لقاء بايدن وشي لن يمنع المنافسة
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
منذ قمة بايدن وشي في بالي بإندونسيا في نوفمبر الماضي، ازدادت العلاقات الأمريكية الصينية انزلاقا إلى مسار صراع بسبب مواجهات من قبيل إسقاط الولايات المتحدة منطاد تجسس صيني وزيادة كثافة العقوبات في صناعة أشباه الموصلات. وفي المقابل، كثفت الصين من تدريباتها العسكرية حول تايوان وقوت العلاقات العسكرية الفعلية مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية لمواجهة استراتيجية المنافسة الأمريكية.
ولنزع فتيل التوتر، بعث جو بايدن من وزرائه وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت ييلين ووزير التجارة جينا ريموندو ومبعوث المناخ جون كيري إلى بكين واحدا تلو الآخر في سياق جهود إدارته للوفاء بالتزامها بـ«منافسة دونما كارثة» من خلال «الدبلوماسية الكثيفة».
برغم بذل الولايات المتحدة جهودا مهمة للحفاظ على انفتاح قنوات الاتصال العسكري رفيعة المستوى، دأبت الصين على رفض الطلب الأمريكي بإعادة فتح هذه القنوات. وأكد مستشار الأمن الوطني الأمريكي جيك سوليفان أن الصين في ما يبدو ترى أن العلاقات الأمريكية الصينية ستكون أكثر أمنا إذا «تفككت» هذه القنوات ولم يبق من «واقيات للصدمات».
غير أن وزير الخارجية الصيني وانج واي زار واشنطن في أواخر أكتوبر، ووافقت الولايات المتحدة والصين من حيث المبدأ على خطة لقاء بين جو بايدن وشي جينبنج على هامش قمة أبيك APEC في سان فرانسيسكو في الفترة من 11 إلى 17 نوفمبر، برغم أن الصين لم تعلن رسميا عن الاجتماع. في ضوء الظروف الراهنة للصين والولايات المتحدة في السياق العالمي، فإن تبدل قرار الصين، الذي يبدو أنه يعارض موقفها السابق قرار منطقي.
دونما شك، لا بد أن يعمل كلا الجانبين بما يخدم سياساته الداخلية. في الجانب الأمريكي، قرابة 83% من الراشدين الأمريكيين لديهم رؤى سلبية تجاه الصين، وبات اتباع منهج أشد صرامة في السياسة الخارجية تجاه الصين موضع إجماع من الحزبين. وفي الواقع، تتردد الإدارة في المخاطرة بمواجهة الصين لأن الهدف المركزي لإدارة بايدن هو ضمان النصر في انتخابات السنة القادمة. وللموازنة بين أفضل مصالح الحكومة وإرادة أغلبية الشعب الأمريكي، يهدف بايدن إلى إقامة واقيات حماية أثناء التنافس مع الصين لاجتناب الصدام المباشر معها.
في الجانب الصيني، تواجه الصين في ظل حكم شي تحديات جسيمة، بسبب التضخم، وأزمة سوق الإسكان، وضعف الصادرات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وشيخوخة السكان، وتصاعد الديون الحكومية المحلية. كما يضعف الاستهلاك المحلي، والمستثمرون الأجانب يفقدون الثقة ويسحبون استثماراتهم من الصين. وجميع هذه العوامل قوضت أساس شرعية الحكومة.
مرت الصين بزلزال سياسي في دائرة شي الداخلية خلال الشهور الأخيرة. فقد تخلص شي من حليفين له، هما وزير الخارجية الصيني كين جانج ووزير الدفاع الصيني لي شانج فو.. كما استبدل شي جين بينج اثنين من كبار الجنرالات، تشانج شنج مين ووانج جيا شينج، في القوة الصاروخية لجيش التحرير الشعبي التي تلعب دورا حاسما في الردع والمهاجمة المحتملة لتايوان والجيش الأمريكي. وقد يكون لهذا أثر ضار على جودة معدات جيش التحرير الشعبي وعملية توحيد تايوان. ومنذ مجيء شي جينبنج إلى السلطة في عام 2012 استهدف أكثر من ستين جنرالا في الجيش.
