كثيرا ما أشفق على المجهود الجبار من الدكتور محمد فريد رئيس الرقابة المالية، وأحمد الشيخ رئيس البورصة، ودورهما فى عودة سوق المال المصرى للريادة.. الرجلان شعلة نشاط، ولا يعرفان طعما للراحة، وهذا يحسب لهما، لكن كل هذا الجهد دون دعم من أطراف السوق، قد يواجه عقبات كثيرة فى التنفيذ، و«كأنك يابو زيد ما غزيت».
كل هذا الحراك فى سوق المال، نتيجة الإجراءات التحفيزية، التى يشهدها القطاع المالى غير المصرفى، وليس البورصة فقط، لكن كل هذا المجهود تقوم بعض شركات السمسرة، والفوركس بالنيل منه، عبر الدعم الكامل الذى تقدمه هذه الشركات لمؤتمرات «الفوركس» الباب الخلفى لتهريب الدولار إلى الخارج، عبر إيهام ضحاياهم من صغار المستثمرين بالمكسب، وأن طاقة القدر من الأرباح ستنهال عليهم، لكن المهم هو فتح حساب بشركات الفوركس بالعملة الصعبة.
مؤخرا كانت الدعوة لمؤتمر «فوركس» يتم تنظيمه تحت مسميات مختلفة، وللأسف تشارك فيه العديد من شركات السمسرة، وهنا الطامة الكبرى، فهذه شركات السمسرة العاملة فى سوق الأوراق المالية، تخلع رداء دورها فى الترويج للمجال الرئيسى لها، فى سوق المال، وتتحول بقدرة قادر، إلى الترويج، والتسويق للفوركس، ولا تجد حرجا، ولا خجلا فى ذلك، حتى لو الأمر على حساب الاقتصاد الوطنى.
المحزن فى كل ذلك أن قرابة 22 شركة سمسرة، لا تستحى فى أنها تعلن فى «عز الضهر» مباركتها ومشاركتها فى هذا «الفوركس» بل وصول البعض من هذه الشركات إلى رعاية المؤتمر، دون خوف من الرقيب.
الأمر الذى يثير الفزع أن البورصة تخطط خلال الفترة القادمة بالاتفاق مع شركات السمسرة إلى إنشاء «منصة» ترويج واستقطاب شركات كبرى فى السوق لتعوض الشركات التى تخارجت مؤخرا، لكن يبدو أن «عشم» البورصة كان كبيرا بعض الشىء، لأن بعض شركات السمسرة غارقة فى تفاصيل مؤتمرات الفوركس، والترويج له.
لم يعد أمام الجهات الرقابية سواء الرقابة المالية، أو البنك المركزى سوى التدخل لإيقاف مثل هذه المهازل، والتفتيش المفاجئ باستمرار على الشركات المشاركة فى مثل هذه التجمعات، فى محاولة لإعادة عملية ضبط السوق، وإدراج هذه الشركات فى القائمة السوداء، ومحاسبتها بشدة وحزم، حفاظا على هيبة البورصة، بعدما راحت إحدى الشركات تدعو للمؤتمر بحيل شيطانية لجذب ضحاياها ووعدهم بالحصول على سبائك ذهبية، وأحدث أجهزة موبايلات، وغيرها من هذه الاغراءات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خارج المقصورة القائمة السوداء الدكتور محمد فريد رئيس الرقابة المالية شرکات السمسرة
إقرأ أيضاً:
ظاهرة إفلاس الشركات وتعثر المشاريع
د. محمد بن عوض المشيخي **
تُعد المؤسسات والشركات الوطنية العمود الفقري للاقتصاد في أي بلد في العالم لكونها تتولى تنفيذ المشاريع التنموية كبناء شبكات الطرق في مختلف المناطق، وكذلك تشييد الجامعات والمدارس والمستشفيات والمدن الجديدة، وغيرها من المباني والبنى الأساسية التي يحتاجها أي مُجتمع مُعاصر.
وعند انطلاق النهضة العُمانية في بداية السبعين في القرن الماضي، لم تكن هناك شركات عُمانية في مجال المقاولات وتشييد الطرق لكي تساهم في التنمية العمرانية التي شهدتها السلطنة خلال العقود الماضية، بل كانت الحكومة تستعين بشركات أجنبية وأوروبية، فضلاً عن شركات مصرية وهندية وتركية وكورية، وإن كانت تأخذ المشاريع من الباطن (أي من خلال مقاول رئيسي).
ومع مرور الأيام ظهر العديد من الشركات الوطنية الرائدة في مجالي مقاولات البناء وإنشاء الطرق الأسفلتية الحديثة، وعلى الرغم من كثرة المشاريع الحكومية في مختلف قطاعات الإنشاءات والطرق والمقاولات وتشييد المدن الجديدة، كما يُعرف محليًا بالمساكن الاجتماعية التي تُبنى للمواطنين من أصحاب الدخل المحدود، وكذلك في المناطق النائية في البلاد، إلا أن تعثر هذه الشركات المحلية وإفلاس بعضها؛ قد تحول إلى ظاهرة خطيرة ترتب عليها خسائر وظائف ورؤوس أموال وطنية للعوائل التي تملك تلك الشركات. ومن خلال متابعتي الشخصية واستطلاع آراء بعض أصحاب هذه الشركات الغارقة في الديون، نجد مجموعة من الأسباب والتحديات التي تواجه صمودها واستمراريتها مما تسبب في خروجها من السوق. ولعل أبرز تلك التحديات، استحواذها وفوزها بالمناقصات الحكومية بدون دراسة حقيقية لتكاليف تلك المشاريع العملاقة التي يصل بعضها إلى مئات الملايين من الريالات العُمانية، وتكون النتيجة هنا إخفاق الشركة في تكملة المشروع، مما يترتب على ذلك تأخير التسليم وعدم الاستفادة المجتمعية من المنجز الذي كان ينتظره الناس بفارغ الصبر.
