حينما يفقد العالم إنسانيته
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
منذ عام ١٩٤٨ والفلسطينيون مشتتون في معظم دول العالم، رغم وقوع حربين عالميتين مروعتين دفعت البشرية ثمنهما هائلًا من دماء شعوب لم يكن لها في تلك الحرب ناقة ولا جمل، رغم ما أعقب الحرب العالمية الثانية من اتفاق الدول الكبرى على تأسيس منظمة دولية تحول دون وقوع مثل هذه المآسي، والحيلولة دون استقواء الدول الكبرى على الدول النامية، إلا أن المؤامرة الكبرى التي قادتها بريطانيا بدعم ومساندة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لقيام دولة يهودية على أرض فلسطين، ودعمها عسكريًا وماليًا- كان بمثابة أول ضربة قاضية لمصداقية الأمم المتحدة، وما أشبه اليوم بالأمس! فها هم الفلسطينيون يموتون تحت أنقاض منازلهم، بعد أن راحت الطائرات والمدافع وكل وسائل الإبادة تحصد أرواح هذا الشعب الأعزل، بعد أن منعوا عنه الغذاء والدواء في مشاهد مروعة لم تحرك ضمير العالم الحر، الذي فقد إنسانيته، ورغم نداءات الأمين العام لأمم المتحدة (أنطونيو جوتيريش) بعد أن زار معبر رفح، وشاهد بعينيه هول المأساة، ودعوته الصريحة لإنقاذ الأطفال والنساء والمشردين، إلا أن كل نداءاته ذهبت هباءً، في الوقت الذي يموت فيه الناس تحت أنقاض منازلهم، أو في المستشفيات التي راح العدو يستهدفها بكل قسوة أو على قارعة الطريق.
ما يحيرني ويضاعف من ألمي ومرارتي هو موقف العرب الذين أبرأوا ذممهم وقد اكتفوا بالبيانات والتصريحات الإعلامية، بينما بعض أقطارنا العربية راحت تقدم خطابين متناقضين، أحدهما موجه إلى العرب، والآخر إلى الغرب الداعم للعدوان، وهي ازدواجية عجيبة، استغلها المعتدون لتبرير عدوانهم وطغيانهم، ورغم هول الفاجعة، وصعوبة المشهد الذي لا مثيل له حتى في الحروب العالمية الكبرى، إلا أن ضعف العرب وتعارض مواقفهم كان سببًا كافيًا لمزيد من العدوان، وفي ظل هذه النكبة الكبرى لم تُقدم دولة عربية أو إسلامية واحدة من الدول التي لديها علاقات مع إسرائيل على قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية رغم الحشود الجماهيرية المطالبة بقطع العلاقات التي ملأت الميادين في المدن العربية والإسلامية والأوروبية، وقد انتفضت غضبًا وألمًا بعد أن رأت عبر وسائل الإعلام صرخات الأمهات وبكاء الأطفال وجثث الشهداء على قارعة الطريق صباح مساء.
العجيب في الأمر أن بعض أقطارنا العربية -ونحن نتابع إعلامها- لا تشعرنا بأن هذا العدوان على أرض عربية، بل وكأنها أحداث تقع في دول أمريكا اللاتينية، فالبرامج الغنائية والمسرحية وكل ما يقدم عبر وسائل الإعلام لا يشعرنا بأي قدر من التعاطف، رغم أن ثقافتنا العربية عبر تاريخها الطويل قد عرفت كيف يشعر الناس بفقد جار أو صديق أو قريب، حينما يشارك الجميع بدعم أهل المفقودين، حتى لو كان هذا الدعم معنويًا، إنها ثقافة عربية أصيلة، أعتقد إنها لا تزال قائمة في مجتمعاتنا العربية. لم يعبأ البعض بشلالات الدماء على الأرض العربية في فلسطين، وقد راح أهلها يستنجدون بالعروبة والإسلام، إلا أن كل هذا قد ذهب هباءً، وهو مشهد مروع أحدث انقساما بين الجماهير العربية والإسلامية، وخصوصًا قد راح البعض يشن هجومًا قاسيا على القتلى، وقد حمّلهم المسؤولية عن قتلهم.