لقد أظهر التاريخ أن الحزب الشيوعي الصيني كلما يصادف أزمة في السلطة، فإنه يلتفت إلى الولايات المتحدة طلبا للمساعدة. ففي سبعينيات القرن العشرين، حينما كان الاقتصاد الصيني على شفا الانهيار وواجهت الصين هجمة نووية سوفييتية محتملة، بدأ ماو تسيدونج العمل مع الولايات المتحدة لمقاومة روسيا. وبعد واقعة ميدان تيانانمن في عام 1989، حينما واجهت إدانة وعزلة دوليتين، بدأ دينج شياوبنج سلسلة مبادرات لاسترداد مكانة الصين الدولية وطلب مساعدة من الولايات المتحدة وبلاد غربية أخرى.
الآن، يكافح شي جينبنج أزمات كبيرة اقتصادية وتمويلية ودبلوماسية. فقد أثارت الوفاة المفاجئة لرئيس الوزراء الصيني السابق لي كه تشيانج تكهنات واسعة النطاق ألقت بظلالها على قدرة شي على الحكم داخليا وخارجيا. والظاهر أن الصين في ظل حكم شي غير مهيأة بعد لفتح ميدان معركة ثالث على مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي. وبدلا من ذلك، يسعى شي إلى صورة جليلة لدبلوماسية قوة عظمى لاسترداد بعض السمعة في مواجهة الجمهور الداخلي ولتخفيف الاستياء الداخلي في الوقت نفسه.
يمكن النظر إلى مشاركة شي في قمة أبيك بوصفها سبيلا إلا الإلهاء عن هذه القضايا الداخلية وإظهار صورة القوة والاستقرار على الساحة العالمية. وقد تعد أيضا محاولة لطمأنة المستثمرين الأجانب والشركاء التجاريين إلى أن الصين لم تزل مكانا آمنا وجذابا للقيام بالأعمال.
فضلا عن ذلك، فقد تكون -من وجهة نظر الصين- لحظة مواتية لتحقيق أكثر مما فقدته خلال لقاء بايدن وشي في الأفق السياسي العالمي. فأوكرانيا لم تحقق غير تقدم بطيء منذ أطلقت هجمة مضادة على القوات الروسية التي تحتل أراضيها في مطلع يونيو 2023. ولدى الصين أسباب للاعتقاد بأن الركود في الحرب الأوكرانية الروسية يعكس أن سياسة الاتحاد مع روسيا ومقاومة الولايات المتحدة سياسة متشددة، والولايات المتحدة والمجتمعات الغربية تشرع في فقدان الثقة في انتصار أوكرانيا.
تستهلك حرب حماس - إسرائيل المزيد من الموارد الأمريكية، مسفرة عن تحول التنافس بين الولايات المتحدة والصين ليصب في مصلحة الأخيرة. كما أن الحرب بدأت في إعادة صياغة الرأي العام الذي يؤثر على منافسة القوتين العظميين. فقد استدعت بعض الدول سفراءها من إسرائيل. وعزفت بعض البلاد الغربية ومن بينها الولايات المتحدة عن تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا مع تحول الانتباه منها إلى الشرق الأوسط. وفي حين تختبر الصين ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على خوض حربين في آن واحد، فإنها ترى هذه الفرصة ممتازة لدفع أجندتها الوطنية المتمثلة في تحدي الهيمنة الأمريكية العالمية والفوز بالعالمين العربي والإسلامي بوقوفها في صف فلسطين.
هذه الديناميكيات السياسية العالمية قد تقوي قدرة شي التفاوضية خلال اللقاء. قد يتوصل الزعيمان إلى اتفاقات في بعض القضايا، من قبيل تغير المناخ والتبادل التجاري والسيطرة على الفنتانيل -fentanyl- ولكن يبقى حل بعض القضايا أمرا شبه مستحيل، وهذه القضايا هي حجر الزاوية في العلاقات الأمريكية الصينية، ومن الخلافات الكثيرة المواقف من أوكرانيا، وحماس، وحقوق الإنسان، والتنافس التكنولوجي، والأمن الإقليمي في بحر الصين الجنوبي، كما تشكل تايوان المعضلة الأشد صعوبة في العلاقات الثنائية.
