منال الشرقاوي تكتب: راحوا فين حبايب الدار
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
إذا كنت تتجول في مدينة قديمة معروفة بتاريخها العريق، فستجد معظم الزوار وهم يمدون هواتفهم وكاميراتهم لالتقاط الصور.وحتى سكان المدينة نفسها يوثقون ذكرياتهم بالتقاط الصور،وهم يعتقدون أنه يمكنهم تثبيت هذه اللحظات في الزمان والمكان، لكنهم غالبًا ما يغفلون عن أن ما تلتقطه الكاميرا قد يتلاشى مع الزمن، فالحروب والنزاعات، والتي تمثل جانبًا من جوانب البشرية، تأتي أحيانًا لتفرق الناس وتهدم منازلهم، فالصور التي التقطوها في الأماكن الجميلة قد تصبح ذكريات مؤلمة لأوقات مضت.
الحروب تخلف دمارًا هائلًا في أي منطقة تحل بها، وفي مثل هذه الحالات، يصبح التاريخ والذاكرة هما المعنيان الأساسيان. قد تصبح الصور شاهدًا مؤلمًا على ماض مزدهر ومجتمع نابض بالحياة قبل الحرب. ولكن، كيف تقدم لمنزل فقد سكانه في الحرب جائزة "أفضل منزل مصور"؟ هل تضع صورة للمبنى مع التعليق: هنا كان منزلاً جميلاً قبل الحرب، لكنه الآن في وضع غير جيد'؟ .
إن الأحداث الكارثية لها طريقة مضحكة تجعلك تقدر قاعدة بيانات صور هاتفك!
إنها مأساة حقيقية، ولكن السخرية الصغيرة هي أننا تمركزنا كثيرًا حول الصور ونسينا أن الواقع هو ما يحدث خارج إطار الكاميرا. وإذا كان هناك شيء يمكن أن يثير المشاعر ويبكي القراء، فإنه حقيقة أن الحياة الحقيقية أهم من أي لقطة مثالية.
ومن المؤلم للغاية أن تشهد معاناة الضحايا وتكون عاجزًا عن تقديم المساعدة. فالكوارث والنزاعات تؤثر على حياة الناس، فتصبح المعاناة والألم جزءًا لا يتجزأ من الواقع اليومي، فعندما تسقط القنابل، يسقط معها حلم كل أسرة. وهنا تتعاظم الأوجاع وتتكاثر القصص التي تروى عن دمار وخسائر، لكن في هذا الوقت الصعب، يصعب أن ننسى اللحظات التي تنسجم مع قلق الرحيل وأمل العودة.
الرحيل يأتي بموجة من القلق والترقب،الناس يتركون منازلهم وأماكن عائلاتهم، يغادرون رغماً عنهم بحثًا عن مكان آمن، ولكن رغم هذا القلق، يبقى هناك أملاً قوياً يشع في أعماق النفوس. أمل بالعودة إلى ديارهم وإلى الحياة الطبيعية. هذا الأمل هو ما يجعلهم يتحملون، إنه القوة التي تدفعهم للصمود، حتى وسط أصعب الظروف. فيتجلى الصمود كقوة لا يمكن تجاهلها، إنه الإرادة التي تظهر عندما يواجه الناس الصعاب والمحن. إن الصمود ليس مجرد مفهوم، بل هو نمط حياة. فالحروب قد تدمر المنازل، لكنها لن تدمر الإرادة .
لقد عاشت إحدى مدن وطني أياما تشبه ما يعيشه أخواننا في فلسطين ، فقد تعرضت مدينة بورسعيد الباسلة لهجوم إسرائيلي أثناء الحرب، وتعرضت للقصف والدمار. فالأحياء والمباني التاريخية في المدينة تضررت بشدة، والسكان تعرضوا للنزوح والخسائر البشرية والمادية. لقد كانت هذه الفترة من أصعب الأوقات في تاريخ بورسعيد. لكن على الرغم من هذا الدمار والمعاناة، فقد تميزسكان بورسعيد بروحهم القوية وإصرارهم على إعادة بناء مدينتهم. وبالفعل تم تجديد البنية التحتية وإعادة بناء الأماكن المتضررة بشكل تدريجي. فلقد أثر هذا الحدث بشكل كبير على الوحدة الوطنية وروح الصمود في مصر، وأصبحت بورسعيد رمزًا للإصرار والتحدي، وهي اليوم تعد واحدة من أجمل المدن الساحلية في مصر. إنها تحمل في طياتها ذكريات عظيمة وتاريخًا غنيًا، وتظل مدينة بورسعيد شاهدًا على قوة الإرادة البشرية في مواجهة التحديات والأزمات.
وكما حدث في بورسعيد ، سيأتي النصر قريباً بإذن الله ،وتنعم غزة باستعادة رونقها وجمالها بصمود شعبها وتلاحمهم ، وإذا كانت الحروب تدمر البيوت، إلا أنها لن تستطيع أبدًا تدمير روح الصمود والإيمان.
في النهاية، تظل الحروب تجربة مريرة تترك أثرًا مؤلماً على حياة البشر، لكنها تعلمنا أن قلق الرحيل لن يحجب أمل العودة، إنها تذكرنا بأهمية الإيمان والقدرة على تحمل الصعاب، ومن خلال تذكرنا لقصص الناجين علينا أن نفهم أن الأمل قوي وأن العودة ممكنة، وأن النصر قريب حتى في وجه التحديات الكبيرة.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
رغم إنها حربكم ربما تفصد السموم التي حقنتم بها الوطن!
رشا عوض
إنها قوانين متواترة في الاجتماع السياسي بكل أسف!
الحركات الفاشية تظن أن استعبادها المستدام للشعوب بواسطة القوة العسكرية هو قانون طبيعي لا يناقش ناهيك عن المطالبة بتغييره!
عندما تتزاوج الفاشية الدينية مع الفاشية العسكرية كحال المنظومة الكيزانية يصبح التمسك بنظام الاستعباد أكثر شراسة كما نرى في هذه الحرب!
الذي جعل هذه الحرب القذرة حتمية هو إصرار الكيزان على استدامة استعبادهم للشعب السوداني عبر القوة العسكرية الأمنية ممثلة في الأخطبوط الأمنوعسكري بأذرعه المتعددة: جيش ودفاع شعبي وكتائب ظل وأمن رسمي أمن شعبي واحتياطي مركزي ووووووووووو
ظنوا أن العقبة الوحيدة أمام هيمنتهم العسكرية هي الدعم السريع، غرورهم وحساباتهم الرغائبية التي زادتها الأطماع وتضليل دوائر إقليمية خبيثة، كل ذلك جعلهم يظنون أن ضربة عسكرية خاطفة وقاضية تدمر الدعم السريع في سويعات أو أسبوع أسبوعين ممكنة!
ولكن هل يعقل أن الكيزان لم يضعوا احتمال أن الحرب يمكن أن تطول وتدمر البلاد؟
مؤكد ناقشوا هذا الاحتمال ولكن ذلك لن يجعلهم يترددوا في الحرب! لأن التضحية بالسلطة الاستبدادية المحمية بالقوة العسكرية غير واردة مطلقا، والخيار الافضل حال فشلت الحرب في إعادتهم إلى السلطة والتحكم في السودان كاملا هو تقسيم السودان وتقزيمه أرضا وشعبا إلى المقاس المناسب لقدرتهم على التحكم! وإن لم ينجحوا في ذلك فلا مانع من إغراق البلاد في حرب أهلية طويلة تؤدي إلى تدمير السودان وتفتيته وطي صفحته كدولة (يا سودان بي فهمنا يا ما في سودان) كما قال قائلهم!
الانعتاق من استعباد الكيزان مستحيل دون تجريدهم من قوتهم العسكرية! لن يتنازلوا عن السلطة الاستبدادية إلا إذا فقدوا أدواتها! لن يكفوا عن نهش لحم الشعب السوداني إلا إذا فقدوا أنيابهم ومخالبهم!
وحتما سيفقدونها!
لأن المنظومة الأمنية العسكرية التي راهنوا عليها أصابها ما يشبه المرض المناعي الذي يصيب جسم الإنسان، فيجعل جهاز المناعة يهاجم أعضاء الجسم الحيوية ويدمرها إلى أن يقضي على الجسم نهائيا!
الدعم السريع الذي يقاتل الجيش وكتائب الكيزان كان ذراعا باطشا من أذرع المنظومة الأمنية العسكرية الكيزانية حتى عام ٢٠١٨، وحتى بعد الثورة لم يكف الكيزان عن مغازلته ولم يقطعوا العشم في احتوائه! ولكنه “شب عن الطوق” فأرادوا ترويضه بحرب خاطفة والنتيجة ماثلة أمامنا!
