دراسات: التنمر يؤذي دماغ الأطفال ويجعلهم يفشلون في التفكير
تاريخ النشر: 6th, July 2023 GMT
الإيذاء الناتج عن التنمر Bullying victimization هو شكل من أشكال الضغط النفسي المزمن بسبب العدوان الشخصي الذي يتم توجيهه بشكل متكرر إلى الشخص الذي يتمتع بسلطة أقل من المعتدي.
ويتعرض طفل واحد من بين كل 10 أطفال تقريبا في جميع أنحاء العالم للتنمر بانتظام من أقرانه، كما يتعرض 30% من الأطفال للتخويف في بعض الأحيان، وذلك وفقا للأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب National Academies of Sciences Engineering, and Medicine.
وإضافة إلى ما يمثله التنمر من معضلة أخلاقية، فقد توصل بحث دولي نشر عام 2022 إلى أن التنمر أصبح "أزمة طبية خطيرة مثل الإصابة بفيروس قاتل".
وقد تمكن الباحثون، من جامعة أوتاوا في أونتاريو الكندية، من رؤية الضرر الذي يتسبب فيه التنمر، وتوثيقه من خلال تصوير الدماغ وفحصه، وخلصوا إلى أن سوء معاملة الأطفال وتنمر الأقران يؤذي مناطق الدماغ بطرق خطيرة ودائمة للغاية.
ويتمثل الضرر في أن الضحايا يفشلون في فهم الإشارات الاجتماعية، وفي التفكير بوضوح، كما يفشلون في السيطرة على سلوكهم وعواطفهم.
وأشار الباحثون إلى ضرورة التوعية بالضرر العقلي الذي يسببه التنمر بأن تكون هناك إعلانات خدمة عامة حول الندوب العصبية غير المرئية المدمرة التي يتركها التنمر وسوء معاملة الأطفال بالدماغ، لأنه يمكن إصلاح الضرر بمجرد التعرف عليه وتحديده لدى الطفل.
تأثير التنمر على عقول الأطفالأجرى باحثو الدراسة تحليلا حول تأثير إيذاء التنمر على عقول الأطفال، وأقروا بأن الآثار السلبية للتنمر تؤثر على مناطق معينة من الدماغ مما يؤدي إلى أن يسيء ضحية التنمر تفسير تعابير وجه شخص ما أو يبالغ في رد فعله. كما أن دماغ الضحية قد يقرأ تعبيرات الوجه على أنها غاضبة أو مهددة نتيجة تعطل مناطق معينة من الدماغ بسبب التنمر.
وقد يكافح الضحايا أيضا لاستخدام عقولهم العقلانية لحل المشكلات أو اتخاذ القرارات، كما أن القدرة على التفكير في التحديات والمشاكل تضعف نتيجة للتنمر.
ويكافح دماغ ضحايا التنمر أيضا من أجل التنظيم الذاتي أو تعديل سلوكهم، وبالمثل قد يكافح دماغهم المضطرب لإدارة الانفعالات العاطفية أو الانسحاب.
وتوصل الباحثون كذلك إلى أن الطريقة التي يضر بها التنمر مناطق الدماغ يمكن أن تؤدي إلى "تطور مشاكل في الصحة العقلية بما في ذلك القلق والاكتئاب والذهان والاضطرابات النفسية والجسدية والأكل بين الأطفال الذين يتعرضون للتنمر". كما قد يصاب بعض الأطفال بالتخدير العاطفي المرتبط بمزيد من الضرر للدماغ الذي يظهر في اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وإضافة إلى أن الأطفال المستهدفين بالتنمر غالبا ما يشهدون انخفاضا في درجاتهم الدراسية، كما أنه من المحتمل أن يكون الأداء الأكاديمي الضعيف نتيجة للتغيرات العصبية الفسيولوجية مثل تلك الموجودة عند الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة.
الآثار الأكثر خطورةوثق الباحثون بعض التغييرات الجسدية بالأدمغة التي تعرضت لسوء المعاملة والمضايقة والتي قد تظهر على الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة من قبل الكبار أو الذين يتعرضون للتنمر من قبل أقرانهم، وتتمثل في علامات "تكوّن الخلايا العصبية المكبوتة وتأخر نمو النخاع المرتبط بالإجهاد بالإضافة إلى موت الخلايا المبرمج المشوه".
ويعرف العلماء أن أدمغتنا تنتج خلايا جديدة طوال حياتنا، إلا أن كشف التصوير الدماغي أظهر أن تعرض الدماغ لسوء المعاملة أو التنمر يؤدي إلى تعرض عملية ولادة الخلايا الدماغية الجديدة، أو تكون الخلايا العصبية، للخطر وفي بعض الحالات تتوقف.
كذلك، فإن الذين يتعرضون للتنمر والإيذاء ترتفع لديهم العملية الطبيعية للاستماتة أو موت الخلايا. وبالتالي توضع دورة الولادة الخلوية وموت الخلايا في حالة من عدم التوازن، حيث يكافح دماغ الضحية من أجل ولادة خلايا جديدة بينما يموت عدد كبير من الخلايا في نفس الوقت. نتيجة لذلك، يعاني الأطفال من القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وضعف الأداء الأكاديمي.
لا أحد يعرفوعلى الرغم من كل الآثار السلبية التي توصل إليها العلماء فإنه نادرا ما يعرف الضحايا أن دماغهم مريض ويحتاج إلى المساعدة. كذلك فإن المتنمرين ومن يسيئون للآخرين لا يعرفون أن الطريقة التي يتصرفون بها تسبب ضررا لدماغ الضحية أمامهم.
ووفقا للباحثين بالدراسة، فإن الإصابات الدماغية الناتجة عن التنمر تعد أكثر إزعاجا لأنها غير مرئية بالعين المجردة، وبالتالي فإن معظم المجتمع لا يعرفون حتى حدوثها، ويتألم ضحايا التنمر في صمت. ولكن في حال تم التعرف على الإصابة فإن عملية الرعاية اللازمة للدماغ للإصلاح والتعافي تكون ممكنة.
وتقول الكاتبة جنيفر فريزر (مؤلفة كتاب "The Bullied Brain") إنه نظرا لأننا لا نتعلم الكثير عن الدماغ بالمدرسة ولا نتحدث عن الدماغ، فنحن لا نعلم أن هذا العضو الرئيسي يتضرر بالفعل بشدة من جميع أشكال التنمر وسوء المعاملة. وهذا موثق جيدا ويمكن رؤيته بالفعل من خلال فحص الدماغ.
وتضيف فريزر –بحسب موقع "تورنتو ستار" Toronto star- أن علم الأعصاب قد أثبت أن التنمر المتكرر يمكن أن يترك ندوبا عصبية ويرتبط بتقلص حجم الحُصين. والحصين الأصغر جزء من الدماغ مرتبط بالذاكرة والتعلم والتنظيم العاطفي ومرتبط بالاكتئاب وألزهايمر.
وتقول أيضا إنك قد ترى تضخما باللوزة الدماغية في فحص الدماغ لشخص تعرض للتنمر أو الإساءة بشكل كبير. وهذا منطقي تماما لأن اللوزة جزء من الدماغ يشارك في اكتشاف التهديدات والخطر.
وإذا كان شخص ما دائما في حالة تأهب قصوى لأن دماغه تمت برمجته للاعتقاد بأنها مسألة وقت فقط قبل الهجمة التالية فإن اللوزة تصبح كبيرة.
ووفقا لموقع سيكولوجي توداي، psychology today فإنه يجب على الآباء والمعلمين والمدربين والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين وأخصائيي الصحة العقلية استغلال كل فرصة لمساعدة الأطفال على فهم أن وباء الأمراض العقلية لدى الشباب يمكن الحد منه إذا كان معروفا على نطاق واسع أن جميع أشكال سوء معاملة الأطفال والتنمر تلحق الضرر بالدماغ.
كما أن التنمر الجسدي قد يضر بالدماغ بشكل واضح، ولكن الأخطر بكثير هو التنمر العاطفي والنفسي والعلاقات الاجتماعية والتسلط عبر الإنترنت، حيث إن الضرر الذي يلحقه بالدماغ غير مرئي. ويؤدي الإهمال العاطفي والتجاهل والنبذ إلى ضرر مميت لكن لا يمكن رؤيته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل تؤدي التكنولوجيا إلى الخرف الرقمي لدى كبار السن؟
نشرت مجلة "ريدرز دايجست" في تقرير لها أن الطبيب الألماني مانفريد سبيتزر طرح عام 2012 فرضية أطلق عليها "الخرف الرقمي"، وهي فكرة تقوم على أن الاستخدام المفرط للتقنيات الحديثة قد ينعكس سلبًا على القدرات العقلية، نتيجة الاعتماد الزائد على الأجهزة وتراجع مهارات الذاكرة والتركيز وازدياد مستويات التشتت.
وأشارت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن التكنولوجيا الرقمية أعادت تشكيل الحياة المعاصرة بشكل كبير، لافتة إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمثّل أحدث مراحل هذا التحول، بعدما أدخلت أدواته، مثل روبوتات المحادثة، أنماطا جديدة للتعلم وفتحت الباب أمام تحديات فلسفية وقانونية تتعلق بما وصفته بـ"الاستعانة بمصادر خارجية للتفكير".
وذكرت المجلة أن هذا التحوّل ليس وليد اللحظة، إذ يعود جذره إلى ستينيات القرن الماضي عندما بدأ الانتقال من التكنولوجيا التناظرية إلى الرقمية، وهو التحوّل الذي قاد لاحقًا إلى ظهور الإنترنت. وأضافت أن الجيل الذي شهد تلك الثورة الرقمية الأولى بات اليوم يقترب من عقده الثامن.
واستعرضت المجلة دراسة شاملة أعدّها باحثون من جامعتي تكساس وبايلور في الولايات المتحدة؛ حيث قدّمت إجابات مهمّة حول تأثير التكنولوجيا على الدماغ مع التقدّم في العمر، مستندة إلى تجارب الجيل الذي عاش التحولات الرقمية.
