لعل المتابع لتطورات الأحداث الدامية فى قطاع غزة منذ طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023م، وما تلاها من هرولة أمريكية غربية لإنقاذ إسرائيل من هول الصدمة والهلع الذى أصابها، والانحياز المطلق لدعم إسرائيل معنوياً ومالياً وعسكرياً ودبلوماسياً وإعلامياً، يدرك مدى الظلم الذى وقع على المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى الأعزل.
ما حل الدولتين وما البدائل التى قد تحل مكانه؟
تمثل إقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل الحل المرجعى الذى اعتمده المجتمع الدولى لحل أحد أقدم النزاعات فى العالم.
وما البديل المطروح عنه؟
فيما يلى بعض النقاط لفهم هذا الحل الذى تتلاعب به الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
تقوم رؤية حل الدولتين، أى وجود دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تتعايشان جنباً إلى جنب بسلام، على إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التى رسمت فى أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية فى 1967. تم حينها رسم الخط الأخضر الذى يحدد الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التى يطالب الفلسطينيون بها عاصمة لدولتهم.
وفى 1988، أصدر الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات إعلان الاستقلال الذى تحدث لأول مرة عن «دولتين لشعبين»، معترفًا بذلك بدولة إسرائيل وبسيادتها على 78% من فلسطين التاريخية.
وحظى الاعتراف بتأييد منظمة التحرير الفلسطينية، بينما تعارض حركة حماس، التى لا تعترف بإسرائيل، حل الدولتين وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضى فلسطين التاريخية.
ومنذ 1947، تبنت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين مذيلاً بخرائط تحدد حدود الدولتين، فى حين شكلت القدس كياناً ثالثاً تحت إشراف دولى. ورفض القادة العرب هذا المقترح.
وتنص اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 على قيام دولة فلسطينية بحلول عام 1999.
فى 30 أبريل 2003، قدمت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط والتى تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة خارطة طريق تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول 2005 مقابل إنهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان اليهودى فى الأراضى الفلسطينية.
من يؤيده ومن يعارضه؟ وهناك «توافق عام» على حل الدولتين للتوصل إلى السلام.
فالأمم المتحدة التى منحت دولة فلسطين وضع العضو المراقب أيدت هذا الحل الذى يشكل المبدأ الأساسى للحل الذى يدعو إليه الاتحاد الأوروبى.
وفى نهاية ديسمبر 2016، قال وزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى أنه «الطريق الوحيد الممكن» من أجل السلام.
وتستند مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتى تقترح إقامة دولة فلسطينية مقابل إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل كذلك إلى هذا الحل.
فى 14 يونيو 2009، وبعد أن فشلت مفاوضات السلام مجدداً، ألقى نتنياهو خطابه فى بار إيلان وأيد لأول مرة معلناً فكرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وبعد ست سنوات من ذلك، وخلال الحملة الانتخابية، قال نتنياهو إن «الواقع تغير»، وهو يترأس حالياً ائتلافاً حكومياً يهيمن عليه اليمين المتشدد ودعاة توسيع الاستيطان المنادين بضم الضفة الغربية المحتلة، ويشترط نتنياهو لقيام دولة فلسطينية اعتراف الفلسطينيين بالطابع اليهودى لدولة إسرائيل وهو ما يرفضونه.
ما البدائل؟
تفيد استطلاعات للرأى الفلسطينى والإسرائيلى عن تراجع التأييد لحل الدولتين كحل للنزاع، وأبدى 50% من الفلسطينيين معارضتهم له، و41% من الإسرائيليين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الاحداث الدامية قطاع غزة طوفان الأقصى الصدمة إقامة دولة فلسطینیة حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
الرئيسة هاريس!!
انطلقت الانتخابات الأمريكية أمس الثلاثاء، الانتخابات شرسة جدًا، لا يستطيع أحد التكهن بنتيجتها، كانت كفة دونالد ترامب راجحة جدًا فى مواجهة الرئيس الحالى جو بايدن، ولكن الانسحاب التكتيكى الذى نظمه الحزب الديمقراطى بسحب بايدن والدفع بنائبته كامالا هاريس أعاد الحزب الديمقراطى للساحة بعنف شديد، وبعدما كنا نتوقع فوز ترامب باكتساح فى مواجهة بايدن أصبح التعادل فى الفرص هو النتيجة المتوقعة حاليًا بين المرشحين ترامب وهاريس.. والفوز لن يميل إلى أحدهما إلا بشق الأنفس وبنسبة ضئيلة.
كلا المرشحين يمثلان مصالح مشتركة وليست متناقضة، ولذلك تبدو المعركة شرسة بينهما، ففى السياسة الأمريكية لا توجد خلافات أيديولوجية واضحة، ولكن توجد مواقف فيها انحياز لمصالح فئة على حساب فئة أخرى.
قبل دخول هاريس للمضمار كانت كل المؤشرات التى أعقبت محاولة اغتيال الرئيس الأمريكى السابق والمرشح الرئاسى الحالى دونالد ترامب، تميل إلى أن ترامب سيصبح رئيسًا من جديد.
