وسائل التواصل الاجتماعي.. التطور والمخاطر
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
سبق الحديث في مقال نشرته الأسبوع المنصرم عن التحيّز والعنصرية التي رُصدت لبعض نماذج الذكاء الاصطناعي وخصوصا التوليدية، وفي هذا المقال -لهذا الأسبوع- يتجدد الحديث عن أدوات تقنية أخرى أصبح -مؤخرا- الذكاء الاصطناعي جزءا في منظومتها عبر تنظيم انتقاء البيانات وتحليلها، وعبر التحكم في الموضوعات من حيث الانتقاء والحذف، وتمكين بعضها لتكون الأكثر رواجا وفق سياسة التحيّز والمصالح دون أيّ اعتبارات للحريات والأسس الأخلاقية.
يتضح عبر منطق الإحصائيات والأرقام المذكورة في الفقرة السابقة حجم التأثير الذي يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تصنعه بسبب الأعداد الكثيرة للمستخدمين وللمشتركين الذين يُعدّون محركا لتنامي ثروات ملّاك هذه المنصات سواء بواسطة ما هو ظاهر ورسمي مثل الإعلانات التجارية أو بواسطة ما هو غير ظاهر ومعلن عنه مثل الاستفادة والتربّح من البيانات الخاصة بالمشتركين -الشخصية والعامة-، وسبق الكشف في عام 2018م عن فضيحة بيع منصة فيسبوك لبيانات المشتركين ومستخدمي المنصة -دون موافقتهم وعلمهم- إلى شركة «كامبريدج أناليتيكا» لأغراض سياسية ودعائية. لا تقتصر أهداف منصات وسائل التواصل الاجتماعي على الأرباح المالية التي تعود معظمها إلى ملاّك منصات التواصل الاجتماعي، وعلى جمع البيانات وبيعها بل يمتد إلى التأثير الممنهج -السلبي في غالبه- على التوجهات الفكرية للأفراد والمجتمعات في معظم مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وحجم التأثير الجمعي على المجتمعات كبير في ظل النسبة العالية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا في فئة المراهقين والشباب، وهذا يمكن أن نلمسه عبر كثير من الأمثلة الواقعية مثل التحولات الجمعية الكبيرة للسلوكيات المجتمعية، وتشكيل العقل الجمعي الذي يتحرك وفق النمط الافتراضي؛ فتنامت الأفكار العالمية المُوحَّدة التي تنسف الأعراف والثقافات الخاصة بالمجتمعات، وانعكست في كثير من الحالات إلى مظاهر سلبية مثل السلوكات والمظاهر التي لا تتوافق مع قيم بعض المجتمعات وعاداتها، والأفكار المعادية لقيم الدين والأخلاق مثل انتشار الإلحاد والمثلية والحرية المطلقة -التي لا تراعي الحقوق العامة ومصالحها-، وكذلك سهولة انتقال الشائعات وتقبّلها بواسطة العقل الجمعي وتحول بعضها إلى مسلّمات تُمهّد إلى تشتيت الرأي العام وبعثرة أوراقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بسبب فصل العقل عن الواقع الحقيقي وتفاعله مع واقع افتراضي هش في مصداقيته. لا يمكن أن نفصل الحالة الفردية المتأثرة بوسائل التواصل الاجتماعي عن الحالة الجمعية؛ فالحالة الفردية تقود إلى وجود الحالة الجمعية، والحالة الجمعية يكون تأثيرها السلبي -في غالبه- أكثر شمولية واتساعا من الحالة الفردية المسببة لتشكّل الحالة الجمعية نتيجة التجارب الفردية التراكمية التي تعمل على مبدأ التفشي والانتشار الشامل بين بقية الأفراد.