المرض المناعي ليس فقط مهاجمة الدعم السريع للجيش والكتائب! بل المنظومة الأمنية نفسها انقسمت بين الطرفين ومعلومات التنظيم الكيزاني والدولة السودانية بيعت في سوق النخاسة المخابراتية الإقليمية والدولية والنتيجة هي واقع الهوان والهشاشة الماثل الذي لا يبشر بأي نصر عسكري حاسم في المدى المنظور!
المؤلم في كل ذلك هو أن المواطن السوداني البريء هو الذي يدفع الثمن الأكبر في هذه الحرب القذرة قتلا واعتقالا وتعذيبا وسلبا ونهبا وتشريدا وجوعا ومهانة في حرب صراع السلطة لا حرب الكرامة ولا حرب الديمقراطية كما يزعمون.
هذه الحرب هي عملية تفكك مشروع الاستبداد العسكر كيزاني وانشطار نواته المركزية عبر مرض مناعي أصاب منظومته الأمنية والعسكرية نتيجة تراكمات الفساد وغياب الحد الأدنى من الكفاءة السياسية والأخلاقية المطلوبة للحفاظ ليس على الدولة والشعب، فهذا خارج الحسابات منذ أمد بعيد، بل من أجل الحفاظ على النظام الفاسد نفسه!! حتى عصابات تجارة المخدرات تحتاج إلى قدر من الأخلاق والانضباط بين أفرادها للحفاظ على أمن العصابة وفاعليتها!! هذا القدر افتقده نظام الكيزان!!
ومع ذلك يرفعون حاجب الدهشة ويستغربون سقوط نظامهم صبيحة الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩ !!
يعاقبون الشعب السوداني بهذه الحرب على ثورته ضدهم!!
يعاقبونه على أنه أكرم جنازة مشروعهم منتهي الصلاحية بالدفن لأن إكرام الميت دفنه!!
تفادي الحرب بمنطق البشر الأسوياء عقليا واخلاقيا لم يكن مستحيلا، وهو الهدف الذي سعت إليه القوى المدنية الديمقراطية بإخلاص ولكن الكيزان اختاروا طريق الحرب مع سبق الاصرار والترصد! وفرضوه على البلاد فرضا!
المصلحة السياسية الراجحة للقوى السياسية المدنية هي استبعاد البندقية كرافعة سياسية لأنها ببساطة لا تمتلك جيوشا ولا بنادق!!
والتضليل الفاجر بأن هذه القوى المدنية متحالفة مع الدعم السريع لاستغلال بندقيته كرافعة سياسية لا ينطلي على عاقل! بندقية الدعم السريع التي تمردت على صانعيها هل يعقل أن تضع نفسها تحت إمرة مدنيين عزل يرفعون راية الجيش المهني القومي الواحد وإنهاء تعدد الجيوش!
الحرب ليست خيارنا وضد مصالحنا! اشتعلت غصبا عنا كمواطنين وكقوى مدنية ديمقراطية سلمية ومسالمة!!
الحرب قهرتنا وأحزنتنا وأفقرتنا وفجعتنا في أعز الناس وأكرمهم، ومنذ يومها الاول لم نتمنى شيئا سوى توقفها وعودة العقل لمشعليها ولكن ذهبت امنياتنا ادراج الرياح!
ليس أمامنا سوى مواصلة مساعي السلام، والتماس العزاء في أن قسوة هذه الحرب وجراحها المؤلمة ونزيف الدم الغزير الذي روى أرض الوطن ربما نتج عنه “فصد السم” الذي حقنه نظام الكيزان في شرايين الوطن على مدى ثلاثة عقود!
إخراج السموم من جسد الأوطان عملية شاقة ومؤلمة!!
تمنينا أن يتعافى جسد الوطن من سموم الاستبداد والفساد والفتن العنصرية بالتدريج وبأدوات نظيفة ورحيمة وعقلانية عبر مشروع انتقال مدني ديمقراطي سلمي يفتح للبلاد طريقا لعهد جديد يضعها في خانة القابلية للتغيير والحياة المستقرة!
الكيزان أشعلوا الحرب ضد تعافي جسد الوطن من سمومهم! أشعلوها لإعادة الوطن إلى حظيرتهم البائسة! يظنون أن عجلة التاريخ يمكن أن تدور إلى الخلف!
ربما تكون نتيجة هذه الحرب على عكس ما أرادوا وخططوا!! فتفصد السم الزعاف بآلام مبرحة ولكن بشفاء كامل!!
أليست المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن!
ألم يسخر كتاب الله من المجرمين والظالمين على مر العصور “يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.
الوسومالدعم السريع ثورة ديمسبر حرب الكيزان