نيسان الجاري، ضجة كبيرة، حيث زعمت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح على الولايات المتحدة وقف الأعمال العسكرية على طول خطوط المواجهة الحالية.

لكن الكرملين رد بسرعة على هذه المعلومات على لسان المتحدث باسمه، ديمتري بيسكوف، بقوله "هناك الكثير من الأخبار المزيفة التي يجري نشرها الآن ومن مصادر محترمة، لذلك يجب الاستماع فقط إلى المصادر الأصلية".

"العرض الأخير"

يأتي ذلك بينما تجري مناقشات مكثفة لتفاصيل "العرض الأخير" للسلام الذي قدَّمته واشنطن إلى كييف في 17 أبريل/نيسان، وينتظر البيت الأبيض الرد عليه.

وقال نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس إن أميركا قدَّمت لروسيا وأوكرانيا "اقتراحا واضحا للغاية للتوصل لاتفاق سلام، ويجب على الطرفين الآن إما قبوله وإما مواصلة عملية التفاوض دون الولايات المتحدة"، ناصحا طرفي النزاع بـ"وضع أسلحتهما، وتجميد الصراع، والاتجاه نحو بناء بلديهما".

إعلان

وزعمت وسائل الإعلام الغربية أن العرض الروسي جاء خلال اللقاء بين الرئيس الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب في 11 أبريل/ نيسان الجاري واستغرق أكثر من 4 ساعات.

وحسب الكرملين، كان الموضوع الرئيسي للمفاوضات هو تسوية الصراع الأوكراني، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

الكرملين: الصراع في #أوكرانيا سينتهي فورا إذا سحبت كييف قواتها من المناطق الأربع المنصوص عليها في دستورنا pic.twitter.com/wS3OVDgsZ0

— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 23, 2025

مصالح روسيا

ويرى الباحث في النزاعات الدولية فيودور كوزمين، أن الهدنة التي أعلنتها موسكو في عيد الفصح كانت خطوة في سياق البحث عن حل سلمي للصراع الأوكراني لكنها لم تلق الرد "المناسب" من كييف، وبالتالي من غير الممكن اليوم التنبؤ بما إذا كانت المفاوضات التي بدأتها الولايات المتحدة بين موسكو وكييف ستؤتي ثمارها.

ويقول كوزمين للجزيرة نت، إنه في حال واصلت كييف موقف "العناد" ولم تتوصل لإبرام اتفاق مع موسكو، فقد تتوقف واشنطن عن "خدماتها" كوسيط، وتتخذ -ردا على ذلك- مواقف متشددة تجاه أوكرانيا.

ويتابع أن روسيا من خلال إجراء العملية التفاوضية، تعلم مُسبقا أن أوكرانيا غير مستعدة للسلام بأي شكل من الأشكال.

وفي هذه الحالة، يواصل كوزمين، ستكون مهمة المفاوض الروسي هي إدارة المفاوضات لأطول فترة ممكنة، لأن هذه العملية تصب في مصلحتها، فضلا عن أنها مفيدة لكل من روسيا والولايات المتحدة في آن واحد.

وحسب قوله، فإن اقتراح بوتين "بإعادة صياغة" مبادرة دونالد ترامب "المتسرعة" لوقف إطلاق النار غير المشروط في أوكرانيا، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الروسية، يسمح لموسكو بمحاولة "الاستيلاء" على المبادرة في عملية التفاوض بشأن أوكرانيا.

ويتابع، أنه لتحقيق هذه الغاية يتعين إقناع واشنطن بعدم الاستماع كثيرا بشأن "الخطوط الحمر" التي وضعتها كييف ومبادرات الدول الأوروبية.

إعلان

ويضيف الباحث كوزمين أن الكرملين خرج من "فخ الاختبار" الأميركي لمدى صدق الرغبة في السلام، وفي الوقت ذاته، أبقى بوتين قضية شرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على جدول الأعمال، ويعمل على أن يقوم ترامب بحلها قبل إعلان وقف إطلاق النار، بحيث يبقى السؤال فقط حول من سيعطي الأوامر للقوات المسلحة الأوكرانية بوقف إطلاق النار وعن ثمن تلك الأوامر.