رغم ما ذكرناه من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي المهددة للأفراد والمجتمعات؛ فثمّة زوايا إيجابية لهذه المنصات مثل التفاعل الاجتماعي والعالمي بين الأفراد والمجتمعات والثقافات المتباينة، ونشر المعرفة والحقائق والأحداث دون وجود القيود والرقابة -كما يحدث في الحروب والصراعات مثل أحداث غزة التي نُقلت الكثير من حقائقها عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي ذي التحيّز الأقل مثل منصة أكس ويوتيوب-، ولكن هذه الإيجابيات لا تعفي منصات التواصل الاجتماعي من تأثيراتها السلبية الكثيرة الطاغية على إيجابياتها الموجودة؛ إذ ساهمت هذه المنصات في تأجيج الصراعات السياسية والطائفية نتيجة الانسياب المفتوح للمعلومات المنشورة التي لا يُعرف -في كثير من حالاتها- مصدرها والأسماء الحقيقية لناشريها؛ لتتحول هذه المنصات إلى أدوات أمنية بيد بعض الدول ذات أهداف سياسية واقتصادية ضد دول أو مجموعات أخرى يُشن بواسطتها ما يُعرف بالحروب الإلكترونية التي لا تقتصر على الحروب السيبرانية وأمن المعلومات، ومن الممكن أن تكون منطلقاتها المبدئية ذات صبغة طائفية أو سياسية عبر نشر الأخبار المزيّفة لتأجيج الرأي العام لتحقيق المآرب السياسية والاقتصادية، وبوجود أدوات رقمية متطورة مثل نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على صناعة المحتوى المزيّف؛ أصبح من السهل نشر هذه المحتويات سواء المكتوبة أو المرئية أو المسموعة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي لأكبر شريحة ممكنة؛ لتزعزع العملية المعرفية للفرد وللمجتمع ككل، وتدخله في دوامة من الأفكار المشتتة والمتناقضة لتصنع منه فردا ومجتمعا مؤدلجا لا يجيد فهم واقعه الحقيقي.
نحن اليوم أمام الطوفان الرقمي الذي يشمل وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الصعب منع حدوث التأثيرات السلبية المصاحبة لهذه المنصات، ولكن من الممكن تقليل هذه المخاطر عبر نشر الوعي المجتمعي فيما يخص طرق استعمالنا لهذه المنصات وتفاعلنا معها؛ إذ من المهم أن يعي الجميع أن هذه المنصات تعمل وفق نطاق التربّح المالي والبحث عن منافذ المصلحة -بكل أنواعها-، وعمل هذه المنصات مبنيٌّ على مبدأ التفاعل الجمعي الذي ينتج محتويات مكتوبة ومرئية ومسموعة لا يمكن القطع بصحتها المطلقة؛ إذ من السهل والبدهّي أن تتخللها الأجندة السياسية المبطّنة، وبمساندة أنظمة الذكاء الاصطناعي تضاعفت مخاطر هذه المنصات. لا أريد التهويل من ويلات هذه المنصات ومخاطرها؛ فهناك -كما ذكرت- الكثير من المنافع التي يمكن تحقيقها بوجود هذه المنصات، ولكن من الضرورة التعامل الحَذِر مع هذه الوسائل الرقمية وفقا لقاعدة: العلم سلاح ذو حدين.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: منصات التواصل الاجتماعی وسائل التواصل الاجتماعی الذکاء الاصطناعی هذه المنصات التی لا فی عام
إقرأ أيضاً:
ضبط متهم بالترويج للسحر والدجل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالإسكندرية
أكدت معلومات وتحريات الإدارة العامة لحماية الآداب بقطاع الشرطة المتخصصة، قيام أحد الأشخاص له معلومات جنائية ومقيم بدائرة قسم شرطة البساتين بالقاهرة، بالنصب والاحتيال على المواطنين من خلال مزاولة أعمال الدجل والسحر وإيهامهم بقدرته على العلاج الروحاني مقابل مبالغ مالية، والترويج لنشاطه الإجرامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعقب تقنين الإجراءات تم ضبطه بدائرة قسم شرطة اللبان بالإسكندرية، وبحوزته 3 هاتف محمول، وبفحصها تبين احتوائها على دلائل تؤكد نشاطه الإجرامي، وكذلك الأدوات المستخدمة في أعمال السحر والدجل.
وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.