لجريدة عمان:
2024-12-26@15:39:40 GMT

ينبغي تنظيم حوكمة الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

ترجمة: حافظ إدوخراز -

يشكّل منتدى باريس للسلام -الذي عقد في العاشر والحادي عشر من شهر نوفمبر الجاري- فرصة للنقاش حول التهديدات المباشرة للاستقرار العالمي، ولكن أيضا من أجل استشراف التهديدات التي يحملها المستقبل. سوف يكون موضوع الذكاء الاصطناعي أحد الموضوعات التي سيتم تناولها في المنتدى. ومن دون الذهاب بعيدا إلى درجة تصور المستقبل الشّاذ الذي ترسمه أفلام هوليوود، فإن قائمة التهديدات المحتملة طويلة: التضليل الإعلامي الذي يزعزع استقرار الديمقراطيات، الاضطرابات في الأسواق المالية، القرصنة واسعة النطاق، وما إلى ذلك.

هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها البشرية قفزة تكنولوجية كبيرة. ويتعيّن علينا أن نتعلم الدروس من التاريخ: دروس الثورة الصناعية التي انتشلت البشرية من الفقر لكنها تسبّبت في أعظم كارثة بيئية على مر العصور، أو دروس الثورة النووية، التي أتاحت للبشرية إمكانيات طاقية هائلة لكنها أيضا كانت وراء صنع السلاح الأكثر فتكا في القرن العشرين. ومن أجل تجنب هذه السيناريوهات الكارثية، يتحتّم علينا تنظيم حوكمة الذكاء الاصطناعي. من المؤسف أن آليات الحوكمة الوطنية الحالية هي جامدة ومن الصعب تطبيقها. تتفاعل الهيئات التنظيمية مع الأضرار الملحوظة (بعد وقوعها)، وعندما تقوم بالتنظيم فإن المشكلة تتفاقم وتصل إلى مكان آخر. ولهذا من الضروري تغيير منهجية العمل.

بدايةً، يجب أن تتبنّى أطر الحوكمة مقاربة شمولية تعمل على دمج كل التكنولوجيات المترابطة فيما بينها مثل الحوسبة الكمومية، والواقع المعزز والافتراضي، وسلسلة الكتل، وغيرها من التقنيات. ولا بد لهذه الأطر أيضا من أن تُتيح إمكانية التوقّع (المسبق) للمخاطر والتعاطي معها. وبما أن التوافق ضروري على المستوى المجتمعي، فإن اعتماد مقاربة تعدّدية يعدّ أمرا واجبا، لكي يشمل الحكومات والمجتمع المدني والخبراء التقنيين، ولكن أيضا الأكاديميين والجهات المانحة.

الدور الأساسي للحكومات

تتمركز الخبرة والموارد المعلوماتية إلى حدّ كبير، في الوقت الحالي، في أيدي عدد قليل من شركات القطاع الخاص لا سيما شركات «الغافام» (جوجل، آبل، فيسبوك، أمازون، وميكروسوفت). وتتصدّر شركة آبل المشهد منذ بداية العام، من خلال استحواذها على اثنتين وثلاثين شركة في قطاع الذكاء الاصطناعي. ومن الجدير بالإشارة أنه، على عكس برمجيات الذكاء الاصطناعي المفتوحة، مثل نموذج المصدر المفتوح ميسترال (Mistral AI) أو دال إيه (Dall-E)، فإن برمجيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل كـ«صندوق أسود»، مثل جوجل بارد (Google Bard) أو تشات جي بي تي (ChatGPT)، هي أكثر تعقيدا. إنها عبارة عن آلات افتراضية نزوّدها بمدخلات (طلب، سؤال، مهمة) وتعطينا بالمقابل مُخرجات (نص، صورة، فعل، نتيجة...). وبين الاثنين، يظل المنطق الخوارزمي غير واضح تماما.

من اللازم إشراك جميع الفاعلين المعنيّين بحوكمة الذكاء الاصطناعي. وللحكومات دور مركزي لا بد أن تلعبه في هذا الإطار، إذ يجب عليها ضمان اتّساق وفعالية المعايير. غير أنه، في الوقت الحاضر، لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أطر تنظيمية مختلفة للغاية، إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي التنظيم من خلال قانون الذكاء الاصطناعي بينما تتبنى الولايات المتحدة مقاربة غير تدخليّة إلى حدّ كبير. ومن الممكن أن يؤثر ذلك كثيرا على عمليات التدقيق ومراقبة الامتثال، وبالتالي التبادلات التكنولوجية والتجارية بين الكتلتين الإقليميتين. من الممكن التفكير في إجراء تجارب تنظيمية مشتركة (آليات اختبار يتم تنفيذها في ظروف حقيقية، ولكن دون تعريض الأنظمة الرقابية الحالية للخطر). وثمة مبادرات جارية بالفعل في كلّ من المملكة المتحدة وإسبانيا. وبوسع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا أن يستندا إلى ديناميكية مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بينهما من أجل إدراج التعاون التنظيمي الاستباقي من بين الأهداف.

