لجريدة عمان:
2025-01-19@05:02:01 GMT

التنمية في عُمان وآفاق المستقبل

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

يتجه العالم نحو تسريع تنمية المجتمعات بعد ما عاناه من تحديات اقتصادية وصحية واجتماعية، وما زالت تعانيه الكثير من الدول في ظل الاضطرابات والتحولات الجيوسياسية والبيئية وزيادة الأزمات المرتبطة بالأمن الغذائي على الرغم من الانتعاش الاقتصادي المضطرب، إضافة إلى التحديات الداخلية التي تواجهها الكثير من المجتمعات نتيجة لتلك الاضطرابات والإشكالات.

لذلك فإن التنمية أحد أهم متطلبات المجتمعات، لما تمثِّله من أساس يعزِّز قدرتها على بلوغ الرفاه واستدامته، وتسريع التقدُّم نحو تحقيق الأهداف الوطنية، فمؤشرات أداء الدول تعتمد على ما تقدمه لمجتمعاتها من تطوير وتنمية في كافة القطاعات، وما تمنحه تلك التطورات من فرص للتنمية البشرية وتمكين القدرات التي بوساطتها يمكن البناء والتعمير، والاستدامة وتحقيق الرفاه.

يضع تقرير التنمية العالمي 2023 الصادر عن مركز المعرفة الدولية للتنمية (CIKD)، التنمية (على مفترق الطرق)؛ لما تمثله اليوم من أهمية من ناحية، وما مرَّت به الدول في العالم من تحديات وما زالت تعانيه الكثير منها حتى الآن من ناحية أخرى، ولهذا فإن الدعوة العالمية إلى تسريع التنمية قائمة على تلك الأهمية التي تنطلق من أساس (المنافع للجميع)، والتنمية المدفوعة بالابتكار، والمناهج العلمية التي تنحى نحو التطوير والتعاون والشراكة المجتمعية بين الأفراد والمؤسسات بما يحمي الإنسان والطبيعة معا، ويقدم فرص التنمية الخضراء والتصنيع والاقتصاد الرقمي والاتصالات.

لا تقوم التنمية على التشاركية المجتمعية المحلية وحسب، بل إنها تتطوَّر وفق مفهوم الشراكة من المحلية إلى الإقليمية والعالمية من خلال عوالم التجارة والاستثمار والمساعدة وتبادل المعرفة الإنمائية، بما يعزِّز الازدهار الاقتصادي والاجتماعي، ويسهم في التغلب على التحديات التي يمكن أن تواجه المجتمعات، وتقدِّم لها حلولا مستدامة، ولهذا فإن الدول تحرص على تلك الشراكات الداعمة للعملية التنموية، والقادرة على دفع التوجهات الوطنية والدولية، فالتنمية تعتبر (منفعة عامة) كما يصفها تقرير (CIKD).

إنها منفعة عامة ملتزمة بالانفتاح والشمولية والتوازن والتكثيف والدعوة إلى التعاون والشراكة المعزِّزة، والتعلُّم المتبادل وإثراء المعرفة بالتنمية المستدامة القائمة على المهارات التقنية والصناعية، ولهذا فإن الرؤى الوطنية تقوم في الأساس على مرتكزات التنمية وأهدافها وقيمها، ولا يمكن أن تتمكَّن التنمية من تحقيق تطلعات الرؤى سوى باستخدام المعطيات المحلية والموارد الطبيعية بما يضمن قدرتها على الاستدامة، وتحقيق الرفاه لأفراد المجتمع، باعتباره الهدف الأسمى والغاية التي تسعى إليها برامج التنمية ومبادراتها.

ولقد خطت عُمان خلال السنوات الماضية منذ بداية النهضة المباركة في سبعينات القرن الماضي عبر خططها التنموية المتتالية خطوات متوازنة ومتصاعدة؛ حيث تحققت التنمية وفق المعطيات المحلية والتطلعات العالمية، وها هي اليوم تخطو نحو آفاق رؤيتها الوطنية عُمان 2040، التي ترتكز على أهداف التنمية من خلال برامج ومبادرات مدروسة، وخطط فاعلة، استطاعت من خلالها إيجاد آفاق منافذ للتغلُّب على العديد من التحديات والإشكالات التي واجهتها كما واجهت العالم كله؛ فقد قفزت في السنوات الثلاث الماضية متسارعة الوثبات نحو بناء مجتمع المعرفة في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، إذ نجد ذلك من خلال الكثير من المبادرات والعمل الجماعي المتفرِّد والتشاركية بين مؤسسات المجتمع الحكومية والمدنية والخاصة.

لقد كانت السنوات الماضية شاهدا على ما قدمته عُمان لأبنائها، وما نراه من تقدُّم في العديد من المؤشرات الإقليمية والدولية، وما نتابعه جميعا من تحسُّن في اقتصادات الدولة والاستفادة القصوى من مواردها سواء أكانت الموارد البشرية أو الطبيعية، وما منحته من برامج حماية اجتماعية تعزِّز الحياة الكريمة لأفراد المجتمع، وتُعزِّز رفاههم، إلى غير ذلك من برامج ومبادرات وخطط قائمة على مفاهيم التنمية الحديثة وفق معطيات عالمية منافسة تشهد على قدرة الدولة على تحقيق النمو والتكامل والاستفادة مما تم من نهضة حديثة متسارعة.