الصين اليوم يحكمها شي جينبنج. ويعتقد شي أن الزمن الحالي يشهد تغيرات غير مسبوقة ويواجه تحديات لا تحصى. وقد أكد شي اعتقاده هذا حينما قابل بوتين في مارس 2023 بقوله إن «في الوقت الحالي تغيرات لم نر لها مثيلا منذ مائة سنة، ونحن الذين ندفع هذه التغيرات معا». ويعمل شي وبوتين معا على دفع التغيرات العالمية الراهنة بهدف الانتقام من «قرن المذلة» بـ«قرن التغيير».
تمثل مهمة إعادة توحيد تايوان جزءًا لا يتجزأ من قرن التغيير، لأن شرعية ولاية شي الرئاسية الثالثة تعتمد بشدة على وعده بإعادة توحيد تايوان. وفي حال إكمال شي مهمة الرئيس ماو غير المكتملة، يمكنه أن يتجاوز تركة ماو ويرسخ مكانته في التاريخ الصيني.
منذ المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، دعا شي مرارا جيش التحرير الشعبي إلى الاستعداد لخوض حرب والانتصار فيها على الساحة العالمية. وأدلى نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية بالحزب الشيوعي الصيني تشانج يوشيا ببيان قوي في قضية تايوان في منتدى شيانجشان في 30 أكتوبر، قائلا إن تايوان هي «جوهر المصالح الأساسية للصين». وإن جيش التحرير الشعبي «لن يظهر رحمة» في مواجهة أي تحركات من أجل استقلال تايوان. غير أنه لا يملك أي من الجانبين ترف الخسارة في مسألة تايوان.
وفي حين أن لنا أن نتوقع من اللقاء أن يكون حوارا صريحا في قضايا عديدة ذات اهتمام مشترك، لكن من السذاجة أن نرفع سقف توقعاتنا لهذا اللقاء. فهو لقاء خطابي رمزي أكثر مما هو لقاء ذو أهمية عملية. وفي حال التقاء بايدن وشي في أبيك، لن يعيدا ضبط مسار العلاقات الأمريكية الصينية ولكنهما سوف يتوصلان إلى هدنة مؤقتة لمنع تصعيد الصراع في وقت عصيب. وتبقى المنافسة الشرسة بين البلدين في مسألة تايوان وغيرها مرجأة إلى المستقبل.
جينجهاو تشو أستاذ مشارك في الدراسات الآسيوية في كليات هوبارت وويليام سميث. تركز أبحاثه على الأيديولوجية الصينية والسياسة والدين والعلاقات الأمريكية الصينية.
عن ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العلاقات الأمریکیة الصینیة الولایات المتحدة التحریر الشعبی بایدن وشی أن الصین
إقرأ أيضاً:
"إس آند بي" تحذر من فقاعة ديون في الولايات المتحدة
الاقتصاد نيوز - متابعة
حذرت وكالة "إس آند بي -S&P" للتصنيف الائتماني من ظهور علامات محتملة على فقاعة ديون في الولايات المتحدة.
وقالت الوكالة إن الفارق الضيق بين العوائد على السندات، قد يُخفي تكاليف الاقتراض المرتفعة التي تواجهها الشركات، ويضغط على قدرتها على تحمل الديون.
وأشارت "S&P" إلى أن هوامش عائد للسندات وصلت إلى مستويات منخفضة على الرغم من تراجع التوقعات بشأن تخفيضات أسعار الفائدة، وزيادة حالة عدم اليقين في المستقبل.
وأوضحت أن "إس آند بي"أن خطط الرئيس المنتخب دونالد ترامب لزيادة الرسوم الجمركية قد تشكل "عقبة محتملة" أمام انخفاض التضخم وأسعار الفائدة.