لماذا سنندم جميعا لترك إسرائيل تستفرد بالمقاومة في غزة؟
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
لماذا يتعين على العرب ألا يستمروا في خداع أنفسهم وشراء مقولات العلاقات العامة الأمريكية عن ضغوط جادة من واشنطن لوقف مستدام وقريب لإطلاق النار؟
أكتفي في الإجابة هنا بما ذكرته التقديرات الإسرائيلية التي تؤكد أن واشنطن ستستمر في منح جيش الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر في مواصلة حرب إبادة غزة وتتصدى إلى الضغوط الدولية والداخلية المتصاعدة لوقف المقتلة اليومية لآلاف المدنيين العزل لموعدين أو تاريخين مختلفين: الموعد الأول ينتهي في آخر شهر نوفمبر الحالي أي يمتد لنحو ٣ أسابيع من الآن.
بهذا المعنى فإنه حين تنتهي رخصة القتل الغربية الممنوحة لجيش الاحتلال وقياسا على عدد الشهداء والجرحى في غزة خلال الشهر المنصرم من العدوان البربري فإن نتائج كارثية قد تحدث لنا كعرب وعندما تحدث -لا قدر الله- فإن قدرة النظام العربي الرسمي على تحمل نتائجها ستكون قدرة محدودة ومشكوكا فيها بقسوة.
وبعبارة أوضح فإن التفويض الغربي سيؤدي لتبعات قد تهدد بقسوة الاستقرار السياسي للعالم العربي ووحداته ودوله الوطنية كما حدث بعد حرب ١٩٤٨ التي كانت سببا رئيسيا في تغيير جذري شمل عددا وازنا من الحكومات العربية.
هنا بعض النتائج الكارثية التي يمكن للتنبؤ السياسي أن يقدر حدوثها ويقدر تأثيراتها الخطيرة على الوضع العربي الراهن، ويدفع فيه العرب ثمن الانحياز المطلق الأمريكي والغربي لإسرائيل.
الكارثة الأولى إنسانية فلسطينية قد تعمق الفجوة القائمة بين معظم النظم العربية وشعوبها إلا فيما ندر حيث يتسق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي: عندما يتسبب شهر من العدوان بما يعادل قنبلتين ونصف نوويتين على جيب غزة صاحب الكثافة السكانية الأكبر في العالم في استشهاد وجرح وفقد ما يزيد على ٤٠ ألف شخص ٧٥٪ منهم من الأطفال والنساء والشيوخ وعندما تقول المنظمات الدولية أن غزة أصبحت أكبر مقبرة جماعية في التاريخ المعاصر فإن استمرار الرخصة الأمريكية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة أو ستة أسابيع أخرى بممارسة مجازره، وكذلك مع استهداف المستشفيات بالقصف وإخراجها من الخدمة ووصول نقص المياه والغذاء إلى مستوى المجاعة في غزة فإن ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والمفقودين لما يزيد عن خمسين أو ستين ألفا سيخرج غضبا شعبيا عربيا -منضبطا حتى الآن- من عقاله ويجر الحكومات العربية معه إلى وضع معقد يهدد بانفلات الشارع ومواجهات ويؤذن بنكبة ثانية تفعل في العالم العربي ما فعلته النكبة الأولى من تغييرات داخلية في نظم عربية.
كارثة تحطيم الحكومة في غزة ومخاطر إطلاق الإرهاب في العالم العربي: حماس ليست كتائب القسام فقط، حماس هي الحكومة التي تقود غزة منذ ٢٠٠٧ وتدير مرافقها التعليمية والصحية ومرافق المياه والكهرباء وهي التي تنسق مع الدول المجاورة وهي التي دخلت معارك مع مجموعات فلسطينية متشددة صغيرة في غزة حتى لا تتسرب للدول المجاورة. وحماس -بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها- تتمتع بحاضنة شعبية ما تشمل نشوء جيل جديد لا يعرف غيرها.
* وهي ككل حكومة -أيًا كان موقفنا منها- هي سلطة الضبط والربط التي تنفذ العقد الاجتماعي وتمنع تحول غزة إلى مخيم كبير منفلت مثل مخيم عين الحلوة في لبنان الذي تتقاتل فيه الفصائل والمجموعات السياسية والجنائية داخله بصورة مخيفة.
ويقدر خبراء غربيون متمرسون في شؤون الشرق الأوسط إن غزة -ستتحول- إذا سمح للعدوان لإسرائيل بالمضي قدما لعدة أسابيع قادمة بإقامة منطقة أمنية عازلة تفصل شمال غزة عن جنوبه وإنهاء حكم حماس للقطاع - سيتحول إلى هذا المصير أي مخيم فلسطيني كبير منفلت لا سيطرة لأحد على ما يخرج منه من تفاعلات تجاه الدول المجاورة أو تجاه المحيط الإقليمي عامة.
