لجريدة عمان:
2025-03-07@02:33:41 GMT

وسائل التواصل الاجتماعي.. التطور والمخاطر

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

سبق الحديث في مقال نشرته الأسبوع المنصرم عن التحيّز والعنصرية التي رُصدت لبعض نماذج الذكاء الاصطناعي وخصوصا التوليدية، وفي هذا المقال -لهذا الأسبوع- يتجدد الحديث عن أدوات تقنية أخرى أصبح -مؤخرا- الذكاء الاصطناعي جزءا في منظومتها عبر تنظيم انتقاء البيانات وتحليلها، وعبر التحكم في الموضوعات من حيث الانتقاء والحذف، وتمكين بعضها لتكون الأكثر رواجا وفق سياسة التحيّز والمصالح دون أيّ اعتبارات للحريات والأسس الأخلاقية.

التقنيات الرقمية المقصودة هنا هي وسائل التواصل الاجتماعي مثل تلك التابعة لشركة ميتا (فيسبوك، إنستغرام، ثريدز، واتساب)، ومنصة أكس -سابقا تويتر-، وتليجرام، وتيك توك، ويوتيوب، وسناب شات. تأتي أهمية مناقشة وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها نظير دورها البارز في التأثير على المسارات المجتمعية والعالمية فيما يخص الجوانب الفردية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها من الجوانب المهمة في المجتمعات الإنسانية؛ فوفقا لإحصائية نشرها موقع «Statista» تُقدّر وجود 4.95 مليار مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي في العالم في عام 2023م حتى شهر أكتوبر الماضي، وتتوقع الدراسة أن يزيد عدد المستخدمين ليصلوا إلى 5.85 مليار في عام 2027م، ووفقا للمصدر السابق بلغ عدد مستخدمي الإنترنت إلى 5.3 مليار مستخدم في عام 2023م حتى شهر أكتوبر الماضي. تحتل منصة «فيسبوك» المركز الأول يليها «يوتيوب» ثم «واتسب» و«إنستغرام» من حيث عدد المستخدمين النشيطين شهريا؛ فإحصائية نشرتها مجلة «فوربس» «Forbes» نقلا عن موقع «Statista» ذكرت أن هناك ما يقرب من 2.9 مليون مستخدم نشط شهريا لفيسبوك، و2.5 مليون لـ«يوتيوب»، و2 مليون لكل من «واتسب» و«إنستغرام». تذكر الإحصائيات وفقا للمصدر السابق أن نسبة تصل إلى 84% للفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما تستخدم على الأقل منصة تواصل اجتماعي واحدة، وأظهرت الإحصائيات كذلك أن ما يقدّر بنسبة 39% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، أكدوا إدمانهم لوسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل المبالغ معها. في المقابل، تشير البيانات المنشورة في «فوربس» أن الأرباح التي تجنيها منصات التواصل الاجتماعي عبر الإعلانات تصل إلى 207.10 مليار دولار في عام 2023، وتُقدّر أن تصل الأرباح إلى 247.30 مليار دولار في عام 2027م.

يتضح عبر منطق الإحصائيات والأرقام المذكورة في الفقرة السابقة حجم التأثير الذي يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تصنعه بسبب الأعداد الكثيرة للمستخدمين وللمشتركين الذين يُعدّون محركا لتنامي ثروات ملّاك هذه المنصات سواء بواسطة ما هو ظاهر ورسمي مثل الإعلانات التجارية أو بواسطة ما هو غير ظاهر ومعلن عنه مثل الاستفادة والتربّح من البيانات الخاصة بالمشتركين -الشخصية والعامة-، وسبق الكشف في عام 2018م عن فضيحة بيع منصة فيسبوك لبيانات المشتركين ومستخدمي المنصة -دون موافقتهم وعلمهم- إلى شركة «كامبريدج أناليتيكا» لأغراض سياسية ودعائية. لا تقتصر أهداف منصات وسائل التواصل الاجتماعي على الأرباح المالية التي تعود معظمها إلى ملاّك منصات التواصل الاجتماعي، وعلى جمع البيانات وبيعها بل يمتد إلى التأثير الممنهج -السلبي في غالبه- على التوجهات الفكرية للأفراد والمجتمعات في معظم مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وحجم التأثير الجمعي على المجتمعات كبير في ظل النسبة العالية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا في فئة المراهقين والشباب، وهذا يمكن أن نلمسه عبر كثير من الأمثلة الواقعية مثل التحولات الجمعية الكبيرة للسلوكيات المجتمعية، وتشكيل العقل الجمعي الذي يتحرك وفق النمط الافتراضي؛ فتنامت الأفكار العالمية المُوحَّدة التي تنسف الأعراف والثقافات الخاصة بالمجتمعات، وانعكست في كثير من الحالات إلى مظاهر سلبية مثل السلوكات والمظاهر التي لا تتوافق مع قيم بعض المجتمعات وعاداتها، والأفكار المعادية لقيم الدين والأخلاق مثل انتشار الإلحاد والمثلية والحرية المطلقة -التي لا تراعي الحقوق العامة ومصالحها-، وكذلك سهولة انتقال الشائعات وتقبّلها بواسطة العقل الجمعي وتحول بعضها إلى مسلّمات تُمهّد إلى تشتيت الرأي العام وبعثرة أوراقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بسبب فصل العقل عن الواقع الحقيقي وتفاعله مع واقع افتراضي هش في مصداقيته. لا يمكن أن نفصل الحالة الفردية المتأثرة بوسائل التواصل الاجتماعي عن الحالة الجمعية؛ فالحالة الفردية تقود إلى وجود الحالة الجمعية، والحالة الجمعية يكون تأثيرها السلبي -في غالبه- أكثر شمولية واتساعا من الحالة الفردية المسببة لتشكّل الحالة الجمعية نتيجة التجارب الفردية التراكمية التي تعمل على مبدأ التفشي والانتشار الشامل بين بقية الأفراد.

