جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-17@04:34:31 GMT

الرأي العام العُماني وخطر الشائعات

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

الرأي العام العُماني وخطر الشائعات

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

تنتشر الشائعات في المجتمعات التي تعاني من قلة تدفق المعلومات الصحيحة من المصادر الرسمية والمختصة بصناعة القرار، فعند غياب الحقيقة تجد الشائعات طريقها السهل والمُمَهَّد للجمهور الذي ينتظر مثل تلك الشائعات التي تنتشر بين وقت وآخر للمتعطشين لمتابعتها من البعض.

ولعل الناطق الرسمي باسم الحكومة هو الحل السحري الوحيد لتبديد الشائعات المتداولة التي تنتشر بين النَّاس مثل النار في الهشيم، على شرط أن يُمنح الناطق الرسمي جميع الصلاحيات الضرورية لإطلاع وسائل الإعلام على مختلف المُستجدات التي تهم الرأي العام، كما يجب أن يكون المتحدث الرسمي على اطلاع ودراية بأوضاع الحكومة وقراراتها الحاضرة والمستقبلية، معتمدًا في ذلك على الشفافية والصراحة دون تلوين أو تزيين لوجوه المقصِّرين في أداء الواجب تجاه الأمانة التي أُسندت إليهم، والمتمثلة في الوظيفة العامة التي هي في واقع الأمر تكليف قبل أن تكون تشريفًا.

لكن لم نرَ هذه القاعدة حاضرة في دول عديدة، وذلك في توجيه وتذكير المسؤولين الذين يتولون خدمة المجتمع أن هناك حقوقًا وواجبات يجب أن تؤدّى تجاه الناس؛ بل هناك من بيننا من الأشخاص الذين يعتبرون وصولهم إلى المناصب العليا فرصة وسفرًا بلا عودة في رحاب الكرسي الذهبي، كما يسميه البعض، فلا يمكن النزول من على القمة والجاه والسلطة بسهولة؛ فالشواهد والدلائل تقول إن البعض مستمر في الوظيفة لعدة عقود أمر طبيعي مهما كثرت التعثرات وقلَّت الإنجازات والنجاحات! 

في الشأن العُماني، تابعنا خلال الأيام الماضية عبر منصات التواصل الاجتماعي وخاصة تطبيق الواتساب، الانتشار والتفاعل الواسع للأخبار التي تداولتها المنصات لتشكيل أو تغيير وزاري مزعوم مع ذكر أسماء الأشخاص والمناصب الوزارية، ولم يكن ذلك إلا تضليلًا للرأي العام ووسيلة رخيصة لنشر الشائعات المُغرضة التي تُعبِّر عن الذين يزعمون أنهم على اطلاع على أسرار الدولة وعلى تواصل بصناع القرار في البلد.. إنه حب الظهور المفرط من ضعفاء النفوس.

من المفارقات العجيبة، أن تجد مثل تلك الشائعات من يتقبلها ويتابعها؛ بل وينقلها إلى الآخرين، على الرغم من أن العالم بأسره في هذه الأيام لا يرفع عينه عن القنوات الإخبارية لمتابعة ما يجري من مجازر في غزة، وعلى وجه الخصوص الرأي العام العُماني الذي أصبحت أولوياته متابعة ما يدور في فلسطين المحتلة؛ فالجميع يشعر بالفخر والاعتزاز بالمواقف الرسمية والشعبية في السلطنة؛ بداية مما عبَّر عنه جلالة السلطان أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء وتضامنه الصادق والصريح مع الشعب الفلسطيني ودعوته المجتمع الدولي لحماية غزة، مرورًا بمعالي السيد وزير الخارجية الذي دعا إلى محاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم ومجازرهم في فلسطين المحتلة، وبلا شك موقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، الذي سبق وتصدر موقفه المشرف والشجاع علماء الأمة.

صحيحٌ أن هناك من يعتقد أنَّ مثل هذه الشائعات تندرج ضمن ما يُسمى بـ"بالونات الاختبار" للرأي العام، لكني شخصيًا استبعدُ ذلك؛ فاختيار الأشخاص للمناصب العُليا يخضع في العادة لمعايير خاصة ومعروفة.

من المؤسف حقًا أن تُتَدَاوَل مثل تلك الأخبار التي تَفتقدُ إلى مصدر رسمي يسندها، فمن خلال متابعتي لمجموعات التواصل الاجتماعي خاصة منصة (واتساب)؛ وجدت مُعظم الناس تُصدِّق تلك الأنباء غير الدقيقة، وكان أجدر بالجميع الرجوع إلى وسائل الإعلام المحلية وخاصة وكالة الأنباء العُمانية التي تمثل المصدر الرئيسي للأخبار في السلطنة.

غاب عن البعض ما يُعرف بالتدقيق في المعلومات التي تورد عبر المنصات الرقمية والتأكد من مصداقيتها قبل نشرها واعتمادها كأخبار صحيحة.

لا شك أن هناك دوافع لدى الرأي العام تجعله يتفاعل مع الشائعات، فقد أكدت إحدى الدراسات العلمية في هذا المجال أنه من أسباب انتشار الشائعات في المجتمع وجود فراغ لدى عامة الناس، وخاصة الباحثين عن عمل، كما إن هناك دوافع أخرى مثل الرفض الشعبي للمسؤولين الذين أخفقوا في مهامهم الوظيفية، وكذلك جهل البعض بكيفية التعاطي مع الأخبار واستقبالها دون تمحيص.

ما يجب أن ندركه جميعًا ونحذر منه هو أن الشائعات خطاب عاطفي مؤثر، يستهدف تضليل العقول واستمالة وكسب قلوب الجماهير بأية طريقةٍ كانت، من أجل نشر الأفكار والأكاذيب، باستخدام الحِيَل والأساليب غير المشروعة، وعلى الرُّغم من أن حملات الدعاية والشائعات ومضامينها تعتمد في السابق على القنوات الشخصية والاتصال المباشر بين أفراد المجتمع بشكل واسع، إلّا أن الوضع اختلف تمامًا الآن؛ حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تُسخدم كمَطِيَّةٍ أو وسيلةٍ للوصول إلى الجمهور؛ لتحقيق غايتها وأهدافها، فهذه الوسائل الجديدة تنقل 90 بالمائة من الشائعات المنتشرة في السلطنة، بينما تنفرد منصة الواتساب لوحدها بـ80 بالمائة من الشائعات المتداولة بين العُمانيين، أما الاتصال الشخصي المباشر فلم يعد ينقل أكثر من 10 بالمائة من الشائعات، حسبما نعتقد.

هكذا تهدف الشائعات إلى إثارة الرأي العام على نطاق واسع، عن طريق نشر الأفكار والقصص والروايات التي تفتقد إلى المصداقية؛ بهدف التأثير على السياسات القائمة، والقوانين والأنظمة المتبعة في المجتمع المُستَهْدَف.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام الاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القمر الصناعي العُماني.. انطلاقة علمية واقتصادية واعدة

أظهرت وسائلُ الإعلام مشاهدَ إطلاق سلطنة عُمان صاروخا يحمل أول قمر صناعي مسجّل باسمها؛ ليكون بمثابة القفزة التقنية في مسار التطوّر التقني وتعزيز موقع سلطنة عُمان في نطاق الفضاء والتنافس العالمي فيه. يأتي هذا المشروع الفريد من نوعه الذي أطلقته شركة «عدسة عُمان» ليستعرض الطموح العُماني الرامي إلى تحقيق الرؤى العلمية والتقنية بوسائلها المتقدمة، وليقود عُمان إلى مصاف الدول الساعية إلى تعزيز وجودها في الفضاء واستغلاله لخدمة مشروعات التنمية المستدامة، وليُعبّر عن الرؤية الوطنية المتطلعة نحو تحقيق إنجازات كبيرة في عالم الفضاء وأنظمة الاستشعار عن بُعد، وسبق هذه الخطوة توجّه سلطنة عُمان عبر جهازها الاستثماري في الاستثمار في شركة «Space X» الأمريكية التي يملكها الملياردير الأمريكي «أيلون ماسك» تأكيدا على وجود الإرادة العُمانية القوية في مواكبة التقدم العلمي وتفعيله في نطاق الاستثمار والبناء الاقتصادي والعلمي. قبل أن نتناول القراءة العلمية والاقتصادية لهذا المشروع العُماني؛ فنحن بحاجة إلى تعريف موجز بهذا هذا القمر الصناعي العُماني الذي يحمل الاسم «OL-1»، وتحديد ملامحه العلمية والتقنية بوظائفها العامة؛ إذ يمتلك هذا القمر الصناعي تقنيات رقمية متعددة تجمع بين الذكاء الاصطناعي وأنظمة الاستشعار المتطوّرة، وليعمل بمنزلة المنظومة الرقمية الذكية القادرة على جمع البيانات والصور وتحليلها في الوقت الفعلي والمباشر دون الحاجة إلى التدخل البشري نظرا إلى ارتباطه بأجهزة استشعار متقدمة وذكية تعمل على تصوير تفاصيل دقيقة للمظاهر الطبيعية والبنية التحتية لعموم المساحات الجغرافية في سلطنة عُمان.

بجانب ما يمكن أن تضيفه هذه الخطوة من تقدم عُماني في مجال علوم الفضاء؛ فإنها تعكس أيضا القدرات العُمانية في الاستفادة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل متقدّم يتجاوز الأطر الوظيفية المألوفة؛ حيث تستطيع أجهزة الاستشعار المتصلة بالقمر الصناعي من جمع البيانات، ويأتي بعده دور أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات بشكل أسرع وأكثر فعالية من النماذج التقليدية. يسهم حضور مثل هذه التقنيات المتقدمة في تقديم حلول مستدامة للتحديات البيئية والاقتصادية عبر توفير معلومات دقيقة تُسهم في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على أسس علمية واقعية.

يتجاوز الطموح الذي يظهره هذا المشروع المظاهر التقليدية العلمية الفارغة من الغايات الوطنية المتعددة؛ فنجده يعكس الرؤية العُمانية الاستراتيجية المتعلقة برفد قدرتها على مراقبة مواردها الطبيعية وإدارة مشروعاتها التنموية، وفي مراقبة التغيرات المناخية والبيئية، ورصد الظواهر الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف، واتخاذ قرارات عملية استباقية للتقليل من تأثيراتها السلبية؛ فسيسهم تفعيل هذه الأنظمة التقنية في حماية البيئة وضمان استدامة الموارد الطبيعية الذي سيتلاءم بدوره مع «رؤية عُمان 2040» التي تضع التنمية المستدامة في صُلب أولوياتها.

كذلك يُمثّل هذا القمر الصناعي أداة فعّالة لدعم مشروعات التخطيط العمراني في السلطنة عن طريق توفير بيانات دقيقة تتعلق بالبنية التحتية وتوزيع المناطق الحضرية، ويُمكن للجهات المختصة التخطيط بشكل أفضل للمشروعات المستقبلية وتطوير المدن بما يواكب احتياجات السكان المتزايدة، ويمكن أن يساهم في رصد الأراضي الزراعية وتقويم مستويات خصوبتها مما يساعد في تحسين الإنتاج الزراعي ورفع معدلات استدامة الأمن الغذائي العُماني ورفع درجات الاكتفاء الذاتي؛ ليبرز هذا المشروع أبعادا علمية واقتصادية كبيرة.