السؤال هنا ما الذي سيخرج من تفاعلات محتملة في ظل عدم وجود حكومة في غزة؟ خبرتنا العربية القريبة لا تكتفي فقط بأن تجيبنا وتدلنا بل يجب، أيضا، وبكل صراحة أن تخيفنا عواقبها، فجريمة أمريكا في حل الجيش العراقي بعد غزو ٢٠٠٣ نتج عنها انتقال عناصر مدربة من هذا الجيش ليحارب مع أي طرف يحارب الأمريكيين بما في ذلك الانضمام إلى منظمة داعش التي كانت قبل ذلك مجرد منظمة صغيرة أنشأها مصعب الزرقاوي فحولها لمنظمة دولية وإقليمية وصلت للشمال الإفريقي ووصلت للجزيرة العربية والساحل والصحراء والقرن الإفريقي الملاصق للبحر الأحمر، وحكمت لسنوات أجزاء كبيرة من سوريا والعراق وحارب الجيش المصري فرعها المعروف باسم جيش المقدس في سيناء المصرية في السنوات العشر الأخيرة. بغياب سلطة حماس وعدم جاهزية السلطة الفلسطينية لتولي حكم غزة بل وعدم قبولها أن تأتي على ظهور الدبابات الإسرائيلية، كما قال رئيس وزراء السلطة محمد أشتية ورفض الدول العربية التورط في تشكيل قوة أمنية تحمي أمن إسرائيل وتحول القتال إلى حرب بين الأشقاء العرب والمسلمين من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى. بعد إسقاط حكومة وجيش العراق تمددت داعش والجماعات الأخرى ومن شأن اجتماع اليأس وفقدان الأمل المتوقع من الفلسطينيين في غزة مع غياب الحكومة الحالية للقطاع نشوء منطقة رخوة ينتشر فيها التطرف، بعبارة أخرى سيؤدي اختفاء حكومة حماس وعدم وجود بديل مقنع لها والتخبط الأمريكي والإسرائيلي المتمثل في عدم وجود تصور محكم لما بعد القضاء المزعوم على حماس.. ستؤدي لموجة إرهاب في العالم العربي تبدد استقراره من جديد.
خطر التهجير القسري لسيناء والضفة الغربية لاحقا: الرفض المصري والأردني والعربي القاطع حتى الآن لمشروع التهجير القسري إلى سيناء والأردن أي ربما أوقف مؤقتا مخطط واشنطن تل أبيب لتهجير الفلسطينيين قسريا. ولكن ما لم تتخذ خطوات أكبر فإن الأخطار ستظل قائمة وسيظل استبعاد حدوثها أو تصديق تصريحات بلينكن المعسولة في هذا الصدد بمثابة جريمة أمن قومي كاملة الأبعاد. يشير محللون غربيون إلى عاملين خطيرين. العامل الأول جغرافي والثاني زمني. أما الجغرافي فهو يستند إلى أن حشر معظم سكان غزة في جنوب القطاع بعملية النزوح الإجباري بسبب القصف البربري لن يجعلها بمرور الوقت قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد خاصة مع النقص الفادح في الغذاء والمياه والدواء أما العامل الزمني فسيظهر أكثر مع دخول فصل الشتاء وربما سقوط الأمطار، وستتحول منطقة جنوب غزة عندها منطقة موحلة مرشحة لانتشار الأوبئة وانتقالها للدول المجاورة بسبب تواجد آلاف الجثث تحت الأنقاض والعجز عن استخراجها. هنا قد يبدو خروج أقسام هائلة من الفلسطينيين مضطرين إلى سيناء أو إلى بحر غزة وفي الغالب الاثنين معا احتمالا هائلا.
في نهاية هذا المقال أكتشف مثل القارئ تماما أنه يكاد يكمل مقالا آخر نشرته قبل ثلاثة أسابيع يؤكد أن الحفاظ على المقاومة هي مصلحة براجماتية محضة للحكومات العربية قبل أن يعتبر دفاعا عن فلسطين وأن المقاومة لو لم تكن موجودة لوجب علينا اختراعها.
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم فی غزة
إقرأ أيضاً:
أبو الغيط يستنكر الفيتو والبرلمان العربي يتحدى الاحتلال.. وخبير يكشف فوضي في جيش إسرائيل
تشهد المنطقة تصعيدًا غير مسبوق من التوترات، حيث تتزايد الانتقادات الدولية لاستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) للمرة الرابعة في مجلس الأمن لوقف قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
يأتي هذا في وقت يتعرض فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي لانتقادات حادة من البرلمان العربي بسبب تهديداته بضرب جمهورية العراق، مما يزيد من حدة القلق بشأن الاستقرار الإقليمي. فيما تشير تحليلات الخبراء العسكريين إلى وجود فوضى داخل جيش الاحتلال، مما يطرح تساؤلات جدية حول قدرته على إدارة الأزمات الحالية.