ضاعف من هول المأساة اختفاء بعض حكامنا عن المشهد، وكأن القضية برمتها لا تعنيهم، حتى حينما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد قمة عربية كان الصمت هو الإجابة المناسبة، وهو أمر يدعونا إلى الريبة والشعور بأن أمرًا يدبر بليل في سبيل الإجهاز على القضية الفلسطينية نهائيًا، وربما يتصور البعض إنه آمن في وطنه، فالخطر يهدد الجميع من كل جانب، ولا سبيل أمامنا إلا أن نعتصم بوحدتنا وهويتنا، وطالما بقي العرب منقسمين مختلفين، فالمستقبل يكتنفه الغموض والخطر، لا نطالب حكامنا بأن يجيّشوا الجيوش ويعلنون الحرب، بل أضعف الإيمان أن يستخدموا قواهم الناعمة في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، وعلاقاتهم الدولية الواسعة لإنقاذ شعب يباد تحت أعين الجميع، وأعتقد أن على الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا مهمة عظيمة، فلا يكفي التظاهر في الشوارع والميادين وبيانات الشجب والإدانة، بل عليهم أن يشكلوا لوبيا عربيا منظما، وهم من الكثرة لدرجة أن باستطاعتهم أن يشكلوا ضغطًا على البرلمانات الأوروبية والأمريكية وأن يمارسوا دورهم في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن مهام كثيرة وهي وسائل لم تلتفت إليها الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا، رغم أنهم من الكثرة لدرجة أن باستطاعتهم أن يؤثروا على صناعة القرار السياسي في الوقت الذي يشغل فيه اللوبي الصهيوني دورًا كبيرًا وقوة ضغط هائلة في السياسة والإعلام والاقتصاد في سبيل خدمة إسرائيل، لكن المشكلة أن مواطنينا العرب والمسلمين قد حملوا أمراضهم وأدرانهم على ظهورهم أينما رحلوا.
يملك العرب كل مقومات القوة، فأينما ذهبت من المشرق العربي إلى مغربه تجد اللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة للتحدث، وأينما حللت بقطر عربي وتجولت بين مكتباته تلاحظ أن كل ما يقرؤه المشرقيون العرب يقرأه المغاربة، وأن شغف كل الشعوب نحو التطلع إلى وحدتها، وأن العلاقات الاجتماعية تمتد من المشرق إلى المغرب في محبة ووئام.
لقد أتيح لي السفر إلى كل الأقطار العربية من المشرق إلى المغرب، لم أشعر ولو لمرة واحدة أنني قد غادرت بلدي، بل أجد في كل قطر نزلت فيه محبةً وترحيبًا، حتى في ظل ما كانت تواجهه بلدي من مناكفات سياسية، لكن كان الشعب دائما هو الحاضنة الاجتماعية والفكرية، وفي كل البلاد التي زرتها غالبًا ما كنت أتجول بين منافذ بيع الكتب والصحف، وكل ما تقع عيناي عليه إما أن أكون قد قرأته أو سمعت عن مؤلِفه، والمكتبات عامرة بما يكتبه الكتاب والمفكرون العرب من كل الأقطار، وغالبًا ما كنت أزور المكتبات القديمة، ومن عناوين الكتب أشعر أن المؤلف لا يكتب لبلده فقط، بل عينه وقلبه تستهدف القارئ العربي في كل مكان.
لم يلتفت صناع القرار إلى أهمية هذا الرصيد الفكري والحضاري والاجتماعي، الذي يعد رصيدًا ضخمًا لصناعة مستقبل أفضل نحمي به أوطاننا وشعوبنا وثقافتنا، والعدوان الصهيوني في قلب هذا المشهد، فماذا نحن منتظرون لإنقاذ أهلنا في فلسطين مما يُخطط لهم من مصير مظلم، طالما القرار بيد حكامنا، فعليهم أن يثقوا بأن من ورائهم رصيدًا ضخمًا من البشر يمكن الاعتماد عليه، بهدف حماية مستقبلنا والحفاظ على هويتنا، والتجارب التاريخية منذ بداية البشرية تؤكد أن كل الغزاة والمستعمرين في طريقهم إلى الزوال طالما تمسكنا بحقوقنا وبأرضنا، ومن المستحيل أن يُقتلع الفلسطينيون من أرضهم مهما طال الاحتلال، والقضية الفلسطينية ستظل حية ما بقي الفلسطينيون على أرضهم التي ولدوا عليها، ولن يتمكن العدو بكل قوته وجبروته من اقتلاع شعب من أرضه، والفلسطينيون من أكثر الشعوب إيمانًا بهذه القضية التي لا تسقط أبدًا بالتقادم.