ترجيح معايير الاستثمار الأخلاقية

لا تكمن الفكرة في تطوير نُظم قانونية تزيد من صعوبة استغلال قوة الذكاء الاصطناعي، كما اعتقد أكثر من مائة من مديري الشركات الذين وقّعوا على رسالة مفتوحة ضد القانون الأوروبي بشأن الذكاء الاصطناعي في شهر يونيو من عام 2023. بل يتعلق الأمر على العكس من ذلك، بتوحيد القوانين، أو على الأقل بجعلها متكاملة. ويتعيّن على الأوساط الأكاديمية أيضا أن تلعب دورها، من خلال العمل على تكوين قادة أكفّاء في مجال التكنولوجيا والشؤون العالمية، والتحقّق من أن أطر الحوكمة الناشئة تستند إلى حقائق لا تقبل الجدل. وهذا يعني أيضا بالمناسبة أن توفر لهم الحكومات إمكانية الوصول إلى الخوارزميات والبيانات التي تغذّي الذكاء الاصطناعي.

ويجب على الجهات الخيرية والمانحين من القطاع الخاص تقييم المخاطر بشكل صحيح منذ مرحلة تصميم المنتجات. إن الدور الذي يلعبه المستثمرون وأصحاب رأس المال المغامر، باعتبارهم مموّلين وراعين للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، يضعهم في موقع متميز من أجل السهر على تطبيق معايير الاستثمار الأخلاقية - التي تكاد تكون شبه معدومة اليوم - في قطاع التكنولوجيا الناشئة (المسؤولية الرقمية للشركات).

على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي

في عام 2022، جمعت الشركات الناشئة تمويلا قياسيا وصل إلى 621 مليار دولار من شركات رأس المال المغامر. ومع وجود مثل هذه القوة في أيدي هذه الشركات الاستثمارية، يمكن لها ممارسة التأثير على مطوّري البرمجيات. من الممكن أن يأتي الزخم أيضا من هيئات دولية مثل مجلس معايير الاستدامة الدولية، الذي يرأسه إيمانويل فابر (Emmanuel Faber). فبإمكان هذه الهيئات الدفع بالجهات الفاعلة في قطاع رأس المال المغامر في اتجاه تطوير مبادئ تتعلق بالمسؤولية البيئية والاجتماعية وبالحوكمة.

وأخيرا، ينبغي على مطوري البرمجيات -على غرار المهندسين النوويين- أن يعوا المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتقهم في عملهم. وسيكون من المفيد أن يتمكنوا أيضا من العمل بشكل ملموس على تطوير المواثيق الأخلاقية التي تُطبق على كل قطاع اقتصادي يتأثر بالذكاء الاصطناعي. تعدّ الصحافة والتمويل والصحة مجالات للتطبيق المباشر لهذه الأفكار. ولعل المبادئ التي تبنّتها مجموعة الدول السبع مؤخرا تشكّل بداية جيدة بهذا الخصوص.

نحن على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي. ومن الممكن أن تصبّ هذه الاضطراب في خدمة الصالح العام، شريطة أن تكون الأنظمة أخلاقية منذ تصميمها. ويتعلق الأمر بمبدأ احترازي أساسي، أو حتى وجودي.

أرنشا غونزاليس وزيرة سابقة للشؤون الخارجية في الحكومة الإسبانية، وعميدة مدرسة الشؤون الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس.

كونسطونس بومولار دولوس المديرة التنفيذية لمعهد بروجيكت ليبرتي

عن صحيفة لوموند الفرنسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من الممکن أیضا من من أجل

إقرأ أيضاً:

3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024

وفي السطور التالية نرصد أبرز تلك الاكتشافات: مخطوطات هيركولانيوم تمكن ثلاثة من الباحثين من من الكشف عن محتوى مخطوطات هيركولانيوم المتفحمة والتي لم تكن قابلة للقراءة، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي.

وكانت هذه المخطوطات الهشة عُرضة للتفتت، كما أن لونها الأسود جعل من الصعب قراءة أي كتابات عليها، ولكن بفضل الذكاء الاصطناعي والأشعة السينية عالية الدقة، تم فك شفرة أكثر من 2000 حرف داخل المخطوطات.

وكان هذا الإنجاز كشف عن أول مقاطع كاملة من البرديات التي نجت من ثوران جبل فيزوف في عام 79 بعد الميلاد، ضمن بعض القطع الأثرية المتعلقة بروما القديمة واليونان، التي تم إنقاذها مما يُعتقد أنه منزل والد زوجة يوليوس قيصر.

وعن الطريقة التي تم بها فك رموز الكتابة، قال أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي والذي يعمل على فك شفرة المخطوطات منذ أكثر من عقد من الزمان، برنت سيلز، إن الكتابة تكون موجودة في المخطوطات ولكنها تكون مدفونة ومموهة في الورق.

ومن خلال الذكاء الاصطناعي يتم تكثيف هذه الكتابة وتضخيم قابلية قراءة الحبر، وفق سيلز.

التعرف على لغة الحيتان توصل العلماء من قبل إلى أن الأصوات التي تنتجها حيتان العنبر تختلف في طولها الموجي وإيقاعها، ولكن دلالة هذه اللغة ظلت لغزًا محيرًا بالنسبة للعلماء.

ولكن الذكاء الاصطناعي ساعد على تحليل نحو 9000 تسلسل نقرات مسجلة، تسمى الكودات، والتي تمثل أصوات حوالي 60 حوتًا من حيتان العنبر في البحر الكاريبي.

وسمح هذا التقدم في جعل لغة الحيتان قابلة في يومًا ما للتفسير بجانب بعض الحيوانات الأخرى.

وفي التجربة، قام العلماء برصد نهاية أصوات الحيتان، وخلال تبادل النداء، وكذلك الاستجابات بين الكائنات البحرية العملاقة.

ومن خلال عرض تلك الأصوات على أدوات الذكاء الاصطناعي، نتجت أنماط مقطعية أشبه بالأصوات التي ينتجها البشر.

واكتشفت البرامج 18 نوعًا من الإيقاع (تسلسل الفواصل الزمنية بين النقرات)، وخمسة أنواع من السرعة (مدة الكودا بأكملها)، وثلاثة أنواع من الروباتو (الاختلافات في المدة)، ونوعين من الزخارف “نقرة إضافية” تمت إضافتها في نهاية الكودا في مجموعة من الكودات الأقصر.

ويسعى العلماء في المراحل المقبلة لإجراء اختبارات تفاعلية مع الحيتان مع مراقبة سلوكها، بما يفتح الباب لفهم لغتها بشكل كامل.

كشف المواقع الأثرية على غرار المخطوطات الورقية، يعمل الذكاء الاصطناعي حاليًا على كشف المواقع الأثرية والرموز الغامضة المدفونة تحت الأرض في صحراء نازكا في بيرو.

وقديمًا، قضى العلماء ما يقرب من نصف قرن في الكشف عن تلك الآثار وتوثيقها. وغالبًا ما تكون الصور التوضيحية الممتدة، والتي لا يمكن رؤيتها إلا من الأعلى، تصور تصميمات هندسية وأشكال تشبه البشر وحتى حوت قاتل يحمل سكينًا.

وقام العماء بقيادة ماساتو ساكاي، أستاذ علم الآثار في جامعة ياماغاتا اليابانية، بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لاكتشاف نحو 430 رمزًا من خلال التقاط صور عالية الدقة لها.

وخلال الفترة بين سبتمبر 2022 وفبراير 2023، بدأ الفريق في التأكد من صحة هذه الرموز عن طريق مسح شامل لصحراء نازكا من خلال الطائرات بدون طيار. ونجح العلماء في إثبات صحة نحو 303 من الرسوم الجيوجليفية التصويرية، مما أدى إلى مضاعفة عدد الرسوم الجيوجليفية المعروفة تقريبًا في غضون أشهر

مقالات مشابهة

  • من الوكلاء إلى الهلوسات.. هكذا تطور الذكاء الاصطناعي في 2024
  • تحديات تواجه اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي.. قراءة
  • راغب علامة ضحية الذكاء الاصطناعي.. وزوجته تدافع عنه: "عيب"
  • قيمة أبل تقارب 4 تريليونات دولار بفضل الذكاء الاصطناعي
  • مترجمون يناقشون مستقبل الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي
  • 3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024
  • الشيف ChatGPT..وصفات من الذكاء الاصطناعي
  • د. ندى عصام تكتب: العبادات في عصر الذكاء الاصطناعي
  • موظفو البنوك.. أين أنتم من الذكاء الاصطناعي؟
  • معهد الجزيرة للإعلام يعلن موعد تنظيم مؤتمر الذكاء الاصطناعي