الإشارة الأولى هى حصول ترامب على الأصوات الكافية ليصبح -رسميًا- مرشح الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية، حيث وضعه وفد ولاية فلوريدا فى المقدمة.
الإشارة الثانية هى حصول ترامب على حكم قضائى لصالحه برفض دعوى خاصة بقضية الوثائق السرية المرفوعة ضده، وهذا الحكم قضى على أحد أهم التحديات القانونية الرئيسية التى كانت تواجه الرئيس السابق فى سباقه الرئاسى.
الإشارة الثالثة جاءت من تصريحات مباشرة من الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن الذى قال معلقًا على تصريحاته السابقة بشأن ضرورة وضع الرئيس السابق دونالد ترامب فى بؤرة الهدف، بإنه كان تصريحًا خاطئًا، وهو تراجع كبير من الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى بدا أنه قد ترنح نتيجة الرصاصة التى أطلقت على ترامب وليس العكس.
إذن.. الرصاصة التى أخطأت رأس ترامب.. وأصابت أذنه.. هى فى الواقع أصابت حملة الرئيس الأمريكى جو بايدن فى مقتل.. فاهتزت الحملة نتيجة تعاطف الشعب الأمريكى مع ترامب، الذى قام بلفت الأنظار نحوه لحظة إنزاله بواسطة حراسه من فوق منصة اللقاء الانتخابى الذى شهد محاولة اغتياله، عندما أشار بقبضة يده لمؤيديه، وكأنه يربط ما بين محاولة الاغتيال وكونه مرشحًا قويًا تعرض للإقصاء بمحاولة قتله.
ومن الواضح أن هناك عناصر مؤثرة فى الحزب الديمقراطى قررت إدارة الانتخابات فى مواجهة ترامب والحزب الجمهورى دون استئذان من أحد.. وهذه العناصر تمثل الدولة العميقة أو رجال السلطة والسياسة والحكم (التى تنتمى للحزب الديمقراطى) وهى بالمناسبة عناصر يوجد ما يوازيها فى الحزب الجمهورى، وهو صراع داخلى مستمر منذ مائتى عام فى الولايات المتحدة، صراع يصنع التنافسية بين الحزبين الرئيسيين، ولا يخالف أحدهما الاتفاق الضمنى بالمنافسة الشفافة فى مواجهة الآخر، وقد حدث فى قضية «ووتر جيت» التى قام فيها الحزب الجمهورى بالتجسس على الحزب الديمقراطى أن تقدم الرئيس الجمهورى ريتشارد نيكسون باستقالته بعدما كشف الصحفى «بوب ودورد» الفضيحة التى هزت الرأى العام لسنوات.
إذن.. هى قواعد لا خلاف عليها، ولا تجاوز فيها.. فلا بد من المنافسة.. ولذلك تم فرض «كامالا هاريس» كمرشحة عن الحزب، باعتبارها الأنسب لمواجهة «ترامب» الذى يستخدم عبارات يمكن وصفها بالوقحة ضد منافسيه، فهو رجل لا يمكن السيطرة على انفعالاته، وهو أيضًا كما وصفه كبير موظفى البيت الأبيض السابق جون كيلى -طبقًا لما ذكره الصحفى بوب ودورد فى إحدى كتبه -فإن (ترامب بمثابة «معتوه» و«أحمق» ومن غير المجدى محاولة إقناعه بأى شيء.. لقد انحرف عن السكة.. نحن فى عالم مجنون).
هذه هى استراتيجية الحزب الديمقراطى التى خاض بها معركة فرض هاريس رئيسة للولايات المتحدة.. الاستراتيجية تتمثل فى إقناع الناخب أن ترامب رجلٌ مُختل.. وأن الولايات المتحدة لن تعرف طريقها معه.. فكانت مهمة فريق إدارة الانتخابات بالحزب الديمقراطى مهمة تحويلية.. بمعنى أن الهدف كان تغيير نظرة الناخب وانطباعاته السلبية عن مرشح الحزب الديمقراطى المُعتذر جو بايدن (مثل كونه فى حالة صحية تؤدى إلى الخرف والزهايمر وعدم التركيز) إلى أمر إيجابى فى المرشحة كامالا هاريس باعتبارها أصغر سنًا وأكثر تركيزًا وقدرة على الأداء السياسى والإدارى.. أيضًا تحويل التعاطف الكبير الذى حصل عليه دونالد ترامب بعد محاولة اغتياله إلى المرشحة الديمقراطية هاريس.. فهى سيدة وأيضًا ملونة.. وقطعًا هجوم ترامب عليها بضراوة وصفاقة أكسبها تعاطفًا.. وهو ماأدى إلى نسيان الناخب لحادث اغتيال ترامب والتعاطف معه.. وتذكر الجميع أنه رجلٌ غير مهذب يهاجم سيدة.. وعنصرى يهاجم الملونين!!
انسحاب بايدن منح الحزب الديمقراطى قبلة الحياة.. وجعله منافسًا حقيقيًا للحزب الجمهورى.. ولترامب العنيف!!
فهل نقول بعد أيام (الرئيسة هاريس قالت.. والرئيسة هاريس عادت).. الانتخابات الأمريكية مجنونة مثل ترامب تمامًا.. وكل شىء جائز!!