وأفادت المجلة أن الدراسة، التي نُشرت في مجلة "ناتشر هيومان بهيڤيور"، أظهرت عدم وجود دليل يدعم فرضية "الخرف الرقمي"، بل أشارت إلى أن استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والإنترنت بعد سن الخمسين قد يرتبط بتراجع أبطأ في القدرات المعرفية.
ما هو "الخرف الرقمي"؟
وأشارت المجلة إلى أنه كُتب الكثير عن التأثيرات السلبية المحتملة للتكنولوجيا على الدماغ البشري. ووفقاً لفرضية "الخرف الرقمي" التي قدمها مانفريد سبيتزر، عالم الأعصاب الألماني، في 2012، فإن الاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية أدى إلى الاعتماد الزائد على التكنولوجيا، مما ضعف قدراتنا المعرفية.
وقد سبقت الإشارة إلى ثلاثة مجالات مثيرة للقلق فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا:
1- زيادة وقت الشاشة الساكن، وهو استخدام التكنولوجيا دون تفكير أو مشاركة كبيرة، مثل مشاهدة التلفاز أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
2- تفويض القدرات المعرفية للتكنولوجيا، مثل عدم حفظ أرقام الهواتف لأنها مخزنة في قائمة جهات الاتصال لدينا.
3- زيادة القابلية للتشتت.
ما أهمية هذه الدراسة الجديدة؟
وذكرت الصحيفة أن التكنولوجيا تؤثر على تطور دماغنا، لكن تأثيرها على شيخوخة الدماغ أقل وضوحًا.
وبينت الصحيفة أن الدراسة الجديدة، التي أجراها علماء النفس العصبيين جاريد بينغ ومايكل سكولين، تعد مهمة لأنها تدرس تأثير التكنولوجيا على كبار السن الذين شهدوا تغييرات كبيرة في استخدامها طوال حياتهم، مضيفة أن الدراسة فحصت العلاقة بين استخدام التكنولوجيا والتدهور المعرفي أو الخرف، مع قياس التدهور استنادًا إلى انخفاض الأداء في الاختبارات المعرفية أو تشخيص الخرف.
انخفاض خطر التدهور المعرفي
وأفادت المجلة أن الدراسة وجدت أن زيادة استخدام التكنولوجيا ارتبط بانخفاض خطر التدهور المعرفي؛ حيث تشير نسبة احتمالات الإصابة بالتدهور المعرفي الأقل من 1 إلى انخفاض خطر التعرض للتكنولوجيا وكانت نسبة الاحتمالات المجمعة في هذه الدراسة 0.42. وهذا يعني أن الاستخدام الأعلى للتكنولوجيا ارتبط بانخفاض خطر التدهور المعرفي بنسبة 58 بالمائة.
لقد تم العثور على هذه الفائدة حتى بعد أخذ تأثير العوامل الأخرى المؤثرة في التدهور المعرفي مثل الوضع الاجتماعي الاقتصادي والعوامل الصحية في الاعتبار. وكان تأثير استخدام التكنولوجيا على وظيفة الدماغ في هذه الدراسة مشابهًا أو أقوى من بعض العوامل الوقائية المعروفة، مثل النشاط البدني، وهو ما يعمل على تقليص الخطر بنسبة 35 بالمائة، أو الحفاظ على ضغط دم صحي، وهو ما يعمل على تقليص الخطر بنسبة 13 بالمائة.
سؤال حول "كيفية" استخدامنا للتكنولوجيا
وأشارت المجلة إلى أنه من غير الممكن العيش اليوم دون استخدام التكنولوجيا. فكل شيء، من دفع الفواتير إلى حجز العطلات، يتم الآن عبر الإنترنت، مشددة على ضرورة في كيفية استخدامنا للتكنولوجيا.
وتابعت المجلة أن الأنشطة التي تحفز العقل مثل القراءة وتعلم لغة جديدة وعزف الموسيقى تساعد في حماية الدماغ مع التقدم في العمر. وقد يحفز الانخراط الأكبر في التكنولوجيا الذاكرة والتفكير. كما تساعد التكنولوجيا في البقاء متصلين اجتماعيًا والحفاظ على الاستقلالية لفترة أطول.
عالم رقمي سريع التغير
بينما تشير نتائج الدراسة إلى أن التكنولوجيا الرقمية ليست ضارة بالكامل، فإن طريقة تفاعلنا معها تتغير بسرعة.
وبينت المجلة أن الآثار التي قد يتركها الذكاء الاصطناعي على الدماغ مع التقدم في العمر لن تتضح إلا مع مرور الوقت، غير أن قدرة الإنسان على التكيف مع التقنيات الجديدة قد تسهم في دعم وظائفه المعرفية، وأوضحت أن تقنيات واجهات الدماغ والحاسوب تمثل مثالا على ذلك، إذ تمنح بارقة أمل للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عصبية أو إعاقات.
وتشير إلى أن للتكنولوجيا جوانب سلبية فعلية، ولا سيما على الشباب، مشيرة إلى أن تأثيراتها قد تمتد لتشمل الصحة النفسية بشكل واضح.