ضمانات

من جهته، يرى مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، أن بوتين يروج لصيغة يتم فيها إجراء مفاوضات السلام بين اللاعبين الرئيسيين، روسيا والولايات المتحدة، في حين يتابع المشاركون الآخرون الأخبار فقط، حسب قوله.

ويقول للجزيرة نت إن موسكو أكدت مرارا وتكرارا على مختلف المستويات أن الضمانات الخارجية للامتثال للاتفاقيات مهمة بالنسبة لها، حتى لا تتكرر تجربة اتفاقية مينسك 2.

وعلى هذا الأساس -يضيف كركودينوف- من المهم لروسيا أن "تستبعد" أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي من المناقشات مع أميركا بشأن العناصر الرئيسية للتسوية المستقبلية، بحيث تؤدي لتشكيل مسار إستراتيجي جديد للعلاقات بين موسكو وواشنطن، وتبقى أوكرانيا مجرد أحد المواضيع في سياق المفاوضات بين الطرفين، مثل البرنامج النووي الإيراني أو مشاريع الغاز في القطب الشمالي.

ويضيف أن صيغة المفاوضات المغلقة مع المبعوث الأميركي الخاص ستيفن ويتكوف، مناسبة "بشكل مثالي" لتحقيق هذا الهدف.

سلاح ليزر جديد من طراز "تريزوب" أوكراني حيث تشترط روسيا نزع أسلحة كييف (مواقع التواصل)

اشتراطات دسمة

ويشير إلى أن روسيا لم تكن راضية عن النسخة الأميركية الأوكرانية، التي تدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية في البر والجو والبحر، تليها مفاوضات بشأن شروط السلام.

في حين تتواصل العمليات "السلبية" بالنسبة لموسكو، بل تتكثف، مثل استمرار المساعدات العسكرية الغربية واسعة النطاق لكييف والنقاش حول نشر "قوات الدعم" الأوروبية في شكل ألوية تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية.

إعلان

ويلفت الخبير السياسي كركودينوف، إلى أن الشروط الأولية التي وضعتها روسيا لوقف إطلاق النار، كوقف تسليم الأسلحة الغربية للقوات الأوكرانية، وإلغاء التعبئة القسرية، ووقف تدريب وإعادة تجهيز الوحدات الجديدة، والتحقق من الامتثال لهذه المتطلبات، حددت على الفور الإطار الذي تحتاجه موسكو.

ويختم بأنه في مرحلة الاتفاق على وقف إطلاق النار، يتحرك الكرملين في اتجاه خيارات "نزع السلاح" في أوكرانيا التي نوقشت في وقت سابق في إسطنبول، وتتمثل بوضع "قيود صارمة" على الإمكانات القتالية للقوات الأوكرانية وعدد أفرادها وملف التعبئة، فضلا عن القيود المفروضة على الإمدادات الغربية من الأسلحة وأنواع أخرى من المساعدات العسكرية.

مقالات مشابهة

  • القسام: قنص 4 جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة
  • 51،439 شهيدا و117،416 مصابا حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة
  • سيئون تهتف لغزة: وقفة شعبية حاشدة ترفض العدوان وتؤكد دعم القضية الفلسطينية
  • الجيش الإسرائيلي يقصف نازحين.. ويوسع العدوان على غزة
  • معركة الثقافة والمصطلحات.. ما سر انزعاج العدو الإسرائيلي من الأسماء الأصلية للمدن الفلسطينية؟
  • الصليب الأحمر: الحياة شبه مستحيلة في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي
  • تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 30 منذ فجر اليوم
  • بين عناد كييف واشتراط موسكو.. ما موقف روسيا من السلام والحرب؟
  • ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 51305 شهداء
  • المجلس المركزي الفلسطيني يناقش أولويات المرحلة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي