لجريدة عمان:
2025-03-18@00:45:33 GMT

الأطباء.. جنود مجهولون في معركة غزة

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

الأطباء.. جنود مجهولون في معركة غزة

صورة عفويه لطبيب فلسطيني من شمال قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية وهو يعالج قطة أُصيبت في القصف الهمجي على القطاع في اليوم الخامس والثلاثين للحرب وهى ضمن آلاف الصور والرسائل الإنسانية الكثيرة التي يصنعها يوميًا مع مرضاه على اختلاف أعمارهم وأجناسهم وأنسابهم منذ أن وطئت قدماه المستشفى لأول مرة.

يعمل الدكتور محمد ظاهر الذي تخرج من روسيا الاتحادية في المستشفى الأندونيسي الذي يقع بمدينة بيت لاهيا وهو المستشفى الأكبر بشمال غزة، بقي على رأس عمله طوال فترة الحرب ولم يغادره مطلقًا، يستقبل الشهداء والجرحى على مدار الساعة، يطبب ويداوي ويُجري العمليات الجراحية.

. وعلى الرغم من ذلك يشعر أن مكانه المفضل هو قسم الاستقبال والطوارئ، هذا القسم الذي لم يكن مجهزًا بالشكل الكافي الذي يناسب حجم التعداد السكاني الكبير لشمال غزة والذي يُقدر عدده بـ 450 ألف نسمة تقريبًا، يأخذ قسطا من الراحة لدقائق لتناول فنجان القهوة المحلاة ثم يستأنف نشاطه بهمة عالية، ينتقل ما بين سرير وآخر ويراقب دخول المزيد من الجرحى الذين يوضعون على أرضية صالة الاستقبال والبعض منهم يبقى على الأسرة الخاصة بسيارات الإسعاف بسبب الازدحام.

ومع غزارة القصف في المدينة، وزحمة الموت في كل مكان سُمع دوي انفجار ضخم جعل جدران المستشفى تتراقص وتهتز وكأن زلزالا قد هزّ المكان، توجهت سيارات الإسعاف والدفاع المدني نحو الحي المستهدف وسط مخيم جباليا للاجئين وهو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية بقطاع غزة الذي أنشأته "الأونروا" عام النكبة 1948م بعد أن هُجروا قسرًا من مدنهم وقراهم وبلداتهم، يعيش فيه أكثر من 116 ألف لاجئ في بيوت متلاصقة تفصلها شوارع ضيقة للغاية، مساحته تبلغ 1.4 كيلومتر مربع فقط، يتلقى هذا المخيم خدماته من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، لقد سويت معظم البيوت ودفنت تحت الأرض.

كان جيش المستشفى الأزرق ومعهم الدكتور محمد على أهبة الاستعداد لاستقبال الأعداد الكبيرة من الجرحى والمصابين والشهداء يتنقل بينهم بسرعة فائقة، يلف سماعته حول رقبته، يحبس دموعه عنوة حتى يستطيع رؤية الإصابات، يكتم أنفاسه من هول ما يشاهد، أجساد محترقة بدرجات متفاوتة، أقدام مبثورة، شهداء عبارة عن أشلاء مقطعة، أمهات يبكين، صراخ يجتاح المكان من كل حدب وصوب، أصوات سيارات الإسعاف تؤكد أن هناك مجزرة، آباء يحملون أبناءهم بين أيديهم في حالة هلع وفزع يواسي ذوي الشهداء، يُطمئن أهالي المصابين، يبذل أقصى ما عنده لإنقاذ الكثير منهم فجأة رأى فتاة كالقمر يشع وجهها نورًا رغم غياب ملامحها بسبب رماد البيوت الذي علق به مسجاة على سرير الإسعاف الضيق، اتجه نحوها بسرعة البرق، أخبره أحد الممرضين أنها قد فارقت الحياة بسبب إصابة في الرأس، اقترب منها أكثر حتى أصبحت أمامه مباشرة، "يخيل إليّ أنني أعرفها"، تمتم قائلا، استدار حولها دون وعي ثم تحرك باتجاه معاكس وكأن الأرض في حالة دوران، وقف عند رأسها، وهنا كانت المفاجأة، لقد كانت قرة عينه.. ابنته "صبا" الجميلة التي لم يراها منذ اليوم الأول للحرب، كان صوتها يأتيه مفزوعًا خوفًا عليه بشكل يومي، يهدئ من روعها يطمئنها بأنه بخير، تتوسل إليه للعودة للبيت مع كل خبر يأتيها عن نية الاحتلال قصف المستشفيات، كان يصر على بقائه لتقديم المعونة للمرضى قائلًا إنها رسالته الوطنية، تكرر سؤالها إن كان بخير، هل تتناول طعامًا، خفف من السجائر والقهوة يا أبي، أرجوك خذ قسطًا من الراحة، أخواتى بخير لا تقلق، لا تعطيه مجالا للحديث، تسأل وتجيب، تعطى الأوامر والتوصيات، تدعو له بالسلامة، تغلق الهاتف ثم تعاود الاتصال مرات عديدة، تقلق وتضرب أخماسًا بأسداس إن لم يأتِ صوته مجيبًا على اتصالاتها، تعاتبه على عدم رده، يحب قلقها عليه رغم أن هذا الأمر يزعجه في بعض الأحيان، يقول لها: أنا بخير كفيّ عن قلقك، لكنها لا تأخذ بنصيحته.

"صبا" في العشرينيات من العمر.. صرخ "يا قرة عينى يا بابا"، دموعه تنهمر بصمت، يقولون إنما الصبر عند الضربة الأولى، احتضنها بين ذراعيه لبرهة، توقف الزمن فجأه فبدأ يعود بشريط الذكريات إلى النظرة الأولى لصبا المولودة حديثًا يحملها بين ذراعيه والدنيا لا تتسع لفرحته مرورًا بأول ضحكة لها، خوفه الشديد عليها عند المرة الأولى لإصابتها بالحمى وكيف كان يرتجف قلقًا وهو يتحسس جسدها الصغير رغم كونه طبيبا، أول سن لبني ظهر لها وكيف أخذته الفرحة والبهجة عندما قضمت إصبعه وهى تضحك، الحبو الأول لها في جنبات البيت، أول خطواتها وهي تستقبل عودته من العمل وتناديه "بابا بابا"، نومها المتكرر على ذراعه، مشاكستها، بكاءها، رقصها أمامه، غيرتها من وجود أمها بقربه.. ودار شريط الذكريات كأنه موجز سينمائي مر عليه بكل تفاصيله الكاملة.

مرت الذكريات ودموعه تتساقط على جسدها الطاهر، يسمع كلمات المواساة من زملائه لكنه لا يعي أيا منها في تلك اللحظة الملتبسة بين مختلف المشاعر. مسح على جبينها، خضّب يديه بدمائها الطاهرة، قبلها قبله طويلة، ثم حملها بين ذراعيه وتوجه إلى مكان تكفينها، جهزّها بنفسه للذهاب لدار البقاء، دفنها هي وصغارها وكأنه وضع روحه في حفرة وأطبق عليها، عاد إلى رأس عمله كأن شيئًا لم يكن، يكظم غيضه وحزنه في قلبه يتقبل التعازي وهو يواسي أهالي الشهداء وكأنه يواسي نفسه ويطبطب على قلبه.

نشر أحد الأصدقاء تعزية على جداره بصفحة الفيس بوك، أرسلت له رسالة تعزية كتبت فيها "كم الوجع أكبر من طاقتنا أكبر من تحملنا، بعرف ما في كلمة ح تواسيك باستشهاد صبا لكن هذه هي حياتنا ربط الله على قلبك يا دكتور وربنا يرحمها ويسكنها فسيح جناته أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم".

رد عليّ قائلًا "الله لا يدوقها لحدا يا دكتورة دفنت روحي بإيدي أنا".. فعلا لقد قالها الشاعر محمود درويش "على هذا الأرض ما يستحق الحياه".

يستحق الدكتور محمد وجميع الأطباء الحياة في ظل الخطر المتكرر لقصف المستشفيات، جيش أزرق كما يُطلق عليه أطباء، ممرضون، فنيو أشعة، فنيو مختبرات، فنيو عمليات، صيادلة، مسعفون، طواقم الدفاع المدني يعملون ليل نهار دون ترك أماكن عملهم البعض منهم لم يرَ أطفاله ولا عائلته منذ اليوم الأول للحرب على غزة. ومنهم من أُستشهد وهو على رأس عمله فقد بلغ عدد الشهداء من الطواقم الطبية 195 شهيدا، بالإضافة إلى 37 شهيدا من رجال الإسعاف والدفاع المدني حتى اللحظة سببت الحرب توقف 18 مستشفى عن العمل من أصل 35 مستشفى ممتدة من بيت حانون حتى رفح.

طبيب آخر كان يجلس في معبر رفح بزيه الطبي يحبس دموعه وهو يتحدث مع طفلته الصغيرة التي تقبله بين الفينة والأخرى، ودّع زوجته التي تحمل الجنسية الأجنبية وأبناءه أثناء سفرهم لم يُلقي بالًا لتوسلات أبنائه لمرافقته لهم، ذهبوا وبقي هو يكمل رسالته الوطنية والإنسانية داخل أحد مستشفيات جنوب قطاع غزة كان بإمكانه المغادرة لكن إحساسه بالمسؤولية كان أكبر من عاطفته الأبوية.

كلنا بكينا ونحن نشاهد الدكتور إياد شقورة عبر شاشات الأخبار وهو يستقبل إخوانه الشهداء واحدًا تلو الآخر وكان المصاب جللا عندما كانت أمه ضمن قائمة الحضور، ما لبث أن فاق من صدمته حتى جاءت أخته وأبناؤها وكان آخر من استقبلهم هم أبناؤه، وقف يبكيهم ويودعهم فردًا فردًا يحدثهم ويخاطبهم كأنهم أحياء.. كانت الكاميرا تنقل الحدث بشكل مباشر والخبر العاجل يقول طبيب في مستشفى ناصر بخان يونس ينعى أهله ويطالب العالم أجمع بتطبيق كافة المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية لحماية المدنيين ولوقف المحرقة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي تجاه أهالي قطاع غزة، دعا لهم واستودعهم، صلى عليهم صلاة الجنازة وحمل ابنه بين ذراعيه وقاد موكب الجنازة إلى مثواهم الأخير.

لم يكن حال الممرضة أم أحمد التي تعمل بالمستشفى الأندونيسي أفضل بكثير حيث كانت تسير داخل أحد ممرات المستشفى للذهاب إلى قسم الباطنية عندما دخل المسعفون وهم يحملون شابًا مصابًا، وبسرعة فائقة لمحته فإذا بصوتها يملأ المكان صراخًا وخوفًا وهلعًا.. لقد كان ابنها أحمد الذي أُستشهد للتو ونُقل إلى المستشفى.

لقد فاق عدد الشهداء والجرحى في قطاع غزة أكثر من 31 ألفا معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ و40% منهم سقطوا في المناطق التي نزح إليها المدنيون جنوب قطاع غزة مما يؤكد على كذب ادعاء الاحتلال الإسرائيلي عن وجود مكان آمن في قطاع غزة.

• د. حكمت المصري أكاديمية وصحفية فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

رغم التحذيرات.. مثلجات شهيرة كادت تنهي حياة طفلة

تعرضت طفلة بريطانية تبلغ من العمر أربع سنوات، لأزمة صحية خطيرة بعد تناولها مشروبات مثلجة شهيرة، كادت تفقد حياتها بسببها.

ووفقاً لصحيفة "ديلي ميل" فقد أصيبت الطفلة مارني مور، بانخفاض حاد في نسبة السكر في الدم بعد تناولها مثلجات "سلاش"، بسبب سمية الجلسرين الذي تحتويه هذه النوعية من المشروبات، مما أدى إلى فقدانها للوعي.
وتم نقل الطفلة إلى المستشفى، حيث تلقت علاجاً طارئاً لإنقاذ حياتها، في واقعة تضاف إلى قائمة متزايدة من الحالات التي تعد جرس إنذار لخبراء الصحة حول المخاطر المحتملة لهذه المشروبات على الأطفال.

أعراض خطيرة

أوضحت والدة الطفلة أنها اشترت لابنتها المشروب بحجم 500 مل أثناء حفلة للأطفال، وبعد نحو عشر دقائق فقط، لاحظت أن طفلتها أصبحت عصبية، ثم بدأت في النعاس، لتدخل بعد خمس دقائق في حالة فقدان وعي كامل.
وقالت الأم البالغة من العمر 35 عاماً: "حاولت إيقاظها لكنها لم تستجب، كانت شاحبة تماماً، جسدها كان متعباً وكأنها لا تملك أي قوة، كنت أرتجف وأحاول تحريكها، ولكن لم يكن هناك أي استجابة".
وتم نقل الطفلة بسرعة إلى قسم الطوارئ، حيث تم تشخيصها بحالة صدمة نقص سكر الدم، وهي حالة طبية طارئة يمكن أن تؤدي إلى غيبوبة أو حتى الوفاة إذا لم تُعالج في الوقت المناسب.

واستغرقت الطفلة 25 دقيقة لاستعادة وعيها بعد تدخل الأطباء الذين رفعوا نسبة السكر في دمها، لكنها استيقظت وهي تصرخ من الألم، وتعاني من صداع شديد، ثم بدأت بالتقيؤ.
وأضافت الأم: "بعد مراجعة الأعراض، أدركنا أن كل العلامات تشير إلى سمية الجلسرين".

