1 - يُقال إن أضعف الناس هو من ضعُف عن كتمان سره والقوي من كان سره حبيس صدره ولهذا لا يخشى الناس ممن مطيته الهذر بل من يظل صامتا والناس يهذرون.
إن عدم القدرة على كتم الأسرار سواء كانت شخصية أو أُسرية أو مهنية أو غير ذلك، والعجز عن تحمل عبء بقائها بعيدة عن المتناول هو ما يأذن بظهور ثغرات عميقة لا يمكن ردمها في حياتنا لما قد تُحدِثه من دمار نفسي ومعنوي هائل وهذا مرتبط بالثقة التي نمنحها للأشخاص الذين لا نُحسنُ تصنيف مواقعهم في حيواتنا.
لا يُجيد الكثير منا التعامل مع «لحظات التجلي» التي تجمعه بأشخاص حاضرين في حياته تحت صفات مختلفة.. أصدقاء.. زملاء دراسة.. زملاء مهنة.. جيران.. كما تسلبه نشوة الحديث المفتوح غير المُتحَفظ عليه القدرة على التحكم في التعامل مع المعلومات التي بحوزته فيُفرط في الانفتاح على الآخر من باب الثقة فيتخطى بذلك الحدود ويتجاوز المعقول ومن بوابة هذا السهو البريء يصبح أسيرا لما كان أسِيرَهُ حتى حين مماته.
2- من بين أرفع القيم التي لا يؤمن بها إلا الإنسان القوي قيمة «الاعتذار» ليس لأنها بمثابة اعتراف صريح ومباشر بارتكاب خطأ ما وإنما في قدرتها على «تفويت فرصة الوصول بأي علاقة إنسانية سامية إلى مرحلة التأزم أو ربما الموت».
هناك أيضًا سِمة غاية في الجمال تتبدى في الشخص الذي لا يأنف عن الاعتذار وهي تصالحه البهيُ مع نفسه التي قد يصيبها الغُرور كونه مجرد إنسان غير مُنزه عن الخطأ مهما حرِص.
يكسر الاعتذار الخارج من إنسان واثق وخيِر رغبة الآخر في القيام بأي ردة فعل بل يُشعره ذلك بالخجل والضعف ضعفُ يُعمق مبدأ أن المبادِر بالخير هو الأكثر بأسًا.
إن الاعتذار حتى في حال عدم الخطأ هو من شيم الكرام والنبلاء الذين وُهبوا مهارة الاستحواذ على قلوب من حولهم وهي مهارة يفتقر إليها كمُ هائل من البشر.
3 - عندما تؤسّس لمنزل في صحراء مُقفرة رمالها متحركة ضع في حُسبانك أن هذا المنزل آيل للاختفاء بل السقوط لا محالة وأن أي محاولات لإنقاذه سوف تبوء بالفشل.
ينطبق هذا المثل على كل مشروع عشوائي لم يتم تأسيسه على قواعد ثابتة بل اتكأ على تصورات تفتقر إلى الوضوح والشفافية وانطباعات عاطفية غير موضوعية وتخطيط مشوه الملامح عاجز عن تقديم صورة متكاملة لما سيكونه مستقبلًا وهل سيتمكن من تحقيق الأهداف التي أُقيم من أجلها.
لعله من حُسن حظ البعض أن تُتاح له فرصة التوقف عن الذهاب بعيدًا في أي مشروع وُلد ميتًا ربما لأنه «فكر وقدر» لكنه سيكون عاثره في حال الاضطرار للمُضي قُدمًا في عالم المجهول وتعذر أخذ أي خطوة إلى الوراء فالخسائر ستكون مضعفة وفادحة ومؤلمة.
آخر نقطة:
مهما سعيت لن تستطيع أن تجعل من الحمار حصانا وإن ألبسته سرج حصان فالنهيق سيفضحه بين الأشهاد ذات يوم. يقول الشاعر السوري فاضل أصفر في ذلك:
لأنّ الخيل قد قلّت تحلّت
حميرُ الحي بالسّرج الأنيق
إذا ظهر الحمارُ بِزِي خيل
تكشف أمرهُ عند النهيق
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما الأجندة التي يحملها بزشكيان خلال زيارته إلى القاهرة؟
طهران- في زيارة هي الثانية من نوعها لرئيس إيراني إلى مصر منذ انتصار الثورة الإسلامية التي تسببت بقطع العلاقات بين البلدين، شارك الرئيس مسعود بزشكيان في قمة مجموعة الثماني الإسلامية النامية (دي-8) بالقاهرة، في حين تصف الأوساط السياسية في طهران الزيارة بأنها خطوة مهمة في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية، والتنسيق بشأن التطورات الإقليمية.