د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما بعد “قازان”: ما الذي يحتاجه “بريكس” ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟
منذ أن تأسس تجمع “بريكس” عام 2006 من قِبل البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمام جنوب إفريقيا إليه عام 2011، ثم انضمام دولة الإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران في أول يناير 2024، استطاع لفت الأنظار إليه كرمز لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب أكثر تنوعاً وعدلاً، وكبديل يسعى لتعزيز التنوع والمساواة في صنع القرار العالمي.
وتحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”، ومشاركة ممثلي 32 دولة بينها 24 على مستوى رئاسي، وقيادات ست منظمات دولية؛ عقد رؤساء دول “بريكس+” قمتهم الـ16 في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، وهي القمة الأولى بعد توسعة هذا التجمع؛ لتُلخص نتائج رئاسة روسيا له، والتي حددت أولوياتها في السياسة والأمن، والتعاون في الاقتصاد والتمويل، والتبادلات الإنسانية والثقافية.
وهدفت قمة قازان، التي عُقدت في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر 2024، إلى كتابة فصل جديد يُعزز التأثير المتنامي لـ”بريكس” في الساحة العالمية؛ وهو ما برز في الموضوعات التي ناقشتها القمة، وحجم الوفود المشاركة، وكذلك مشاركة أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.
مخرجات القمة:
على الرغم من تركيز قمة قازان على القضايا الاقتصادية، ومشكلات الطاقة، ومكافحة الفقر والإرهاب، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي؛ فإنها لم تغفل عمّا تشهده الساحة العالمية من حروب وتحديات، وفي صدارتها الحرب الروسية الأوكرانية، وتصعيد ماكينة الحرب الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط. وقد تضمن البيان الختامي للقمة 134 بنداً تشمل جوانب متعددة، منها الآتي:
– ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية مثل: الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ لتصبح أكثر تمثيلاً وفعالية، مع تعزيز دور الدول النامية في اتخاذ القرارات الدولية.
– أهمية احترام مبادئ تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، والتعاون في مواجهة التحديات العالمية.
– التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وعلى الحاجة لتقديم التمويل اللازم من الدول المتقدمة للدول النامية.
– تعزيز نظام منع الانتشار النووي، وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، مع الدعوة لتجديد جميع الأطراف للاتفاق النووي الإيراني.
– الموافقة المبدئية على قبول 10 دول جديدة، مع استطلاع رأي الدول الأعضاء قبل الموافقة النهائية، واستحداث فئة “الدول الشريكة”، في ظل إبداء 30 دولة اهتمامها بالانضمام إلى “بريكس”.
– تعزيز التعاون بين دول “بريكس” في المجالات الاقتصادية والمالية، وتطوير المشروعات المشتركة، وتشجيع استخدام العملات المحلية، والعمل على إنشاء بنك التنمية الجديد ليصبح بنكاً تنموياً متعدد الأطراف.
– تدشين منصة مالية جديدة هي “بريكس كلير”؛ بهدف معالجة التضخم ودعم الاقتصاد الوطني لدول التجمع، إلى جانب بورصة للحبوب، ودراسة إنشاء منصة نقل موحدة لضمان الخدمات اللوجستية المتعددة الوسائط بين بلدان التجمع.