رغم ما ذكرناه من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي المهددة للأفراد والمجتمعات؛ فثمّة زوايا إيجابية لهذه المنصات مثل التفاعل الاجتماعي والعالمي بين الأفراد والمجتمعات والثقافات المتباينة، ونشر المعرفة والحقائق والأحداث دون وجود القيود والرقابة -كما يحدث في الحروب والصراعات مثل أحداث غزة التي نُقلت الكثير من حقائقها عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي ذي التحيّز الأقل مثل منصة أكس ويوتيوب-، ولكن هذه الإيجابيات لا تعفي منصات التواصل الاجتماعي من تأثيراتها السلبية الكثيرة الطاغية على إيجابياتها الموجودة؛ إذ ساهمت هذه المنصات في تأجيج الصراعات السياسية والطائفية نتيجة الانسياب المفتوح للمعلومات المنشورة التي لا يُعرف -في كثير من حالاتها- مصدرها والأسماء الحقيقية لناشريها؛ لتتحول هذه المنصات إلى أدوات أمنية بيد بعض الدول ذات أهداف سياسية واقتصادية ضد دول أو مجموعات أخرى يُشن بواسطتها ما يُعرف بالحروب الإلكترونية التي لا تقتصر على الحروب السيبرانية وأمن المعلومات، ومن الممكن أن تكون منطلقاتها المبدئية ذات صبغة طائفية أو سياسية عبر نشر الأخبار المزيّفة لتأجيج الرأي العام لتحقيق المآرب السياسية والاقتصادية، وبوجود أدوات رقمية متطورة مثل نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على صناعة المحتوى المزيّف؛ أصبح من السهل نشر هذه المحتويات سواء المكتوبة أو المرئية أو المسموعة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي لأكبر شريحة ممكنة؛ لتزعزع العملية المعرفية للفرد وللمجتمع ككل، وتدخله في دوامة من الأفكار المشتتة والمتناقضة لتصنع منه فردا ومجتمعا مؤدلجا لا يجيد فهم واقعه الحقيقي.

نحن اليوم أمام الطوفان الرقمي الذي يشمل وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الصعب منع حدوث التأثيرات السلبية المصاحبة لهذه المنصات، ولكن من الممكن تقليل هذه المخاطر عبر نشر الوعي المجتمعي فيما يخص طرق استعمالنا لهذه المنصات وتفاعلنا معها؛ إذ من المهم أن يعي الجميع أن هذه المنصات تعمل وفق نطاق التربّح المالي والبحث عن منافذ المصلحة -بكل أنواعها-، وعمل هذه المنصات مبنيٌّ على مبدأ التفاعل الجمعي الذي ينتج محتويات مكتوبة ومرئية ومسموعة لا يمكن القطع بصحتها المطلقة؛ إذ من السهل والبدهّي أن تتخللها الأجندة السياسية المبطّنة، وبمساندة أنظمة الذكاء الاصطناعي تضاعفت مخاطر هذه المنصات. لا أريد التهويل من ويلات هذه المنصات ومخاطرها؛ فهناك -كما ذكرت- الكثير من المنافع التي يمكن تحقيقها بوجود هذه المنصات، ولكن من الضرورة التعامل الحَذِر مع هذه الوسائل الرقمية وفقا لقاعدة: العلم سلاح ذو حدين.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منصات التواصل الاجتماعی وسائل التواصل الاجتماعی الذکاء الاصطناعی هذه المنصات التی لا فی عام

إقرأ أيضاً:

منشورات على التواصل الاجتماعي ساعدت حماس في التخطيط لـ7 أكتوبر

نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية نتائج تحقيق في أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول)، قالت فيه إن جنود الجيش الإسرائيلي تركوا علامات على وسائل التواصل الاجتماعي مكنت حماس من تدمير وحدة رئيسية ووحدة فرعية ومبنى بشكل كامل في قاعدة للجيش الإسرائيلي بـ"ناحال عوز"، فضلاً عن قتل 53 جندياً، وأسر 10 رهائن.

وذكرت جيروزاليم بوست أن 16 القتلى كانوا من المراقبات الميدانيات، قُتل العديد منهن عندما أحرقت حماس المبنى الذي كن فيه، بينما أسرت أخريات. وكانت العديد  منهن من الإناث المفرج عنهن أخيراً ضمن وقف إطلاق النار في 19 يناير (كانون الثاني)، موضحة أن ضابطين وخمسة جنود تمكنوا من الهروب من غرفة العمليات المحترقة آنذاك عن طريق كسر نافذة الحمام والتسلل إلى الخارج.

معركة دبلوماسية عربية ضد تهجير سكان #غزةhttps://t.co/cgk7r4h1yc

— 24.ae (@20fourMedia) March 4, 2025
 التواصل الاجتماعي

وكشفت الصحيفة أن الصور التي تركها الجنود على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي التقطوها بجوار مبان مختلفة في يومهم الأول أو الأخير في موقع ما، كانت كافية لدرجة أن التحقيق الرسمي الذي أجراه الجيش الإسرائيلي عن ذلك اليوم، خلص إلى أن حماس لم تكن في حاجة إلى جاسوس واحد لتنفيذ خطتها  المُحددة للغاية.
وأضافت جيروزاليم بوست، أن هذا سمح لحماس بتحسين تخطيطها التكتيكي  لغزو "ناحال عوز" بشكل كبير، بشكل جعلها تحدد  الوقت الذي ستستغرقه تعزيزات الجيش الإسرائيلي للوصول، والجنود الذين سيتمركزون في المراحل المبكرة والثانوية من الاختراق، موضحة أن حماس كانت تعلم مكان المولدات وكاميرات الفيديو في القاعدة،  والغرف الآمنة، وكيف ومتى تتحرك الدوريات، وأين ينام قائد القاعدة وقادة السرايا، ومكان غرفة التنسيق وأكثر من ذلك.
ووفقاً للصحيفة، ذكرت وثيقة لحماس أنه إذا نجحت الحركة في تدمير قاعدة "ناحال عوز" بسرعة، فإن قدرة الجيش الإسرائيلي على شن دفاع منظم في المنطقة ستنهار بسرعة.


استراتيجية حماس

وتغلبت حماس على الجنود في ناحال عوز على 3 مراحل، بعد أن ضربتهم بحوالي 65 صاروخاً بين الـ 6:30 صباحاً والـ7:05 صباحاً. وأوضحت الصحيفة أن الهجوم الأول كان حوالي الـ6:30 صباحاً وشارك فيه نحو 65 عنصراً من حماس، والهجوم  الثاني في حوالي الـ 9:00 صباحاً وكان فيه حوالي 50 عنصراً، والموجة الثالثة في حوالي الـ 10:00 صباحًا كان فيها حوالي 100 عنصر، بإجمالي حوالي 215.
وأشارت إلى أن انتباه القوات الإسرائيلية قد تشتت في البداية بسبب الهجوم الصاروخي، وبحلول الـ 6:45 صباحاً، هاجم عناصر حماس القاعدة على جبهتين في وقت واحد، فيما بدأ العديد من جنود الجيش الإسرائيلي في التحرك نحو مواقع دفاعية على سور القاعدة، ما جعل وضعهم غير مؤات في مواجهة حماس التي كانت مستعدة بالفعل لوصولهم، كما أن الهجوم الذي شنته حماس من الجانبين أجبر القوات الإسرائيلية داخل القاعدة على تقسيم دفاعاتها.

#حماس ترفض دعوات #إسرائيل و #أمريكا لنزع سلاح الحركةhttps://t.co/rnUsDF3yK4

— 24.ae (@20fourMedia) March 4, 2025
استخدام الدبابات

وحسب الصحيفة، لم تستخدم الدبابات بشكل فعال، وذلك لأنه بحلول الوقت الذي جُهزت وشُغلت، كان عناصر حماس  قد بدأوا بالفعل في اختراق القاعدة، بحيث منعوا فرصة استخدام الدبابة لأقصى حد لإطلاق النار على المهاجمين قبل وصولهم إلى القاعدة.

مقالات مشابهة

  • قانون الضمان الاجتماعي.. تعرف على الحالات التي تحرمك من الدعم النقدي
  • «وسائل التواصل الاجتماعي وعلاقتها بغرس قيمة الانتماء لدى الشباب» في ندوة بمركز إعلام زفتى
  • متحدث الزراعة: "معاك في الغيط" تواصل التوعية العلمية للفلاحين عبر التواصل الاجتماعي
  • متحدث الزراعة: معاك في الغيط توصل التوعية العلمية للفلاحين عبر التواصل الاجتماعي
  • لماذا قرر الجيش الإسرائيلي حظر وسائل التواصل الاجتماعي؟
  • تقليد أم كلثوم في واي فاي يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
  • التأثيرات النفسية للتواصل الاجتماعي.. تحذيرات من مخاطر الإدمان
  • منشورات على التواصل الاجتماعي ساعدت حماس في التخطيط لـ7 أكتوبر
  • التسول الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي
  • مركز الإعلام الرقمي يرصد إقبالاً عراقياً على تطبيقات في التواصل الاجتماعي وتراجعاً لأخرى