من جانبه استنكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بشدة استخدام الولايات المتحدة للفيتو لمنع قرار أيدته 14 دولة عضوًا في مجلس الأمن، والذي كان يهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية.
ونقل جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام عن أبو الغيط أن الموقف الأمريكي، الذي وصفه بالمعزول دوليًا والمدان سياسيًا وأخلاقيًا، يمثل "ضوءًا أخضر" لإسرائيل للاستمرار في عملياتها العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين.
وأشار أبو الغيط إلى أن هذا التصعيد يعزز من عجز الأمم المتحدة في مواجهة أحد أخطر الصراعات في المنطقة، ويشجع الاحتلال على مواصلة الحرب تحت غطاء خطط اليمين الإسرائيلي المتطرف، بما في ذلك مخططات الضم وإعادة الاستيطان. وأوضح أن استخدام الولايات المتحدة للفيتو للمرة الرابعة يعزز من إضعاف مجلس الأمن ويقوض الثقة في المنظومة الأممية.
في سياق متصل، أدان البرلمان العربي التهديدات التي أطلقها كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد جمهورية العراق، مؤكدًا دعمه الثابت لسيادتها وأمنها. وأشار البرلمان إلى أن كيان الاحتلال ينبغي عليه الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ووقف المجازر في فلسطين ولبنان.
ودعا البرلمان العربي المجتمع الدولي إلى الضغط على كيان الاحتلال لوقف مخططاته التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، محذرًا من عواقب أي تصعيد قد يؤدي إلى حرب إقليمية.
فوضى في جيش الاحتلالعلى صعيد آخر، أوضح الخبير العسكري الأردني نضال أبو زيد في تصريحات خاصة ل"الوفد" أكد الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن الفوضى تسود في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى عدة مؤشرات تدل على ذلك. ومن أبرز هذه المؤشرات مقتل مستوطن خلال مواجهات مع حزب الله في جنوب لبنان، حيث دخل المنطقة دون موافقة رسمية برفقة صديق له يحمل رتبة قائد كتيبة، وهو باحث أثري لم يُعثر على اسمه في سجلات الجيش.
وأشار أبو زيد إلى أن لواء الجولاني، الذي يُعتبر من أقدم وأهم وحدات جيش الاحتلال، تكبد خسائر فادحة منذ بداية الحرب الحالية، حيث قُتل 110 جنود خلال العمليات العسكرية على الجبهتين.
كما ألقى أبو زيد الضوء على مقطع فيديو بثته المقاومة يظهر حالة من الفوضى بين جنود لواء كفير أثناء اقتحام أحد المنازل في بيت لاهيا، حيث هرب عدد منهم بعد وقوعهم في كمين للمقاومة.
أزمات قيادية وتخبط في التنسيق
ولفت أبو زيد إلى أن حالة الفوضى وعدم الانضباط لا تقتصر على المستويات القيادية الدنيا، بل تشمل أيضًا المستويات القيادية العليا. فقد دفع جيش الاحتلال بقوات مشاة إلى مناطق ذات حدة عمليات مرتفعة، مثل شمال غزة، حيث تم إرسال لواء كفير ولواء جفعاتي، وهما وحدات مشاة وليستا مدرعتين، مما زاد من تعرضها للخسائر.
وأضاف أبو زيد أن هناك أزمة ثقة واضحة بين وزير الدفاع الإسرائيلي، تساحي كاتس، الذي يميل إلى خلفية مدنية، وقيادات الجيش، بما في ذلك رئيس الأركان هرتسي هاليفي. وقد ظهر هاليفي في مقطع فيديو وهو متفاجئ من تصريحات كاتس حول القضاء على قدرات حزب الله، مما يشير إلى تخبط في التنسيق بين الأجهزة العسكرية والقيادة السياسية.
كما أشار إلى وجود تضارب في التصريحات بين قيادات المناطق العسكرية، حيث عُقدت تصريحات من قائد المنطقة العسكرية الجنوبية حول إمكانية إقامة حكم عسكري في غزة، تلاها تصريح من رئاسة الأركان بأن الجيش لا يملك قوات كافية لتنفيذ هذا القرار.
غياب الناطق الإعلامي
تُعزز هذه الأزمات من حالة الارتباك داخل الجيش، خاصة مع غياب الناطق الإعلامي باسم جيش الاحتلال، الذي لم يظهر منذ أكثر من أسبوعين، مما يزيد من الشكوك حول فعالية القيادة العسكرية في التعامل مع الأوضاع المتغيرة بسرعة
تتزايد التحديات في الشرق الأوسط، مع تصاعد الانتقادات الدولية للاحتلال الإسرائيلي وتبعات الفيتو الأمريكي. يبقى السؤال مطروحًا حول كيفية تعامل المجتمع الدولي مع هذه الأزمات، ومدى قدرة الدول العربية على حماية مصالحها في ظل هذه الظروف المتقلبة.