يكشف تصنيف (أكثر الدول العربية أمانا وازدهارا للعام 2023)، الصادر عن مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)، أن عُمان قفزت إلى المرتبة الثالثة بين تسع عشرة دولة عربية بعد أن كانت في المرتبة الخامسة في العام الفائت؛ حيث تميَّزت بـ (بيئة مستقرة مع تحسن نسبي لمؤشرات جودة الحياة ونظرة إيجابية ومحفزة)، والتصنيف يرجئ هذه النتيجة إلى الانخفاض الكبير في مؤشرات التهديدات الأمنية ومدركات العنف والجريمة، إضافة إلى التحسن في مؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية، وتحسُّن معايير جودة الحياة، مع تدني في معدلات التضخم وتعزيز القدرة الشرائية، مع جهود مكافحة الفساد.

ويضيف تقرير المركز أن جهود عُمان في تعزيز الأمان الوظيفي، وتقليص نسبة البطالة مدفوعا بتوقعات إيجابية لاستمرار نمو الاقتصاد العماني خاصة في القطاعات غير النفطية، قد عزَّز هذه القفزة وأدى إلى نتائج أفضل في مجموعة من مجالات التقرير ومؤشراته، إضافة إلى أن بيئة الأمان قد تحسنت في المجالات التنموية كلها، خاصة فيما يتعلَّق بمتانة الدولة والتنمية البشرية والحريات الفردية والتحوُّل الديمقراطي، مما أدى إلى ارتفاع في مؤشرات الأمان والسلامة والاستقرار السياسي، فلا توجد تهديدات أو مخاطر؛ فـ (سجل عمان يشير إلى صفر تهديدات حسب المؤشر الدولي للإرهاب 2023)، إضافة إلى أنها احتلت المرتبة الثالثة عربيا في مؤشر الاستقرار السياسي للعام نفسه.

إن التنمية في عُمان قائمة على المرتكزات الحضارية والثقافية التي رسَّخت مفاهيم ثقافة التعايش والسلم والأمان، إضافة إلى أن سياسة الحياد التي تتبعها الدولة على المستوى السياسي، مكَّنتها من انخفاض في مستوى الجريمة - حسب ما يشير التصنيف - وجعلها مستقرة وآمنة؛ فهي خارج الصراعات والتوترات التي قد تحدث سواء على مستوى المنطقة أو على المستوى الدولي، إضافة إلى ذلك فإن عمان تتمتع بـ (بنية تحتية من متوسطة إلى جيدة مع توفُّر مرافق السلامة في أغلب الأنشطة التي يزاولها العمانيون والمقيمون).

ولهذا فإن هذا التصنيف وغيره من التصنيفات والتقارير الإقليمية والدولية العديدة تكشف أن عُمان تخطو نحو تحقيق أهداف رؤيتها الوطنية بتطلعات إيجابية قادرة على المضي قدما نحو ترسيخ المفاهيم التنموية ضمن متطلبات الأمان الصحي، والاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، والثقافي، بما يتطلَّبه ذلك من مقومات دعم وتمكين أفراد المجتمع، ليكونوا فاعلين، ومشاركين في التنمية الوطنية، وقادرين على المضي قدما بناء على ما تقتضيه متطلبات المرحلة المقبلة من حياة الوطن، وما يتطلَّع إليه من ازدهار ورفاه.

فهذه القفزات التي نشهدها في كافة المجالات، إنما تدل على ذلك الحِراك التنموي الضخم الذي يجعل من عُمان طاقة تنموية هائلة، تستطيع بوساطة جودة رأس المال البشري، أن تسرِّع من الوصول إلى أفق الازدهار التنموي، وتحقيق الأهداف، خاصة مع النمو الذي تشهده في تطوُّر القطاع التقني والتحول الرقمي، الذي أسهم في تحسين جودة الخدمات بالقطاعات خاصة تلك المعنية بالتعليم والخدمات، إضافة إلى ما تحقَّق في المجال القانوني ومراجعة السياسات وحوكمتها، بما يضمن الشفافية والعدالة والمصداقية والموثوقية في العمل.

إن عُمان اليوم وعُمان التي نريدها في 2040، إنما تحَّقق بجهودنا جميعا أفرادا ومؤسسات، وبما نقدِّمه من مبادرات وبرامج وخطط تهدف إلى وثبات تنموية وقفزات في كافة المجالات، فهدف التنمية رفاه المجتمع وتطوير خدماته وتحسين اندماج أفراده في مجتمع المعرفة؛ ذلك لأن جهود التنمية كلها تركِّز على البناء والتطوير والتمكين، وهي مرتكزات أساسية ننطلِّق منها نحو وصول عُمان إلى (مصاف الدول المتقدمة).