– الإعراب عن القلق إزاء تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والدعوة إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتأييد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وانضمام دولة فلسطين المستقلة إلى الأمم المتحدة. كما أبدت الدول الأعضاء انزعاجها من الوضع في جنوب لبنان، ودعت إلى الوقف الفوري للأعمال العسكرية والحفاظ على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، فضلاً عن الدعوة لحل الصراع الروسي الأوكراني بالطرق السلمية.
مستقبل “بريكس”:
أبرزت قمة قازان مجموعة من العوامل التي قد تُشكل مستقبل تجمع “بريكس”، والتي يمكن تقييمها على النحو التالي:
1- محفزات:
أ- سياسية:
– اهتزاز الثقة في النظام العالمي الراهن بشقيه السياسي والاقتصادي، في الوقت الذي تبحث فيه الدول النامية عن فضاء أفضل وأكثر مصداقية لتمويل برامجها الاقتصادية والتنموية.
– نظرة دول الجنوب العالمي (تمثل 85% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) لتجمع “بريكس” باعتباره منصة مهمة لإيصال أصواتها؛ إذ بدا وكأنه واجهة براقة لدول الجنوب لتحظى بتمثيل أكبر على الساحة الدولية، ومناقشة قضاياها، وزاد من وعي هذه الدول بأهمية تعميق تعاونها بشكل يتوافق مع مشاغلها وأولوياتها ضمن هيكل عالمي أكثر إنصافاً وشفافية وشمولية.
– تشكيل وجود روسيا والصين عنصر قوة للتكتل؛ إذ تُمثل موسكو قوة سياسية وعسكرية ومصدراً أساسياً للسلاح، فيما أضحت بكين قطباً اقتصادياً وتكنولوجياً مهماً.
– قدرة “بريكس” على إذابة التناقضات التي تسود علاقات العديد من الدول، مثل: مصر وإثيوبيا، والصين والهند.
– احتمالية أن يساعد “بريكس” على إحداث توازن دولي يؤدي إلى تهدئة أجواء الصراعات العالمية.
– توسعة “بريكس” يمكن أن تؤدي إلى زيادة نفوذه الجيوسياسي والاقتصادي، وتمنحه تنوعاً أكبر في الموارد والأسواق.
ب- اقتصادية:
– يُمثل تجمع “بريكس” 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، و45% من سكان العالم. ويبلغ حجم اقتصاد التجمع 29 تريليون دولار (30% من الناتج الاقتصادي العالمي)، وتستحوذ دوله على 25% من صادرات العالم، وتُنتج نحو 35% من الحبوب عالمياً، وتتحكم في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات.
– تكملة اقتصادات دول “بريكس” بعضها؛ إذ تُعد مصدراً للغاز والنفط والمعادن والتكنولوجيا والثروات الزراعية والإمكانات العسكرية.
– امتلاك “بريكس” مجموعة من المؤسسات المالية، منها “بنك التنمية الجديد” لتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية في الدول الأعضاء، والذي سيُقلل من الاعتماد على المؤسسات المالية الدولية، و”صندوق احتياط نقدي” لدعم الدول على سداد ديونها.
– زيادة التبادل التجاري بين دول “بريكس” بعملات محلية سيُقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي، وسيُعزز استقلالية التكتل.
– المساهمة في تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب؛ مما يُسهم في نموها وتطورها. وتشير التقديرات إلى أن تنفيذ منظومة الدفع المتكامل يمكن أن يُعزز التجارة بين أعضاء “بريكس” بنسبة تتراوح بين 5% و7%.
ج- جغرافية:
– عدم انتماء دول “بريكس” إلى الحضارة الغربية، وليس لها ماضٍ استعماري؛ بل تنتمي إلى دول الجنوب، وهي تُشكل مزيجاً من حضارات مختلفة.
– انتشار الأعضاء الجغرافي يُمكن أن يُعزز مرونة التكتل في مواجهة التحديات العالمية، وقد يزيد قدرة “بريكس” على التأثير داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
2- تحديات:
أ- سياسية:
– غياب أمانة عامة لإدارة وتنسيق أنشطة “بريكس”، أو مؤسسات وهياكل تنظيمية.
– الخلافات والتوترات بين بعض دول التكتل، منها: الصين والهند، ومصر وإثيوبيا، والسعودية وإيران.