وقبيل مغادرته طهران، مساء أمس الأربعاء، اعتبر بزشكيان أن قمة القاهرة "تمثل فرصة للدبلوماسية النشطة والتقارب أكثر فأكثر في المنطقة"، مؤكدا أنه "كلما استطعنا تحسين العلاقات مع الدول الإسلامية سنتمكن من إحباط مؤامرات الأعداء".
يأتي ذلك، عقب تكثيف الجانبين الاتصالات الدبلوماسية بينهما منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ سبق وسافر وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى طهران في يوليو/تموز الماضي لحضور حفل تنصيب بزشكيان، قبل أن يقوم نظيره الإيراني عباس عراقجي بزيارة القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لمناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وزير الخارجية المصري (وسط) شارك في حفل تنصيب بزشكيان (المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية) أهمية الزيارةوعلّق المستشار السياسي للرئاسة الإيرانية مهدي سنائي، على زيارة بزشكيان إلى مصر، وكتب على منصة إكس، أنها "تحظى بأهمية على مستوى المعادلات الإقليمية والعالمية، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية المنضوية في مجموعة الثماني النامية، وكذلك التمهيد لإقامة العلاقات بين إيران ومصر".
من ناحيته، يستهدف وزير الاقتصاد والمالية الإيراني، عبد الناصر همتي، زيادة أنشطة بلاده في التكتل، مذكرا بمرور نحو 3 عقود على تأسيس مجموعة دي-8 "من دون الاستفادة من هذه الفرصة كما يجب لأسباب مختلفة"، دون الخوض في التفاصيل.
ومن على متن الطائرة التي أقلته إلى القاهرة، نشر همتي شريطا مصورا شرح فيه الحجم الحالي للتجارة بين أعضاء المجموعة، مؤكدا أنه لم يبلغ المستوى المنشود بعد، مستدركا أن حوالي 7 إلى 8 بالمئة من التجارة بين الدول الأعضاء تتم بالعملة الوطنية، وأنه يتوقع ارتفاعها إلى 10% مستقبلا، وأوضح أن حجم التجارة بين دول المجموعة سيصل إلى 500 مليار دولار بنهاية 2030.
إعلانوفضلا عن طموحات إيران لتطبيع علاقاتها مع مصر وتفعيل الطاقات الاقتصادية للدول الإسلامية النامية، فإن قمة القاهرة عقدت في ظروف إقليمية دقيقة بدأت تنعكس سلبا على مصالح طهران الإقليمية، بدءا من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، والاغتيالات الإسرائيلية التي طالت قيادات عليا للمقاومة في لبنان، مرورا بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتفاقم الهجمات الإسرائيلية الغربية على اليمن.
عباس عراقجي (يسار) ناقش في زيارة للقاهرة خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي القضايا الإقليمية (الفرنسية) الدور الإقليميفي السياق، نشرت صحيفة "آرمان أمروز" الإيرانية تقريرا سلطت خلاله الضوء على حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماع القاهرة، وإمكانية عقد اجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف بين القادة المشاركين في القمة، مؤكدة أنه من شأن مباحثات القاهرة تمكين الجانب المصري من إقامة قناة تواصل بين طهران وأنقرة بعد الإطاحة بنظام الأسد في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن الدبلوماسي والسفير الإيراني الأسبق في بريطانيا جلال ساداتيان، قوله إن أهمية زيارة بزشكيان إلى القاهرة تكمن في المساعي الرامية إلى إحياء الدور الإقليمي الذي خسرته إيران بعد سقوط الأسد، وليس الحضور في قمة (دي-8).
ولدى إشارة ساداتيان إلى تغييب طهران عن اجتماع العقبة حول سوريا مؤخرا، يستشرف الدبلوماسي الإيراني أن ثمة مساعي إقليمية ودولية تهدف إلى تقويض دور طهران في معادلات الشرق الأوسط بعد الإطاحة بحليفها في دمشق.
وبرأي المتحدث، فإنه برغم المساعي لردم الهوة في العلاقات الإيرانية المصرية، فإن القاهرة سوف تأخذ الملاحظات الإقليمية بدءا من الدول الخليجية حتى تركيا بعين الاعتبار قبل التحرك لترميم علاقاتها مع طهران.
وبما أن تعزيز العلاقات الإيرانية من بوابة المنظمات والتكتلات الإقليمية والدولية بما فيها مجموعة الثماني النامية لن تجدي الاقتصاد الوطني نفعا في ظل العقوبات المفروضة على طهران وبقائها في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي "فاتف"، يحث ساداتيان على تعزيز دبلوماسية إيران حتى تجعل أي اتفاق حول مستقبل سوريا والمنطقة أمرا مستحيلا من دون منح طهران دورا فاعلا فيه.
إعلان الميزان التجاريوعلى وقع الجدل حول أولويات الاقتصاد الإيراني بين من يرى في توطيد العلاقات مع الدول الإقليمية والإسلامية سياسة ناجعة للالتفاف على الضغوط الغربية، وفئة أخرى تعتقد بضرورة التحرك الدبلوماسي لخفض التوتر مع الأوساط الدولية وشطب اسم البلاد من القوائم السوداء، تشير الأرقام الرسمية إلى أن تجارة طهران الخارجية مع مصر تكاد لا تذكر مقارنة مع شركائهما الآخرين.
وأعلن المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في "الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم" روح الله لطيفي، أن تجارة بلاده الخارجية مع مصر لم تتجاوز 17 مليونا و186 ألف دولار خلال الأشهر الـ8 الأولى من العام الإيراني (من 21 مارس/آذار حتى 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، مسجلة نموا بنسبة 67% في القيمة و65% في الحجم، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الإيراني الماضي.
وفي تقرير أرسله إلى الجزيرة نت بطهران، أوضح لطيفي أن حجم الصادرات الإيرانية إلى مصر خلال الأشهر الـ8 الماضية بلغ 28 ألفا و116 طنا، بقيمة 13 مليونا و798 ألفا و476 دولارا، في حين بلغت الواردات من مصر 7 آلاف و767 طنا بقيمة 3 ملايين و387 ألفا و872 دولارا، مسجلة نموا بنسبة 592% في القيمة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، في حين سجلت الصادرات الإيرانية إلى مصر نموا بنسبة 30% في الحجم و41% في القيمة.
وبعيدا عن المبادلات التجارية المناسبة مع إرادة الجانبين الإيراني والمصري بشأن التقارب، فإن هناك من يشكك في إيران على قدرة مجموعة الثماني الإسلامية النامية على تحقيق ما عجزت عنه خلال العقود الماضية.
وفي السياق، نشر الكاتب السياسي صابر كل عنبري مقالا في قناته على منصة تليغرام، يستذكر إطلاق التكتل قبل نحو 27 عاما بمشاركة أهم الدول الإسلامية من دون السعودية، موضحا أن عنصر "الإسلامية" كان دافعا أساسيا حينها لتشكيل تكتل إسلامي قوي في العالم، وأن الجهات المؤسسة رفعت أهدافا مثل "السلام بدلا من الصراع، والحوار بدلا من التقابل، والتعاون بدلا من الغطرسة".
إعلانويستنتج الكاتب أنه بعد مرور نحو 3 عقود على تأسيس مجموعة الدول الإسلامية النامية لم تتحقق الأهداف آنفة الذكر، بل حدث نقيضها في الأغلب، فعلى سبيل المثال خيّم التوتر على العلاقات بين إيران وتركيا ولم ترتقِ علاقاتهما -سوى في بعض الفترات لضرورة مبدأ الجوار- إلى التعاون الإستراتيجي، كما أنهما لم تتمكنا من حل الأزمة السورية عبر التعاون، كونها مثلت أهم تحدٍّ في علاقات الدولتين خلال السنوات الماضية.