لجريدة عمان:
2024-07-28@04:54:25 GMT

ينبغي تنظيم حوكمة الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

ترجمة: حافظ إدوخراز -

يشكّل منتدى باريس للسلام -الذي عقد في العاشر والحادي عشر من شهر نوفمبر الجاري- فرصة للنقاش حول التهديدات المباشرة للاستقرار العالمي، ولكن أيضا من أجل استشراف التهديدات التي يحملها المستقبل. سوف يكون موضوع الذكاء الاصطناعي أحد الموضوعات التي سيتم تناولها في المنتدى. ومن دون الذهاب بعيدا إلى درجة تصور المستقبل الشّاذ الذي ترسمه أفلام هوليوود، فإن قائمة التهديدات المحتملة طويلة: التضليل الإعلامي الذي يزعزع استقرار الديمقراطيات، الاضطرابات في الأسواق المالية، القرصنة واسعة النطاق، وما إلى ذلك.

هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها البشرية قفزة تكنولوجية كبيرة. ويتعيّن علينا أن نتعلم الدروس من التاريخ: دروس الثورة الصناعية التي انتشلت البشرية من الفقر لكنها تسبّبت في أعظم كارثة بيئية على مر العصور، أو دروس الثورة النووية، التي أتاحت للبشرية إمكانيات طاقية هائلة لكنها أيضا كانت وراء صنع السلاح الأكثر فتكا في القرن العشرين. ومن أجل تجنب هذه السيناريوهات الكارثية، يتحتّم علينا تنظيم حوكمة الذكاء الاصطناعي. من المؤسف أن آليات الحوكمة الوطنية الحالية هي جامدة ومن الصعب تطبيقها. تتفاعل الهيئات التنظيمية مع الأضرار الملحوظة (بعد وقوعها)، وعندما تقوم بالتنظيم فإن المشكلة تتفاقم وتصل إلى مكان آخر. ولهذا من الضروري تغيير منهجية العمل.

بدايةً، يجب أن تتبنّى أطر الحوكمة مقاربة شمولية تعمل على دمج كل التكنولوجيات المترابطة فيما بينها مثل الحوسبة الكمومية، والواقع المعزز والافتراضي، وسلسلة الكتل، وغيرها من التقنيات. ولا بد لهذه الأطر أيضا من أن تُتيح إمكانية التوقّع (المسبق) للمخاطر والتعاطي معها. وبما أن التوافق ضروري على المستوى المجتمعي، فإن اعتماد مقاربة تعدّدية يعدّ أمرا واجبا، لكي يشمل الحكومات والمجتمع المدني والخبراء التقنيين، ولكن أيضا الأكاديميين والجهات المانحة.

الدور الأساسي للحكومات

تتمركز الخبرة والموارد المعلوماتية إلى حدّ كبير، في الوقت الحالي، في أيدي عدد قليل من شركات القطاع الخاص لا سيما شركات «الغافام» (جوجل، آبل، فيسبوك، أمازون، وميكروسوفت). وتتصدّر شركة آبل المشهد منذ بداية العام، من خلال استحواذها على اثنتين وثلاثين شركة في قطاع الذكاء الاصطناعي. ومن الجدير بالإشارة أنه، على عكس برمجيات الذكاء الاصطناعي المفتوحة، مثل نموذج المصدر المفتوح ميسترال (Mistral AI) أو دال إيه (Dall-E)، فإن برمجيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل كـ«صندوق أسود»، مثل جوجل بارد (Google Bard) أو تشات جي بي تي (ChatGPT)، هي أكثر تعقيدا. إنها عبارة عن آلات افتراضية نزوّدها بمدخلات (طلب، سؤال، مهمة) وتعطينا بالمقابل مُخرجات (نص، صورة، فعل، نتيجة...). وبين الاثنين، يظل المنطق الخوارزمي غير واضح تماما.

من اللازم إشراك جميع الفاعلين المعنيّين بحوكمة الذكاء الاصطناعي. وللحكومات دور مركزي لا بد أن تلعبه في هذا الإطار، إذ يجب عليها ضمان اتّساق وفعالية المعايير. غير أنه، في الوقت الحاضر، لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أطر تنظيمية مختلفة للغاية، إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي التنظيم من خلال قانون الذكاء الاصطناعي بينما تتبنى الولايات المتحدة مقاربة غير تدخليّة إلى حدّ كبير. ومن الممكن أن يؤثر ذلك كثيرا على عمليات التدقيق ومراقبة الامتثال، وبالتالي التبادلات التكنولوجية والتجارية بين الكتلتين الإقليميتين. من الممكن التفكير في إجراء تجارب تنظيمية مشتركة (آليات اختبار يتم تنفيذها في ظروف حقيقية، ولكن دون تعريض الأنظمة الرقابية الحالية للخطر). وثمة مبادرات جارية بالفعل في كلّ من المملكة المتحدة وإسبانيا. وبوسع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا أن يستندا إلى ديناميكية مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بينهما من أجل إدراج التعاون التنظيمي الاستباقي من بين الأهداف.

ترجيح معايير الاستثمار الأخلاقية

لا تكمن الفكرة في تطوير نُظم قانونية تزيد من صعوبة استغلال قوة الذكاء الاصطناعي، كما اعتقد أكثر من مائة من مديري الشركات الذين وقّعوا على رسالة مفتوحة ضد القانون الأوروبي بشأن الذكاء الاصطناعي في شهر يونيو من عام 2023. بل يتعلق الأمر على العكس من ذلك، بتوحيد القوانين، أو على الأقل بجعلها متكاملة. ويتعيّن على الأوساط الأكاديمية أيضا أن تلعب دورها، من خلال العمل على تكوين قادة أكفّاء في مجال التكنولوجيا والشؤون العالمية، والتحقّق من أن أطر الحوكمة الناشئة تستند إلى حقائق لا تقبل الجدل. وهذا يعني أيضا بالمناسبة أن توفر لهم الحكومات إمكانية الوصول إلى الخوارزميات والبيانات التي تغذّي الذكاء الاصطناعي.

ويجب على الجهات الخيرية والمانحين من القطاع الخاص تقييم المخاطر بشكل صحيح منذ مرحلة تصميم المنتجات. إن الدور الذي يلعبه المستثمرون وأصحاب رأس المال المغامر، باعتبارهم مموّلين وراعين للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، يضعهم في موقع متميز من أجل السهر على تطبيق معايير الاستثمار الأخلاقية - التي تكاد تكون شبه معدومة اليوم - في قطاع التكنولوجيا الناشئة (المسؤولية الرقمية للشركات).

على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي

في عام 2022، جمعت الشركات الناشئة تمويلا قياسيا وصل إلى 621 مليار دولار من شركات رأس المال المغامر. ومع وجود مثل هذه القوة في أيدي هذه الشركات الاستثمارية، يمكن لها ممارسة التأثير على مطوّري البرمجيات. من الممكن أن يأتي الزخم أيضا من هيئات دولية مثل مجلس معايير الاستدامة الدولية، الذي يرأسه إيمانويل فابر (Emmanuel Faber). فبإمكان هذه الهيئات الدفع بالجهات الفاعلة في قطاع رأس المال المغامر في اتجاه تطوير مبادئ تتعلق بالمسؤولية البيئية والاجتماعية وبالحوكمة.

وأخيرا، ينبغي على مطوري البرمجيات -على غرار المهندسين النوويين- أن يعوا المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتقهم في عملهم. وسيكون من المفيد أن يتمكنوا أيضا من العمل بشكل ملموس على تطوير المواثيق الأخلاقية التي تُطبق على كل قطاع اقتصادي يتأثر بالذكاء الاصطناعي. تعدّ الصحافة والتمويل والصحة مجالات للتطبيق المباشر لهذه الأفكار. ولعل المبادئ التي تبنّتها مجموعة الدول السبع مؤخرا تشكّل بداية جيدة بهذا الخصوص.

نحن على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي. ومن الممكن أن تصبّ هذه الاضطراب في خدمة الصالح العام، شريطة أن تكون الأنظمة أخلاقية منذ تصميمها. ويتعلق الأمر بمبدأ احترازي أساسي، أو حتى وجودي.

أرنشا غونزاليس وزيرة سابقة للشؤون الخارجية في الحكومة الإسبانية، وعميدة مدرسة الشؤون الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس.

كونسطونس بومولار دولوس المديرة التنفيذية لمعهد بروجيكت ليبرتي

عن صحيفة لوموند الفرنسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من الممکن أیضا من من أجل

إقرأ أيضاً:

آبل توقع على خطة أمريكية لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي.. التحقت بـ 15 شركة أخرى

أعلن البيت الأبيض اليوم الجمعة، أن شركة أبل وقعت على الالتزامات الطوعية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي جو بايدن وتحكم استخدام الذكاء الاصطناعي.

وبذلك تنضم الشركة المصنعة لهواتف آيفون إلى 15 شركة أخرى التزمت بضمان عدم استخدام قدرات الذكاء الاصطناعي لأغراض مدمرة، وفقا لرويترز.

ووقعت شركات من بينها جوجل ومايكروسوفت شريكة أوبن إيه.آي على الالتزامات الأصلية، التي أُعلن عنها في تموز/ يوليو 2023.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، وقعت ثماني شركات أخرى من بينها أدوبي وآي.بي.إم وإنفيديا على الخطة.



وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن البيت الأبيض عن إجراءات وصفها بأنها الأهم التي اتخذتها حكومة أمريكية لتعزيز مواصفات السلامة في حقل الذكاء الاصطناعي.

وأصدر بايدن، مرسوما رئاسيا تنفيذيا يلزم مطوري الذكاء الاصطناعي بإطلاع الحكومة على نتائج إجراءات السلامة.

وتتضمن الإجراءات، وضع معايير جديدة للسلامة للذكاء الاصطناعي، تلزم الشركات بإطلاع الحكومة على نتائج تجريب إجراءات السلامة، بالإضافة لحماية خصوصية المستهلك، عن طريق وضع إرشادات تتبعها الوكالات لتقييم تقنيات الخصوصية المستعملة في الذكاء الاصطناعي.

كما شملت، المساعدة في وقف تمييز الخوارزميات (اللوغاريتمات)، وتحديد الممارسات المفضلة في استعمال الذكاء الاصطناعي في النظام القضائي.

كما وضع برنامج لتقييم المخاطر المحتملة في استعمال الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، وتوفير مصادر تضمن استخدام العاملين في قطاع التعليم للذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة.

وتضمنت الإجراءات، العمل مع الشركاء الدوليين على تطبيق معايير الذكاء الاصطناعي حول العالم.

كما اتخذت إدارة بايدن إجراءات لدعم وتعزيز القوى العاملة في الذكاء الاصطناعي. 



وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، توصل الاتحاد الأوروبي إلى تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ما يمهد الطريق للرقابة القانونية على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي أحدثت تغييرات على حياة الناس، وخلقت مخاوف كثيرة.

وكشف الاتحاد أن قانون الذكاء الاصطناعي الجديد، مبادرة تشريعية رائدة تهدف إلى تعزيز تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي "الآمن والموثوق" في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي من قبل الجهات الفاعلة الخاصة والعامة.

وباعتباره أول اقتراح تشريعي من نوعه في العالم، يقول الاتحاد الأوروبي، إنه يسعى إلى أن يسهم القانون الجديد في وضع معيار عالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي في ولايات قضائية أخرى.

وركز المشرعون الأوروبيون على الاستخدامات الأكثر خطورة للذكاء الاصطناعي من قبل الشركات والحكومات، بما في ذلك تلك المستخدمة في إنفاذ القانون وتشغيل الخدمات الحيوية مثل المياه والطاقة.

مقالات مشابهة

  • مواقع الويب تتهم Anthropic الناشئة في الذكاء الاصطناعي بتجاوز قواعدها
  • نقابة المهندسين بالإسكندرية تنظم ورشة عمل "التصميم بإستخدام الذكاء الاصطناعي"
  • «التصميم باستخدام الذكاء الاصطناعي ثورة في العمارة».. ورشة عمل بنقابة المهندسين بالإسكندرية
  • أبل توقع على خطة لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي
  • “سدايا” و “كاوست” تُطلقان نموذج MiniGPT-Med الذي يساعد الأطباء في تشخيص الأشعة الطبية باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • آبل توقع على خطة أمريكية لإدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي.. التحقت بـ 15 شركة أخرى
  • آبل توافق على الالتزام بضمانات الذكاء الاصطناعي
  • غوغل تزعم أن الذكاء الاصطناعي يعزز الوظائف في بريطانيا
  • شركة ميتا تتحرك بعد تزييف إباحي لامرأتين شهيرتين
  • شركات «ذكاء اصطناعي» تتصدر المشهد عام 2024