باحثون يحذرون: مثلجات "سلاش" ليست آمنة للأطفال دون 8 سنوات - موقع 24حذّر باحثون، بعد سلسلة من حالات دخول المستشفيات في المملكة المتحدة وأيرلندا، من تناول الأطفال دون سن الثامنة مشروبات "سلاش" المثلجة لأنها تحتوي على الجلسرين. حالات مشابهة

لم تكن "مارني" هي الوحيدة التي تعرضت لهذا الخطر، إذ تم تسجيل عدة حالات مشابهة لأطفال دخلوا في حالات طبية حرجة بعد تناولهم مشروبات سلاش محلاة بالجلسرين.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصيب الطفل ألبي غرين، البالغ من العمر أربع سنوات، بأعراض مشابهة بعد شربه مشروب سلاش بنكهة الفراولة خلال رحلة مدرسية، حيث بدأت والدته بملاحظة أنه "يهذي" ويحاول حكّ وجهه بطريقة غير طبيعية، ما دفعها لنقله فوراً إلى المستشفى.


وبعد فحصه، اكتشف الأطباء أن مستويات السكر في دمه انخفضت إلى حد خطير، وكان على وشك الدخول في غيبوبة، كما أكدت والدته أن الأطباء أبلغوها أنه لو تأخرت دقائق قليلة في نقله إلى المستشفى، كان من المحتمل أن يفارق الحياة.
وشهدت أسكتلندا حادثة أخرى خطيرة عندما فقد الطفل أنغوس، البالغ من العمر ثلاث سنوات، وعيه بعد نصف ساعة فقط من شربه مشروب سلاش بنكهة التوت.
وأفادت والدته بأن جسده أصبح بارداً ومتراخياً تماماً، ما استدعى استدعاء سيارة إسعاف على الفور. ظل الطفل فاقداً للوعي لمدة ساعتين في مستشفى الأطفال في غلاسكو قبل أن يتمكن الأطباء من استعادة استقرار حالته.

دعوات لحظر المُنتج في ظل تزايد حالات التسمم بالجلسرين، أصدرت وكالة معايير الغذاء في المملكة المتحدة (FSA) توجيهات تدعو الشركات المصنعة إلى تقليل استخدام هذه المادة أو البحث عن بدائل أكثر أماناً.
وبدأت بعض العلامات التجارية في الاستجابة لهذه الدعوات، حيث أعلنت شركة Slush Puppie أنها حذفت الجلسرين من منتجاتها بعد المخاوف الصحية المتزايدة.
وطالبت العديد من العائلات والخبراء الصحيين بحظر بيع مشروبات السلاش للأطفال دون سن 12 عاماً، خاصة في الأماكن التي تقدمها مجاناً كجزء من العروض الترفيهية للأطفال.
كما أصدرت مجموعة من الباحثين تحذيراً رسمياً بعد مراجعة السجلات الطبية لـ21 طفلاً أصيبوا بأعراض خطيرة عقب استهلاكهم مشروبات السلاش، وأوصى الخبراء بضرورة توسيع التحذير الصحي، ليشمل الأطفال حتى سن الثامنة، بدلًا من الاقتصار على الفئة العمرية الأقل من أربع سنوات.
ويرجع الخطر الأساسي إلى مادة الجلسرين، وهي مُحلي يستخدم لمنع تجمد السائل في هذه المشروبات، في حين أن أجسام البالغين والأطفال الأكبر سناً تستطيع استقلاب الجلسرين بسرعة، فإن الأطفال الصغار غير قادرين على ذلك، ما يؤدي إلى تراكم المادة في الجسم، ويسبب انخفاضاً حاداً في السكر والجفاف.

مقالات مشابهة

  • صحة كفر الشيخ: تدريب شباب الأطباء بمستشفى كفر الشيخ العام | صور
  • رغم التحذيرات.. مثلجات شهيرة كادت تنهي حياة طفلة
  • أضرار النوم بعد تناول الإفطار في رمضان
  • وزير خارجية مصر يكشف عن بدء تدريب الشرطة الفلسطينية التي ستدخل إلى غزة
  • الفاتيكان ينشر أول صورة للبابا فرنسيس منذ أكثر من شهر
  • فضيحة تهز إسرائيل بطلها جنود مشاركون في الحرب على غزة (فيديو)
  • جنود إسرائيليون يحوّلون احتفالات المساخر لرعب بإطلاق النار العشوائي في غزة
  • أصيبت بشلل لمدة 11 عاماً.. سماح أنور تستعيد ذكريات حادث أليم
  • وفاة خمسة أطباء أردنيين /أسماء
  • تشخيص الذكاء الاصطناعي يلقى قبولاً.. شرط عدم إخبار المرضى