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من إضافة إلى فی کافة من خلال

إقرأ أيضاً:

مخاطر إضافة التربية الدينية للمجموع في البكالوريا

حذر الدكتور عاصم حجازي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، من مخاطر إضافة التربية الدينية للمجموع في نظام البكالوريا المصرية المقترح. 

وأكد الخبير التربوي ضرورة تدريس التربية الدينية في المدارس في جميع المراحل الدراسية وبصفة خاصة في المرحلة الثانوية، لكن دون إضافة للمجموع. 

ونوه بأن الحل يكمن في أن يتم تدريس التربية الدينية في جميع المدارس الموجودة على أرض مصر بما فيها المدارس الدولية ولكن لا يضاف للمجموع في أي منها وبدلا عن ذلك تكون درجة النجاح في الدين من ٧٠% وليس من ٥٠ % كما هو الحال حاليا. 

أسباب أهمية تدريس التربية الدينية الحاجة إلى الدين فطرية فلا يوجد طائفة أو جماعة ليس لها دين وإذا الم يصلهم الدين الصحيح فإنهم يؤمنون بأي دين لذلك يجب أن نقدم لأبنائنا الدين بمفهومه الصحيح حتى لايقعوا فريسة لمن يزرعون في عقولهم المفاهيم الخاطئة التي يلصقونها بالدين بمعنى أن وزارة التربية والتعليم يجب أن تبادر إلى تعليم الدين الصحيح للطلاب إشباعا لحاجتهم الفطرية إلى التدين.تدريس الدين ينطوي أيضا على تدريس الأخلاق ويفتح الباب أمام الطلاب لإيجاد القدوة الحسنة التي يقتدون بها في سلوكهم وأخلاقهم ومن ثم يكون سلوكهم أفضل داخل المدرسة وخارجها.أن تدريس التربية الدينية سبب في الاسترخاء الذهني والروحي وسبب في الشعور بالراحة والسعادة وهذه المشاعر الإيجابية كفيلة بإنجاح عملية التعلم.تدريس التربية الدينية بشكل معمق يواجه ويقلل حدوث كثير من المشاكل والسلوكيات السلبية داخل المدارس كالغش والتنمر.مخاطر إضافة التربية الدينية للمجموع في نظام البكالوريا اختلاف المحتوى بين الدين الإسلامي والمسيحي سوف ينشأ عنه مشكلات تتعلق بتكافؤ الفرص .سوف يفقد التقويم شرطا من أهم شروطه وهو الموضوعية وبالتالي سوف يؤثر ذلك سلبا  في الحكم على جودة النظام التعليمي وتقدمه في التصنيفات العالمية.لا يمكن ضم الدين الإسلامي والمسيحي في مقرر واحد لتوحيد المحتوى لأسباب كثيرة منها تفريغ الدين من مضمونه والخوف من تحيز القائم بالتدريس وغير ذلك كثير.سوف يتم تحويل الدين من  مقرر يركز على الجانبين الوجداني والمعرفي إلى مقرر يتم التركيز فيه على الجانب المعرفي فقط ومن ثم فلن يتحقق الهدف من تدريسه بل إن الطالب سيتعامل معه كأي مادة والغش في الدين يجرئ على الغش في مواد أخرى.حتى لو تم إنشاء بنوك أسئلة وفقا للقواعد العلمية لكلتا المادتين فلن يكون ذلك كافيا لاختلاف المحتوى واختلاف العينة التي طبقت عليها أسئلة البنك.سوف تسبب ذلك في فتح باب جديد من أبواب الدروس الخصوصية وزيادة الأعباء على الطالب والأسرة.سوف يسبب ذلك حالة من عدم الرضا بين الطلاب عن مجموعهم ودرجاتهم ولا يخفى أثر ذلك على تماسك المجتمع.

مقالات مشابهة

  • إضافة جديدة في إنستجرام تحفز التفاعل أو تسبب فوضى في Reels
  • منتجات يدوية مميزة وآفاق تسويقية للعارضين.. محافظ القليوبية يفتتح معرض آيادى مصر للحرف اليدوية والتراثية
  • غدا.. بدء الجزء الثاني من دورة قادة المستقبل بـ«التنمية المحلية»
  • الكابينت الإسرائيلي يقرر إضافة "هدف" جديد للحرب
  • الكابينت الإسرائيلي يقرر إضافة "هدف" جديد للحرب
  • «التنمية المحلية»: انتهاء أول أسبوع من الجزء الثاني لدورة قادة المستقبل
  • السوداني من لندن يعلن إضافة 62 مليار دينار للموازنة بهدف دعم الطلبة المبتعثين
  • محمد بن زايد: الإمارات تدعم الابتكارات التي تخدم التنمية
  • محمد بن زايد يؤكد دعم الدولة للاختراعات والابتكارات التي تخدم التنمية
  • مخاطر إضافة التربية الدينية للمجموع في البكالوريا