قد يأتى زمانٌ على الأطباء يتندرون فيه على جيل كامل من العلماء ذهبوا فلم يبق عليهم دليل وأسلفوا فلم تعد لهم باقية وأجيال حديثة لم يتعلموا الطب (والتعلم غير الشهادة) بل اكتفى هذا النفر بأخذ شهادات طبّية من منازلهم «بالواسطة» وبتدخل نفوذ هذا وذاك فلم يتعب ولم يشق وأخذ ما ليس حقه فلم يكتف بذلك بل تمادى أن يضر غيره ويمنعه شهادته وحقه فى الترقية.
وأكثر من ذلك أن هذا يتكرر فى كل يوم فى كل المستشفيات القريبة والنائية وكل الأهل والأصحاب يعرفون أن السبب الحقيقى لتدهور مهنة الطب فى بلادنا هى الواسطة والمجاملة وعدم الشفافية فى الامتحانات وعدم رصد درجات حقيقية للأطباء وعدم وجود هيكل علمى واضح لمعنى الشهادة الجامعية، فهى تعنى رضا «الأستاذ» دون قيد أو شرط ولو أراد أن ينكل بك لفعل ولسكت غيره وهم شركاء له فى الظلم ومجرمون مثله فى التخصص فعندما نريد أن نصنع طبيبًا عالمًا ونافعًا فلابد أن يقف ورائه مدرسة قوية من العلماء والمفكرين والخبراء يتولون توعية الطبيب حتى يتم صقل خبرته وغيره حتى يؤثّر فى المجتمع.
بطبيعة الحال لابد أن يكون هذا الطبيب مثقفًا فلا تفوته معلومة طبية (وهذا قد يحدث) ولكن عليه أن يبحث وراءها فقد تكون فيها مصلحة لمريض أو فائدة لإنسان فعندما تعلمنا الإحصاءات الطبية فى بداية المشوار الطبى فلم نكن نعلم فائدتها وفتئذ بل لم نكن نفهمها من الأصل ولكن بعد أن سافرنا إلى الخارج ووجدنا دولًا تعظّم الاجصاء الطبية عرفنا قيمة ما تعلمناه.
الوعى عند الطبيب ليس العلم فقط ولكن ادراكه وتنفيذه، فإما يثبت نظرية ما لإنسان أو ينفع الناس فى صحتهم فى الحال، والوعى عند الطبيب ليس المعرفة بل تطبيق المعرفة لما يرتقى بالصحة والوعى.
التوعية ثقافة وفن إثبات الذات حتى يعلم الناس أن الطبيب والطب مهنة فيها فوائد مادية للطبيب مثل غيرها من المهن، ولكنها تبحث مهنة مميزة تبحث عن صحة الإنسان فيما قد لا يعرفه الإنسان.
وقد كنا ونحن طلبة منا من كان يحفظ Guyton من الجلدة للجلدة، وهذا الكتاب كان تحديًا لنا فى مادة التشريح ونحن طلاب أن نشتريه فقط، ثم كان تحديًا أكبر أن نذاكر منه بديلًا عن المذكّرات فكان الواحد منا يفتخر أنه يقرأ منه أو حصل عليه ولو من باب التباهى ولكن وقت الحياة العملية لم ينفعهم كتاب هذا أو ذاك لأن التطبيق يأتى ممن يأخذ بيديك ويعلمك لا من الكتاب فمن لم يتعلم كيف يطبق العلم ولم يجد من يعلمه أو يأخذ بيديه فقد خسر مهنة أو «حرفة» الطب.
ومن الأطباء الشبان الذين كانوا يعملون معى سابقًا من قال لى أنه يعمل فى بلاد بعيدة اليوم ولكنه دائمًا يتذكر الطريقة التى كنت أعلمه اياها فى القسطرة القلبية ونفعته كثيرًا فى عمله وهو ممتن لذلك وأذكر أننى أيضاً تعلمت من أحد الأطباء الخبراء الأمريكان طريقة فى العمل أثناء توسيع الشريان التاجى الأيمن والدخول إليه عندما يستعصى ما زلت أحفظها حتى الآن من أكثر من ربع قرن وأيضاً أحد الخبراء الفرنسيين قابلته بعد سنوات من تعليمى منه شيئًا فشكرته على ذلك.
ويقول العارفون بالتوعية إن التوعية ليس لها حدود وهو عقد من الله ممدود لا تمنعه قيود وتفى به الوعود وفضل التوعية للخلق والبشر كبير لا يدركه الصغير والتوعية تعبر الحدود فكل عمل محمود من رب موجود.
استشارى القلب - معهد القلب
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د طارق الخولي زمان الأطباء العلماء عليهم دليل
إقرأ أيضاً:
عاجل | سموتريتش: إطلاق سراح مئات الإرهابيين القتلة أصبح مفهوما ضمنا ولكن علينا إدراك أنه يعني بناء قيادة حماس من جديد
سموتريتش: إطلاق سراح مئات الإرهابيين القتلة أصبح مفهوما ضمنا ولكن علينا إدراك أنه يعني بناء قيادة حماس من جديد
التفاصيل بعد قليل..