في نطاق البحث العلمي والابتكار، يعزز هذا المشروع مسارات التعاون الدولي خصوصا مع شركات التقنية العالمية المتخصصة في علوم الفضاء؛ ليعكس الطموح العُماني والتزامه بتبني أحدث التقنيات والاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير الكفاءات الوطنية، وسيوفّر هذا التعاون فرصَ تبادلِ الخبرات والمعرفة وأدواتها؛ ليرفد الكفاءات العُمانية ويرفع من قدراتها على إدارة مشروعات الفضاء وتشغيلها. في الجانب الاقتصادي، وفق التجارب العالمية في إطلاق الأقمار الصناعية والنشاطات الفضائية؛ فإن هذا المشروع يمكن أن يسهم في رفد الاقتصاد الوطني واستدامته عبر عدة منطلقات منها تطوير صناعات جديدة وفتح مجالات استثمارية في قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة، و يمكن لهذه التطورات أن تقود إلى توفير فرص عمل جديدة غير معهودة سابقا مثل الصناعات الإلكترونية الدقيقة المعنية بأنظمة الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التخصصات العلمية؛ فنأخذ مثلا ما نشرته الحكومة البريطانية في موقعها الرسمي أن نشاطات الفضاء ومحطاتها في المملكة المتحدة قادت إلى إيجاد فرص عمل جديدة في مناطق مثل اسكتلندا.

من الممكن أن تظهر بعض الآراء التي لا ترى ضرورة لهذه النشاطات، ولا ترى فيها ملامحَ اقتصادية واستثمارية مجدية، ولكن الإحصاءات الواقعية من تجارب بعض الدول أكدت واقعية البعد الاستثماري والمردود الاقتصادي في قطاع الفضاء؛ فنجد -مثلا- شركة «Rocket Lab» الأمريكية تؤكد حدوث زيادة في إيراداتها بنسبة تصل إلى 55٪ في ربعها الثالث لعام 2024م، وبلغت ما يقرب من 104.81 مليون دولار كما يُشير موقع «Investopedia». كذلك تظهر هذه الملامح المتعلقة بجدوى الاستثمار في مشروعات الفضاء في دول أخرى مثل الهند التي تعمل على تصنيع أقمار صناعية صغيرة بتكاليف معقولة تقودها إلى التمكّن من الاستحواذ على حصة كبيرة من سوق إطلاق الأقمار الصناعية الذي يُتوقع أن تصل إلى 14.54 مليار دولار بحلول عام 2031م استنادا إلى ما نشره موقع «رويترز». تقودنا مثل هذه النماذج -التي لا أظن أنها كانت غائبة عن صنّاع القرار المعنيين بمشروعات الفضاء العُمانية- أننا لابد من تجاوز الأنماط التقليدية في نشاطاتنا الاقتصادية، وأن علينا أن نواكب التقدم العلمي ونتعلم من تجارب الدول الأخرى في تحويل المنظومات العلمية إلى مخرجات اقتصادية واعدة تحقق الاستدامة المطلوبة، ولا أجد في حاضرنا أفضل من مثل هذه النطاقات العلمية التي نحتاج أن نلمَّ بها ونفعّلها في اقتصاداتنا؛ فبجانب ما سبق أن ركّزنا على أهمية الاستثمار فيه مثل الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي؛ فإن مشروعات الفضاء تأتي في مرتبة عالية، وسيعزز النجاح فيها مسيرة اقتصادنا الرقمي.

مقالات مشابهة

  • القمر الصناعي العُماني.. انطلاقة علمية واقتصادية واعدة
  • ما مصادر التمويل التي ستوفرها قمة المناخ "كوب 29"؟
  • كاتب صحفي: الجبهة الداخلية تتماسك أمام كم هائل من الشائعات
  • بلال الدوي: الجبهة الداخلية متماسكة أمام كم هائل من الشائعات
  • خبيرة: الدولة المصرية تتصدى للمشككين .. ومدبولي ناقش شواغل الرأي العام
  • برلمانية: الحسابات الإلكترونية الوهمية تهدد المجتمع وتحتاج إلى تشريعات جديدة
  • محمد الباز: جبهة الإعلام هي حائط صد أمام الشائعات التي يتم ترويجها ضد الدولة المصرية
  • لوبان مهددة بمنعها من الانتخابات.. واليمين المتطرف يناشد الرأي العام
  • شوكي يتهم أحزاب المعارضة بتغليط الرأي العام حول مشروع قانون المالية 2025
  • برلماني: نرد على الشائعات بالإنجازات على أرض الواقع