– الصراعات الداخلية والأزمات الحادة التي تشهدها بعض بلدان التكتل.
– التنافس القائم بين بعض دول “بريكس” مع الولايات المتحدة (روسيا والصين)، في مقابل دول أخرى ترتبط بعلاقات وطيدة مع واشنطن (الهند)، وعدم رغبة البعض الآخر في الدخول في مواجهة مع أقطاب النظام العالمي الراهن والمؤسسات الغربية.
ب- اقتصادية:
– امتلاك دول “بريكس” أنظمة اقتصادية ذات أحجام متفاوتة وأسعار عملات متباينة؛ وهو ما ينعكس على اختلاف تصوراتها حيال القضايا الاقتصادية والتجارية والتمويل.
– التنافس الاقتصادي والتجاري بين بعض دول التكتل، خاصةً بين الصين والهند.
– التخوف من هيمنة بكين على التكتل، ومن سياسات الإغراق وغياب التنسيق في الأسواق؛ فالصين تُمثل 69% من إجمالي الناتج المحلي لـ”بريكس”، وهو أكثر من ضعف حجم جميع الأعضاء الآخرين مجتمعين.
– عدم امتلاك “بريكس” أو مؤسساته المالية التمويل اللازم لمنح قروض كبيرة أو إخراج الدول من أزماتها الاقتصادية.
– بالرغم من سياسة التعامل بالعملات الوطنية، يُعد القضاء على هيمنة الدولار الأمريكي أمراً صعباً لعدة أسباب؛ أولها، استمرار هيمنة الدولار في النظام التجاري (80% من حجم التجارة العالمية) والمصرفي العالمي. وثانيها، اعتبار الدولار مخزوناً للمدخرات والقيم المالية واحتياطيات البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم. وثالثها، تمتع غالبية دول “بريكس” بعلاقات اقتصادية وثيقة مع الدول الغربية؛ ومن ثم يصعب عليها التخلي الكامل عن استخدام الدولار.
ج- جغرافية:
– غياب الرابط الجغرافي والثقافي بين دول “بريكس”.
– تحفظ بعض الدول على انضمام دول جديدة، والمطالبة بتحديد معايير وشروط واضحة، خاصةً أن التوسع ربما يؤثر في تماسك التكتل ويُبطئ التقدم في عملية صُنع القرار في كتلة يتم فيها اتخاذ القرارات بالإجماع، وفي ظل وجود اختلافات في المصالح بين الدول الأعضاء.
ماذا يحتاج “بريكس”؟
يُعد تجمع “بريكس” إحدى أهم المنصات لتحويل العالم إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة، لكن هذا التحول ربما يتطلب ما يلي:
1- أن تكون هناك أيديولوجيا أو سياسة واضحة تتفق عليها جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك قبول الأعضاء الجدد.
2- أهمية التفكير بجدية في فكرة العملة الموحدة التي تجمع دول “بريكس”، وفي إنشاء عملة رقمية ونظام مالي مبتكر بعيداً عن تأثير النظام العالمي القائم.
3- التعاون المشترك بين دول التجمع في مواجهة الأزمات التي تؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي والنظام الغذائي؛ وإلا سيظل “بريكس” كياناً ضعيفاً.
4- يتطلب نجاح “بريكس” التعاون من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي داخل الدول الأعضاء.
5- تنفيذ إصلاحات هيكلية في بعض الاقتصادات الوطنية من أجل تعزيز قدرة دول “بريكس” على المنافسة العالمية.
6- التركيز على التعاون في مجالات مثل: الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة؛ بما يزيد من قدرة “بريكس” التنافسية.
ختاماً، قد تكون التحديات التي تواجه تجمع “بريكس” كبيرة، لكن الفرص والإمكانات المتاحة أكبر؛ إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح، فمستقبل “بريكس” واعد، وهذا يتطلب تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي وتضافر الجهود من قِبل الدول الأعضاء لتحقيق أهدافه الطموحة؛ من أجل أن يصبح “بريكس” قوة مؤثرة في تشكيل مستقبل النظام العالمي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”