والمشكلة هنا في اعتقادي ترجع لمجلس المناقصات الذي يُسند على هذه الشركات مشاريع جديدة على الرغم من تعثرها في مرات سابقة. والسؤال المطروح هنا: لماذا نسمح بإسناد المشاريع بدون دراسة حقيقية لتكلفة المشروع المعروض للمناقصة على سبيل المثال، فإذا تقدمت شركة من الشركات بعرض يترتب عليه خسارة مالية كبيرة، فيجب على جهات الاختصاص مساعدتها لتغطية الخسائر الحقيقية للعمل المُنفَّذ لكي لا تخرج من السوق، أو البحث عن شركة أخرى تملك إمكانيات مالية ومعدات وإدارة ناجحة على أن تمنح تلك الشركة سعر التكلفة على الأقل. الملاحظ أن تلك الشركات الحالية خاصة في مجال الطرق تنتقل من مشروع خاسر إلى آخر على أمل الاستمرارية في النشاط التجاري على الرغم من الخسائر المتراكمة التي ستكون نهايتها الإفلاس لا محالة.
يبدو لي بأنَّ نظام المناقصات المتبع في الوقت الحالي يحتاج إلى إعادة النظر والخضوع لدراسات هندسية وبيئية، والأهم من ذلك كله وجود دراسات استشارية والاستعانة بخبراء في علم الكميات وإدارة التكاليف لأي مشروع جديد قبل تقديمه للمنافسة أمام الشركات المسجلة في مجلس المناقصات؛ وذلك لمعرفة التكاليف الحقيقية للمشروع المطروح للشركات ثم إسناد أي مشروع بسعر التكلفة وليس أقل من ذلك، لكي نُحافظ على تلك المؤسسات الوطنية.
إنَّ استمرارية العمل بهذه الطريقة المتبعة حالياً تلحق الضرر بالمجتمع العُماني وكذلك بالشركات الخاسرة التي لا تُكمل العديد من المشاريع الحيوية. ولعلنا جميعاً نتذكر مشروع طريق الباطنة الساحلي المُتعثِّر؛ حيث كثرت الأقاويل عنه وعلى لسان بعض العالمين ببواطن الأمور، والذين اشتروا أراضٍ في مسار الطريق بهدف الحصول على تعويضات من الحكومة مُقابل تلك المساحات التي تم شراؤها والتي استحوذوا عليها، لكونهم على إطلاع بخطط الحكومة مسبقًا. كما نجد العديد من المباني الحكومية والبيوت السكنية التي تعهدت الحكومة بتشييدها للمواطنين معطلة ومتوقفة منذ سنوات طويلة (مثل بعض المشاريع في محافظة ظفار) بدون رقيب أو محاسبة من الجهات الرقابية، والسبب المُعلن هو هروب الشركات المنفذة بسبب الخسائر المالية الباهظة!
لقد أكد لي العديد من أصحاب الشركات وجود بعض المشكلات والعوائق التي تمنع تنفيذ المشاريع المتعلقة بالطرق والجسور حسب الاتفاق المُعلن، خاصة تأخر التعويضات المرتبطة بنزع الملكية، وكذلك عدم وجود ما يعرف بالخطة الرئيسة (Master Plan) لمعظم المدن العُمانية، بحيث يواجه المقاول مشكلة وجود أنابيب للمياه والصرف الصحي، وكذلك خطوط الهاتف والإنترنت في أماكن تنفيذ تلك المشاريع. علاوة على أن هناك تأخرًا في سداد الدفعات المالية المُستحقة للمقاولين بسبب الخلافات بين الأطراف حول ما تم إنجازه ومدى استحقاق المقاول الفلاني لتلك الدفعات.
ومن المفارقات العجيبة أن تعلن 6 شركات محلية في قطاع الطاقة إفلاسها العام الماضي (2023)، بينما تعلن الشركة السابعة التصفية في نفس هذا المجال الواعد. واتضح لنا جليًا بأن الشركات العائلية في السلطنة تتعرض لبعض المشاكل الأسرية، على وجه الخصوص عند غياب المؤسس للشركة وتولِّي الأبناء والأحفاد الإدارة؛ إذ تظهر الخلافات التي في كثير من الأحيان تعصف بمستقبل الشركة وتنتهي بالافلاس، والأهم من ذلك كله استخدام الأموال أو الدفعات التي تحصل عليها تلك الشركات لأهداف أخرى شخصية، بعيدًا عن دفع رواتب العمال أو شراء المعدات الأساسية لإنجاز العمل.
وفي الختام، لقد سبق أن ناقشت محنة شركات المقاولات وتشييد الطرق في البلاد مع العديد من صناع القرار في السلطنة، وكانت الخلاصة التي عبر عنها هؤلاء المسؤولين، أن إفلاس هذا النوع من الشركات أمر طبيعي وموجود على مستوى معظم دول العالم، بل هناك من يعتبرها بأنها ظاهرة عالمية، وذلك من منطلق دخول شركات جديدة لسوق العمل؛ تكون أفضل حالًا من الشركات القديمة التي لا تعتمد على الدراسات الاستقرائية لمجالات العمل والاستفادة من تجارب الآخرين الذين واجهتهم تحديات أدت إلى الإفلاس.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصر